ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
في القمة الأخيرة التي انعقدت بين الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، وقّع الزعيمان اتفاقيات قد تبشّر بعصر جديد من التعاون السعودي-الروسي. وفي ظلّ تحفظات المملكة العربية السعودية إزاء روسيا بسبب تعاون موسكو مع إيران لدعم نظام الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه المدعومين من السعودية، يرى المعلّقون الروس رغبة الملك سلمان في التعاون مع موسكو في الوقت الحاضر كدليل على أنّ الرياض قد توصلت إلى قبول واقع أنّ الأسد يفوز في الحرب في سوريا، كما باتت تعترف بأهمية روسيا المتزايدة في الشرق الأوسط. غير أن الخلافات المستمرة بين المملكة العربية السعودية وروسيا قد تعرقل تحقيق الأهداف الطموحة المحدّدة في مختلف مذكرات التفاهم التي وقّعها البلدان في موسكو.
ومن ضمن الاتفاقيات التي تم توقيعها خلال القمة، دعت بعضها إلى تعزيز التعاون العسكري، بما في ذلك اتفاق سعودي لشراء صواريخ روسية من طراز إس 400 للدفاع الجوي (بحيث لا تملك إيران سوى الطراز القديم إس 300)، بالإضافة إلى نقل التكنولوجيا الروسية إلى المملكة لإنتاج منظومات أسلحة روسية عدّة محليًا، بما في ذلك صواريخ “كورنيت” الموجهة المضادة للدبابات، وراجمة الصواريخ المتقدّمة TOS-1A وراجمة القنابل الاتوماتيكية AGS-30 وبنادق كلاشنكوف الهجومية وذخائرها. وفي المجال الاقتصادي، وافقت المملكة العربية السعودية على استثمار مليار دولار في مشاريع الطاقة الروسية في حين ستبني روسيا في المملكة مصنعًا للبتروكيماويات بقيمة 1.1 مليار دولار. كما اتفقت موسكو والرياض على تمديد اتفاقية إنتاج النفط بين منظمة “أوبك” وبعض منتجي النفط من خارج منظمة الأوبك (التي تحد من الإنتاج من أجل رفع أسعار النفط) من آذار/مارس 2018 وحتى نهاية العام.
ومن اللافت أن هذه الاتفاقيات السعودية-الروسية تأتي في وقت تتفوق فيه موسكو وحلفاؤها في سوريا (أي نظام الأسد و”حزب الله” وإيران) على خصوم النظام المدعومين من السعودية، فضلا عن تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”. ومن المنظور الروسي، يشير استعداد السعودية لعقد الصفقات مع موسكو في ظل هذه الظروف على “واقعية” سعودية جديدة، إذ لا ترى أمامها خيارًا سوى العمل مع موسكو، وخصوصًا مع التراجع الملحوظ لنفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وفي هذا الإطار، يأتي جزء من هذه الواقعية الجديدة وفقًا لما ذكرته المحللة الروسية المخضرمة في شؤون الشرق الأوسط، إيرينا سوبونينا، أن الرياض في الوقت الحاضر “تدرك أنه لا يمكن فصل روسيا عن إيران”.
ولكن في حين أن الرياض تدرك تمامًا تلاحم موسكو وطهران، إنّ التصريحات الروسية التي تفيد بأن موسكو أصبحت الآن قوةً صاعدة في الساحة الشرق أوسطية جعلت المملكة العربية السعودية تتطلّع إلى الدور الذي ستؤديه روسيا كقوة عظمى بغية الحفاظ على التوازن في المنطقة. وفي هذا الإطار، شجّع الدبلوماسيون الروس على هذا الاعتقاد من خلال القول لنظرائهم السعوديين (والإسرائيليين) بأنهم إذا كانوا يشعرون بالقلق إزاء الوجود الإيراني في سوريا، فسيكون من الأفضل لهم أن تتواجد القوات الروسية في الشرق الأوسط لإبقاء الإيرانيين تحت السيطرة.
ولكن هل يمكن لروسيا فعلاً أن تبقي إيران تحت السيطرة؟ إن الحادث الذي وقع مؤخرًا قد يدل على عكس ذلك. فعلى الرغم من أن شركة النفط الروسية العملاقة “روسنفت” وافقت على استثمار 4 مليارات دولار في إقليم كردستان العراق، إنّ التعاون الإيراني-التركي لعزل المنطقة بعد الاستفتاء الأخير للحصول على الاستقلال يهدد بوقف صادرات النفط، وبالتالي يعطّل استثمارات روسيا في المنطقة. وبعبارة أخرى، قد يكون التعاون الإيراني-التركي المتضافر قادرًا على إحباط طموحات النفط الروسية في منطقةٍ مُتنازَع عليها. ولم يتّضح بعد كيف ستؤول إليه الأمور، ولكن هذا الحدث لم يعزز سمعة روسيا كقوة عظمى قادرة على ممارسة نفوذ حاسم.
وخلافًا لما هو الحال في العراق، تمتلك روسيا قوات عسكرية على الأراضي السورية. إلّا أنّ مساعي موسكو لإنهاء النزاع السوري من خلال إنشاء مناطق آمنة يجري تقويضها من قبل نظام الأسد (ربما بمساعدة إيرانية)، الذي يهاجم القوات المعارضة داخلها. وهنا أيضًا، يبدو أنّ روسيا غير راغبة أو غير قادرة على ممارسة دورها كقوة عظمى الذي يحافظ في هذه الحالة على التوازن بين القوى المتعارضة.
وكما لاحظ الكثير من المحللين، فإن الإعلان عن الاتفاق السعودي لشراء صواريخ روسية من طراز إس 400 جاء مباشرةً قبل الإعلان عن موافقة واشنطن على شراء السعودية لمنظومة الدفاع الجوي الصاروخي “ثاد” المضادة للصواريخ البالستية. وبعبارة أخرى، قد لا تكون زيارة الملك سلمان لموسكو ترمي إلى تعزيز التعاون السعودي مع روسيا، بقدر ما هي ترمي إلى تحفيز واشنطن على التحرّك كي لا تخسر صادرات الأسلحة وفرص الاستثمار في المملكة.
ومع ذلك، من غير المرجح أن تفسخ الرياض أيًا من صفقاتها الجديدة مع موسكو فور الحصول على ما تريده من واشنطن. إذ من المهم للرياض أن تقدم شيئًا لروسيا كوسيلة لحثها على حجب الدعم للسياسات الإيرانية التي تعتبرها المملكة معادية، حتى ولو كانت الولايات المتحدة تفعل كل ما تريده الرياض، وهو أمر غير محتمل. وفي حين يصعب على روسيا أن تحل محل الولايات المتحدة باعتبارها القوة الخارجية الأهم في الشرق الأوسط، بات دور موسكو مهمًا بما فيه الكفاية بالنسبة للرياض لتتنافس مع خصومها الإقليميين من أجل التأثير على السياسة الروسية.