لا يقتصر التعاون في مجال الطاقة على كونه عاملاً أساسيًا في العلاقات الاقتصادية الصينية-الخليجية، ولكنه يعتبر أيضًا عاملًا في العلاقات الثلاثية – المشحونة في معظم الأحيان - بين الولايات المتحدة والدول الخليجية والصين.
إن الدعوة الموجهة للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإيران – إلى جانب دول أخرى – للانضمام إلى عضوية مجموعة بريكس (BRICS) تؤكد الروابط المتنامية بين الدول الخليجية والقوى الاقتصادية العالمية الكبيرة مثل الصين. وفي حين لم تكن مهمة منتدى الأعمال السعودي-الصيني واضحة بما فيه الكفاية، إلا أن انطلاقته في 16 أغسطس/آب في بكين تحت رعاية وزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان ماجد بن عبد الله الحقيل تزامنت مع توقيع 12 اتفاقية بقيمة إجمالية تبلغ حوالي 1.33 مليار دولار على شكل استثمارات تم التعهد بها. وتساهم مثل هذه الموجات من النشاط التجاري على مستوى الشركات وتوسيع الروابط بين المؤسسات في خلق شعور متزايد بالزخم الاقتصادي بين دول الخليج والصين.
ومع ذلك، تظل العلاقات في مجال الطاقة الدافع الرئيسي للعلاقات الاقتصادية بين الصين ودول الخليج. في الواقع، إن النتائج المباشرة التي أسفر عنها منتدى أغسطس/آب تبدو ضئيلة للغاية مقارنة بالاتفاقيات الأخيرة في قطاع الطاقة. ففي مارس/آذار على سبيل المثال، أنفقت شركة أرامكو السعودية 3.6 مليار دولار للاستحواذ على حصة تبلغ 10٪ في شركة كبيرة لتكرير النفط في الصين. مهدت هذه الصفقة الطريق أمام زيادة الواردات الصينية من النفط الخام السعودي، ومن المتوقع ارتفاعها إلى 40٪ في سبتمبر/أيلول بالرغم من أن تمديد خفض إنتاج النفط الطوعي، الذي أعلنت عنه السعودية حتى نهاية عام 2023 قد يغير أنماط الشراء على المدى القصير. وإلى جانب كونها الركيزة الأساسية في العلاقات الاقتصادية بين الصين ودول الخليج، فإن ديناميكيات قطاع الطاقة تلعب كذلك دورًا نافذًا في القضايا الإقليمية الرئيسية التي تؤثر على مصالح الولايات المتحدة.
الروابط الاقتصادية
تحتل روابط الطاقة مكانة الصدارة في العلاقات الاقتصادية بين معظم دول الخليج والصين، وليس من المرجح أن تتغير هذه الديناميكية بشكل جذري في المستقبل المنظور. تعد السعودية أهم الشركاء في مجال الطاقة للصين في منطقة الخليج، لكن هذه القصة ليست سعودية بحتة، ولا تتمحور فقط حول صادرات النفط الخام وصفقات التكرير. في يونيو/حزيران، وقعت مؤسسة البترول الوطنية الصينية مع شركة قطر للطاقة صفقة لمدة 27 عامًا لتوريد 4 ملايين طن متري من الغاز الطبيعي المسال، واستحوذت مؤسسة البترول الوطنية الصينية على حصة تبلغ 5% في مشروع توسيع الغاز الطبيعي المسال في قطر. وجاءت هذه الصفقة بعد توقيع صفقة غاز طبيعي مسال مماثلة مدتها 27 عامًا مع سينوبك [مؤسسة الصين للبترول والكيماويات] في عام 2022.
في غضون ذلك، زار وفد عماني رفيع المستوى الصين في يونيو/حزيران لاستكشاف فرص تعزيز التعاون في قطاعي الطاقة والمعادن. وفي فبراير/شباط، وقعت الشركة العمانية للغاز الطبيعي المسال اتفاقية شروط ملزمة لتزويد شركة الصين الدولية الموحدة للبترول والكيماويات بمليون طن متري من الغاز الطبيعي المسال سنويًا ابتداء من عام 2025. وتشحن عُمان بالفعل حوالي 80٪ – أو أكثر في بعض الأشهر- من صادرات نفطها الخام إلى الصين، وشكلت صادرات النفط العُمانية ما نسبته 42.5% من قيمة إجمالي الصادرات العُمانية في عام 2021. لا تكشف هذه البيانات سوى ومضات لصورة مؤثرة أكبر فيما يتعلق بعلاقات الطاقة.
ويتجه إجمالي التدفقات التجارية والاستثمارية بين الصين ودول الخليج بشكل كبير نحو قطاع الطاقة. وعلى الرغم من جهود التنويع الاقتصادي المتواصلة في جميع أنحاء المنطقة، إلا أن صادرات الخليج إلى الصين لم تتنوع إلى حد كبير، وتتألف في معظمها من النفط الخام والغاز الطبيعي المسال. وظل هذا التوجه ثابتًا تمامًا على مدى السنوات الماضية على الرغم من حدوث بعض التغييرات الطفيفة في قيمة صادرات السلع، والأهمية النسبية لشركاء التصدير.
وعلى نحو مماثل، تكشف تدفقات الاستثمارات الصينية إلى دول الخليج عن تركيز قوي على قطاع الطاقة. ووفقًا لبيانات مرصد الاستثمار الصيني العالمي التابع لمعهد أمريكان انتربرايز (American Enterprise Institute)، فإن قطاع الطاقة يمثل الجزء الأكبر من القيمة التراكمية للاستثمار والبناء الصيني في معظم دول الخليج. وفي حين يعد النقل والعقارات من القطاعات المهمة الأخرى، إلا أنها غالبًا ما تظل ذات مكانة ثانوية مقارنة بقطاع الطاقة.
إن أي جهود أميركية لمواجهة النفوذ الاقتصادي الصيني في دول الخليج يجب أن تتعامل مع الحقائق الصعبة المتمثلة في التدفقات في مجالات الطاقة والاستثمارات. إن العلاقات الخليجية-الصينية التي تركز على الطاقة تميل لصالح الصين: فأهمية الصين بالنسبة للموردين الخليجيين تفوق إلى حد كبير أهمية الخليج بالنسبة للمشترين الصينيين، ولا سيما على مستوى العلاقات الثنائية في مجال الطاقة. ينطوي نهج أمن الطاقة لبكين على إستراتيجية متنوعة للاستيراد – فيما يتعلق بكل من الموردين والسلع – وضمان توفر مصادر الطاقة المحلية التي يمكن الاعتماد عليها في حالة حدوث أي اضطرابات. تعد روسيا وأستراليا، على سبيل المثال، من أكبر موردي النفط الخام والغاز الطبيعي للصين.
قيام الصين بتنويع الشراكات في مجال الطاقة يتيح لها الفرصة للانخراط في علاقات نفعية. أتاح قيام الصين باستيراد الخام الروسي بأسعار مخفضة في أعقاب غزو أوكرانيا لروسيا أن تحل محل السعودية كأكبر مورد للنفط الخام للصين في أوائل عام 2023. ومع ذلك، فإن التنافس الشديد مع الهند للحصول على الخام الروسي دفع المشترين الصينيين إلى زيادة واردات النفط الخام الإيراني، والتي من المتوقع أن تصل إلى 1.5 مليون برميل يوميا في أغسطس/آب – وهذا يعد من أعلى المستويات منذ ما يقارب عقد من الزمن. يشير أحد التقديرات إلى أن هذا المستوى من صادرات النفط إلى الصين سيوفر إيرادات شهرية لإيران بما يقارب من 3.30 مليار دولار. سعت العديد من الإدارات الأمريكية إلى مستوى ملائم من الضغط على النظام الإيراني، وتظل قدرة الحكومة الإيرانية على توليد الدخل من قطاع الطاقة من أهم الحسابات التي تشكل توجه السياسة الخارجية الأمريكية نحو إيران، عدا عن كونها موضوعًا ساخنًا في السياسة الأمريكية الداخلية. ولا يزال أولئك الذين يشترون النفط الإيراني، مثل مصافي النفط الصينية، يواجهون خطر أن يصبحوا هدفًا للعقوبات الأمريكية، حتى لو تضاءلت الإرادة السياسية في فرض العقوبات.
مسألة العُملة مهمة
عدا عن وجهات التصدير، فإن العملات المستخدمة لتسوية مبيعات النفط والغاز الخليجي تعد مهمة أيضًا. ففي حين أن البترودولار لا يزال مهيمنًا، إلا أن المسؤولين الصينيين يضغطون لمزيد من التداول باليوان في تجارة النفط والغاز، وخاصة منذ زيارة الرئيس الصيني شي جين بينج الهامة إلى المنطقة في ديسمبر/كانون الأول 2022. وفي مارس/ آذار أنجزت الصين أول صفقة طاقة تمت تسويتها باليوان لشراء الغاز الطبيعي المسال الإماراتي في بورصة شانغهاي للبترول والغاز الطبيعي. تشير تعليقات المسؤولين السعوديين والتقارير الإعلامية إلى اعتبارات جدية حول إعادة تشكيل الكيفية التي تنتهجها السعودية في تسوية الترتيبات التجارية، على الرغم من أن المملكة لم تتخذ بعد أي خطوات حاسمة من شأنها أن تعرقل هيمنة الدولار.
كانت مسألة التخلص من الدولار وآفاق إنشاء أنظمة مالية بديلة من المواضيع التي تمت مراقبتها عن كثب خلال قمة مجموعة بريكس في أغسطس/آب في جنوب أفريقيا – حيث وجه الأعضاء دعوة إلى السعودية والإمارات وإيران ومصر واثيوبيا والأرجنتين للانضمام إلى مجموعة الاقتصادات الناشئة الرئيسية. ومع ذلك، لم تنبثق عن القمة أي مبادرة ملموسة لمنافسة الدولار الأمريكي. إن السعي للحصول على ضمانات بألا تقوم السعودية بإجراء أي تغييرات كبيرة على سياستها في تجارة الطاقة العالمية، ولا سيما فيما يتعلق بشركاء مثل الصين، والتي من شأنها أن تضر بهيمنة الدولار، قد تظهر كجزء من الجهود المستمرة التي يبذلها المسؤولون الأمريكيون لتأمين صفقة كبرى بين الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل بشأن تطبيع العلاقات بين إسرائيل السعودية.
التعاون المستقبلي في مجال الطاقة
وتستعد الأطراف الفاعلة والمنظمات الصينية للقيام بدور أكبر لدعم الطموحات الخليجية في مجال الطاقة النووية، ما من شأنه أن يزيد من الحساسيات المرتبطة بالطاقة النووية ومخاطر انتشارها في المنطقة. وفي مايو/أيار، وقعت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية ثلاث اتفاقيات مع منظمات الطاقة النووية الصينية. وتفيد التقارير بأن المسؤولين السعوديين يدرسون عرضًا من الصين – وعروضًا أخرى من فرنسا وروسيا – لبناء محطة للطاقة النووية. وينظر لهذه الاعتبارات على أنها جزء من ضغط سعودي لتأمين مساعدة الولايات المتحدة في تطوير القدرات النووية المدنية، وهو ما يعبر أيضًا عن مطلبٍ هام في صفقة التطبيع المحتملة بين السعودية وإسرائيل.
وعلى نحو مماثل، فإن طموحات الدول الخليجية في أن تصبح من كبار الموردين العالميين للهيدروجين تقدم فرصًا جديدة للصين – من خلال توفير التقنيات الحيوية مثل المحللات الكهربائية، أو العمل كشريك في مجالات أخرى من التعاون المتعلقة بالهيدروجين، أو إمكانية أن تصبح سوقًا للتصدير في المستقبل. تتصدر الصين دول العالم في إنتاج الهيدروجين، ولكن بأشكال كثيفة الانبعاثات، ولدى تحالف الهيدروجين الصيني مبادرة لرفع حصة الهيدروجين في مزيج الطاقة الصيني إلى 20% بحلول عام 2060.
ربما تؤدي الجهود الخليجية الرامية لإنتاج هيدروجين نظيف في نهاية المطاف إلى دعم هدف الصين المتمثل في الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2060. خلال زيارة الرئيس شي للرياض في ديسمبر/كانون الأول 2022، وقعت السعودية والصين مذكرات تفاهم بشأن طاقة الهيدروجين، وبدأ مجلس الشورى السعودي بالموافقة على صفقات التعاون في مجال طاقة الهيدروجين النظيفة في مارس/آذار. يقوم أحد الأبعاد الرئيسية لمشروع نيوم السعودي على الهيدروجين الأخضر. وتسعى كل من عُمان والإمارات لأن تصبحا رائدتين في إنتاج وتوريد الهيدروجين منخفض الكربون على المستوى العالمي.
ومع اقتراب انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (كوب 28) في دبي، من المرجح أن يتنامى النفوذ الصيني أكثر فيما يتعلق بموقف دول الخليج بشأن التغير المناخي والتحول العالمي في مجال الطاقة. وقد شاركت أطراف صينية فاعلة لسنوات في مجال الطاقة الشمسية في منطقة الخليج، فضلاً عن الممولين والمطورين المؤثرين في قطاع الطاقة المتجددة على نطاق أوسع. وفي هذه الأثناء، أطلق المركز الصيني العربي الدولي لأبحاث الجفاف والتصحر وانجراف التربة الدفعة الأولى من المشاريع التعاونية.
الكل لديه مشاكل
سوف تظل عائدات الواردات الصينية لسلع الطاقة الخليجية مصدرًا حيويًا لإيرادات القطاع العام، حيث تتولى حكومات الخليج إدارة التداعيات المحلية المترتبة على التحول العالمي في مجال الطاقة، وتحقق تقدم في مبادرات مكلفة لتنويع الاقتصاد. وتشكل الصناعات ذات التقنية العالية، مثل الذكاء الاصطناعي، ركيزة أساسية لجهود التنويع الاقتصادي في الخليج، خاصة في السعودية والإمارات، اللتين تتنافسان على شراء رقائق شركة إنفيديا العالية الأداء. وفي هذه الأثناء، أفادت التقارير أن الولايات المتحدة وسعت القيود المفروضة على رقائق الذكاء الاصطناعي المتطورة خارج الصين لتشمل دول الشرق الأوسط.
تشكل الحالة المضطربة للاقتصاد الصيني مخاوف إضافية للمنتجين الخليجيين الذين يعولون على الطلب القوي على الطاقة من الصين. كان الانتعاش الاقتصادي في البلاد بطيئًا في عام 2023، والقطاع العقاري في أزمة، كما أن انخفاض عدد السكان يشكل “معضلة ديموغرافية“، ويتحدث المحللون عن “فخ الانكماش” و”كوفيد اقتصادي طويل الأمد.” وفي حين أن الطلب الصيني على سلع الطاقة الخليجية لن ينضب بين عشية وضحاها، إلا أن أياً من هذه العوامل لا يبشر بالخير بشكل خاص فيما يتعلق بالشراكة بين الصين ودول الخليج في مجال الطاقة على مدى السنوات المقبلة. الشيء المؤكد الوحيد هو أن علاقات الطاقة بين الصين ودول الخليج سوف تتطور – مع تباين في التداعيات على دول الخليج والمصالح الأمريكية في المنطقة.
من غير المرجح أن تتمكن أرامكو من الحفاظ على سياستها الحالية في توزيع عائدات الأسهم في ظل غياب انتعاش قوي في عائدات النفط. وقد يؤدي تخفيض الأرباح الموزعة إلى آثار سلبية على الأوضاع المالية للحكومة وصندوق الاستثمارات العامة.
عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستخلق خطوط تماس وتوتر داخلية يمكن أن تؤدي إلى توترات اجتماعية وسياسية جديدة. إضافة إلى خطوط تماس أخطر خارجياً، قد تزج الولايات المتحدة في حرب تجارية مع الصين.
على صعيد العلاقات الأمريكية-الخليجية، سترث إدارة هاريس إطار عمل راسخ للمضي قدماً، ومن غير المرجح أن تتخلى عنه.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.