“وطني هو إعاقتي الأبدية التي لن أشفى منها أبداً”. كانت هذه الجملة التي افتتح بها الكاتب الراحل ناصر الظفيري روايته “كاليسكا” التي يعرض فيها قصة رجل من البدون، أو عديمي الجنسية، من الكويت هاجر إلى كندا. وفي آذار/مارس، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي الكويتية صور نعش الظفيري محمول على أكتاف مهاجرين عرب في كندا، ليوارى لاحقًا في مثوى من الثلج. وُلد الظفيري في الكويت عام 1960 وتابع دراسة الهندسة في جامعة الكويت وخدم في الجيش الكويتي ومن ثم هاجر إلى كندا في العام 2001. في تلك المرحلة، بدا أي أمل في الاعتراف به على أنه مواطن كويتي ضئيلًا. وفي كندا، حصل على بكالوريوس في الأدب الإنكليزي وماجستير في اللغويات وربما الأهم من ذلك – حصل على الجنسية. كتب عددًا من الروايات والأعمال الأدبية كان مجتمع البدون في الكويت وطبيعة الصراع الذي يعيشه موضوعها الأساس، وكذلك ماهية أن يترعرع المرء في ضواحي الجهراء الكويتية. وكان الظفيري يتوق إلى الجهراء والكويت لدرجة أنه قال “للحين ما نفضت غبار الجهراء عن ظهري”. وقد اكتنفت جثمانه ثلوج أوتاوا بعيدًا عن كل أحبائه. وأثار موته مشاعر جياشة في أوساط المجتمع الابتكاري في الكويت وسلّط الضوء على الخسائر والمعاناة المتعددة الأبعاد التي يعيشها مجتمع البدون في الكويت.
وتُستخدم عبارة البدون التي وردت في عنوان أطروحة الدكتوراه للباحثة كلير بوجراند “البدون في الخليج” للإشارة إلى “مجموعة من الناس يجاهرون بحقهم في الجنسية الكويتية استنادًا إلى عدم انتمائهم إلى أي دولة أخرى، في وقت تعتبرهم دولة الكويت “مقيمين بصورة غير قانونية” على أراضيها”. يُذكر أنهم يشكلون حاليًا نحو 10 في المائة من سكان الكويت، حيث يُقدّر عددهم بحوالي 110 آلاف نسمة، رغم وجود تكهنات بأن العدد الفعلي يتجاوز هذا الرقم. وإذ هم موجودون في الكويت منذ نشأتها كدولة قومية، إلا أن موقف الدولة وسياساتها تجاه البدون تدهورت بشكل كبير مع مرور السنوات؛ وهم يُعتبرون الآن مقيمين غير قانونيين يملكون جوازات سفر أجنبية ويطالبون عن غير وجه حق بأهليتهم في الحصول على الجنسية الكويتية. وهم يناضلون في سبيل عدد من حقوق الإنسان الأساسية، بما في ذلك الحق في حمل أوراق ثبوتية قانونية وتملّك العقارات والتحصيل العلمي والنفاذ إلى العناية الصحية والكثير من الحقوق الأخرى.
وكان مواطنون كويتيون وكذلك كتاب من مجتمع البدون في الكويت قد صاغوا عددًا من الأعمال حول وضع البدون غزت المشهد الأدبي المعاصر في الكويت، مع صعود بارز لها منذ العام 2011. ومن أبرز شخصيات الجيل الأكبر سنًا، نذكر الراحل سليمان الفليح والراحل إسماعيل فهد إسماعيل ودخيل الخليفة وسعدية مفرح وكريم الهزاع والراحل ناصر الظفيري. أما من الجيل الأصغر سنًا، فقد نُشرت أعمال كتبها كويتيون على غرار بثينة العيسى وعبدالله البصيص وسعود السنعوسي، وأخرى كتبها أفراد من مجتمع البدون أمثال خالد تركي وهنادي الشمري ومنى كريم وشهد الفضلي. ويتطرّق هؤلاء الكتاب إلى عدد من المواضيع المختلفة، متناولين انعدام الجنسية في المناظرات حول الهوية والانتماء. وقد تمّ نشر أعمالهم في الكويت وأرجاء العالم العربي، حيث تمّت ترجمة عدد منها إلى لغات أخرى. وعقب وفاة الظفيري، بدأ أنوار السعد، باحثة كويتية متخصصة بالأدب العربي، بترجمة أعمال الظفيري إلى الإنكليزية لتصل إلى شريحة أكبر من الجمهور ولزيادة الوعي حول موضوع انعدام الجنسية في الكويت. ويشير بروز هذا العدد الكبير من الأعمال، التي خضع العديد منها للرقابة من قبل الدولة، إلى أن أدب البدون ربما يتحوّل إلى نوع فرعي متميز من الأدب الكويتي ويطرح أسئلة حول معنى ذلك بالنسبة إلى قضية مجتمع البدون في الكويت وآثاره على المشهد الثقافي.
من جهته، تحدث خالد تركي، الذي تمّ حظر روايته “ثلاثة من الشمال” من قبل وزارة الإعلام، عن تجربته بصفته فردًا من عائلة سُحبت منها جنسيتها حين كان يبلغ من العمر 5 أعوام. ويعزو بروز الأدب الكويتي الذي يتطرق إلى موضوع الجنسية ومعدوميها إلى الأحداث السياسية التي تشهدها الكويت منذ العام 2011، يرافقها إضفاء طابع الديمقراطية على وسائل التواصل الاجتماعي. وقال: “أدب البدون هو أدب يتطرق إلى مسائل هوية وانتماء، وهي مسألة لطالما أُرغمنا على مواجهتها. إنه فرع ثانوي تطوّر ليصبح أحد أهم ركائز الأدب الكويتي؛ إنها المسألة المحورية لمجتمعنا. فمشكلة البدون ليست محصورة بالأفراد منعدمي الجنسية البالغ عددهم 120 ألف شخص في البلاد؛ بل هي مشكلة تخصّ 1.5 مليون مواطن”.
إن رواية خالد هي عبارة عن شبكة معقدة تعالج الأبعاد المختلفة للجنسية والهوية من خلال ثلاث شخصيات رئيسية: إحداها فرد سابق من البدون هاجر من الكويت وعاد إليها عند حصوله على جنسية من الدولة الأجنبية التي هاجر إليها؛ والثانية لا تزال من البدون وتعيش في الكويت وتفكّر في احتمال الهجرة؛ والشخصية الثالثة جُرّدت من جنسيتها. وكان خالد يرغب في إظهار إنسانية شعب البدون وبالتالي إظهار أوجه الشبه بينهم وبين المواطنين الكويتيين. واختلف مع أعمال أخرى لكتاب كويتيين اخترعوا شخصيات من البدون بطريقة اعتبرها بمثابة مفاهيم نمطية دائمة حول انتماء مشكوك فيه، مشيرًا إلى أحد الأعمال الكويتية حيث تظهر فيها “الشخصية غير منتمية إلى قبيلة وليس لها عائلة أو جذور في الكويت كما أن لون بشرتها داكن. صحيح أنه يوجد خصائص محددة متوافق عليها حول معنى أن تكون من البدون، لكن تلك الصورة لم تكن واحدة منها. فلو علم القارئ أن البدون هم أيضًا من لحم ودم ويتشاركون النسب والإرث نفسهما، لعلم أننا لا نختلف عن بعضنا البعض – وأننا متساوون في الإنسانية وفي الحقوق التي يجب أن تتوافر للجميع”.
تجدر الملاحظة أن دور المنصات الثقافية في الكويت قد تطوّر، حيث ابتعد عن المفهوم التقليدي المتمثل بـ”الفن لأجل الفن” وتحوّل بدلًا من ذلك إلى جماعات فعلية من المجتمع المدني. في هذا السياق، نظمت مكتبة “تكوين” المنشأة عام 2016 عددًا من ماراثونات القراءة منذ 2017؛ ويأتي المشاركون لقراءة عدد من الصفحات، ولقاء كل 10 صفحات يقرأها الفرد، تتبرع الجهة الراعية للماراثون بدينار كويتي. بعدها، يتمّ تخصيص المبلغ الإجمالي لدفع الأقساط المدرسية لأطفال محرومين – أغلبيتهم من البدون. وشرح محمد العتابي، أحد أعضاء مجلس إدارة “تكوين”، أن هذا النوع من النشاط هو أقل ما يمكن لأي شخص أن يقدّمه إزاء “قضية إنسانية كقضية البدون؛ من مسؤولية المفكرين أن يشاركوا في قضايا مجتمعهم”. وفي ظل تزايد أعداد الأهل من البدون الذين يلجأون إلى تويتر طلبًا للمساعدة في دفع أقساط أولادهم، تستجيب أنشطة على غرار “تكوين” إلى هذه الحاجة الملحة، وبخاصةٍ على ضوء عدم نفاذ أطفال البدون إلى المدارس الحكومية وعمل أهلهم في وظائف يتقاضون لقاءها الحدّ الأدنى للأجور. وقد اكتسى ماراثون القراءة الذي تنظمه “تكوين” شعبيةً كبيرة ولم يواجه أي مصاعب قانونية. وصرّح كاتب من البدون بما يلي: “إن الماراثونات التي تنظمها “تكوين” مذهلة؛ فأنت تقرأ كتابًا بغية مساعدة طفل آخر على تعلّم القراءة”.
من جهة أخرى، وفي آذار/مارس، كان ثمة مسعى لتنظيم “أسبوع البدون الثقافي“. وكان من المفترض عرض مجموعة من الأنشطة المتمحورة حول موضوع البدون، بما في ذلك أمسية شعرية مع شعراء من البدون، ومحاضرة تحلل أعمال ناصر الظفيري وأخرى حول العنصرية تجاه البدون يلقيها الناشط فهد المطيري وأخرى حول الآثار النفسية لتهميش البدون تلقيها الناشطة ابتهال الخطيب. وقبل أيام من انعقاد هذه الفعاليات، أمرت السلطات بوقفها، ما ألغى فعليًا الأسبوع الثقافي بكامله. وفي حين اضطر المنظمون إلى الالتزام بالأوامر المعطاة لهم، قدّمت “جمعية المحامين الكويتيين” إلى المنظمين مكانًا لعرض الأنشطة. وقد تم تنفيذ هذه الأنشطة وعُرضت من دون جمهور من أجل التوعية حول الحظر الذي حال دون تنظيم هذه الفعاليات أمام جمهور فعلي كما كانت الغاية أساسًا.
وقد تنوّع ردّ الدولة على الأنشطة الثقافية التي تتطرق إلى موضوع البدون؛ وفي حالة “أسبوع البدون الثقافي”، تمّ وقف كافة الأنشطة “الميدانية” لكن ثبُت وجود منفذ ملائم عبر المقاطع المصورة المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي. أما في حالة ماراثونات القراءة التي تنظمها “تكوين”، فلم تحصل أي مشاكل. وحين تحوّلت رواية “ساق البامبو” للكاتب سعود السنعوسي إلى مسلس تلفزيوني في رمضان 2016، حذفت وزارة الإعلام الكويتية مشهدًا يصف فيه غسان، وهي شخصية من البدون، معنى أن تكون معدوم الجنسية في الكويت. وخلال السنوات الخمس الماضية، شنّت وزارة الإعلام حملة رقابة أوسع نطاقًا لم يسلم منها النتاج الثقافي الذي يتطرق إلى موضوع معدومي الجنسية في الكويت.
مع ذلك، يشكّل وجود وانتشار أدب البدون وصعود أصوات أدباء هذا المجتمع نوعًا من “القوة الناعمة لإحداث تغيير على المدى البعيد؛ إنه تأكيد على الوجود بقول أنا هنا استمع إلى صوتي”، كما يصفه محمد العتابي. ولا شك في أن الرقابة التي تفرضها الدولة تطرح عائقًا، لكن الاستعمال الواسع الانتشار لوسائل التواصل الاجتماعي سمح بتداول الأعمال الأدبية والأفكار التي تتحدى المفاهيم المسبقة للهوية والجنسية والانتماء في الكويت. ويعتقد خالد تركي أن تداول أدب البدون يساهم في التصدّي لروايات مذلة تتناقلها الدولة ووسائل الإعلام حول مجتمع البدون، وقد بنت وسائل التواصل الاجتماعي جسورًا سمحت بتعزيز التفاعل وإقامة صداقات بين المواطنين والبدون بطريقة ما كانت لتحصل في الماضي.
من غير المرجح أن تتمكن أرامكو من الحفاظ على سياستها الحالية في توزيع عائدات الأسهم في ظل غياب انتعاش قوي في عائدات النفط. وقد يؤدي تخفيض الأرباح الموزعة إلى آثار سلبية على الأوضاع المالية للحكومة وصندوق الاستثمارات العامة.
عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستخلق خطوط تماس وتوتر داخلية يمكن أن تؤدي إلى توترات اجتماعية وسياسية جديدة. إضافة إلى خطوط تماس أخطر خارجياً، قد تزج الولايات المتحدة في حرب تجارية مع الصين.
على صعيد العلاقات الأمريكية-الخليجية، سترث إدارة هاريس إطار عمل راسخ للمضي قدماً، ومن غير المرجح أن تتخلى عنه.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.