عندما فاز الائتلاف الذي تتزعمه كوريا الجنوبية بعقد قيمته 20 مليار دولار في عام 2009 لبناء أربعة مفاعلات نووية في الإمارات العربية المتحدة، كان قد تغلب على عطاءات المنافسين من الولايات المتحدة وفرنسا. وفي حين أن اختيار شركة آسيوية، ومن كوريا الجنوبية بشكل خاص، قد فاجأ الكثيرين، إلا أن هذه الخطوة جاءت بالتزامن مع العلاقات المتنامية لدول الخليج العربية مع آسيا.
وسط صخب الشراكات الآسيوية العملاقة الصاعدة الأخرى في الخليج، كان نصيب نجاح كوريا الجنوبية وأهميتها من الاهتمام قليلاً نسبياً. فبعد أن كانت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي مُصدرًا للقوى العاملة إلى المنطقة، تحولت إلى مُصدر للتكنولوجيا والخدمات المتقدمة في وقت يتسم بالتغيير السريع في دول الخليج العربية.
استفاد التفاعل بين “معجزة الصحراء” و”معجزة نهر هان” من فرص مثيرة للاهتمام ورعاية شراكات خاصة وذكية واستراتيجية. وفي حين كانت العلاقات في مجال الطاقة مهمة، ازدهر كذلك قطاعا الهندسة والبناء – مع سامسونج كمقاول رئيسي لبناء أطول برج في العالم، برج خليفة في دبي- قبل التنويع في مجالات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا، وحتى مجالات الأمن.
لتنمية اقتصادها، تعد كوريا الجنوبية من بين أكبر عشرة مستوردين للنفط الخام وأكبر خمسة مستوردين للغاز الطبيعي المسال في العالم. في عام 2019، زودت دول الخليج، بما فيها إيران والعراق، كوريا الجنوبية بحوالي 70٪ من نفطها المستورد وحوالي 40٪ من غازها الطبيعي المسال. وبلغ حجم التداول التجاري بين دول الخليج العربية وكوريا الجنوبية 67.2 مليار دولار في عام 2019، وكانت المملكة العربية السعودية هي الشريك التجاري الأكبر في المنطقة.
وكجزء من جهود التنويع الاقتصادي في كلا البلدين، عملت الشراكة الاستراتيجية بين كوريا الجنوبية والإمارات العربية المتحدة في عام 2009، على سبيل المثال، على توسيع التعاون الثنائي إلى ما هو أبعد من المجالات التقليدية للطاقة والبناء. فقد شمل التعاون الرعاية الصحية والخدمات الطبية والتبادل الثقافي واستكشاف الفضاء والتعاون في مجال الدفاع.
في قطاع الرعاية الصحية، كان حوالي نصف مرضى الشرق الأوسط، الذين تلقوا العلاج في كوريا الجنوبية في عام 2019 من الإماراتيين. وعلاوة على ذلك، فإن مستشفى الشيخ خليفة التخصصي في رأس الخيمة، الذي يُدار بالتعاون مع مستشفى جامعة سيول الوطنية منذ عام 2014، يضم أكثر من 200 موظف كوري جنوبي يقدمون الخدمات الطبية للمواطنين والمقيمين في دولة الإمارات.
وكجزء من الدبلوماسية الفضائية، ساهمت كوريا الجنوبية في تطوير أول الأقمار الصناعية للإمارات، دبي سات -1 ودبي سات -2 في عامي 2009 و2013 على التوالي، وقدمت الدعم في بناء خليفة سات، وهو أول قمر صناعي إماراتي محلي الصنع وتم إطلاقه في عام 2018.
بمناسبة الانتهاء من بناء الأول من بين أربعة مفاعلات نووية في محطة براكة للطاقة النووية في عام 2018، تطورت العلاقة الاستراتيجية بين الإمارات وكوريا الجنوبية إلى “شراكة استراتيجية خاصة”. وقد أدى ذلك إلى توسيع نطاق المشاركة ليشمل “الحوار بين المسؤولين الدبلوماسيين والدفاع على مستوى نواب الوزراء”.
كما قامت كوريا الجنوبية بتوسيع علاقاتها مع السعودية إلى ما هو أبعد من النفط. حيث قام صندوق الاستثمارات العامة في السعودية بشراء 38٪ من أسهم شركة بوسكو للهندسة والإنشاءات مقابل 1.1 مليار دولار في عام 2015. وأنشأ البلدان لجنة رؤية 2030 الكورية-السعودية التي تستهدف خمس قطاعات: الطاقة والتصنيع؛ والبنية التحتية الذكية والرقمنة؛ وبناء القدرات؛ والرعاية الصحية وعلوم الحياة؛ والمشاريع الصغيرة والمتوسطة والاستثمار. وقد تم بالفعل الاتفاق على عشرات المشاريع، بما في ذلك قطاعات بناء السفن والسيارات والبتروكيماويات والطاقة المتجددة والمعدات الطبية.
منذ عام 2015، امتد تعاون سيول مع الكويت إلى الصناعات الكثيفة التكنولوجيا، مثل الشبكات الذكية والبحث والتطوير في المباني الموفرة للطاقة. وفي عام 2020، وقعت قطر صفقة ضخمة بقيمة 19 مليار دولار مع ثلاث شركات كورية جنوبية لشراء 100 سفينة غاز طبيعي مسال حتى عام 2027.
على الساحة الدبلوماسية، تقدم تجربة كوريا الجنوبية في ضغطها على كوريا الشمالية للتخلي عن برنامجها للأسلحة النووية، رغم محدودية التأثير، درساً لدول الخليج العربية حول كيفية موازنة مصالحها بدقة مع إيران. فاجتماعات القمة بين الكوريتين، ودور كوريا الجنوبية في تسهيل التقارب بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، واستخدام دورة الألعاب الأولمبية الشتوية 2018 لتعزيز السلام تعتبر دروساً دبلوماسية مفيدة للغاية للمنطقة. في الواقع، قبل القمم الكورية في عام 2018، تساءل البعض عما إذا كان من الممكن استنساخ سياسات “الشمس المشرقة” و”القمر المنير” في الخليج.
كما قامت سيول بالمناورة من خلال العقوبات المفروضة على إيران، وتمكنت من الحفاظ على علاقات إيجابية مع الولايات المتحدة ودول الخليج العربية وإيران طوال فترة التوتر في العقد الماضي. في شهر فبراير/شباط، وافقت سيول على الإفراج عن حوالي مليار دولار من حوالي 7 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة في بنوكها لتسهيل الإفراج عن ناقلة النفط التي استولت عليها طهران.
وعلى قدر مماثل من الأهمية نجحت كوريا الجنوبية في استخدام القوة الناعمة لموسيقى الكيبوب والأطباق الشهية مثل الكيمتشي والبيبيمباب، التي تحظى بشعبية كبيرة بين شباب الخليج. كما تعمل المراكز الثقافية واللغوية الكورية على تعزيز العلاقات بين الشعوب.
في السنوات الأخيرة، إلى جانب الروابط الاقتصادية، كان هناك تركيز على السياسة الخارجية واستراتيجيات التنويع الأمني في المنطقة، التي تلعب كوريا الجنوبية دوراً فيها. وكجزء من دبلوماسية القوة المتوسطة، نشرت كوريا الجنوبية قواتها البحرية في الخارج لأول مرة في عام 2009 بانضمامها إلى فرقة العمل المشتركة 151 لتصبح جزءاً من عملية متعددة الجنسيات لمكافحة القرصنة في خليج عدن والقرن الأفريقي. وفي حين كان هذا جهداً جماعياً، كانت كوريا الجنوبية تهدف أيضاً إلى حماية سفن الصيد والتجارة والطاقة الخاصة بها، وهي مصالح مرتبطة بالمخاوف الأمنية في المنطقة. وتم وضع وحدة شانغهاي (Cheonghae Unit) الكورية، المتمركزة قبالة سواحل عمان، في الخدمة في عام 2019 وسط هجمات على السفن البحرية والتوترات الأمريكية-الإيرانية في مياه الخليج.
في أوائل عام 2020، وسعت وزارة الدفاع الكورية الجنوبية من منطقة انتشار وحدتها العسكرية لمكافحة القرصنة، العاملة قبالة سواحل الصومال، لتصل إلى مياه الخليج. ولكن من أجل تحقيق التوازن في علاقاتها مع إيران، أعلنت أنها لن تكون جزءاً من بعثة الولايات المتحدة البحرية، حتى ولو شاركت في تبادل المعلومات.
علاوة على ذلك، تم نشر وحدة أخ (Brother بالإنجليزية) من القوات الخاصة التابعة للجيش في الإمارات على أساس التناوب السنوي منذ يناير/كانون الثاني 2011 لإجراء تدريبات مشتركة. وبعد أيام من هجمات 14 أيلول/ سبتمبر 2019 على المنشأتين النفطيتين السعوديتين في بقيق وخريص، طلبت الرياض مساعدة سيول لتطوير نظام الدفاع الجوي في المملكة.
في الوقت الذي تواجه فيه كل من السعودية والإمارات رقابة متزايدة من الكونجرس على مبيعات الولايات المتحدة من المعدات الدفاعية، كان ثمة جهود لزيادة موردي الأسلحة. وتعد كوريا الجنوبية جزءاً من هذا المزيج، ولا سيما في قطاعي الأسلحة الخفيفة والمتوسطة. وقد ازدادت مبيعاتها العالمية من الأسلحة بنسبة 143٪ منذ عام 2015، حيث أصبحت تركيا والسعودية أكبر المشترين من الشرق الأوسط.
وقعت الشركة السعودية للصناعات العسكرية مع مجموعة هانوها الدفاعية الكورية الجنوبية على اتفاقية لمشروع مشترك في عام 2019 لتصنيع وبيع مجموعة من الأسلحة. تتضمن الصفقة بنداً لتقييم توسيع خطوط إنتاجها لتشمل “الصواريخ والمدفعية والمركبات القتالية والأنظمة البحرية وأنظمة القيادة والتحكم، إضافة إلى المنتجات المتعلقة بالاستخبارات والرصد والاستطلاع”.
بشكل عام، حققت كوريا الجنوبية ودول الخليج العربية نمواً كبيراً وعميقاً في مجالات الطاقة والتجارة والعلاقات الدبلوماسية والأمنية. وللمضي قدماً، يمكن أن تكون تجربة كوريا الجنوبية في توسيع الاقتصاد من خلال تطوير مواردها البشرية بنجاح ذات قيمة عالية للجهود التي تبذلها المنطقة لبناء اقتصاد يقوم على المعرفة ويحمل مفتاح مستقبل مستقر ومزدهر. وزد على ذلك، فإن التركيز الجديد على ديناميكيات الثورة الصناعية الرابعة وتوليد الطاقة الهيدروجينية والتجارة الإلكترونية يجعل من تعاون كوريا الجنوبية بأبعاده المتعددة مع شركائها الخليجيين شيئاً خاصاً وذكياً واستراتيجياً.