في 20 أكتوبر/تشرين الأول، من المقرر أن يتوجه حوالي 3 ملايين كردي إلى صناديق الاقتراع لانتخاب ممثليهم في الانتخابات التشريعية السادسة في منطقة إقليم كردستان العراق. ثمة رهانات كثيرة في هذه الانتخابات لأن نتائجها قد تغير خريطة الحكم في إقليم كردستان، وتؤثر على الديناميكيات السياسية داخل إقليم كردستان وفي العراق.
وفي حين أن هذه الانتخابات المحلية حاسمة، إلا أن العديد من المسؤولين والمواطنين الأكراد منشغلون على حد سواء، وبشكل متزايد، بالتطورات خارج نطاق حدودهم – وتحديدًا، الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني. فهم يتساءلون أي المرشحين سيكون الأفضل للشعب الكردي- المرشحة الديمقراطية نائبة الرئيس كامالا هاريس أو خصمها الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب. فالذي سيفوز في الانتخابات قد يكون له تأثير كبير على مستقبل الشعب الكردي والحكم الذاتي الذي حصلوا عليه بشق الأنفس في كردستان العراق، ولا سيما في ضوء الانسحاب المزمع تنفيذه من قبل القوات العسكرية الأمريكية من العراق بحلول عام 2026. بناء على طلب من حكومة إقليم كردستان، وافقت الحكومة العراقية على السماح بالإبقاء على قوة أمريكية في قاعدة حرير في أربيل إلى ما بعد عام 2026 لمكافحة الإرهاب ودعم المهمة الأمريكية في سوريا. ومع ذلك، فهناك بعض المخاوف من أنه في حال فوز ترامب في الانتخابات المقبلة، فإنه سيسحب القوات الأمريكية بشكل مفاجئ، ولن يقلق كثيراً بشأن الاحتفاظ بقاعدة دعم لوجستي للولايات المتحدة في إقليم كردستان. وهذا سيكون له انعكاسات بالغة الأهمية بالنسبة للأكراد، الذين اعتمدوا تاريخياً على مستوى معين من الدعم الأمريكي للتحرك بفاعلية في الديناميكيات الجيوسياسية المعقدة في الشرق الأوسط، حيث غالباً ما تسعى السلطات المركزية لتقويض استقلاليتهم وقمع تطلعاتهم الوطنية.
السجل التاريخي المعقد للعلاقات الأمريكية-الكردية
بالنسبة لأكراد العراق، فإن السياسة الخارجية الأمريكية قد جاءت بمكاسب وانتكاسات. لقد تسببت الطبيعة المتقلبة للسياسة الخارجية الأمريكية في كثير من الأحيان في وقوع الأكراد في مرمى النيران المتبادلة، مع التضحية بمصالح السكان الأكراد من أجل مصالح استراتيجية أوسع.
ولقد تجلت هذه العلاقات المعقدة بشكل ملحوظ في ظل حكم الإدارات الجمهورية في الولايات المتحدة. فمن الناحية الأولى، حدثت التحولات الجيوسياسية ذات المغزى للأكراد في عهد الرؤساء الجمهوريين، بما في ذلك اتفاقية الحكم الذاتي للأكراد عام 1970، وانتفاضة عام 1991 التي أفضت إلى حكم ذاتي للأكراد في العراق، والتدخل العسكري عام 2003 الذي أسفر عن الإطاحة بصدام حسين. لقد كان لهذه اللحظات أهمية محورية في إعادة تشكيل المنطقة، وتعزيز الطموحات الوطنية الكردية. وبالرغم من ذلك، أشرفت الإدارات الجمهورية كذلك على بعض من أكثر الانتكاسات إيلاماً للأكراد، بما في ذلك انهيار الثورة الكردية في عام 1975، وسحق الانتفاضة الكردية في عام 1991 على الرغم من نجاحها الأولي، وفقدان جزء من الأراضي الكردية في العراق بعد أن أفضى الاستفتاء على الاستقلال في عام 2017 إلى نتائج عكسية.
لقد طرأ تحول محوري في الديناميكيات الجيوسياسية لإقليم كردستان العراق عندما شنت قوات الأمن العراقية، بدعم من الميليشيات الشيعية الموالية لإيران والمدججة بالأسلحة الأمريكية، هجوماً شرساً ضد المواقع الكردية في أكتوبر/تشرين الأول 2017، بموافقة ضمنية من إدارة ترامب، في أعقاب الاستفتاء الكردي على الاستقلال. وقد صورت وزارة الخارجية الأمريكية، التي تعكس سياسة إدارة ترامب، هذه المناورات العسكرية على أنها خطوة ضرورية “لإعادة التأكيد على السلطة الاتحادية” داخل العراق، والتي تهدف على ما يبدو إلى تعزيز الوحدة الوطنية. ومع ذلك، فقد أدى الهجوم إلى إجبار القوات الكردية على تسليم ما يقارب 40% من الأراضي التي كانت تسيطر عليها سابقاً. ولم تكن خسارة الأراضي هذه مجرد هزيمة عسكرية، وإنما أطلقت شرارة تأثير الدومينو الذي أضعف بشكل خطير المكانة السياسية والاقتصادية والدبلوماسية لإقليم كردستان. وقد أدى تآكل السيطرة الكردية على هذه المناطق إلى انهيار القوة التفاوضية لأكراد العراق داخل الإطار السياسي العراقي على نطاق أوسع، وتقليص سيطرتهم على الموارد الاقتصادية الاستراتيجية، وتقليص قدرتهم على المشاركة على الساحة الدولية بشكل فعال. ونتيجة لذلك، واجهت القيادة الكردية أزمة وجودية، حيث تصدوا لمضاعفات الانسحاب الاستراتيجي الذي أعاد تشكيل توازن القوى في العراق، وهدد الحكم الذاتي الذي حاربوا من أجل إقامته.
لقد عكس نموذج تآكل الحكم الذاتي لمجموعات الأقليات وتجريدها من حقوقها وجود توجه أوسع في ظل إدارة ترامب، حيث استغلت الحكومات القومية المتسلطة غياب القيادة الأمريكية عن الساحة الدولية لتعزيز سلطتها ليس فقط على حساب المعايير الديمقراطية وحقوق الإنسان، وإنما على حساب الصراعات المريرة التي بذلت من أجل الحكم الذاتي.
وجهات النظر المتناقضة للأحزاب الكردية الرئيسية
تتنوع الخيارات المفضلة للمسؤولين الأكراد فيما يتعلق بالرئاسة المحتملة لترامب أو هاريس، وغالباً ما يعكس هذا التنوع المشهد الجيوسياسي الأوسع والتحالفات الاستراتيجية للدول المجاورة. تمثل مواقف الحزب الديمقراطي الكردستاني (KDP) والاتحاد الوطني الكردستاني(PUK) الرؤية الاستراتيجية لكل منهما للنهوض بالقضية الكردية، وتشير في الوقت ذاته أيضاً إلى أي من الإدارتين الأمريكيتين التي قد تؤثر على صعود أو سقوط الحزب المنافس، نظراً لانعدام الثقة المتبادلة المستشرية بين الحزبين. وبالتالي، فإن التفضيلات المتباينة لا تسلط الضوء على الديناميكيات السياسية الكردية الداخلية فحسب، وإنما تلقي الضوء أيضاً على الشبكة المعقدة من التحالفات والمنافسات الإقليمية التي توجه الخيارات الاستراتيجية لكل من الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، حتى عندما يتعلق الأمر بتفضيلهما لإدارة ديمقراطية أو جمهورية.
يميل الحزب الديمقراطي الكردستاني، وهو الفصيل المسيطر في حكومة إقليم كردستان، للنظر إلى نهج ترامب، الذي لا يمكن التنبؤ به والمتهور في كثير من الأحيان، في السياسة الخارجية باعتباره دافعاً محتملاً لفوضى عارمة في الشرق الأوسط – فوضى من شأنها أن تخلق فرصاً جديدة للارتقاء بقضية الشعب الكردي. على الرغم من أن حكومة إقليم كردستان قد شهدت انتكاسات خطيرة خلال إدارة ترامب، إلا أن المسؤولين الأكراد، ولا سيما أعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني، قد أعربوا عن تقديرهم للوصول السريع والسهل لمسؤولي الإدارة وكبار المستشارين. ولكن لم يكن الحال كذلك خلال إدارة الرئيس جوزيف بايدن، وهو ما سبب الكثير من الإحباط لحكومة إقليم كردستان. ونتيجة لذلك، يميل الحزب الديمقراطي الكردستاني بشكل عام لإدارة ترامب، معتقدين أنها قد تسفر عن نتائج أكثر إيجابية لصالح إقليم كردستان، ما من شأنه أن يعزز مكانته السياسية والاقتصادية. في حين من الممكن لمثل هذه التحولات الجيوسياسية أن تشكل مخاطر كبيرة على تركيا، فإن تفضيل الحزب الديمقراطي الكردستاني لترامب يتماشى بشكل كبير مع تفضيل أنقرة لقيادته.
وعلى النقيض من ذلك، يشعر الاتحاد الوطني الكردستاني بالقلق إزاء عدم إمكانية التنبؤ بترامب، ويرى في هاريس الثبات والدعم للوضع الراهن. ويشير هذا التفضيل إلى طبيعة الاتحاد الوطني الكردستاني الأكثر حذراً عند تقييم المكاسب المحتملة والأضرار الناجمة عن التغيير في الإدارة الأمريكية. وتعكس وجهة النظر هذه تفضيل الحكومة العراقية الحالية وإيران، اللتين تحتفظان بعلاقات مع الاتحاد الوطني الكردستاني أفضل من علاقاتهما بالحزب الديمقراطي الكردستاني.
في حين أن التباين في وجهات النظر السياسية الكردية قد يبدو مفاجئاً للوهلة الأولى، إلا أنه يكشف عن تقييم يعبر عن السمة الرئيسية لكل من الحزبين السياسيين الأمريكيين تجاه المنطقة. فقد لعبت الإدارات الجمهورية دوراً حاسماً في إحداث تحولات جذرية في السياق الجيوسياسي في الشرق الأوسط، ما أدى إلى فتح فرص جديدة للأكراد. وقد دأبت الإدارات الديمقراطية على إعطاء الأولوية لتوطيد هذه المكاسب والمحافظة على استقرارها. وبالتالي، ففي حين كان الجمهوريون يلعبون دوراً محورياً في تغيير الواقع الكردي، كان الديمقراطيون في معظم الأحيان يلعبون دوراً حيوياً في ضمان استدامة هذه التطورات واستمراريتها.
عدم القدرة على التنبؤ مقابل الاستقرار
في ظل شرق أوسط يفتقر للاستقرار، فإن انتهاج الولايات المتحدة لسياسة خارجية مستقرة سيوفر للشعب الكردي في العراق شعوراً مؤكداً بالطمأنينة. وهذا سيمكن الأكراد من التعامل مع التحديات الديناميكية المعقدة في المنطقة، حيث تكون استقلاليتهم تحت تهديد أو تكون عرضة للتحولات السياسية وتصرفات الدول المجاورة. وفي سياق من هذا القبيل، فإن التركيز بشكل أكبر على الحفاظ على جوهر ما تبقى من المكاسب السياسية، التي تم تحقيقها بشق الأنفس، بدلاً من التعويل على مكاسب محتملة من الفوضى الخلاقة لإدارة ترامب المتهورة، والتي قد تكون انعزالية، يؤدي بنا للاستنتاج بأن إدارة هاريس ستكون الرهان الأكثر ضماناً للأكراد في العراق.