هذه النشرة هي جزء من سلسلة لمعهد دول الخليج العربية في واشنطن عن رؤية السعودية 2030، وهي مجموعة شاملة من البرامج والإصلاحات التي اعتمدتها الحكومة السعودية ليتم تنفيذها بحلول عام 2030.
على الرغم من هزيمتها بـنتيجة 0-5 أمام المنتخب الروسي المضيف في المباراة الافتتاحية لكأس العالم في 14 حزيران/ يونيو، إلا أن المملكة العربية السعودية لا تزال تفخر بكونها واحدة من أكبر 32 فريقًا يتنافسون على المجد في أكثر المشاهد الرياضية شعبية في العالم. ويمكن رؤية الوجه المألوف الآن لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في المدرجات إلى جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث كان كل منهما يهتف لمنتخب بلاده في المباراة الافتتاحية لهذا الحدث الهام. ويثبت حضور محمد بن سلمان الأولوية التي وضعتها المملكة العربية السعودية لكرة القدم والآمال الكبيرة للمردودات الاقتصادية والسياسية، مع وجود خطط كبيرة لتوسيع نطاق وصولها إلى الوطن ورفع المكانة الرياضية للمملكة في الخارج.
ويتماشى الاستثمار في كرة القدم مع خطط التنوع للرؤية 2030، مع التركيز مجددًا على الوسائل الترفيهية والرياضة، وهما المجالان اللذان يجتذبان جمهور الناخبين الشباب الحاسم. ويُنظر إلى ساحة كرة القدم على أنها مسرح آخر لعرض الانفتاح الاجتماعي ومواهب المملكة العربية السعودية المتنوعة والجديدة، ووسيلة لجذب الاستثمارات الخاصة. في الخارج، تتطلع المملكة العربية السعودية إلى الاعتماد على الإغراء المتأصل لكرة القدم من أجل صقل الصورة الدولية للمملكة وإذكاء الفخر القومي. ومع ذلك، وبينما تضع القيادة السعودية مكانتها وأموالها في هذا المشروع الجديد للطاقة الناعمة، فهي تقف ضد منافس إقليمي سابق في هذه اللعبة، لمنافسة قطر، وكسر كبريائها من خلال تصرفات رئيس الهيئة العامة للرياضة السعودية تركي آل الشيخ مستشار الأمير محمد بن سلمان. في كرة القدم -كما هو الحال في غيرها من المشاريع- تُظهر المملكة العربية السعودية حزمها وقوميتها بشكل جلي.
قيادة جديدة، وطموحات جديدة
تتجسد الطموحات الجديدة للمملكة في كرة القدم في شخص الرئيس الجسور للهيئة العامة للرياضة السعودية، تركي آل الشيخ، وهو مستشار مقرب لمحمد بن سلمان برتبة وزير. إنه يمثل المملكة العربية السعودية الجديدة التي يقودها ولي العهد: عنيد ونشيط ومتلهف لاتخاذ إجراءات سريعة. منذ تعيينه كرئيس للهيئة العامة للرياضة (GSA)، كان الانفتاح السعودي على الرياضة سريعًا، حيث تم الإعلان عنه من خلال العديد من المبادرات التي كانت مُحرّمة مثل الدعوة لاستضافة أحداث المصارعة العالمية الترفيهية للسنوات العشر القادمة.
تراهن الهيئة العامة للرياضة، بقيادة الشيخ، على إمكانيات التحول الرياضي لإعادة تشكيل المملكة المنشودة حسب خطة الرؤية 2030: للتنويع في الاقتصاد السعودي وتوفير فرص العمل، وغرس الثقافة الرياضية المنافسة والحيوية في المجتمع السعودي، واستخدام الرياضة كمنصة للارتقاء بصورة البلد في الخارج. ومن الواضح في جميع هذه السياسات، ولكنه غير معلن، أن هناك رغبة في غرس الكبرياء الوطني الجديد الذي يوحد الشباب السعودي تحت قيادة محمد بن سلمان، ليحل محل التشدد الديني الذي كان يميّز المملكة المحافظة عبر أجيال.
ولكونها الرياضة الأكثر شعبية في المملكة العربية السعودية، تبرز كرة القدم بشكل واضح في مخططات الهيئة العامة للرياضة. المجتمع الشبابي في المملكة العربية السعودية بسبب الضعف الإداري والفساد المستفحل. لقد تراجع الحضور هذا الموسم مع وجود مليون مشجع فقط يذهبون إلى الملاعب لمشاهدة الألعاب. وتشكل الاستدامة المالية أيضًا مشكلة على الرغم من ملكية الدولة للأندية.
وفي حين أن سخاء الحكومة واضح في جذب كبار اللاعبين الأجانب، أدى ضعف الإشراف المؤسساتي إلى إهمال الرواتب الأساسية، حيث إن 20٪ من الحالات التي تتعامل مع رواتب غير مدفوعة للفيفا، وهي الهيئة الدولية المنظمة لكرة القدم، تأتي من المملكة العربية السعودية. هذه المشاكل الإدارية تهدد بتقويض خطط الهيئة العامة للرياضة (GSA) في خصخصة الدوري السعودي الممتاز. في مقابلة مع بلومبيرغ، ذكر آل الشيخ أن خصخصة الدوري المحلي يمكن أن تجمع ما بين 800 مليون دولار إلى 1.5 مليار دولار، وبالرغم من التشكيك، أصرَّ على أن GSA كانت تهدف لتوفير 40000 وظيفة في خمس سنوات.
إن تطوير ثقافة رياضية نشطة يتوافق مع تركيز مخطط الرؤية 2030 على المنافسة وتحسين نمط الحياة والصحة السعودية. ويتجلى ذلك في الدور المتنامي للمرأة، الذي تجسد في تعيين الأميرة ريما بنت بندر آل سعود لرئاسة قسم المرأة في الهيئة العامة للرياضة. وقد أشرفت على إدخال اللياقة البدنية للفتيات إلى المدارس وترخيص النوادي الصحية للنساء. في كانون الثاني/ يناير، تم الترحيب بالنساء السعوديات كمشجعات في ثلاثة ملاعب لكرة القدم للمرة الأولى.
لقد شكلت GSA لجنة فنية وأطلقت سلسلة من البرامج للقاعدة الشعبية لزيادة القدرة التنافسية وجذب المواهب السعودية إلى ملعب كرة القدم. كان هناك اتفاقية مشتركة مع الدوري الإسباني لكرة القدم، لإعارة تسعة لاعبين سعوديين إلى أندية إسبانية للتدريب واللعب لتحسين مستويات مهاراتهم قبل كأس العالم، ولسوء الحظ، لم تعمل هذه الاتفاقية كما كان مخططًا لها، حيث لم يتمكن اللاعبون من الوصول إلى المستوى المطلوب للألعاب. ومع ذلك، هناك جهود للوصول إلى نوادٍ أخرى، حيث وقعت GSA اتفاقية مع الدوري الإيطالي لكرة القدم Serie A لتقوم المملكة العربية السعودية باستضافة ثلاثة من كؤوس السوبر الإيطالية الخمس المقبلة. وستمتد هذه العلاقات إلى الفيفا FIFA وقلب كرة القدم العالمية.
عرض للحصول على نفوذ القوة الناعمة
بالاقتصار على موهبة كرة القدم، يجب على المملكة العربية السعودية الاعتماد بشكل أكبر على ثروتها لتعزيز نفوذها في اللعبة. وقد برزت، في الآونة الأخيرة، المملكة العربية السعودية كداعم مالي كبير للمشاريع المتعلقة بالفيفا. ويعتقد أن تحالفًا من المستثمرين الآسيويين والشرق أوسطيين يتركز في المملكة العربية السعودية والصين ويسعى للسيطرة على بطولة موسعة لكأس العالم، جنبًا إلى جنب مع دوري عالمي جديد للمنتخبات الوطنية مدعوم بعرض قيمته 25 مليار دولار. كما تقوم المملكة العربية السعودية ببناء سطوتها السياسية من خلال إنشاء تجمع كرة القدم الإقليمي الجديد، المسمى اتحاد جنوب غرب آسيا لكرة القدم. مقره جدة ويضم 14 دولة، يسعى الاتحاد إلى إدخال برامج التطوير وعقد بطولات كرة القدم الآسيوية التي من شأنها أن تنافس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم القائم، الذي يصادف أن يتزعمه حليف ملكي من البحرين. كان لاتحاد جنوب غرب آسيا لكرة القدم دور فعال في توفير الأصوات للعرض ثلاثي الدول من أمريكا الشمالية، مقابل المغرب من أجل تنظيم كأس العالم 2026، وهو ما يظهر نفوذ المملكة العربية السعودية الجديد في هذه الرياضة. كما أدرجت المملكة العربية السعودية كرة القدم في مبادرات القوة الناعمة، حيث وعد الملك سلمان بن عبد العزيز ببناء إستاد رياضي في العراق يضم 100000 مقعد كوسيلة لتعزيز العلاقات بين الرياض وبغداد للتوازن مع إيران.
وبينما تسعى المملكة العربية السعودية للحصول على مكانة جديدة في عالم كرة القدم، فإنها تواجه منافسًا خليجيًا أكثر منها خبرة في الساحة الرياضية. فقد أوجدت قطر لنفسها مكانة في نادي كرة القدم برعاية نادي برشلونة ونادي روما الرياضي وملكية نادي باريس سان جيرمان، حيث ساعد بترودولار الدوحة في تحطيم الرقم القياسي العالمي في رسوم النقل بشرائه النجم البرازيلي نيمار دا سيلفا سانتوس بمبلغ 263 مليون دولار. لقد عزز نجاح العرض المفاجئ باستضافة قطر لكأس العالم 2022 من مكانة الدولة الخليجية الصغيرة على الساحة الرياضية الدولية، رغم أنه جلب أيضًا اهتمامًا غير مرغوب لممارساتها العمالية. وشككت المملكة العربية السعودية واللجنة الرباعية للدول التي قادت مقاطعة قطر منذ حزيران/ يونيو 2017 في شرعية استضافة قطر لكأس العالم، وفرضت تغيير مكان بطولة كأس الخليج من قطر إلى الكويت في كانون الثاني/ يناير. وأدت المشاحنات الأخيرة بشأن حقوق البث لكأس العالم 2018، الذي أقامته شركة بن إن سبورتس beIN Sports)) المملوكة لقطر، إلى اتهامات بالقرصنة الحكومية من جانب المملكة العربية السعودية وتعهدات سعودية بإنشاء شبكة البث الرياضي في المملكة (ESPN للشرق الأوسط) لتنافس شبكة beIN Sports القطرية.
النظر إلى المستقبل
في حين تعمل المملكة العربية السعودية باطراد على تنمية قوتها المالية والسياسية في عالم كرة القدم، إلا أنه لا تزال لديها سبل لا بد أن تسلكها كي تفرض نفسها كقوة حقيقية في كرة القدم في المنطقة. ومع ذلك، يسعى السعوديون، على طريقة محمد بن سلمان، إلى تحقيق تقدم سريع. وصرَّح آل الشيخ مؤخرًا أن هدف السعودية هو الحصول على واحدة من أفضل سبع بطولات دوري محلية في العالم بحلول عام 2020.
ومع ذلك، فإن القيادة السعودية تواجه بعض المخاطر في ربط طموحاتها الوطنية وتوقعات الشباب في المملكة بدوري وطني ما زال قيد التطور ومجموعة من المواهب. لم يترك الأداء المخيّب للآمال للمنتخب الوطني السعودي في المباراة الافتتاحية لكأس العالم الكثير لمحمد بن سلمان ليهتف له في موسكو. أجاب تركي آل الشيخ بنظرة تحدٍّ للمستقبل، ووعد بالتحول إلى الجيل التالي لتحقيق أحلام المملكة العربية السعودية في كرة القدم.
كريستين سميث ديوان هي باحثة مقيمة أولى في معهد دول الخليج العربية في واشنطن. تركي بويابس هو متدرب في معهد دول الخليج العربية في واشنطن. أكمل مؤخرًا شهادة الماجستير في الجامعة الأمريكية.