تنسق روسيا حاليًا مع قوات يمنية من طرفي الصراع، تمامًا كما فعلت في الحرب الباردة. وتعترف موسكو رسميًا بحكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الذي تبوّأ سدّة الرئاسة في عام 2012 في ذروة مظاهرات الربيع العربي خلفًا لعلي عبدالله صالح الذي لم يحظَ بشعبية واسعة وذلك في إطار انتقال لعبت فيه دول مجلس التعاون الخليجي دور الوسيط. ولكن بعدما استولى المتمردون الحوثيون على العاصمة صنعاء من حكومة هادي وبخاصة بعد بداية التدخّل العسكري بقيادة السعودية في اليمن في آذار/ مارس 2015، اتّخذ الروس أيضًا خطوات محدودة دعموا فيها خصوم هادي من الحوثيين. ولكن لغاية الآن، لم تعرب روسيا عن استعدادها لتبنّي الحوثيين أو شريكهم، الرئيس الأسبق صالح، على نحو كامل. وفي نهاية المطاف، قد لا تهدف أعمال روسيا في اليمن إلى زيادة نفوذ موسكو في هذا البلد الفقير الذي مزّقته الحرب بل لتشكيل العلاقات الروسية السعودية بدلًا من ذلك.
واجتمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع هادي في موسكو في نيسان/ إبريل 2013 عندما بدا هذا الأخير قويًا نسبيًا في اليمن. وعندما سيطر الحوثيون على صنعاء في أيلول/ سبتمبر 2014 أغلقت معظم البلاد سفاراتها في العاصمة اليمنية، ولكن السفارة الروسية أبقت أبوابها مفتوحة طوال مدّة النزاع الذي تلى.
وانتقد الإعلام الروسي بشدّة التدخل الذي قادته السعودية في اليمن منذ بدايته منذ سنتين تقريبًا. وأتى ذلك على ما يبدو كردّ وفق مبدأ العين بالعين على الانتقاد السعودي للدعم الروسي لنظام الرئيس بشّار الأسد في سوريا. ولكن صوّر الإعلام الروسي الحوثيين على نحو سلبي في بعض الأحيان. ففي أيار/ مايو 2016، نشرت وكالة الأنباء الروسية الرائدة، سبوتنيك، خبرًا عن تقرير صدر عن منظمة العفو الدولية وتناول “حملة الحوثيين الوحشية” ضد خصومهم. وكان هذا الخبر استثنائيًا لأنه لم ينتقد تقرير منظمة العفو إذ يميل الإعلام الروسي إلى التنديد بتقارير منظمات حقوق الإنسان حول الطريقة التي يعامل فيها نظام الأسد معارضيه.
وفي نيسان/ إبريل 2015 امتنعت روسيا عن التصويت على قرار لمجلس الأمن الدولي بفرض حظر على توريد الأسلحة للحوثيين. فبامتناع موسكو عن التصويت بدلًا من استخدام حقّ الفيتو، سمحت للقرار بالصدور.
وفي أوائل آب/ أغسطس 2016 أُفيد أن روسيا قد تعترف بالمجلس السياسي لإدارة شؤون البلاد الذي أعلن الحوثيون عن تشكيله في صنعاء. ولكن بعد مرور بضعة أيام، نفى القائم بالأعمال الروسي في صنعاء هذه التقارير قائلًا إن “روسيا لا تستطيع الاعتراف بحكومتين” وشدّد على دعم روسيا لحكومة هادي “الشرعية”.
وفي منتصف كانون الأول/ ديسمبر 2016 استقبل نائب لوزير الخارجية الروسي في موسكو وفدًا من الحوثيين برئاسة الناطق باسمه محمد عبد السلام. ولم يتم الإفصاح عن مضمون الحديث الذي جرى ولكن لفتت وزارة الخارجية الروسية إلى أن الحوثيين “قدّروا بشدّة” المقاربة الروسية في اليمن.
وبعد ذلك بوقت قصير، شدّدت المتحدّثة باسم وزارة الخارجية الروسية على الدعم الذي قدّمته روسيا للجهود التي بذلتها الأمم المتحدة لوقف الحرب وعلى بقائها على اتصال مع “الحكومة الشرعية” ومعارضيها أيضًا. ووصفت “الادّعاء أن روسيا تستخدم الأحداث في اليمن لصالحها من أجل تحقيق أهدافها الجيوسياسية الخاصة وكوسيلة ضغط لتحقيق طموحاتها في الأزمة السورية” بالمزاعم السخيفة.
بالرغم من هذا النفي ومن الجهود الروسية لتحسين العلاقات مع الرياض، يطرح سلوك روسيا في ما يتعلّق باليمن من دون شك احتمال توجيه رسالة للسعودية على وجه الخصوص مفادها أنه في حال استمرّت الرياض بدعم المعارضة السورية لنظام الأسد الذي تدعمه روسيا قد تردّ هذه الأخيرة بالمثل في اليمن. وأثار صالح هذا الاحتمال بنفسه في آب/ أغسطس 2016 عندما صرّح لمحطة تلفزيونية روسية أن اليمن مستعد للسماح لموسكو باستخدام قواعده الجوية والبحرية.
لكن موسكو لم تقبل هذا العرض لا سيّما وأن صالح ليس في موقف يسمح له بتنفيذه على أية حال. ويعيد مجرّد تقدّم صالح بهذا الاقتراح إلى الذاكرة كيف طلبت الجهات الفاعلة اليمنية المتنازعة الدعم من الاتحاد السوفياتي وحصلت عليه في خلال الحرب الباردة. فقد قدّمت موسكو الدعم العسكري والاقتصادي لكل من اليمن الجنوبي الماركسي وغريمه اليمن الشمالي. وفي خلال الفترة الممتدة من عام 1979 وحتى 1982، لم تكتفِ موسكو بتقديم الدعم العسكري لليمن الجنوبي الذي كان يساعد بدوره المتمرّدين من الجبهة الوطنية الديمقراطية داخل اليمن الشمالي بل قدّمت الدعم العسكري أيضًا لحكومة اليمن الشمالي التي تحارب ضده. وفي منتصف ثمانينات القرن الماضي، اتّخذت موسكو إجراءات لدعم قادة اليمن الجنوبي المتنافسين وساهم ذلك في اندلاع الحرب الأهلية الشرسة في عام 1986 بين الفصائل الماركسية المتعارضة في اليمن الجنوبي وساعدت القوات العسكرية السوفياتية على إخمادها.
ويتماشى الدعم الحالي الذي تقدّمه موسكو في الوقت عينه لطرفي النزاع في اليمن مع الممارسات التي كانت تقوم بها في الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، تبقى درجة هذا التدخل في الشؤون اليمنية أقل بكثير من الدعم العسكري الذي قدّمته روسيا لطرفي النزاع في اليمن في خلال الحرب الباردة. وتلقى صالح في السابق الدعم العسكري السوفياتي وشاهد موسكو وهي تقدّم دعمًا مماثلًا لخصومه، ويبدو أنه توّاق جدًا لتكرار ذلك. ولكن لم تظهر أي إشارات على استعداد بوتين لتحقيق آمال صالح.
ومع ذلك، إن الصراع القائم في اليمن مفيد لروسيا في ما يتعلّق بسوريا. فالموارد التي تنفقها السعودية في الصراع اليمني هي موارد غير متوفّرة في النهاية للرياض لكي تقدّمها لقوّات المعارضة السورية. وتثير المغازلة بين روسيا والحوثيين احتمال ازدياد صعوبة تحقيق أهداف السعودية في اليمن في حال قدّمت روسيا الموارد للحوثيين أو لصالح. ولكن تبقي أيضًا سياسة موسكو اليمنية على احتمال تبادل سعودي روسي: يستطيع بوتين مساعدة السعوديين في اليمن إذا ساعدوه في سوريا. وفي نهاية المطاف، قد تهدف سياسة بوتين تجاه اليمن إلى محاولة إعادة تشكيل سياسة السعودية تجاه سوريا وليس لإعادة ترسيخ الوجود الروسي القوي في اليمن بحدّ ذاته.
يوجّه كاتز شكرًا خاصًا إلى الطالبتين في جامعة جورج مايسون، إلينور هايز وكايلن فيتالي، لمساعدتهما في البحث.