ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
في حوار مع معهد دول الخليج العربية في واشنطن، أُجري يوم 11 ديسمبر/كانون الأول، أعرب قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الجنرال مظلوم “كوباني” عبدي عن قلقه العميق بشأن بدء القوات المدعومة من تركيا، الجيش الوطني السوري، بدعم عسكري تركي، هجوماً على مدينة كوباني، ذات الأغلبية الكردية، في شمال شرق سوريا. وأشار عبدي إلى التغييرات الاستراتيجية الضخمة التي حدثت في سوريا في أعقاب سقوط نظام الرئيس بشار الأسد خلال الأسبوع الماضي، حيث أشار إلى أنها قد أثرت على ديناميكيات توازن القوى في مختلف مناطق النزاع في البلاد. أكد الجنرال عبدي أن الجيش الوطني السوري شن الهجوم من مدينة منبج، وهي مدينة تقع على الضفة الأخري لنهر الفرات، والتي سيطر عليها الجيش الوطني السوري قبل أيام فقط، ضمن اتفاق مع قوات قسد بوساطة من القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا. وتعرضت مدينة كوباني لغارات جوية تركية، وتم ضرب الخطوط الأمامية الكردية التي تحرس المدينة بالمدفعية. وأشار عبدي إلى أن الجيش الوطني السوري حاول في العاشر من ديسمبر/كانون الأول عبور جسر قره قوزاق الاستراتيجي على نهر الفرات، لتحديد مواقع القوات من أجل شن هجوم بري على المدينة، لكن القوات الكردية تمكنت من التصدي لهم.
دواعي القلق
أوضح الجنرال عبدي ثلاثة مخاوف بشأن الهجوم الذي تقوده تركيا على كوباني.
أولا، سيعطل هذا الهجوم المعركة المشتركة بين الولايات المتحدة وقوات قسد ضد تنظيم داعش. حالياً، قامت الولايات المتحدة بنشر حوالي 900 عنصر من القوات الخاصة في شمال شرق سوريا لدعم قوات قسد في الحرب ضد التنظيم. وبعيداً عن الغارات المنتظمة لمكافحة الإرهاب، التي تنفذها القوتان معاً (بمشورة ومساعدة الولايات المتحدة)، ركز الجنرال عبدي على السجون المعرضة للخطر في جميع أنحاء المنطقة الشمالية الشرقية، حيث تحتجز قوات قسد نحو 10 آلاف من مقاتلي تنظيم داعش، وكثير منهم من المتطرفين المتمرسين على القتال، الذين يُعتبرون طليعة الجيل التالي من تنظم داعش إذا هربوا من هذه السجون. وأشار الجنرال عبدي إلى أن أعداداً متفاوتة من الحراس الأكراد في السجون المؤقتة ينحدرون من من كوباني ومحيطها. ومن المؤكد أنهم سيتخلون عن مواقعهم، ويعودون إلى المدينة للمساعدة في الدفاع عنها وعن عائلاتهم في حال ساء الوضع. وأعرب عن قلق مماثل بشأن الأمن في المعسكرات التي تؤوي أفراد عائلات عناصر تنظيم داعش، بما في ذلك معسكر الهول الممتد على مساحات شاسعة، ويضم أكثر من 50 ألف شخص، والقلق بشأن سلسلة القواعد النائية للعسكريين الأميركيين، والتي يتولي الجنود الأكراد حمايتها. تعد مدينة كوباني أهم مدينة كردية في النصف الغربي من شمال شرق سوريا.
ثانيًا، كانت كوباني موقعاً لمعارك عنيفة في عام 2019، وفي وقت سابق عندما فشل هجوم الجيش الوطني السوري عليها بقيادة تركيا. وأعرب الجنرال عبدي عن قلقه من أن ترتكب هذه القوات فظائع انتقاماً للهزائم السابقة التي ألحقتها بها القوات الكردية في كوباني.
ثالثًا، حذر عبدي من حدوث تطهير عرقي إذا تم اجتياح مواقع الأكراد في المدينة. وأشار إلى أن مثل هذا “التغيير الديموغرافي” حدث بعد هجمات مماثلة بقيادة تركيا، مستشهداً، على سبيل المثال، بمدينة عفرين الكردية في شمال غرب سوريا، التي استولت عليها نفس التشكيلات من الجيش الوطني السوري والقوات التركية في عام 2018. وأكد أن عشرات الآلاف من المدنيين الأكراد فروا من هجوم عفرين وهم على حافة الموت، ثم لم يُسمح لهم بالعودة إلى منازلهم وأعمالهم ومزارعهم. وتمت إعادة توطين العائلات العربية هناك بدلاً من ذلك، وتم جلب إداريين من تركيا لإدارة المدينة. وأشار عبدي إلى أن تلك الأحداث، وحالات هروب مماثلة للأكراد، بسبب هجوم القوات التي تقودها تركيا على مدى السنوات العديدة الماضية، قد تسببت في ضغط شديد على المؤسسات المدنية التابعة لقوات قسد. أما سكان عفرين، الذين تمت إعادة توطينهم في مخيمات أعدت على عجل في منطقة تل رفعت، فقد تم ترحيلهم مؤخراً مرة أخرى بسبب القتال في معركة حلب في أوائل ديسمبر/كانون الأول، حيث زاد ذلك من إرهاق قوات قسد.
إشادة محسوبة بالدعم الأمريكي
وفي سؤال له عن مدى رضاه عن الدعم الأميركي في الأزمة الحالية، أجاب عبدي بلهجة متزنة، معبراً عن امتنانه للزيارة التي قام بها قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال مايكل كوريلا (Michael Kurilla) في العاشر من ديسمبر/كانون الأول، والتصريحات الأخيرة التي أدلى بها كبار المسؤولين لدعم قوات قسد، مثل تصريح وزير الدفاع لويد أوستن (Lloyd Austin) في الحادي عشر من ديسمبر/كانون الأول خلال زيارته لليابان. وأعرب عبدي عن أمله في أن يقوم وزير الخارجية أنتوني بلينكين، في زيارته إلى تركيا في الثالث عشر من ديسمبر/كانون الأول، بالضغط على المسؤولين الأتراك لإيقاف الهجوم العسكري على كوباني، مشيراً إلى الحاجة الماسة لمواصلة القتال ضد تنظيم داعش.
التواصل مع حركة تحرير الشام
إن الموقف في المنطقة الشمالية الشرقية متغير باستمرار مع تقدم عناصر هيئة تحرير الشام إلى المنطقة. فقد تولى عناصر هيئة تحرير الشام السيطرة على مدينة دير الزور الشمالية الشرقية في العاشر من ديسمبر/كانون الأول، بعد خروج قوات قسد. وأبلغ عبدي معهد دول الخليج العربية في واشنطن أن قواته تولت السيطرة على المدينة قبل بضعة أيام فقط، بعد التشاور مع القوات الأمريكية والروسية، نظراً للاضطرابات في سوريا حيث كان النظام ينهار؛ وخرجت قواته مع اقتراب هيئة تحرير الشام، لكنها لا تزال تسيطر على جزء كبير من المحافظة مترامية الأطراف. وبشكل عام، وصف الجنرال عبدي العلاقات مع هيئة تحرير الشام بأنها بناءة، ولكنها مقتصرة حتى الآن على الاتصالات على المستوى التكتيكي، مثل إجراءات تسهيل إجلاء المدنيين. وأعرب عن رضاه عن أن هيئة تحرير الشام قالت حتى الآن إنها غير مهتمة بالدخول في قتال مع قوات قسد لمنافستها في السيطرة على الأراضي في المنطقة الشمالية الشرقية. وأعرب الجنرال عبدي عن أمله في أن تستمر هذه الديناميكيات، لكنه أقر بأن الوضع ديناميكي وأن الحسابات، على سبيل المثال فيما يتعلق “بالموارد الطبيعية”، قد تتغير في نهاية الأمر، في إشارة غير مباشرة إلى سيطرة قوات قسد على جزء كبير من مناطق إنتاج النفط، المحدود ولكن المهم، في سوريا.
هل تستطيع قوات قسد الصمود أمام هجوم تركي آخر في الشمال الشرقي؟
بعد الهجوم التركي على شمال شرق سوريا في خريف عام 2019، أوقفت قوات قسد جميع عملياتها القتالية ضد تنظيم داعش، وحافظت على هذا الموقف لأسابيع. وقد ساءت العلاقات مع الولايات المتحدة بشكل ملحوظ. بعد اتفاق وقف إطلاق النار الذي تفاوض عليه نائب الرئيس مايك بنس حينئذ في أنقرة، ثم تراجع ترامب عن قراره سحب القوات الأمريكية من سوريا، ووافق الجنرال عبدي في النهاية على استئناف عمليات مكافحة الإرهاب المهمة ضد تنظيم داعش. استهدفت القوات التي تقودها تركيا مدينة كوباني في ذلك الوقت أيضاً، لكنها ركزت جهودها في النهاية على منطقة آمنة أكبر في الشرق على الحدود التركية بعمق 15 ميلاً وعرض 50 ميلاً، والتي مُنحت في النهاية لتركيا كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار عام 2019. في المحادثات التي جرت في ذلك الوقت، أصر الجنرال عبدي على أن الولايات المتحدة، من خلال مسئولين علي أعلى المستويات، وافقت على إخبار تركيا بوقف الهجوم على كوباني. ونظراً لأهمية مدينة كوباني بالنسبة للأكراد السوريين، وخاصة أولئك الذين يقاتلون في قوات قسد (ينحدر الجنرال عبدي من تلك المنطقة)، فإذا تصاعد الهجوم الحالي ونجح، وانتهى الأمر بتطهير عرقي للمدينة، التي يبلغ عدد سكانها 40 ألف نسمة غالبيتهم من الأكراد، من الصعب تصور كيف سيتمكن الجنرال عبدي من استئناف العمليات ضد تنظيم داعش.
قد لا يصمد التعاون الأميركي-الكردي ضد داعش إذا سقطت كوباني
هناك سيناريوهات يمكن للجنرال عبدي من خلالها أن يحافظ، مع قواته التي يقودها الأكراد، على موقعهم في شمال شرق سوريا خلال الأشهر المقبلة، ومواصلة القتال مع الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش، على الرغم من كل ما تشهده سوريا من تغيير واضطرابات محتملة في أجزاء رئيسية من البلاد. ولن يكون أي من هذه السيناريوهات أمراً يسيراً، لكن المؤكد هو أن سقوط كوباني سيجعل مثل هذه السيناريوهات في غاية الصعوبة. من غير المرجح أن تتمكن الولايات المتحدة من الحصول على موافقة الجنرال عبدي الضمنية على قبول المكاسب التركية التي تنطوي على خسارة مدينة كوباني، كما فعلت واشنطن مع اتفاق وقف إطلاق النار عام 2019. ومن بين الأسباب الأخرى، إن كوباني كانت المدينة التي سلحت فيها الولايات المتحدة الأكراد في البداية، وقاتلت معهم في نهاية المطاف خلال أشهر من القتال الدامي لدحر تنظيم داعش، وهي نقطة تحول مبكرة بالغة الأهمية في القتال ضد التنظيم، ومصدر الكثير من السرديات التي تدعم التعاون الكردي-الأمريكي في شمال شرق سوريا. لقد ساعد الدعم الأميركي الحاسم آنذاك، والذي قدمته مجموعة صغيرة من القوات الخاصة الأميركية المتمرسة والقوية (والقوة الجوية التي كان بوسع هذه القوات الاستعانة بها)، في إنقاذ كوباني في عامي 2014 و2015، وفتح الطريق أمام التعاون الواسع والناجح، بشكل لافت، مع الأكراد السوريين الذي أعقب ذلك. وإذا خسر الأكراد كوباني، فمن الصعوبة بمكان أن نتخيل كيفية استمرار هذا التعاون مع الولايات المتحدة.