ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
المواجهة العسكرية الأخيرة بين قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة وقوات موالية للنظام السوري حاولت التقدم ضد موقع لقوات سوريا الديمقراطية المتحالفة مع الولايات المتحدة شرق نهر الفرات، وأدت إلى مقتل أكثر من 100 عنصر من القوات المهاجمة، كانت متوقعة وحتى حتمية، لأنها تعكس السياسة الثابتة لنظام الأسد وحليفيه الرئيسيين إيران وروسيا، أي استعادة السيطرة على أكبر قدر ممكن من الأراضي السورية التي وقعت تحت سيطرة القوى المعادية للنظام في دمشق خلال السنوات السبع الماضية.
وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس قال إن الضربات الجوية الأمريكية كانت “دفاعية محضة” لصد هجوم “لا مبرر له”، ضد منطقة تتواجد فيها عناصر من القوات الخاصة الأمريكية مكررا موقف الحكومة الأمريكية التقليدي من الصراع بين نظام الأسد وقوى المعارضة “نحن لا نشارك في الحرب الأهلية السورية”. هذه الضربات الأمريكية، هي الأولى من نوعها منذ الخطاب الذي ألقاه في منتصف الشهر الماضي وزير الخارجية ريكس تيلرسون حول سوريا، وأعلن فيه أن القوات الأمريكية سوف تبقى منتشرة في شرق شمال سوريا بشكل مفتوح. خطاب تيلرسون وتصريحات العسكريين الأمريكيين في الأسابيع الأخيرة، تؤكد أن واشنطن تعتبر نهر الفرات بمثابة خط أحمر يفصل قواتها وقوات حلفائها المحليين المنتشرين شرق النهر، وقوات النظام السوري وحلفائه غرب النهر. الضربات الأمريكية، عكست إرادة أمريكية باستخدام القوة (الجوية بالدرجة الأولى) للدفاع ليس فقط عن قواتها وقوات حلفاؤها، بل أيضا عن مكتسباتها العسكرية التي حققتها في الحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في السنوات الماضية. المسؤولون الأمريكيون يقولون إن بقاء القوات الأمريكية في شرق وشمال سوريا يهدف بشكل أساسي إلى منع عودة إرهابيي “الدولة الإسلامية” إلى تلك المناطق، ولكن كما أوضح تيلرسون في خطابه، فإن واشنطن تريد استخدام وجودها العسكري في سوريا لإضعاف النفوذ الإيراني، وتسهيل عودة اللاجئين والمقاتلين السوريين إلى ديارهم والتأثير على العملية السياسية في سوريا في مرحلة ما بعد الأسد، من خلال وضع دستور جديد وإجراء انتخابات نزيهة.
ولكن على الرغم من الأهمية التكتيكية للضربات الأمريكية الأخيرة ضد القوات الموالية لنظام الأسد، إلا أنها لا تغير أبدا من طبيعة التوازنات العسكرية الراهنة في سوريا، كما لا تغير من حقيقة أن الرئيس السوري، بفضل التدخل الجوي الروسي، والدور الميداني للحرس الثوري الإيراني والميليشيات الشيعية المتحالفة معه (من لبنانية وعراقية وافغانية وباكستانية)، والتي قدرها تشارلز ليستر الباحث البارز في معهد الشرق الأوسط في واشنطن بـ 150 ألف عنصر، قد استعادت السيطرة على مناطق هامة كانت تحتلها قوى معارضة مختلفة الاتجاهات مناوئة للنظام منذ التدخل الروسي العسكري في سوريا في 2015. هذا الدعم الخارجي وفّر أيضا “للأسد الانتصار في حربه للبقاء في السلطة” كما قالت مارا كارلن من جامعة جونز هوبكينز في واشنطن للجنة الفرعية لشؤون الشرق الأوسط التابعة للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، خلال جلسة استماع حول مستقبل سوريا عقدتها في السادس من الشهر الجاري.
في البدء كانت جنيف
التغييرات والتحولات السياسية والميدانية التي شهدتها سوريا خلال سنواتها السبع العجاف مدهشة ومدوية. وما بدأ كانتفاضة شعبية ضد نظام طاغ، تحول إلى حرب إقليمية ودولية بالوكالة، ودخل في مراحل تستحق وصفها بحرب الجميع ضد الجميع، وحرب خصوم اليوم الذين كانوا بالأمس حلفاء مرابطين في الخندق ذاته. اجتياح الجيش التركي لمنطقة عفرين السورية وضع معارضة سورية ضد نظام الأسد، ولكن حليفة لتركيا، في مواجهة مع معارضين أكراد وعرب لنظام الأسد.
هذه المتغيرات العديدة، لم تخف حقيقة وجود ثوابت معينة لعل أبرزها هو وضوح الأهداف الاستراتيجية للتحالف الثلاثي ( نظام الأسد وروسيا وإيران)، وتحديدا منع سقوط النظام السوري، وضرورة بقاء الأسد في السلطة. وخلال المراحل العسكرية والسياسية المختلفة التي مرت فيها حرب، أو حروب سوريا، والمواقف التضليلية للنظام السوري ولروسيا حول إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية والحديث المستمر عن مؤتمرات السلام، أبقى التحالف الثلاثي اهتمامه مركزا على الحلول العسكرية. في المقابل رأينا أن “أصدقاء سوريا” لم يؤمنوا ولو ليوم واحد، أن للقوة العسكرية دور هام، بما في ذلك دورها في دعم التسوية السلمية. الدعم العسكري المحدود الذي قدمته إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، لم يكن هدفه اسقاط نظام الأسد، بل ارغامه فقط على دخول المفاوضات. في البدء رأينا اهتمام إدارة أوباما والأمم المتحدة مركزا على ما سمي “عملية جنيف”، ورأينا الاجتماعات الطويلة والمملة بين وزير الخارجية الأمريكية جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف، حين لم يخف الروس استخفافهم بالطروحات الأمريكية وعملية جنيف، التي يمكن وصفها بالميتة، وأن لم يتم نعيها رسميا حتى الآن. بعد جنيف، تحول الاهتمام الدبلوماسي شرقا إلى مدينة أستنة عاصمة كازاخستان والتي جرى فيها توقيع اتفاقية “مناطق خفض التصعيد” في آيار/مايو الماضي بين تركيا وروسيا وإيران التي يفترض أن تخفض اعمال العنف وحماية المدنيين وضمان وصول الامدادات الانسانية إلى المناطق المحاصرة. ويقضي الاتفاق ايضا وقف الهجمات ضد المناطق المحمية، الا اذا استهدفت هذه الهجمات تنظيم “الدولة الاسلامية” أو “هيئة تحرير الشام” التي كانت تعرف في السابق بجبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة. ومع نمو النفوذ الروسي في سوريا، قرر الرئيس فلاديمير بوتين وضع منتجع سوتشي على الخريطة السياسية، التي شهدت قمة روسية-تركية-إيرانية حول سوريا، حيث غاب عنها كما غاب عن اتفاقية “مناطق خفض التصعيد” العرب.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية، صعّدت قوات التحالف الثلاثي هجماتها الجوية والبرية ضد “مناطق تخفيض التصعيد”، وخصوصا الغوطة الشرقية القريبة من دمشق، كما شملت الهجمات منطقة تخفيض العنف في محيط مدينة درعا الجنوبية (وهي الاتفاقية الوحيدة التي شاركت فيها الولايات المتحدة والأردن). الهجمات العشوائية والوحشية ضد المدنيين أدت إلى مقتل المئات، ما دفع بالأمم المتحدة إلى المطالبة بوقف إطلاق النار لمدة شهر لإيصال الامدادات الانسانية للمنكوبين وخاصة في الغوطة الشرقية، ولمعالجة “الوضع الخطير، الذي لم نر مثله من قبل”. وقال نائب الأمين العام للأمم المتحدة ومنسق الإغاثة الانسانية لسوريا بانوس مومتزيس إن المنظمة الدولية عاجزة عن معالجة “التدهور الخطير في الوضع الانساني” خلال الشهرين الماضيين، بعد أن منعت قوات النظام الامدادات من الوصول إلى الغوطة التي يقطنها 400 ألف مواطن سوري منذ تشرين الثاني/نوفمبر الماضي والتي تعرضت إلى قصف جوي مكثف من قبل الطائرات الروسية والسورية. تصعيد الهجمات ضد “مناطق خفض التصعيد”، والهجمات ضد محافظة إدلب، يأتي بعد تحقيق النظام السوري وحلفائه لانتصارات ميدانية بعد دحر التحالف الدولي تنظيم “الدولة الإسلامية”، الأمر الذي شجع نظام الأسد على الإسراع لبسط سيطرته على دير الزور ومحيطها شرق البلاد. هذه الهجمات التي يقودها النظام بدعم من الطائرات الروسية والقوات الإيرانية وحلفائها، هي دليل آخر على أن جميع المبادرات الهادفة إلى إنهاء القتال، بما في ذلك قرارات وقف إطلاق النار المحدودة، ومناطق تخفيض التصعيد، والمؤتمرات في جنيف وآستنة وسوتشي، كانت تهدف إلى المماطلة وشراء الوقت، والسماح للنظام في دمشق بتركيز العمليات العسكرية وحجمها على أعدائه الكثر.
خلال جلسة الاستماع للجنة الفرعية للشرق الأوسط يوم الثلاثاء الماضي، رسم أربعة خبراء في الشؤون السورية صورة قاتمة لمستقبل سوريا المنظور، وتوقعوا استمرار النزاع لسنوات هناك، وتفادوا الحديث عن إمكانية تحقيق سلام في أي وقت قريب، وقالوا إن سوريا سوف تبقى مفككة في المستقبل المنظور. السفير السابق لدى سوريا روبرت فورد توقع أن تتعرض القوات الأمريكية في سوريا إلى هجمات من قبل النظام أو من قبل القوى الموالية له. وأضاف فورد، أن وجود حوالي الفين جندي أمريكي شرق نهر الفرات، لن يغير أبدا من سلوك النظام في دمشق، كما أن هذا الوجود العسكري المحدود لن يقلص من نفوذ إيران في سوريا.
وأعرب فيصل عيتاني الباحث البارز في المجلس الأطلسي في واشنطن، عن تأييده للأهداف التي ذكرها الوزير تيلرسون في خطابه، ولكنه شدد على “عدم تطابق الوسائل مع (هذه) الأهداف”، مضيفا “أن مزيجا من القوات الجوية الروسية، والقوى المتحالفة معها، والتجاهل الدولي لما يجري في سوريا، سمح للأسد بقلب سنوات من الخسائر، وهو إلى حد كبير يريد هزيمة الانتفاضة. وهو ينتصر الان في الحرب…”.