تشكل جائحة فيروس كورونا عبئاً على الاقتصادات الوطنية في جميع أنحاء العالم. وتشتد حدة هذا الأمر بشكل خاص في الدول النامية مثل السودان، التي تواجه أيضاً فيضانات قياسية ناجمة عن غزارة الأمطار الموسمية، التي دمرت أكثر من 111 ألف منزل، وقتلت ما يزيد على مئة شخص. كان السودان يكافح اقتصادياً قبل هذه الأزمات لدرجة أن الناس اعتادوا الوقوف لساعات في الطابور لابتياع الخبز ليس إلا.
تقوم دول الخليج العربية بدورٍ حاسمٍ في السودان، حيث تقدم المساعدات الطبية لمكافحة فيروس كورونا، ومساعدة الضحايا المتضررين من الفيضانات، وتوفير مبالغ كبيرة من المساعدات المالية. إن السودان الآن، وأكثر من أي وقت مضى، بحاجة إلى تدفقات ثابتة من المساعدات، ومع ذلك، فقد كانت المساعدة الخليجية للسودان ما بين مدٍّ وجزر على مدار العقدين الماضيين، مرتبطةً ارتباطًا وثيقاً بالمصالح السياسية الناشئة.
يعتمد حوالي 5.5 مليون شخص في السودان على المساعدات الخارجية. في عام 2019، كانت البلاد بحاجة إلى ما يقارب ثمانية مليارات دولار من المساعدات الخارجية لإعادة بناء اقتصادها في أعقاب انتفاضة 2018 والانقلاب الذي أطاح بالرئيس عمر البشير. وقد تسبب فيروس كورونا، منذ ديسمبر/كانون الأول 2019، في انخفاض التحويلات المالية وآفاق صادرات الثروة الحيوانية وفقًا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وكانت هنالك زيادة في أسعار المواد الغذائية الأساسية وارتفاع في نسبة البطالة. وأدت كل هذه العوامل، إلى جانب تحويل الديون المالية إلى سيولة نقدية، إلى ارتفاع التضخم المالي في السودان إلى 136٪ اعتبارًا من يونيو/حزيران، وفقًا لصندوق النقد الدولي.
مانحو المساعدات للسودان 2000-2009 (بالمليون دولار)المصدر: منظمة مبادرات التنمية بناءً على بيانات لجنة مساعدات التنمية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية
كانت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية من أكبر مانحي المساعدات للسودان منذ عام 2015على الرغم من أنه لم يكن الحال كذلك في كل الأوقات. ووفقًا لمنظمة مبادرات التنمية (Development Initiatives)، وهي منظمة تنموية دولية مقرها المملكة المتحدة، كانت الولايات المتحدة أكبر المانحين للمساعدات الإنسانية للسودان من عام 2000 إلى عام 2009. وقدمت الولايات المتحدة خلال تلك الفترة 33.9٪ من إجمالي المساعدات، ثم تليها مؤسسات الاتحاد الأوروبي التي قدمت 13.4٪ من إجمالي المساعدات الإنمائية الرسمية. ساهمت الدول العربية مجتمعة، بما فيها الإمارات العربية المتحدة والكويت والمملكة العربية السعودية، بمبلغ 146.4 مليون دولار في عام 2000، و81.8 مليون دولار في عام 2008. وبلغ مجمل المساعدات الإنسانية من الدول العربية 2.3٪ من إجمالي المساعدات المقدمة للسودان خلال الفترة من عام 2000 وحتى 2009.
هنالك تناقضٌ كبير ما بين التدفقات التاريخية للمساعدات من دول الخليج إلى السودان وبين التوجهات الأحدث للمساعدات. فقد تلقت الدولة الشرق-أفريقية أكثر من 18.04 مليار دولار من مختلف دول الخليج منذ عام 2015، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. حتى أثناء تقسيم السودان وجنوب السودان في عام 2011، عندما واجه السودان “صدمة اقتصادية” جراء فقدانه إيرادات النفط، التي تمثل أكثر من نصف عائدات الحكومة و95٪ من صادراتها، كانت المساعدات الإنسانية من دول الخليج العربية منخفضة جداً مقارنة بالمساعدات المتدفقة بعد عام 2015. عملت هذه الظروف الاقتصادية المريعة والحاجة إلى الدعم الخارجي على دفع الحكومة السودانية إلى تغيير تحالفاتها السياسية في عام 2014، وذلك بقطع علاقاتها مع إيران والتحالف مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
عززت المملكة العربية السعودية تحالفها مع السودان من خلال التبرع بمليار دولار لبنك السودان المركزي في عام 2015، والذي تزامن مع بداية التدخل الذي تقوده السعودية في الحرب على اليمن. وكانت المملكة تسعى إلى اكتساب المزيد من الحلفاء في المنطقة، واضعة نصب عينيها تجنيد جنود للقتال في اليمن بسبب عدد قواتها المحدود. بالإضافة إلى ودائع البنك المركزي، ارتفعت، بشكل كبير، المساعدات التنموية للسودان من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة منذ عام 2015. وحسب برنامج المساعدات المالية الخليجية وتعقب الاستثمار المباشر التابع لمعهد أمريكان إنتربرايز، قدمت المملكة العربية السعودية ما بين عامي 2005 و2014 ما مجموعه 333.1 مليون دولار كمساعدات مالية للسودان، في حين قدمت الإمارات 124 مليون دولار. ومنذ عام 2015، قدمت المملكة العربية السعودية للسودان 1.5 مليار دولار كمساعدات تنموية بينما قدمت الإمارات 1.6 مليار دولار.
عندما تلقت السودان هذه الزيادة في المساعدات، انضمت إلى التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن. في عام 2018، كان لدى السودان ما لا يقل عن ثلاثة ألاف جندي والعديد من الطائرات المقاتلة في البلاد. ومع ذلك، فقد قلص السودان منذ ذلك الحين من عدد جنوده في اليمن بسبب التغيير في الحكومة والضغط من الاحتجاجات المحلية المناهضة للتورط في الصراع. واعتبارًا من يناير/كانون الثاني، بقي في اليمن 657 عسكرياً سودانياً فقط. وعلى الرغم من الفوائد الاقتصادية لهذه المشاركة، تسبب دور السودان في اليمن بصدمة إضافية قوية للسكان، حيث لقي مئات الشباب حتفهم في الحرب.
لم تتأثر مساعدات قطر بالحرب في اليمن رغم تأثرها بأزمة الخليج. فقد تبرعت الدوحة بمبالغ كبيرة كمساعدات للسودان في الفترة ما بين 2012 وحتى 2017، وبحسب برنامج التعقب المالي التابع لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، كانت قطر أكبر دولة خليجية مانحة للبلاد خلال تلك الفترة. ومع ذلك، فقد تغير هذا الأمر بعد أن قطعت المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات والبحرين العلاقات الدبلوماسية مع قطر في عام 2017، وفرضوا قيوداً على حركة السلع والأفراد. وقد أسفر ذلك عن تعطيل شبكات الإمداد والتجارة في المنطقة، وأثر على المساعي الإنسانية لدولة قطر، بما في ذلك تدفق المساعدات القطرية إلى السودان. وبحسب باحثين، كان أهم تأثير للأزمة الخليجية على قطر هو الانحسار في قطاع الخدمات الإنسانية فيها، حيث قلصت العديد من المنظمات القطرية غير الحكومية من عملياتها أو أغلقت.
وكنتيجة للمقاطعة، تقلصت المساهمات القَطرية للسودان وازدادت تدفقات المساعدات من السعودية والإمارات العربية المتحدة. وبحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، تبرعت الدوحة في عام 2019 بمبلغ 8215 دولارًا – وهذه أصغر منحة منها للسودان منذ عام 2015- بينما تبرعت المملكة العربية السعودية بمبلغ 1.67 مليون دولار. وقد تركزت المساعدات الخليجية للسودان في الأشهر الأخيرة على مواجهة جائحة فيروس كورونا بشكل أساسي. أرسلت قطر والإمارات العربية المتحدة مساعدات طبية كبيرة للسودان منذ يناير/كانون الثاني.
غالباً ما تكون المساعدات الخارجية سياسية، وتتحرك وفقاً للدوافع الاستراتيجية والدبلوماسية والوطنية، والحوافز الاقتصادية والإنسانية والثقافية. يبدو أن هذا هو الحال في السودان، حيث تتزامن توجهات المساعدات مع المصالح السياسية المتغيرة لدول الخليج العربية، بما في ذلك مشاركة السودان في حرب اليمن. يشكك العديد من السودانيين في هذا النفوذ الأجنبي، ويقرون علناً بالأبعاد السياسية للمساعدات الخليجية. ويمكن الحصول على تلميحات حول ذلك من خلال الشعارات الشعبية أثناء الاحتجاجات: “لا نريد مساعدة السعودية، حتى لو نوكل فول وطعمية [فلافل]”.
وكغيره من البلدان العديدة التي تعتمد على المساعدة الدولية، فإن التحدي الذي يواجه السودان هو كيفية اجتذاب التدفقات الثابتة والمستدامة من المساعدات بحيث لا تتعرض للتذبذب كثيراً حسب تقلبات الرياح السياسية. وهذه القدرة على التنبؤ ستمكنها من التعامل مع آثار فيروس كورونا والفيضانات الأخيرة ودعم سكانها وتحقيق النمو الاقتصادي.