ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
في 23 يناير/كانون الثاني، استأنف الرئيس دونالد ترامب ولايته الثانية من حيث انتهت الأولى، حيث أعاد تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية. وهو ما يُظهر أن هذا الأمر التنفيذي يهدد بحرب موسعة في اليمن، حيث ينص على أن “سياسة الولايات المتحدة اليوم تتمثل في التعاون مع شركائها الإقليميين للقضاء على قدرات الحوثيين وعملياتهم، وحرمانهم من مواردهم، وبالتالي إنهاء هجماتهم على العسكريين والمدنيين الأمريكيين، وشركاء الولايات المتحدة، وحركة الشحن البحري في البحر الأحمر”.
جاء قرار ترامب في أعقاب إعلان وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وبعد بيان الحوثيين في 19 يناير/كانون الثاني بالتعهد بوقف هجماتهم على الشحن التجاري في البحر الأحمر طالما استمر وقف إطلاق النار. وقام الحوثيون في وقت لاحق بالإفراج عن طاقم سفينة جالاكسي ليدر (Galaxy Leader)، وهي سفينة شحن كانوا قد استولوا عليها قبل أكثر من عام.
يعد الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب، من عدة جوانب، بمثابة محاولة لإنكار انتصار الحوثيين في البحر الأحمر. فعلى مدار أكثر من عام، دأبت الجماعة على استهداف السفن التجارية وسفن البحرية الأمريكية. وقد جربت إدارة الرئيس السابق جوزيف بايدن استراتيجية الدفاع والردع والإضعاف التي لم تجدِ نفعًا في ردع الحوثيين أو إضعافهم. في الواقع، قام الحوثيون في الأسابيع الأخيرة بتوسيع قائمة أهدافهم، وأطلقوا صواريخ على إسرائيل، ما استدعى قيام إسرائيل بتوجيه عدد من الضربات المضادة.
على العكس من حركة حماس وحزب الله، المدعومين من إيران، واللتان تقلصت قدراتهما بشكل كبير منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، فإن الحوثيين قد تكبدوا خسائر قليلة نسبياً على مدى الأشهر الخمسة عشر الماضية، بل يبدو أن الجماعة قد استفادت بعدة طرق من هجماتها الصاروخية.
على الصعيد الداخلي، رسخت الجماعة التأييد لنفسها، وأسكتت منتقديها الداخليين من خلال انخراطها في العمل العسكري ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، وهما الجهتان اللتان لا تحظيان بشعبية كبيرة لدى كافة الأطياف السياسية في اليمن. كما استفاد الحوثيون من تأثير ظاهرة “الاصطفاف الوطني”، بحيث كلما زاد القصف الأمريكي والإسرائيلي للحوثيين، زادت شعبيتهم.
وعلى الصعيد الإقليمي، أثبت الحوثيون أنهم حليف ناجع لإيران، حيث قاموا بتحويل مكونات الصواريخ التي هرّبتها إيران لداخل البلاد لشن هجمات على إسرائيل. ومع مرور الوقت، وإذا لم تتمكن حركة حماس وحزب الله من استعادة قواهما، فإن ذلك قد يفضي إلى زيادة كمية الدعم الإيراني للجماعة. وبطبيعة الحال، فإن جزءاً من نجاح الحوثيين يعزى لجغرافية منطقتهم المواتية؛ فالجماعة تسيطر على جزء كبير من الساحل اليمني على طول البحر الأحمر، وليس لها حدود مشتركة مع إسرائيل، وهو ما يجعل الضربات الانتقامية الإسرائيلية أكثر صعوبة. ومن خلال مواجهتها لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل، وضعت الجماعة أيضاً خصومها العرب، مثل السعودية، في موقف صعب. فعلى الرغم من أن السعودية تخوض حرباً مع الحوثيين منذ ما يقرب العقد من الزمن، إلا أن المملكة رفضت الانضمام للتحالف البحري بقيادة الولايات المتحدة لمحاربة الحوثيين، ويعزى ذلك، إلى حد كبير، لاعتبار أن الجماعة تدافع عن الفلسطينيين. في حال انسحاب السعودية بالكامل من اليمن، من المرجح أن يتحرك الحوثيون للسيطرة على حقول النفط والغاز في مأرب، ما من شأنه أن يعزز قبضتهم على السلطة بشكل كامل. والشيء الوحيد الذي حال دون ذلك حتى الآن هو وجود غطاء جوي سعودي في مأرب. ومن مأرب، سيكون الحوثيون في وضع جيد يسمح لهم بالتحرك إلى شبوة ومنها إلى حضرموت، ما من شأنه أن يقضي فعلياً على أي آمال في قيام دولة غير حوثية في جنوب اليمن.
أما على الصعيد الدولي، فقد تمكن الحوثيون من تعزيز روابطهم مع روسيا، التي كانت تبحث عن وسيلة فعالة لمواجهة الدعم العسكري الأمريكي لأوكرانيا. وفي حال نضجت هذه الروابط وأفضت إلى تقديم المعدات والمساعدات، يمكن أن يتحول الحوثيون تدريجياً إلى تهديد عسكري أكبر. كما استنزف الحوثيون مخزون الأسلحة الأمريكية من خلال إجبارها على إطلاق أكثر من 200 قذيفة صاروخية، بتكلفة تزيد كثيراً على 500 مليون دولار. والأهم من مجرد التكلفة الباهظة هو حقيقة أن القذائف الصاروخية التي تطلقها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لا يمكن استخدامها في منطقة المحيط الهادي، وتجديد المخزون قد يستغرق سنوات. وأخيراً، وربما الأهم من ذلك كله، هو أن الحوثيين قد أنهوا الحرب بشروطهم الخاصة، وسمحوا لأنفسهم بإعلان النصر على كل من الولايات المتحدة وإسرائيل.
يهدف الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب إلى تقويض هذا النصر المزعوم للحوثيين بطريقتين. الأولى، وهي الأكثر وضوحاً، أن هذا الأمر التنفيذي ينطوي على تهديد بالقيام بعمل عسكري مباشر ضد الحوثيين، ما من شأنه أن يرفع احتمالية انجرار الولايات المتحدة إلى صراع آخر طويل الأمد في الشرق الأوسط، وتعد هذه المخاوف بحد ذاتها سبب اتباع إدارة بايدن نهجاً حذراً في محاربة الحوثيين.
الثانية، قام ترامب بتوجيه تعليماته للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بـ “إنهاء علاقتها مع الهيئات التي قدمت أموالاً للحوثيين، أو تلك التي عارضت الجهود الدولية لمواجهة الحوثيين، وتغض الطرف عن إرهاب الحوثيين وانتهاكاتهم”. وإذا ما تم تفسير ذلك بشكل واسع، فإنه سيؤدي لقطع الولايات المتحدة الدعم عن الأمم المتحدة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، والسعي لفرض عقوبات على المنظمات والهيئات التي تقدم المساعدات في تلك المناطق. لطالما استخدم الحوثيون المدنيين اليمنيين كرهائن لابتزاز المجتمع الدولي، مستخدمين بذلك المساعدات الإنسانية كسلاح فعال، وقد ساير المجتمع الدولي، بما فيه الولايات المتحدة، هذا الأمر لأنه لا يريد أن يرى الوضع الإنساني الكارثي يزداد سوءاً. إن إدارة ترامب تعطي الاعتبارات السياسية الأولوية على الاعتبارات الإنسانية، وتراهن على أنه إذا أصبح انعدام الأمن الغذائي والمجاعة سيئين بما فيه الكفاية في اليمن، فإن ذلك سيفضي لإضعاف قبضة الحوثيين على السلطة.
ينطوي كل من جانبي أمر ترامب التنفيذي على مخاطر كبيرة، فما أسهل أن تجد الولايات المتحدة نفسها متورطة في حرب أوسع نطاقاً في اليمن لدرجة ألا تجد طريقها للخروج منها. وعلى نحو مماثل، ليس هناك ما يضمن أن يصل الجياع لوضع يسمح لهم بالانتفاض ضد الحوثيين، أو أن تتوفر لديهم الرغبة للقيام بمثل هذه الانتفاضة، ولكن الشيء المؤكد هو أن الحوثيين يشكلون الآن تحدياً كبيراً للولايات المتحدة، وأن النهج الحذر لم يجدِ نفعاً.