ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
منذ هجوم حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، انخرطت إيران ووكلاؤها وحلفاؤها في حرب كلامية ضد إسرائيل والولايات المتحدة. كانت الكلمات أحيانًا مسبوقة أو متبوعة بهجمات طائرات مُسيرة أو بصواريخ أو بقذائف ضد القوات الإسرائيلية والأمريكية في شمال إسرائيل والعراق وسوريا. وردت إسرائيل والولايات المتحدة بالمثل، الأمر الذي أثار القلق بشأن تصاعد الصراع بين إسرائيل وحركة حماس في إقليم الشرق الأوسط الكبير. ولكن ما مدى حقيقة خطر نشوب حرب إقليمية؟ يشير عدد القتلى من حلفاء إيران في لبنان وشمال إسرائيل، وربما في سوريا، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول إلى أن هذه الهجمات كانت في الأساس مسرحية تكتيكية. حيث كانت الهجمات محدودة النطاق، وكانت في الأساس بمثابة إعلانات رمزية عن التضامن مع حركة حماس، وربما كانت تهدف أيضًا لتعقيد الحسابات الإسرائيلية والأمريكية، وليس لإثارة حرب إقليمية. إذا اندلعت حرب إقليمية، فإن ذلك سيكون بمحض الصدفة، وليس عن قصد.
وقد ادعى مسؤولو حزب الله اللبناني في عدة مناسبات، وقد يكونون صادقين في ذلك، أنهم لم يكونوا على علم مسبق بتوغل حركة حماس. ومع ذلك، في الثامن من تشرين أكتوبر/تشرين الأول، قصف حزب الله منطقة مزارع شبعا المتنازع عليها، ما أسفر، وفقًا للتقارير المعلنة، عن تدمير موقع رادار إسرائيلي. ورد جيش الدفاع الإسرائيلي بضربات مدفعية وهجوم بطائرات مسيرة في جنوب لبنان، ما أسفر على ما يبدو عن مقتل أربعة من مقاتلي حزب الله. وفي حين ظلت القيادة السياسية لحزب الله صامتة في ذلك الوقت، إلا أن محمد يزبك، عضو مجلس شورى حزب الله، قد أوضح، في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول، أن قصف حزب الله كان “يهدف إلى إرسال رسالة شكر إلى مقاتلي المقاومة في فلسطين”، وحذر إسرائيل من مغبة “تجاوز الخط الأحمر للمقاومة”. إحدى طرق تفسير تصريحات يزبك هي أن القصف كان رمزيًا إلى حد كبير، وأن حزب الله لا يرغب في حرب مع إسرائيل.
ثم، في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول، أوردت التقارير مقتل ثلاثة من عناصر حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية أثناء تسللهم إلى الأراضي الإسرائيلية من لبنان. وقُتل في اليوم نفسه ثلاثة من مقاتلي حزب الله في تبادلات منفصلة لإطلاق النار مع القوات الإسرائيلية. وليس من المعروف ما إذا كان مقاتلو حزب الله قد قُتلوا لأنهم أطلقوا النار على القوات الإسرائيلية أو أنه تم استهدافهم ردًا على توغل مقاتلي حركة الجهاد الإسلامي إلى شمال إسرائيل. ومع استمرار وقوع أحداث بسيطة بين جيش الدفاع الإسرائيلي وحزب الله، قال حسن فضل الله، وهو برلماني لبناني ومؤيد لحزب الله، في 15 أكتوبر/تشرين الأول، “نحن مستعدون لأي احتمال، وجميع الخيارات مطروحة على الطاولة، لكننا لا نريد الكشف عن تحركاتنا القادمة، وهذا جزء من الصراع!”
كما كان الغموض الاستراتيجي الذي يكتنف موقف حزب الله الموضوع الرئيسي لخطاب هاشم صفي الدين، رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله، والذي يُعرف على نطاق واسع بأنه الرجل الثاني في قيادة الحزب. وقال صفي الدين لدى استقباله وفدًا من مراسلي وسائل الإعلام الإيرانية، الخاضعة للرقابة الحكومية، في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني، “لن نكشف عن ماهية رد فعلنا” على الحرب في غزة “ولا عن مستواه وتوقيته، وذلك لأن استراتيجيتنا لا تنطوي في جوهرها على الإدلاء بتصريحات أو تعهدات”. كما أنه اعترف صراحة بأن الهدف من الاشتباكات الحدودية بين حزب الله وإسرائيل هو “إجبار الجيش الصهيوني على إرسال قوات النخبة المخصصة لغزة إلى شمال إسرائيل لمواجهة حزب الله”.
وأخيرًا في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني، كسر الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، صمته وألقى خطابًا متلفزًا، كان مرتقبًا إلى حد كبير، حول الصراع بين إسرائيل وحركة حماس، أي بعد شهر تقريبًا من اندلاع الصراع. وأظهرت الشاشة آية قرآنية تقول: “قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين”. وفي حين بدا صوت نصر الله وسلوكه قتاليًا، فإن جوهر الخطاب لم يكن كذلك. وأصر نصر الله على أن حركة حماس خططت للهجوم بشكل سري، وأنه لم يكن لحزب الله وإيران أي دور فيه. وادعى أن كل الخيارات مطروحة على الطاولة أمام الميليشيا اللبنانية، لكنه لم يصل إلى حد إعلان الحرب على إسرائيل. ومنذ ذلك الحين، ووسائل الإعلام الخاضعة للرقابة الحكومية في إيران تشيد بـ “الغموض الاستراتيجي” الذي اكتنف خطاب نصر الله، والذي من المفترض أن يعقد الحسابات الاستراتيجية لإسرائيل والولايات المتحدة.
من السابع من أكتوبر/تشرين الأول وحتى السابع من نوفمبر/تشرين الثاني، تم قتل 59 مقاتلاً من حزب الله، وسبعة من مقاتلي الجهاد الإسلامي، وقائد من حركة حماس في شمال إسرائيل ولبنان، وربما في سوريا. وكما هو الحال مع تصريحات مسؤولي “حزب الله”، فإن الأرقام المنخفضة نسبيًا تشير إلى أن حزب الله لا ينوي التورط في الصراع بين إسرائيل وحماس.
قتلى حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي في شمال إسرائيل ولبنان وربما سوريا من 7 أكتوبر وحتى 7 نوفمبر
بالإضافة إلى ذلك، أعلنت حركة الحوثي اليمنية مسؤوليتها عن هجمات الصواريخ والطائرات المسيرة التي استهدفت إسرائيل في 31 أكتوبر/تشرين الأول، ويشتبه أيضًا أنها نفذت هجومًا في 19 أكتوبر/تشرين الأول استهدف إسرائيل والقواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة. في حين قدمت وسائل الإعلام، التي تعكس وجهة نظر حرس الثورة الإسلامية في إيران، تصريحات المتحدث العسكري باسم الحوثيين على أنها “إعلان حرب”. لم ترد تقارير عن المزيد من الهجمات الحوثية ضد القوات الإسرائيلية أو الأمريكية (باستثناء إسقاط طائرة مسيرة أمريكية في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني).
ويبدو أن حلفاء إيران ووكلاءها الآخرين يتبعون خطًا مماثلاً لخط حزب الله والحوثيين. في 30 أكتوبر/تشرين الأول، أفادت وزارة الدفاع الأمريكية أنه في الفترة من 17 وحتى 30 أكتوبر/تشرين الأول، “تعرضت القوات الأمريكية والقوى المتحالفة معها للهجوم 14 مرة منفصلة على الأقل في العراق، وتسع مرات منفصلة في سوريا، من خلال مزيج من الطائرات الهجومية المسيرة أحادية الاتجاه والصواريخ، ليصل المجموع إلى 23 هجومًا حتى الآن.” وتركزت الهجمات إلى حد كبير على القوات الأمريكية والقوى المتحالفة معها في قاعدة عين الأسد الجوية في العراق، وقاعدة التنف في سوريا، وغيرها من المواقع في العراق وسوريا. وقد أعلنت عدة ميليشيات شيعية عراقية غير معروفة، مثل المقاومة الإسلامية في العراق وتشكيل الوارثين، عن مسؤوليتها عن هذه الهجمات، وتقدم كل من هاتين المجموعتين نفسيهما كجزء من “المقاومة الإسلامية،” وهو المصطلح الذي يربطهما بوكلاء إيرانيين آخرين أكثر شهرة ورسوخًا في العراق. كما أن هذه الهجمات كانت محدودة أيضًا، وأفادت الأنباء الواردة بأن الولايات المتحدة تمكنت من تحييد معظمها. وكما هو الحال مع استفزازات حزب الله المحدودة ضد القوات الإسرائيلية، فإن هذه الأحداث الصغيرة لا تشير إلى أن إيران أو وكلاءها وحلفاءها العراقيين يسعون بجدية إلى حربٍ ضد الولايات المتحدة.
يبدو أن إيران وحلفاءها ووكلاءها منخرطون في مسرحيات تكتيكية بدلاً من إثارة حرب معلنة. بيد أن هذه الأعمال المسرحية قد تقود في أسوأ الأحوال إلى إشعال حرب إقليمية تريد كافة الأطراف المشاركة تجنبها.
إن الآراء الواردة هنا هي آراء خاصة بالكاتب أو المتحدث، ولا تعكس بالضرورة آراء معهد دول الخليج العربية في واشنطن أو موظفيه أو مجلس إدارته.