حينما انعقدت اجتماعات أوبك بلس، ازداد النقاشات حول سعر النفط الذي تحتاجه السعودية والدول الرئيسية الأخرى المنتجة للنفط لتحقيق التوازن في ميزانياتها. غالبًا ما يستخدم “سعر التعادل المالي للنفط” كمقياس للوضع المالي في الدول المصدرة للنفط – إذا كان هذا السعر أعلى أو أقل من السعر السائد في السوق، فإن هذا يعد من علامات الضعف أو القوة المالية. يشير المحللون ضمنيًا، في بعض الأحيان، إلى أن قرارات الإنتاج الخاصة بتحالف الدول المنتجة للنفظ من داخل منظمة أوبك وخارجها مدفوعة برغبة كبار المنتجين في دفع سعر النفط إلى مستوى سعر التعادل. وفي حين أن سعر التعادل المالي للنفط يتميز بالبساطة، إلا أنه ينطوي على العديد من العيوب تجعل من غير المفيد استخدامه موجهًا للسياسة المالية وسياسة إنتاج النفط في السعودية.
سعر التعادل المالي للنفط
سعر التعادل المالي للنفط هو سعر النفط الذي يحقق التوازن لميزانية الحكومة (أي تساوي الإيرادات مع النفقات، بحيث لا يكون هناك فائض أو عجز) وذلك بالنظر لإنتاج النفط الفعلي أو المتوقع والإيرادات غير النفطية والنفقات. هنالك سعر تعادل خارجي مكافئ للنفط يعمل على موازنة الحساب الجاري الخارجي، حيث تكون صادرات السلع والخدمات بالإضافة إلى الدخل مساوية للواردات من السلع والخدمات بالإضافة إلى الديون. ينشر صندوق النقد الدولي تقديرات التعادل المالي (والخارجي) لأسعار النفط لبلدان منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في تقريره “آفاق الاقتصاد الإقليمي” نصف السنوي.
مخاطر سعر التعادل المالي للنفط
إن جاذبية سعر التعادل المالي للنفط واضحة- حيث يمكن لرقم واحد أن يقدم صورة بسيطة وجذابة عن الوضع المالي للدولة. إن مقارنة سعر النفط في السوق بسعر التعادل المالي يوضح ما إذا كانت الميزانية ستشهد فائضًا أو عجزًا. إن لهذا السعر استخدامات على أرض الواقع. على سبيل المثال، يمكن حساب سعر التعادل المالي عندما يتم إغلاق الحسابات السنوية للحكومة، ويسلط مستواه على مدى فترة زمنية الضوء على ضغوط الميزانية وكيفية تطورها. التوجه نحو زيادة هذا السعر يشير إلى أن الميزانية أصبحت أكثر اعتمادًا على أسعار النفط، وبالتالي فهي أكثر عرضة للمخاطر في حال تراجع الأسعار في المستقبل.
ومع ذلك، هناك على الأقل ثلاث نقاط ضعف مهمة في حساب سعر التعادل المالي للنفط تقوض الفائدة المرجوة منه.
أولاً، إن إنتاج النفط والعائدات غير النفطية والنفقات تتغير بشكل مستمر يصعب التنبؤ به. ومع تغير هذه العوامل، يتغير كذلك سعر التعادل المالي للنفط. لذلك من الممكن أن يتغير هذا السعر بصورة كبيرة في غضون ستة أشهر مقارنة بالسعر اليوم على سبيل المثال. إن انخفاض إنتاج النفط والإنفاق الحكومي الإضافي وانخفاض الإيرادات الضريبية غير النفطية سيزيد سعر التعادل المالي للنفط المتوقع (والعكس صحيح).
بالنسبة للسعودية، يتغير إنتاج النفط والنفقات، غالبًا، بشكل ملموس وبسرعة. مع وجود احتياطي نفطي كبير وسياسة واضحة لضبط الإنتاج بشكل فعال اعتمادًا على ظروف العرض والطلب في السوق العالمية، فإن إنتاج النفط يصبح أكثر تغيرًا بالنسبة لدولة تنتج دائمًا بكامل طاقتها. تاريخيًا، كان الإنفاق الحكومي يميل أيضًا إلى الزيادة مع ارتفاع أسعار النفط، ما يعني أن سعر السوق وسعر التعادل المالي للنفط غالبًا ما يتحركان معًا.
في تقرير “آفاق الاقتصاد الإقليمي” لصندوق النقد الدولي الصادر في خريف عام 2022، كان من المتوقع أن يصل سعر التعادل المالي للنفط في السعودية في ذلك العام إلى 73.30 دولار للبرميل، ولكن بحلول ربيع عام 2023، ارتفع هذا السعر ليصل إلى 85.80 دولار للبرميل، حيث كانت الصادرات النفطية أدنى من التوقعات، وارتفع الإنفاق الحكومي في أواخر العام. في الواقع، منذ عام 2018، ارتفعت تقديرات صندوق النقد الدولي لسعر التعادل المالي للنفط من التقدير الأول إلى التقدير النهائي في كل الأعوام باستثناء 2020.
“التقدير الأول” مأخوذ من تقرير “آفاق الاقتصاد الإقليمي” الصادر في ربيع العام السابق، والتقدير “الفعلي” مأخوذ من تقرير “آفاق الاقتصاد الإقليمي” الصادر في ربيع العام التالي. على سبيل المثال، بالنسبة لعام 2018، “التقدير الأول” مأخوذ من تقرير “آفاق الاقتصاد الإقليمي” الصادر في ربيع 2017 والتقدير “الفعلي” مأخوذ من تقرير “آفاق الاقتصاد الإقليمي” الصادر في ربيع 2019.
بالانتقال إلى عام 2023، تم تقدير سعر التعادل المالي للنفط عند 80.90 دولار للبرميل في تقرير “آفاق الاقتصاد الإقليمي” الصادر في شهر مايو/أيار، بناءً على متوسط الإنتاج البالغ 10.49 مليون برميل يوميًا. قامت السعودية بتخفيض إنتاجها بمقدار 500 ألف برميل يوميًا في مايو (كجزء من تخفيضات أوبك بلس)، وأعلنت بعد ذلك عن تخفيض إضافي من جانب واحد بمقدار مليون برميل يوميًا في شهر يوليو/تموز (تم تمديده حتى أغسطس/آب). إذا تم الحفاظ على هذه التخفيضات الإضافية حتى نهاية عام 2023، فإن سعر التعادل المالي للنفط سيرتفع إلى حوالي 88 دولارًا للبرميل. وهذا يوضح معضلة التفكير بأن قرارات السعودية بشأن إنتاج النفط تهدف إلى تحريك أسعار السوق لتتناسب مع سعر التعادل المالي للنفط. ومع انخفاض إنتاج النفط في الأشهر الأخيرة، ارتفع سعر التعادل المالي للنفط.
أما نقطة الضعف الثانية فهي، على عكس الافتراض الأساسي لحساب سعر التعادل المالي، فإن الحكومة لا تحتاج لتحقيق التوازن في ميزانيتها كل عام. حيث من الممكن أن يكون الفائض أو العجز أو التوازن مناسبًا اعتمادًا على الوضع الاقتصادي واحتياجات الاستدامة طويلة المدى. تمتلك السعودية واحدة من أدنى نسبة المديونية الحكومية إلى الناتج المحلي الإجمالي في دول مجموعة العشرين ولديها أصول مالية كبيرة. ونظرًا لهذا الوضع المالي القوي الذي تحسد عليه، تتمتع الحكومة بمرونة كبيرة في سياستها، ويمكنها إدارة وتمويل العجز المالي بمنتهى السهولة. في حين تسعى الحكومة إلى تحفيز نمو القطاع الخاصة غير النفطي وتنويع الاقتصاد، يمكن للعجز المالي أن يكون منطقيًا، لا سيما إذا تم ضخ مستوى معقول من الاستثمارات في رأس المال المادي والبشري.
أخيرًا، عادةً ما تركز حسابات سعر التعادل المالي للنفط على ميزانية الحكومة المركزية. وهذا لا يعد مقياسًا شاملاً للسياسة المالية في البلدان التي تقوم فيها هيئات عامة بنفقات نيابة عن الحكومة. في السعودية، يتزايد إنفاق القطاع العام خارج نطاق الحكومة المركزية من خلال صندوق الاستثمارات العامة وصندوق التنمية الوطني. ينبغي أن يؤخذ مثل هذا الإنفاق من خارج الميزانية بعين الاعتبار إلى جانب الإنفاق من الميزانية في أي تحليل للسياسة المالية. إن تغطية الحكومة المركزية تقلل من قيمة الاحتياجات المالية- حيث يتم التقليل من قيمة سعر التعادل المالي للنفط بشكل فعال.
الحاجة لتحليل متكامل
بدلاً من البحث في سعر التعادل المالي للنفط، من الضروري إجراء تحليل شامل لميزانية الحكومة وديونها والأصول الصافية لفهم الوضع المالي في السعودية وأي انعكاسات تطرأ على سياسة سوق النفط نتيجة لذلك. لا بد أن يستند هذا التحليل إلى توقعات الوضع الاقتصادي وسياسات الإيرادات والإنفاق المعلنة للحكومة، مع مراعاة مدى فاعلية تنفيذ هذه السياسات في الماضي. كما يجب أن يؤخذ في الاعتبار كيفية تطور عائدات النفط. إن عائدات النفط لا تعتمد على السعر والإنتاج فحسب، وإنما تعتمد كذلك على تفاصيل تحويل الإيرادات من شركة النفط إلى الميزانية من خلال الضرائب والرسوم وأرباح الأسهم. من الناحية المثالية، سوف يستند التحليل أيضًا إلى مقاييس أوسع للقطاع العام تشمل صندوق الاستثمارات العامة بدلاً من الاقتصار على الحكومة المركزية. يمكن بعد ذلك استخدام هذه التوقعات لتقييم استدامة السياسة المالية بالنظر إلى المديونية الحالية ووضع الأصول المالية، ومدى تأثر الميزانية الحكومية بالتطورات غير المتوقعة، مثل جائحة فيروس كورونا.
من شأن هكذا تحليل مفصل توضيح أنه، حتى لو كان سعر النفط في السوق أقل بكثير من سعر التعادل المالي، فإنه لا داعي للقلق بشأن الاستدامة المالية في السعودية في الوقت الحالي. يكون الوضع المالي قوي للغاية مع انخفاض مستويات الديون ووجود أصول مالية كبيرة، وكون سوق الاستدانة والصكوك الإسلامية متطور بشكل جيد ومتزايد حيث يمكن للحكومة الاقتراض منه. لذلك، لدى المملكة قدرة كبيرة على إدارة العجز المالي وتمويل خطط التنويع الخاصة بها على المدى القريب، وليست بحاجة لاتخاذ قرارات بشأن إنتاج النفط تستهدف محاولة تحقيق التوازن في الميزانية في اجتماعات أوبك بلس القادمة.
من غير المرجح أن تتمكن أرامكو من الحفاظ على سياستها الحالية في توزيع عائدات الأسهم في ظل غياب انتعاش قوي في عائدات النفط. وقد يؤدي تخفيض الأرباح الموزعة إلى آثار سلبية على الأوضاع المالية للحكومة وصندوق الاستثمارات العامة.
عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستخلق خطوط تماس وتوتر داخلية يمكن أن تؤدي إلى توترات اجتماعية وسياسية جديدة. إضافة إلى خطوط تماس أخطر خارجياً، قد تزج الولايات المتحدة في حرب تجارية مع الصين.
على صعيد العلاقات الأمريكية-الخليجية، سترث إدارة هاريس إطار عمل راسخ للمضي قدماً، ومن غير المرجح أن تتخلى عنه.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.