لا يعد نشر مجلات الرسوم المتحركة أمرًا جديدًا على دولة الإمارات العربية المتحدة – فقد تم إطلاق مجلة الأطفال المحلية الشعبية “ماجد” في أواخر السبعينيات، وتم بث مسلسل الرسوم المتحركة “فريج” في عام 2006. ومع ذلك، لم يكن لدى فناني وكُتاب الكتب المصورة (الكوميكس) الطموحين سوى فرص محدودة لتطوير أعمالهم محليًا. فتم إطلاق استراتيجية الثقافة والصناعات الإبداعية في أبوظبي بهدف تغيير هذا الواقع.
أطلقت حكومة أبوظبي استراتيجية الثقافة والصناعات الإبداعية في عام 2019 من أجل النهوض بتنمية القطاع الثقافي والإبداعي والحفاظ على نموه في الإمارة، ويشمل ذلك الفن والتراث والعروض المسرحية والأداء التلفزيوني وألعاب الفيديو والأفلام وغير ذلك. سوف تستثمر حكومة أبوظبي 6 مليارات دولار لتطوير هذا القطاع، وكانت قد استثمرت بالفعل أكثر من 2 مليار دولار من عام 2017 وحتى 2021. وفقًا لتقرير اليونسكو لعام 2022، تساهم القطاعات الثقافية والإبداعية بما نسبته 3.1٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و6.2٪ من العمالة في العالم. من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص، ومع وجود مؤسسات مثل مؤسسة سولومون آر. جوجنهايم (Solomon R. Guggenheim Foundation) وكلية بيركلي للموسيقى وشركة وارنر براذرز وشركة باراماونت، تأمل أبوظبي في الاستفادة من استراتيجية الثقافة والصناعات الإبداعية باعتبارها أحد أسرع القطاعات الاقتصادية نموًا في جميع أنحاء العالم.
يتم استضافة قمة الثقافة سنويًا في أبوظبي بوجود متحدثين من بينهم رؤساء دول سابقون ومسؤولون حكوميون ورجال أعمال ومهندسون معماريون وفنانون وأكاديميون معروفون. في قمة هذا العام، في الفترة من 23-25 أكتوبر/تشرين الأول، برز موضوع “الثقافة المُعاشة”، من خلال جلسات تراوحت ما بين العروض المسرحية وعروض الأفلام إلى حلقات نقاش وورش عمل، وبحث تنمية البيئة الثقافية. سلطت إحدى الجلسات الضوء على مشروع ساندستورم للقصص المصورة، وهو عبارة عن أستوديو للكتب المصورة، انطلق مؤخرًا على يد رائد الأعمال الإماراتي التايلاندي محمد عابدين وفنان الكتب المصورة محمد الشيباني، بدعم من استراتيجية الثقافة والصناعات الإبداعية في أبوظبي.
تحدث معهد دول الخليج العربية في واشنطن مع محمد عابدين لمعرفة المزيد حول تجربته في إنشاء أستوديو الكتب المصورة المحلية – وهي مساحة إعلامية يتمنى لو أنه كان يمتلكها كمنتج طموح للكتب المصورة قبل 20 عامًا– وحول حلمه في بناء مشهد محلي للكتاب المصور من أجل المواهب الإماراتية المحلية.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: هل لك أن تخبرنا عن مشروع ساندستورم.
محمد: إنها مساحة للكتب المصورة تضم ورش عمل مجانية ومساحات تعاونية مفتوحة يمكن للأشخاص الوصول إليها، والتفاعل مع المحترفين في هذا المجال في أي وقت. تتمثل إحدى مبادراتنا في نشر الكتب المصورة. أطلقنا موسم لتقديم طلبات المشاركة، يبدأ في مارس/آذار ويتم إغلاقه في مايو/أيار، ثم أدرجنا عشرة مفاهيم في القائمة المختصرة. سوف تخضع هذه المواهب العشر لعملية تطوير مدعومة بالكامل لإنتاج كتاب مصور. سوف يتم ربطهم مع فنانين، وكتاب أو كتاب مشاركين إذا لزم الأمر، وملوِّنين، وناقشي أحرف، وفناني غلاف، ومدير فني. التحول من كوني مبدعًا شغوفًا للانضمام إلى فريق من نخبة المحترفين في هذا المجال على المستوى العالمي هو الشيء الذي كنت حقًا أتمنى لو امتلكته عندما كان عمري 15 عامًا!
سنقوم بالعمل على ما بين 10 إلى 17 كتابًا سنويًا. من الواضح أن تطوير كل مشروع يختلف عن الآخر، اعتمادًا على عدد الصفحات ومدى تعقيد القصة وشخصيات القصص. سيكون لكل كتاب استراتيجيته المتخصصة في النشر والتسويق لأننا لا نقوم بإنتاج الكتب المصورة لتتناسب مع أسلوب واحد فقط أو سوق واحدة. فالأمر برمته يعتمد على أسلوب المؤلف الذي نعمل معه، وصوته وتوجهه الإبداعي. نعمل هنا في دولة الإمارات كبوتقة انصهار، لذلك سيكون من الصعب اقتصار العمل على أسلوب فني واحد أو منصة واحدة لسرد القصص.
علاوة على ذلك كله، فنحن ملتزمون بالتعليم أيضًا، حيث نعمل على تنظيم ورش عمل أسبوعية لإتاحة المجال للأشخاص بالحضور، والالتقاء بالمتخصصين أو بأشخاص من ذوي التفكير المماثل، والتحدث عما يعتزمون القيام به أو الحصول على المساعدة. هناك حوالي خمسة مدراء فنيين سينضمون إلى فريقنا لتيسير ورش العمل الأسبوعية هذه، ويتمتعون جميعًا بما يزيد على 15 عامًا من الخبرة في إنتاج الكتب المصورة. سنقوم أيضًا بدعوة ضيوف من مختلف أنحاء العالم. لقد قطعنا الآن منتصف الطريق في عملية بناء أستوديو سيضم مساحة مجتمعية ضخمة مع شاشة تبث مباشرة جلسات السؤال والجواب وورش العمل والإرشاد وندوات النقاش. سنقوم برعاية ورش عمل مثل هذه على مدار العام بحيث تكون مجانية بالكامل. كما ستكون هناك ورش عمل للرسم المباشر، إما في الأستوديو أو بشكل افتراضي. وهذا من شأنه أن يخلق بيئة تشجع التنمية المجتمعية وتعزز التناسق في العمل.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: ما الذي دفعك لتأسيس ساندستورم؟
محمد: لقد كنت من هواة القصص المصورة طوال حياتي، عملت على كتابي المصور منذ أن كنت في الخامسة عشرة من عمري. كان مسعاي لإنتاج كتابي المصور الخاص أحد دوافعي لتأسيس ساندستورم. كان شعورًا صعبًا آنذاك ألا تجد هنا شيئًا من هذا القبيل لأن أحدًا لم يدرك قيمة ما تفعله. ولكن عندما تبدأ بالحديث مع من يفهمون حقًا ما تقول، ويدركون قيمة ما تحاول تأسيسه والقيام به، تدرك أن هؤلاء هم الأشخاص الذين يمكنهم مساعدتك. أعتقد أن هذا الجهد هو أول ما ينبغي القيام به لتأسيس أستوديو مناسب لإنتاج الكتب المصورة في المدينة، والذي من شأنه أن يوفر البنية التحتية والفرص المناسبة للأشخاص الشغوفين بالقصص المصورة، أو الذين يسعون لامتهان حرفة القصص المصورة، أو إعداد الكتب الخاصة بهم.
أَنظرُ إلى الفرص التي نوفرها في ساندستورم من خلال هذا المنظور، حيث أسأل نفسي، “ما الذي كنت أتمنى لو أنني امتلكته في سن الخامسة عشرة؟ ما نوع الدعم الذي كنت أريده حقًا؟ ما الموارد التي كنت بحاجة إليها؟ ما هي المساعدة التي كنت بحاجة إليها للقيام بمثل هذه الأشياء؟” بهذه الطريقة قمت أنا والمدير المبدع، محمد الشيباني، بتأسيس ساندستورم؛ إنه إنسان رائع وشغوف جدًا بالتعليم، وحاصل على درجة الماجستير في الفن المتسلسل – وقد يكون الإماراتي الوحيد الحاصل على درجة الماجستير في هذا المجال.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: ما هي البنية الداعمة لـ ساندستورم؟
محمد: تتولى استراتيجية الثقافة والصناعات الإبداعية التابعة لحكومة أبوظبي دعم ساندستورم. يتم الآن دعم أستوديو الكتاب المصور – هذا جنون! إنه نهج حكومي تقدمي لأبعد الحدود لأن الأستديو لا يدعم مواطني الإمارات فحسب، وإنما يدعم أيضًا السكان الذين يعيشون هنا. نظرًا لأن 90٪ من سكان الإمارات مغتربون و10٪ مواطنون إماراتيون، فمن المستحيل سرد القصص لـ 10٪ من السكان فقط.
إنه حقًا موقف تقدمي من جانب قيادة أبوظبي أن تؤمن بمثل هذا المفهوم، وتدرك القيمة التي يمكن أن يجلبها للمجتمع والأفراد هنا. لأن الأمر في الحقيقة لا يتعلق بالقصص المصورة، بل بمشاركة القصص وإيجاد شيء تؤمن به حقًا. وهذا لا يخلو من المشاعر الكامنة وراءه لتحرك الناس. تهدف معظم شركات الكتب المصورة لتحقيق الربح – فلديهم نوايا تجارية. ولكن في حالتنا هذه، ولأننا بصدد بناء المجتمع والصناعة الخاصة بإنتاج الكتب المصورة، فإننا نهدف إلى إيجاد قصص نجاح، ولهذا تجدنا نركز حقًا على تنمية المواهب، وإنشاء محتوى على المستوى العالمي، ونعمل مع بعض أفضل المواهب في العالم للمساعدة في إنتاج بعض أفضل المواهب في العالم.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: كيف ينخرط ساندستورم بشكل أوسع مع الداخل الإماراتي أو مع البيئة الثقافية في الخليج؟
محمد: أنظر إلى القصص المصورة على أنها منصة لسرد القصص. لقد اضطررت لكسر الصورة النمطية بكون كافة الكتب المصورة تدور حول أبطال سباندكس الخارقين لكي يأخذهم الناس على محمل الجد، الموتى السائرون (The Walking Dead) هو كتاب مصور أيضًا.
أحاول التأكد من أن الجميع يدركون قيمة ما نقوم به، وكيف يمكننا المساهمة في الصناعات الأخرى، سواء بصورة رأسية أم أفقية. إذا أعطيتك نصًا مكتوبًا بالأبيض والأسود لقراءته، فربما لا تميل كثيرًا لقراءته. ولكن إذا أعطيتك كتابًا مصورًا، فستبدأ في تقليب صفحاته نظرًا لما يحويه من فن ولوحات وكلمات ومؤثرات خاصة. يمكنك في الواقع فهم الشخصية الرئيسية، والكيفية التي يظهر عليها العالم والقصة والتوجه الإبداعي والشخصيات الداعمة.
إذا توفر مستثمر يريد الاستثمار في فيلم، فيمكنه تكوين فكرة أفضل حول الشخصيات والقصة والنبرة والعالم والتوجه الإبداعي. في المرحلة المفاهيمية على الأقل، يمكن للكتاب المصور أن يكون مفيدًا لأقصى درجة من حيث إيصال القصة وبناء ملكية فكرية. في مشروع ساندستورم الأكبر، وبما أنه جزء من استثمارات استراتيجية الثقافة والصناعات الإبداعية، فإن البيئة الثقافية تتيح لنا العمل مع الكثير من المؤسسات المختلفة التي يمكن أن تكون مواتية لنا، مثل مؤسسات التنمية القانونية والتجارية والاستراتيجية والتسويق.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: ما هي رؤيتك لساندستورم على المدى البعيد؟
محمد: أرى النجاح في بضعة أشياء. الأول في أن شركات مثل نتفلكس أو هولو أو أمازون أو آبل تستفيد من الشرق الأوسط من خلال ساندستورم بحثًا عن الأفكار النابعة من المنطقة، وتحويلها إلى عروض وأفلام – لتحقيق الاعتراف الدولي، ولكي يصبح الشرق الأوسط مصدرًا للملكية الفكرية التي يصبو إليها الناس. والشيء الآخر هو أن أرى هنا المبدعين والموهوبين يصبحون مؤلفين يُشهد لهم، ويعملون مع بعض من أكبر الشركات في العالم. أعتقد جازمًا أنه من خلال الدعم المناسب والبنية التحتية، يمكننا حقًا دفعهم إلى آفاق جديدة، بالنظر لجودة المشاركات التي تلقيناها ودرجة الحماس التي نشهدها. أنني أحب أن أرى الناس ينتجون بعض القصص المصورة الجيدة حقًا. أريد أن ننضم إلى هذا المشهد للكتاب المصور لكي يعتقد الناس عندما ينظرون إلى أبوظبي، “واو! إنهم يبدعون قصص مصورة جيدة حقًا – من أين جاء ذلك وأين كنا طوال هذا الوقت؟” سوف يتحقق ذلك مع فريقنا، ومع الأشخاص الذين نعمل معهم، وبدعم القيادة – لدي شعور رائع حيال ذلك، وأشعر أننا على المسار الصحيح.