تجد البلدان التي تعتمد بشكل كبير على الصادرات النفطية، مثل السعودية، أن التنويع الاقتصادي صعب للغاية. ومع ذلك، فقد تمكنت القليل من تلك الدول، مثل السعودية، من التعامل مع هذا التحدي عن طريق الالتزام السياسي الصارم ومخطط شامل، وتخصيص موارد هائلة لتمويل الاستثمار المطلوب. وقد نفذت الحكومة قائمة من الإصلاحات الاقتصادية المثيرة للإعجاب ضمن رؤية 2030، بما في ذلك تحسين مناخ الأعمال التجارية والأطر القانونية، والحد من القيود المفروضة على عمل المرأة، وتعزيز أسواق رأس المال المحلية، تخفيض الدعم الحكومي لقطاع الطاقة، وتطوير قطاعات اقتصادية جديدة، مثل السياحة. ثمة اهتمام كبير بما إذا كانت هذه الإصلاحات ستنجح في تنويع الاقتصاد السعودي بعيدًا عن النفط، وتخلق قطاعًا خاصًا أكثر حيوية. إن تقييم التقدم الذي تم إحرازه عبر أربعة مجالات – الصادرات والإنتاج والعائدات الحكومية والتوظيف – يُظهر أنه على الرغم من استمرار النفط كقوة مسيطرة على الاقتصاد السعودي، إلا أن جهود التنويع في المملكة قد بدأت كما يبدو تؤتي ثمارها.
طريقة بسيطة لتقييم التنويع
يعتبر النفط هو المسيطر على الاقتصاد السعودي، ويتفاوت إنتاج النفط وأسعاره بشكل كبير من سنة لأخرى. وهذا ما يجعل من الصعب التعرف على توجهات عملية التنويع لأن التطورات في قطاع النفط يمكن أن تطغى على التقدم الذي يتم إحرازه في تنمية القطاع غير النفطي. وتتمثل إحدى الطرق البسيطة في تقييم أثر التقلبات السنوية في عائدات تصدير النفط. وبالتالي، فإن دراسة التطورات بعيدة المدى بشكل أفضل يكون من خلال مقارنة بين السنوات التي شهدت مستويات مماثلة من صادرات النفط.
في عام 2022، كانت عائدات صادرات النفط السعودية مرتفعة بصورة استثنائية، حيث بلغت حوالي 325 مليار دولار، لأن الحرب في أوكرانيا رفعت أسعار النفط لتزيد عن 100 دولار للبرميل في جزء من هذه السنة. ولتقييم توجهات التنويع على خلفية عائدات النفط المرتفعة لعام 2022، يمكن مقارنة مؤشرات التنويع في عام 2022 بتلك المؤشرات لعامي 2012–2013، وهي آخر مرة وصلت فيها عائدات صادرات النفط السعودية إلى مثل هذا المستوى المرتفع.
التقدم في أربعة مجالات
الصادرات
لا يزال النفط (الخام والمنتجات المكررة) يسيطر على الاقتصاد السعودي في عام 2022، حيث بلغ 74% من إجمالي الصادرات من السلع والخدمات، لكن هذا أقل بكثير من متوسط حصة النفط في عامي 2012–2013 التي بلغت 84%. ويعزى معظم الانخفاض في حصة السعودية من الصادرات النفطية إلى زيادة الصادرات من البتروكيماويات والسياحة. لقد ارتفعت حصة البتروكيماويات من 9% من صادرات السلع والخدمات في عامي 2012–2013 إلى 12% في عام 2022. وارتفعت صادرات السفر (ما تتلقاه السعودية من غير المواطنين القادمين لزيارة البلاد) من 2% في عامي 2012-2013 إلى 5% في عام 2022.
الإنتاج
لقد ارتفعت حصة القطاع الخاص من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للمملكة من 37% في 2012-2013 إلى 39% في عام 2022. وارتفع القطاع غير النفطي، الذي يشمل القطاعين العام والخاص، ليصل إلى 56% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022، بعد أن كان أقل من 52% في 2012-2013. في المقابل، بلغت حصة القطاع الخاص من الناتج المحلي الإجمالي بالقيمة الحقيقية (بعد التعديل وفقًا لتأثيرات الأسعار) 41% في عام 2022، مقارنة بنحو 39% في 2012-2013. وفي إطار الأنشطة الخاصة غير النفطية، كان النمو الأكبر في قطاعات العقارات، وتجارة التجزئة والبيع بالجملة والتصنيع (ومعظمه من البتروكيماويات على الأرجح)، والخدمات المجتمعية والاجتماعية والشخصية. ولا يزال الترابط المشترك بين الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للقطاع الخاص قويًا، ولكنه انخفض منذ عام 2013. ويشير هذا التراجع إلى أن النشاط الاقتصادي للقطاع الخاص قد أصبح أقل اعتمادًا على أسعار النفط مما كان عليه في الماضي.
العائدات الحكومية
أحرزت السعودية تقدمًا كبيرًا في تنويع مصادر عائدات الميزانية الحكومية. وارتفعت العائدات غير النفطية إلى 32% من إجمالي العائدات الحكومية في عام 2022، بعد أن كانت أقل من 10% في 2012-2013. وقد ساهم إدخال ضريبة القيمة المضافة في عام 2018، وزيادة نسبتها من 5% إلى 15% في عام 2020، في تحفيز العائدات غير النفطية بشكل كبير.
التوظيف
يعد قياس وتحديد التنويع في سوق العمل أصعب من المجالات الثلاثة المذكورة أعلاه. حيث يتعادل هنا تنويع سوق العمل مع تراجع اعتماد الشركات الخاصة على العمال غير السعوديين، وانخفاض اعتماد المواطنين السعوديين على التوظيف في القطاع العام. وقد تم إحراز التقدم على كلا المستويين، على الرغم من أن محدودية البيانات تحول دون إجراء تحليل كامل. بلغت نسبة العاملين السعوديين 23% من إجمالي العمالة (السعودية وغير السعودية) في القطاع الخاص في نهاية عام 2022، مقارنة بـ 16% في عام 2016 (وهي أقدم سنة توفرت بياناتها). وتراجعت حصة العمال السعوديين الذين يعتبرون موظفين في القطاع العام إلى 42% في نهاية عام 2022، بعد أن كانت 45% في عام 2016. في حين أن هذه البيانات تقلل من عدد السعوديين العاملين في القطاع العام لأنها تستبعد العاملين في الخدمات العسكرية والأمنية، كما أنها تستبعد أيضًا العاملين في القطاع الخاص غير المسجلين لدى المؤسسة العامة للتأمين الاجتماعي، مثل العمال “المؤقتين”. وليس من الواضح مدى تأثير استبعاد هذه النسب على حصة العمالة في القطاع العام الواردة هنا.
تفاؤل حذر نحو جهود التنويع
إذا أخذنا بعين الاعتبار التقدم الذي تم إحرازه في المجالات الأربعة، يظهر لنا أن جهود التنويع التي تبذلها السعودية قد بدأت بالفعل تؤتي ثمارها. ومع ذلك، يظل النفط المصدر المسيطر على الصادرات السعودية والإيرادات المالية، حيث يشكل مباشرةً 40% من الإنتاج. كما أن هناك جدلاً حول ما إذا كان توسيع قطاع البتروكيماويات، وهو المحرك الرئيسي لتنامي الصادرات غير النفطية، يمثل تنويعًا حقيقيًا نظرًا لارتباط هذا القطاع وثيق الصلة بالنفط، على الرغم من أن الطلب على البتروكيماويات سيكون في المستقبل مدفوعًا بعوامل مختلفة غير تلك المرتبطة بالطلب على النفط، إلا أن القطاع سيوفر قيمة إضافية أخرى.
واستشرافًا للمستقبل، فإن التقدم المستمر في مجال التنويع الاقتصادي يستدعي تعميق الإصلاحات الجارية، وتنفيذها بشكل متناسق لزيادة الإنتاجية في الاقتصاد. ولتحقيق هذه الغاية، سيكون من الضروري بذل جهود لجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي الذي سيجلب التحول التكنولوجي. وعلى الرغم من التقدم المرحب به في زيادة مشاركة المرأة في الاقتصاد، إلا أنه لا يزال هناك الكثير يتعين القيام به. كما سيكون تحسين التعليم والتدريب للمواطنين السعوديين أمرًا بالغ الأهمية لتوسيع القطاعات القائمة وتطوير قطاعات جديدة. وأخيرًا، لا بد من تحقيق توازن دقيق بين متابعة المبادرات التي يقودها القطاع العام من خلال صندوق الاستثمارات العامة، وضمان وجود فرصة لتنمية قطاع خاص حيوي ومستقل. أما القطاعات الجديدة التي تحتاج مقدمًا لرأس مال كبير فسوف تحتاج دعمًا من القطاع العام، ولكن الإفراط في إشراك القطاع العام في جميع جوانب الاقتصاد سيعرقل التنمية اللازمة للقطاع الخاص.
سيقوم دونالد ترامب بعمل تحولات غير مسبوقة في السياسة الأمريكية بتحديه للأعراف الديمقراطية والتقاليد الدستورية والقانونية في المشهد السياسي الأمريكي، بما يؤثرعلى شكل ودعائم النظام السياسي الأمريكي.
من غير المرجح أن تتمكن أرامكو من الحفاظ على سياستها الحالية في توزيع عائدات الأسهم في ظل غياب انتعاش قوي في عائدات النفط. وقد يؤدي تخفيض الأرباح الموزعة إلى آثار سلبية على الأوضاع المالية للحكومة وصندوق الاستثمارات العامة.
عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستخلق خطوط تماس وتوتر داخلية يمكن أن تؤدي إلى توترات اجتماعية وسياسية جديدة. إضافة إلى خطوط تماس أخطر خارجياً، قد تزج الولايات المتحدة في حرب تجارية مع الصين.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.