ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
بعد مرور20 عامًا، استأنفت المملكة العربية السعودية استخدام القوة الناعمة في العراق. ففي أوائل يونيو/حزيران، وقّعت المملكة اتفاقًا مع الحكومة العراقية لتقديم مساعدات طبية يحتاج لها العراقيين بشدة في عموم البلاد. خلال فاعلية حظيت بتغطية إعلامية كبيرة، أعلن سفير السعودية في العراق عبد العزيز الشمري مؤخرًا عن بدء حملة المساعدات من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية. إلى جانب توفير الإمدادات الطبية، من المقرر أن ترسل السعودية إلى العراق مجموعة من الأطباء المؤهلين ذوي الخبرة، من ضمنهم أخصائيين في جراحة الأعصاب وأطباء القلب وأخصائي القدم والعيون، إضافة إلى الممرضات.
كانت آخر مبادرة رئيسية في مجال الرعاية الصحية قامت بها السعودية في العراق في عام 2003، في أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة، وبعد انهيار أجهزة الدولة العراقية. في حينها أرسلت الرياض، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، قافلة إنسانية تضمنت مستشفى ميدانيًا متنقلًا مرتبطًا بوزارة الدفاع السعودية. وكانت القافلة قد عبرت معبر عرعر الحدودي في 22 أبريل/نيسان 2003 تحت حراسة كتيبة قوامها 210 فردًا من القوات المسلحة السعودية، وأقامت في موقع مستشفى الهلال الأحمر العراقي في بغداد. ولكن نتيجة لتزايد التوترات الطائفية، لم يدم المستشفى طويلًا، ففي ديسمبر/كانون الأول 2003، تم إغلاقه بناء على طلب من وزارة الصحة العراقية، وغادرت القوات السعودية والعاملون في المجال الإنساني العراق وسط توترات حددت شكل العلاقات بين بغداد والرياض لأعوام مقبلة.
أدى ظهور التمرد السني في العراق إلى سحق أي احتمال مبكر لتحسين العلاقات بين البلدين، حيث وجهت بغداد اتهامات للرياض بأنها ترعى التمرد، وأدانت السعوديين بالانحياز إلى السنّة العراقيين ضد القيادة الشيعية، التي كان قد تم تولت السلطة حديثًا في البلاد. وأثارت هذه التصورات، بشكل متفاقم، رأيًا عامًا سلبيًا عن السعودية بين السكان الشيعة وقادتهم في العراق.
منذ ذلك الحين، تحسّنت العلاقات بين البلدين مع مرور الوقت، وبدأ القادة العراقيون يزورن الرياض بانتظام. ومن جهتهم، أدرك القادة السعوديون أهمية محاولة إعادة دمج العراق مع دول الخليج العربية، وبدأت الرياض بتقديم بعض الجهود الإغاثية في مناطق مختلفة في العراق، خاصة للذين هُجّروا بسبب الصراعات في إقليم كردستان ومحافظة نينوى. إلا أن الحملة الجديدة والجريئة التي أعلنها السفير السعودي تبدو الأولى من نوعها على المستوى الوطني، إذ تمتد على مدى سبع محافظات عراقية وعبر الخطوط العرقية-الطائفية والجغرافية للبلد.
قد تكون هذه الحملة مهمة جدًا للعراق، لأن الرعاية الصحية فيها تصنّف من بين الأسوأ في العالم، بإمكان المساعدات الطبية السعودية أن تخفف من معاناة الشعب العراقي، خاصة للذين يحتاجون إلى رعاية طبية طارئة. وتتضمن احدى عناصر الحملة الطبية السعودية تقييمًا للمستشفيات ولنظام الرعاية الصحية في العراق ككل، مما قد يساهم في تحديد أوجه القصور فيه، وقد يؤدي هذا إلى تحسين النظام وتطويره، وإلى المساعدة في نقل المعرفة، وتدريب العاملين، وبناء قدرات العاملين في المجال الصحي، وتزويدهم بالمهارات والخبرات اللازمة لتوفير خدمات رعاية صحية عالية الجودة.
وتشير حملة المساعدات الطبية الشاملة هذه إلى نمو العلاقات الثنائية بصورة كبيرة، ويمكن أن يُعزَى الكثير من التحسن الأخير إلى الجهود المستمرة لمجلس التنسيق السعودي العراقي، الذي تأسس في عام 2017. وخلال إطلاق الحملة الطبية، سلط الشمري الضوء على العمل المهم للمجلس، قائلًا إن “اليوم نقطف ثمرة العلاقات الجميلة والرائعة بين العراق والسعودية من خلال المجلس التنسيقي العراقي السعودي، ونقطف ثمرة من النجاحات بتوجيه قيادة البلدين”.
عقد المجلس، الذي يتألف من سبع لجان فنية متخصصة تهدف لتطوير العلاقات بين بغداد والرياض، عدة جولات من المحادثات لمناقشة والاستفادة من مجالات التعاون. وفي اجتماعه الأخير في جدة في 25 مايو/أيار، أعلن المجلس عن خطة عمل شاملة للتعاون في مجالات الطاقة والتجارة والبنوك والربط الكهربائي والتعليم والرعاية الصحية. وانبثق من مناقشات المجلس عدد من المشاريع الاستثمارية، منها عقد قدمته المملكة لبناء مركز تجاري بقيمة مليار دولار بالقرب من مطار بغداد. ومن المقرر أن يضم المركز التجاري المسمى “بغداد أفنيو” مطاعمًا ومقاهٍ ومكاتب تجارية وشققًا سكنية وفيلات. بالإضافة إلى ذلك، وجه العراق دعوة إلى شركة أرامكو السعودية لاستثمار وتطوير حقل غاز عكاز في محافظة الأنبار، الذي بمقدوره إنتاج 400 مليون قدم مكعب من الغاز يوميًا. وفي حال تمَّ إطلاقه، سيساعد المشروع على تقليل اعتماد العراق على واردات الغاز الإيراني، ومعالجة مشكلة انقطاع الكهرباء المزمنة في البلد. كما وقعت شركة أرامكو اتفاقًا مبدئيًا مع بغداد للاستثمار في تطوير مصانع البتروكيماويات العراقية.
وعلى هامش محادثات مجلس التنسيق العراقي السعودي الأخيرة، التقى وزير التعليم العالي والبحث العلمي العراقي نعيم العبودي مع وزير التعليم السعودي يوسف البنيان لتعزيز التعاون بين البلدين من خلال مشروع ربط بين أربع جامعات عراقية وجامعات أخرى سعودية لإجراء برامج تدريبية، وتمويل المنح الدراسية، واستضافة برنامج تبادل لمئة طالب عراقي سنويًا للدراسة في السعودية، مما سيساهم في تعزيز الحوار بين السعوديين والعراقيين، واكتساب العراقيين مهارات وخبرات متعددة من الأساتذة والعلماء السعوديين في مختلف المجالات.
يمكن لحملة المساعدات الطبية هذه وبرامج التبادل التعليمي أن تكمّل بعضها البعض في تعميق الروابط الثقافية والعلاقات الدبلوماسية بين البلدين. يبدو أن تقديم السعودية لهذه المساعدات الطبية جزء من استراتيجية أكبر للقوة الناعمة تهدف إلى تعزيز النوايا الحسنة والثقة بين البلدين. ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى تحسين صورة السعودية وهي تسعى إلى التوسع في قطاعات الطاقة والاستثمار والقطاع المصرفي في العراق.