حظي اجتماع الجامعة العربية في 15 نيسان/ أبريل في الظهران بالمملكة العربية السعودية باسم “قمة القدس” نظرًا للدعم الكبير الذي أظهره الملك سلمان ملك السعودية والمبعوثون العرب المجتمعون للعاصمة الفلسطينية. ولكن في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية، تم تسليط الأضواء على حفل رسمي أقامه الملك سلمان لاستقبال مجموعة من الوجهاء المحليين. حيث نشرت الصحف السعودية -وتداولت غرف الدردشة الشيعية ومجموعات الواتس أب- صورًا للملك سلمان وهو يبتسم ويصافح عددًا من رجال الدين الشيعة ورجال الأعمال البارزين، من بينهم رجل الدين الشيعي المعارض حسن الصفار. وكان هذا هو الاجتماع العلني الأول للرجلين منذ تجميد العلاقات مع حركة الإصلاح الإسلامية الشيعية خلال ذروة الاحتجاجات في الربيع العربي.
إنها ليست الإشارة الأولى على ذوبان الجليد. ففي الوقت نفسه، نفذت القيادة السعودية حملة قمع ضد الإسلاميين السنة، ووسعت من تواصلها مع أصحاب الرأي الشيعة، وقادة المجتمع، ورجال الدين. وبينما يستمر التصعيد مع إيران دون هوادة، فإن السياسة الخارجية الجديدة للدولة قد فتحت مجالاً للتواصل مع الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة. وكلتا هاتين الإشارتين تدلان على الابتعاد عن سنوات من المشاعر المتغلغلة المناهضة للشيعة في كل من السياسة الداخلية والإقليمية نحو نزعة وطنية أكثر حزمًا. فهل سيوفر ذلك في نهاية المطاف مناخًا سياسيًا أكثر ترحيبًا بالأقلية الشيعية في المملكة العربية السعودية التي طالما عانت من التهميش الثقافي والاقتصادي والسياسي داخل المملكة؟
هل انهيار “الصحوة” يعني صعود الشيعة؟
لا شك في أن الشيعة هم أقلية مهمشة في المملكة العربية السعودية: مستهدفون ثقافيًا من قبل الارثوذوكسية الدينية التي شنّعت بهم على أنهم منحرفون، ومهمشون سياسيًا من قبل الدولة التي فضلت عليهم المؤسسة الدينية السنية والنخبة القبلية النجدية. منذ عام 2011، أصبح وضعهم أكثر تزعزعًا، حيث تصاعدت الخطابات الطائفية كردٍ على احتجاجات الشيعة السعوديين في عام 2011 في المنطقة الشرقية، والحرب السورية، وتصاعد المنافسة الجيوسياسية بين المملكة العربية السعودية وإيران.
ومع هذا، هناك مؤشرات على حدوث تحول في النبرة السياسية منذ عام 2014 على الأقل. وقد أثار ظهور الدولة الإسلامية في العراق والشام مخاوف من أن البيئة الطائفية المتسامحة تغوي الجماعات الجهادية للتغلغل في المجتمع السعودي، ما أجبر الدولة على إعادة تقويم استراتيجياتها وخطابها، خاصة بعد موجة هجمات داعش الإرهابية التي شنتها على مساجد شيعية وقوات الأمن السعودية. وفي الوقت ذاته، أدى القلق بشأن القوة السياسية الإقليمية لحركة الإخوان المسلمين إلى إدراجها على القائمة السعودية للإرهاب في عام 2014. لقد تسارعت حملة القمع ضد الإخوان المسلمين وغيرهم من الشبكات الإسلامية السنية في عهد الملك سلمان. قاد ولي العهد محمد بن سلمان (MbS) حملة محاسبة سياسية عامة مع ثقافة “الصحوة” وسياستها التي كانت تهيمن على المملكة العربية السعودية في السابق، وشمل ذلك اعتقال رجال الدين السُنة والمفكرين البارزين في عام 2017. وعند ربط هذا بالتخفيض الحاد في تمكين سلطة المؤسسة الدينية السعودية، ترقى أهميته، وإن كان غير مكتمل، لكونه تحولاً يبتعد عن العقيدة السنية التي تستبعد الشيعة.
في الأشهر القليلة الماضية، كان الرفض العلني للصحوة من قبل القيادة السعودية مصحوبًا بمؤشرات لانفتاح أولي على التجمعات الشيعية. في مقابلة أجريت معه خلال جولته الأخيرة في الولايات المتحدة، ادعى محمد بن سلمان بجهل الوهابية، وبالمقابل وصف المملكة العربية السعودية بأنها دولة للسنة والشيعة. وقد رحب المفكر السعودي الشيعي البارز توفيق السيف بهذا على أنه اعتراف بأن “الهوية الوطنية السعودية هي مظلة جميع السعوديين، وأن اختلافاتهم العقائدية تقع ضمن التنوع الذي يثري ثقافة البلاد وحياتها”.
وراء هذه الدبلوماسية المعلنة، هناك دليل على أن بيئة جديدة من المشاركة يتم زرعها في الداخل. ويتم إنشاء هذا إلى حد كبير بناء على الهزيمة المطلقة لحركات احتجاج المقاتلين المتمردين من المتشددين الشيعية في بلدة العوامية بالمنطقة الشرقية، وهي الهزيمة التي تمخضت عن إعدام أشهر رجل دين في العوامية، نمر النمر، وتدمير جزء كبير من المدينة في كانون الثاني/ يناير عام 2016. وأثناء استمرار الاعتقالات، التي تودي أحيانًا بحياة المشتبه بهم وقوى الأمن كذلك، بدأت الحكومة السعودية بتدبير رؤيةٍ أكثر إيجابية. حضر افتتاح خطط إعادة إعمار المدينة التي كانت محاصرة في يوم من الأيام، واختتمت بمركز سياحي، حاكم المنطقة الشرقية، سعود بن نايف، وهي زيارة نادرًا ما يقوم بها مثل هذا المسؤول الكبير. في غضون ذلك، تم تعيين نبيه الإبراهيم وهو عضو سابق في المجلس البلدي بالقطيف من العوامية، في مجلس الشورى في شباط/ فبراير. كما تم تعيين شيعية أخرى من المنطقة الشرقية، كوثر الأربش التي قتل ابنها وهو يوقف مفجرًا انتحاريًّا في مسجد شيعي، في مجلس الشورى في كانون الأول/ ديسمبر 2016.
الاجتماع سالف الذكر بين الملك سلمان والزعيم الشيعي المعارض حسن الصفار، وكذلك سيد علي ناصر، وهو شيعي سعودي يمثل آية الله العظمى علي السيستاني في النجف، جاء ضمن سياق التواصل مع الطائفة الشيعية. يتحدث الكثير من السعوديين بتندر عن تزايد ظهور الشخصيات الشيعية في التلفزيون ومزيد من المقالات والافتتاحيات حول استيعاب الشيعة في الصحف. في إحدى مقالات الرأي الأخيرة، أشاد المحلل حسن المصطفى بعمل الحكومة ضد “الخطاب الأصولي المتطرف” الذي يزيل “عبئًا ثقيلاً عن كاهلهم [المواطنين الشيعة]”. وبعيدًا عن التندر، قام مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني بافتتاح “نسيج” وهو برنامج تحت إشراف محافظ المنطقة الشرقية لتعزيز التعايش المجتمعي والتماسك الوطني.
لا يمكن إنكار أن هذه التغييرات تحدث في السياق الإقليمي للتصعيد الأكبر مع إيران، وكذلك دق طبول الإدانة ضد “الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران”. وهكذا، في وقت متزامن مع هذه الانفراجات توجد أجواء عامة بقبضة أمنية صلدة، بما في ذلك الاعتقالات المستمرة في المنطقة الشرقية، وكذلك تكثيف نقاط التفتيش والتواجد الأمني المستمر في العوامية. هناك دلائل على وجود نهج أكثر دقة للسياسة الإقليمية في العلاقات الدافئة بين المملكة العربية السعودية والحكومة العراقية. بما في ذلك فتح معبر حدودي شمالي مع العراق واستئناف الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين بعد انقطاع دام أكثر من 25 عامًا. كان الشيعةُ السعوديون في القطيف يراقبون باهتمام بالغ تقارير في آذار/ مارس تفيد بأن محمد بن سلمان سيزور النجف وحتى إنه سيفتتح قنصلية هناك، لكن الحكومة السعودية رفضت في ما بعد خطط قيام ولي العهد بزيارة العراق.
الشيعة السعوديون يقيّمون خياراتهم
ليس من المستغرب في مثل هكذا بيئة سياسية إقليمية محفوفة بالمخاطر، أن يعلق الشيعة داخل المملكة العربية السعودية آمالهم على هذه اللحظة القومية. ومع ذلك، لا يوجد إجماع بين الطائفة الشيعية السعودية حول إمكانية أن تحسّن هذه التغييرات من وضعهم الاقتصادي والسياسي. خلال زيارة حديثة إلى الرياض والقطيف، كشفت المناقشات مع المفكرين الشيعة والناشطين الحقوقيين عن آراء متباينة جدًّا حول رؤية محمد بن سلمان والإستراتيجية التي تناسبها. ودعا أحد الكتاب الصحافيين إلى احتضان هذا التوجه الجديد للمملكة بحماس: “ليس لدينا امتياز للمطالبة بأي شيء. ليس لدينا سوى خيار واحد: دعم الرؤية، دعم التغيير، حتى آخر المشوار”. وعبر آخرون عن تفاؤلهم بحذر شديد ونهج تكتيكي أكثر يركز على العمل من خلال الانفراجات التي أوجدها الخطاب الخاص بولي العهد.
أحد المجالات المبشرة بالخير هو الإصلاح القانوني. في مقابلة أجراها صحافيٌ أجنبيٌ مؤخرًا، أقر محمد بن سلمان بالحاجة إلى تغييرات لمعالجة النسبة المتصاعدة للإعدامات في المملكة العربية السعودية. عقوبة الإعدام وخاصة للقُصَّر، تشكل مصدرَ قلقٍ كبيرًا للطائفة الشيعية بالقطيف بسبب عدد المتظاهرين الشباب الشيعة -مثل ابن شقيق نمر النمر، علي النمر- المسجون حاليًا ويواجه عقوبة الإعدام. كما يشجع نشطاءُ حقوق الإنسان الشيعةَ السعوديين على تقديم شكاوى من خلال وزارة الداخلية عن أي افتراء شخصي يستهدفهم كشيعة، على أمل إيجاد أدلة للملاحقة القضائية في المستقبل إذا تم تقديم قانون خطاب الكراهية المقترح. ويعتبر إقرار مثل هذا القانون هدفًا رئيسيًا للنشطاء الحقوقيين الشيعة السعوديين، وذلك بسبب التشويه والتحريض ضد الشيعة الذين عانوا من الوثائق الرسمية والأحكام الدينية، بالإضافة إلى الخطاب العام على وسائل التواصل الاجتماعي.
في حين يرحب الشيعة على نطاق واسع بكبح سلطة المؤسسة الدينية السنية، إلا أن إلقاء القبض على المفكرين السنة ورجال الدين الناشطين يثير الخلاف. واتخذ أحد الليبراليين المثقفين خطًا متشددًا: “نحن بحاجة إلى سجن الكثير من الناس. هناك الكثير من الناس، من السنة والشيعة والذين لا يؤمنون بالدولة القومية”. وعارضه ناشط في حقوق الإنسان: “لسنا سعداء بهذه الاعتقالات. سيفعلون الشيء نفسه معنا. نحن بحاجة إلى احترام حريتنا وحرية الآخرين”.
وقد وجد ناشط حقوقي آخر بعض المزايا في عملية صنع القرار التي تزداد مركزيةً والتي تميز عهد الملك سلمان. فخلال فترة حكمه، تم حجب بعض مبادرات الحوار للملك عبد الله من قبل الأمير نايف بن عبد العزيز، الذي كان يتمتع بسلطة كبيرة بصفته وزيرا للداخلية حينها، وعلاقات قوية مع المؤسسة الدينية السنية. وفي الوقت نفسه، تُركت محاولات التعاون الإقليمي من داخل المجتمع المدني عرضة للإدانة الحكومية ورد الفعل العنيف من عناصر داخل الطوائف الدينية السنية والشيعية. وهناك أمل في أن جهود الدولة التي يروج لها ولي العهد قد تؤتي ثمارها من خلال المزيد من التعاون بين الطوائف.
سيستغرق الأمر بعض الوقت لتقييم تأثير التغيرات الاجتماعية والسياسية السريعة التي تحدث في المملكة على الجالية الشيعية. ولكن في ضوء الوعد باحتوائهم وطنيًّا والتكاليف العقابية المفروضة على أولئك الذين يفكرون في الانفصال، وازَنَ أحد الناشطين في مجال حقوق الإنسان بين الخيارات ووجد خيارًا واحدًا فقط: “ليس هنالك خيار في أن تعمل أو لا تعمل مع الحكومة، ليس هناك بديل”.