تعد الزيارة الرسمية للزعيم الصيني والأمين العام للحزب الشيوعي شي جين بينغ، والتي طال انتظارها، إلى السعودية بمثابة لحظة هامة في صعود الرياض المتواصل كلاعب أكثر ديناميكية على الساحة العالمية. وتمثل كذلك اختبارًا مهمًا لقدرة السعودية على تحقيق التوازن بين طموحاتها ومصالحها الأخرى، مع حتمية الحفاظ على علاقتها الأمنية الأسمى مع الولايات المتحدة. قد يرى بعض الأمريكيين تناقضًا جليًا بين مظاهر الترحيب الفخم بالزعيم الصيني وبين الاستقبال المتواضع للرئيس جوزيف بايدن في جدة في يوليو/تموز، على الرغم من أن البيت الأبيض نفسه أراد الحفاظ على الحد الأدنى من الأُبهة والمظاهر الاحتفالية. لكن الأهم من ذلك سيكون رد فعل الولايات المتحدة على النتائج المتوخاة، والتي ستتركز، حسبما ذُكر، على صفقات الطاقة والبنية التحتية، والتي من المتوقع أن تصل تكلفتها إلى 30 مليار دولار أمريكي. لا توجد حتى الآن أي إشارة على أي ترتيبات من شأنها أن تثير قلقًا خاصًا لدى واشنطن، ولكن قد يكون هذا الاختبار هو الأكثر دراماتيكية حتى الآن لقدرات شركاء الولايات المتحدة في الخليج، مثل السعودية والإمارات، على تحقيق التوازن في بناء علاقات وثيقة مع القوة الصاعدة الصينية، والحفاظ في الوقت نفسه على علاقات قوية مع الولايات المتحدة. وشدد المسؤولون السعوديون والإماراتيون بشكل متكرر على أن أحد أكبر أهداف سياستهم الخارجية في العقود المقبلة سيكون عدم الانجرار إلى حرب باردة جديدة بين واشنطن وبكين، وألا يطلب منهم أحد الأطراف أو كلاهما تجنب الطرف الآخر.
عميلي هو صديقي
لقد كانت العلاقة الصينية–السعودية، وما تزال، علاقة تجارية إلى حد كبير. تعد السعودية واحدة من أكبر موردي مصادر الطاقة للصين، ويذكر أن الصين تعتمد على صادرات الطاقة الخليجية في حوالي 30٪ من احتياجاتها السنوية من الطاقة. وتعد الصين من أفضل عملاء السعودية، وثمة اهتمام كبير لدى كلا البلدين بتطوير الاستثمارات والعلاقات التجارية الأخرى التي تتجاوز التجارة في النفط. وأعربت السعودية عن اهتمامها الكبير بالانضمام لمشروع البنية التحتية في الصين، ومبادرة الحزام والطريق، و”مواءمة” ذلك مع خطط التنمية الخاصة برؤية الرياض 2030. تسعى شركة الكهرباء الحكومية الصينية بجدية للحصول على عقود شرق أوسطية لتوليد الكهرباء وتوزيعها، ويذكر أن اتفاقية التجارة الحرة المحتملة بين الصين وأعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية قد بلغت مرحلة متقدمة.
ليس من المرجح أن ينطوي أيًا من هذه الأمور على ما يزعج واشنطن بشكل خاص. ما تريد الولايات المتحدة معرفته هو ما إذا كان ثمة مؤشرات على أن السعودية تتعمد منح الصين موطئ قدم استراتيجي لا تستحقه في منطقة الخليج. وسوف يتمحور هذا الأمر على القضية الحساسة لتكنولوجيا الاتصالات، وعلى الأخص، مع الشركات الصينية، مثل هواوي، التي تخضع لعقوبات مشددة من قبل الحكومة الأمريكية. لقد أثبتت التعاملات مع هواوي بالفعل أنها نقطة خلاف مهمة بين الولايات المتحدة ودولة الإمارات، وإذا ما دخلت السعودية في اتفاقيات مهمة مع مثل هذه الشركات الصينية، فمن المرجح أن يثير ذلك استياء واشنطن. يكمن الخوف في أن تقنيات الاتصالات الصينية يمكن أن تحتوي على تقنيات لجمع المعلومات الاستخباراتية والمراقبة تكون مخفية داخل أعماق هذه التقنيات بحيث لا يمكن اكتشافها فعليًا، ومن ثم لا تكون معرضة لخطر اكتشافها. علاوة على ذلك، كانت إحدى الحقائق الرئيسية القليلة التي استخلصها بايدن من زيارته للسعودية في شهر يوليو/تموز عبارة عن مذكرة تفاهم بين البلدين حول تكنولوجيا الاتصالات، والتي فسرها العديد من الأمريكيين على أنها التزام بسعي السعودية للحصول على مثل هذه التكنولوجيا من الولايات المتحدة والشركات الغربية الأخرى، بدلاً من هواوي والشركات الصينية الأخرى.
بالإضافة إلى ذلك، ستراقب الولايات المتحدة عن كثب مشاريع البنية التحتية في الخليج التي تشمل الصين، والتي من المحتمل أن تكون لأغراض ذات استخدام مزدوج. في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، ضغطت واشنطن بشكل طارئ على الإمارات لوقف البناء في ميناء صيني سري يجري بناؤه بالقرب من أبوظبي، والذي أكدت الولايات المتحدة على أنه يمكن أن يكون بمثابة قاعدة بحرية أو منشأة عسكرية أخرى للصين في قلب منطقة الخليج، التي كانت تقليديًا جزءًا من المنطقة الصديقة، بشكل حصري، للولايات المتحدة. من الواضح أن أبوظبي امتثلت لهذا الطلب، وتم وقف البناء حسب ما ذُكر. تقدم هذه الحادثة التي انخرطت بها الإمارات مثالاً على احتمالات لا تعد ولا تحصى لمشاريع البنية التحتية الصينية أو المشتركة في منطقة الخليج، والتي قد تثير قلق واشنطن التي تعتقد أن السعودية قد تعرضت للخداع أو أنها تتواطأ مع الصين لمنح بكين موطئ قدم استراتيجي أو عسكري في منطقة لا تكاد الصين تملك فيها أي موقع من هذا القبيل.
أخيرًا، يعد التعاون الصيني-السعودي في مجال الطاقة النووية قضية في غاية الحساسية بين السعودية والولايات المتحدة. وذكرت السعودية مرارًا وتكرارًا أنه إذا قامت إيران بتطوير سلاحٍ نوويٍ، فإنها ستفعل ذلك أيضًا. تمتلك السعودية برنامجًا للطاقة النووية حديث العهد نسبيًا، تمتلك السعودية حافزًا واضحًا لاستخدام توليد الطاقة النووية لكي تبيع إنتاجها النفطي المحلي بدلاً من استخدامه. يكمن التعقيد في أن شوطًا كبيرًا من تطوير التكنولوجيا النووية يتبع المسار نفسه سواء لإنتاج الطاقة أو للمشاريع العسكرية المحتملة. في المراحل الأخيرة فقط ينفصل الجانب العسكري، هذا إذا انفصل أصلاً عن مشروع شرعي لإنتاج الطاقة. ولدى الصين اتفاقية منذ أمد بعيد لمساعدة السعودية في تطوير برنامجها النووي. في أوائل أكتوبر/تشرين الأول، عقد وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان ورئيس إدارة الطاقة الوطنية الصينية، تشانغ جيان هوا، مؤتمرًا افتراضيًا عبر الفيديو كونفرانس لمناقشة التعاون في مجال الطاقة. ومن بين الموضوعات العديدة التي نوقشت كانت كيفية تنفيذ الاتفاقية القائمة بين البلدين للمساعدة في تطوير برنامج الطاقة النووية السعودي.
تعد هذه المسألة موضوعًا شائكًا بين واشنطن والرياض. فبموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، تمتلك السعودية كل الحق في تطوير برنامجها النووي السلمي، ولديها كل الأسباب للقيام بذلك. ومع ذلك، نظرًا لتهديد الرياض بتطوير قوة نووية رادعة إذا أصبح لدى إيران قوة نووية عسكرية، بالإضافة إلى انهيار المفاوضات النووية مع طهران، فقد تزايدت حدة مخاوف واشنطن بشأن انتشار السلاح النووي في منطقة الخليج. إذا تبين أن السعودية ستستخدم الصين والتكنولوجيا الصينية في اندفاعها لمجاراة إيران، أو أي شيء يوحي بقوة لقيامها بمثل هذه الخطوة، فإن رد فعل الولايات المتحدة سيكون سيئًا. ولكن إذا ما حافظ البلدان على التعاون النووي بوتيرة بطيئة نسبيًا، وبطريقة تعكس بشكل أوضح أن التركيز يتمحور حول توليد الطاقة، وليس لصالح برنامج سري جديد للتسلح، فقد لا يكون لدى واشنطن خيار سوى أن تنظر بترقب وتتابع التطورات عن كثب دون أن تجعل من هذا الأمر مصدر إزعاج متبادل مع السعودية. إن البديل الوحيد يكمن في تقديم تقنية أفضل وبشروط أفضل للسعودية، وقد يكون ذلك مستحيلاً من الناحية السياسية، وليس حكيمًا من الناحية الاستراتيجية. وعلى أي حال، من غير المرجح أن تكون هناك مبادرة في سياق سياسة الولايات المتحدة في المستقبل القريب.
صديق عدوي… صديقي؟
بالإضافة إلى مثلث السعودية-الصين-الولايات المتحدة، هناك أيضًا مثلث آخر يمكن القول إن له دورًا أكثر أهمية، وهو مثلث السعودية-الصين-إيران. لقد طورت الصين شراكة قوية مع طهران، لكنها لا تريد أن ترتبط حصريًا بإيران من بين جميع الأصدقاء المحتملين في منطقة الخليج. فكما تهتم السعودية بالتواصل مع الصين كجزء من مبادرة التنويع الاستراتيجي للحصول على مجموعة واسعة من الخيارات لسياسة الاعتماد على الولايات المتحدة كضامن أمني وحيد، فإن الصين لديها الحافز للاقتراب من السعودية من أجل تنويع بدائلها في المنطقة التي توفر الكثير من إمدادات الطاقة بالغة الأهمية. ومع ظهور الصين كقوة عالمية، لا ترغب السعودية في أن يكون الصوت الخليجي الوحيد في بكين ينطق بالفارسية. ترغب الرياض وأبوظبي بإضافة وجود عربي كبير في الصين لموازنة إمكانية الوصول الإيراني الحصري في الصين التي بدأت بتوسيع نفوذها الاستراتيجي والتجاري أيضًا في المناطق النائية مثل منطقة الخليج.
لكن هذا الأمر يتسبب مرة أخرى بصعوبات محتملة مع واشنطن، ليس لدى الولايات المتحدة مشكلة في تعامل السعودية مع الصين باعتبارها عميلاً للنفط أو حتى كشريك في الاستثمار والبنية التحتية. ولكنها تريد أن تحافظ على دورها كقائد لتحالف كبير يحافظ على الأمن والاستقرار في الخليج وبحر العرب والبحر الأحمر، ويحمي على وجه الخصوص المواقع الاستراتيجية الرئيسية الثلاث في المنطقة: مضيق هرمز وقناة السويس وباب المندب. يمر قدر هائل من الشحن التجاري العالمي عبر هذه المواقع الحيوية الثلاث، ونسبة كبيرة من صادرات الطاقة المنقولة بحرًا والتي يعتمد عليها الاقتصاد العالمي. على المدى القريب، يُنظر إلى إيران على أنها أكبر تهديد لمثل هذا الأمن البحري الحيوي. وعلى المدى الطويل، يُنظر إلى الإبقاء على الهيمنة الأمنية على هذه الممرات المائية بيد تحالف تقوده الولايات المتحدة على أنه ميزة استراتيجية رئيسية تمتاز بها واشنطن على بكين، وهي ميزة تعمل الولايات المتحدة جاهدة للحفاظ عليها.
ومرة أخرى، يعد هذا الأمر بمثابة عملية توازن بالغة الحساسية لكل من السعودية والولايات المتحدة في حين تعمل الرياض وبكين على توثيق علاقاتهما. على مستوى معين، ترحب الولايات المتحدة بأي تحرك من شأنه أن يضعف أو يعقّد أو يقوض الشراكة بين الصين وإيران – مع أنه لا يوجد سبب واضح يدعو للاعتقاد بأن تحسن العلاقات بين الصين والسعودية سيحقق ذلك. ومع ذلك، عادة ما يتم تصوير منافسة القوى العظمى مع الصين في داخل الولايات المتحدة على أنها منافسة عالمية طويلة الأمد، وتنطوي على إبراز للقوة، وتبني أدوار أمنية رئيسية في مناطق حيوية مثل منطقة الخليج. لذلك، سيتعين على السعودية أن تتقدم بحذر عندما يتعلق الأمر بالوجود الصيني في المنطقة، وعلى واشنطن أيضًا أن تحاول تحقيق التوازن ما بين التسامح، أو حتى الترحيب، بتوثيق العلاقات الصينية-السعودية وما بين العمل في الوقت ذاته على ضمان عدم قيامهما بتقويض المصالح الأمريكية الأساسية.
الصداقة الأمريكية–السعودية تنتعش بهدوء
تأتي اجتماعات التعاون الصيني-السعودي وزيارة الرئيس شي جين للرياض في وقت تشهد العلاقات الأمريكية-السعودية هدوءً، ولكن كان هناك غضب واتهامات متبادلة في أعقاب إعلان خفض الحصص في أكتوبر/تشرين الأول من قبل تحالف أوبك بلس لمنتجي النفط الأعضاء في منظمة أوبك وغير الأعضاء. تراجع الغضب الأمريكي لعدة أسباب. لقد ثبتت صحة الادعاءات السعودية بأن تخفيضات الإنتاج لن تؤدي إلى ارتفاع الأسعار في محطات الوقود في الولايات المتحدة والغرب. علاوة على ذلك، كان الخلاف مرتبطًا بانتخابات التجديد النصفي في للولايات المتحدة، ونظرًا لأن أداء الديمقراطيين، الذين هم في السلطة حاليًا، كان أفضل مما كان متوقعًا، فقد تحاشت السعودية توجيه بعض اللوم لها في حال آلت الانتخابات لما هو أسوأ. باختصار، لم تتحقق أيًا من الكوابيس التي راودت البيت الأبيض والديمقراطيين في الكونجرس. حيث لا تزال أسعار النفط معقولة على المستوى التجاري وعلى مستوى التجزئة، ولم يتعرض الديمقراطيون لهزيمة في استطلاعات الرأي.
تعد زيارة الرئيس الصيني، ولا سيما مخرجاتها التي لا تزال قيد الكتمان، آخر مصادر الخلاف الواضحة بين الولايات المتحدة والسعودية في الأفق المنظور. لكن بشكل عام، يبدو أن العلاقات الأمريكية-السعودية تتعافى على نحو جيد، ولا يبدو أنها مهددة بسبب الشراكة الصينية-السعودية. وحافظ اجتماع أوبك بلس في الرابع من ديسمبر/كانون الأول على الوضع القائم بشأن إنتاج النفط، ولكن كان البيت الأبيض هذه المرة مرتاحًا نسبيًا للقرار لأن أسعار الغاز لم ترتفع نتيجة لذلك. وفي هذه الأثناء، يستمر التعاون الدفاعي على المستوى التقني بين الولايات المتحدة وبلدان مجلس التعاون الخليجي في التطور، حيث تتم إعادة تصور العلاقة على كلا الجانبين باعتبارها شراكة متبادلة أكثر من كونها حماية من الولايات المتحدة “لدول حليفة” يُفترض أنها في موضع ضعف.
لا شك أن السعودية تستخدم زيارة الرئيس شي والعلاقة المتنامية مع الصين كجزء من سلسلة من التحركات للإعلان عن نفسها بشكل فعال كقوة صاعدة متوسطة في عالم متعدد الأقطاب. ويبدو أن الولايات المتحدة تتأقلم مع هذا الواقع الجديد من خلال التأكيد على مزايا تقاسم الأعباء والتعاون على أساس تبادل الأهداف المشتركة بدلاً من خطة الحماية المستندة إلى أمن النفط. يعد هذا النهج أسلم للعلاقة وأكثر استدامة من محاولة الإصرار على مفاهيم عفا عليها الزمن حول شكل العلاقة. الجانب السلبي هو أن دول الخليج التي تحاول تأكيد نفسها كقوى دولية متوسطة ستتمتع باستقلالية وفاعلية أكبر، ربما، مما كانت واشنطن تَسعَد بتقبله في الماضي. لكن كل هذا يعني أن العلاقة بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربية ستبدأ بالظهور كونها أكثر شبهًا بالشراكة بين الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو. ونظرًا لوجود العديد من تقاسم الأعباء والمزايا الأخرى لهذا النموذج الجديد على الأقل، فإن ظهوره – حتى مع وجود علاقات أوثق بين السعودية وخصوم الولايات المتحدة مثل الصين- لا ينبغي أن يشكل أي تهديد للعلاقة الثنائية، بل ربما ينبغي أن يعززها بشكل أكبر.