ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
أعلن مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في المملكة العربية السعودية في كانون الأول/ديسمبر 2015 عن برنامج التحول الوطني . ويكمن هدف هذه الخطة الأساسي في الإصلاح الاقتصادي مع التركيز على زيادة فرص العمل والخصخصة ومراقبة الأداء الوزاري. ومع الإجراءات المشددة التي طالت القطاع العام، سيتمّ التركيز على توظيف السعوديين في القطاع الخاص الذي يهيمن عليه حاليًّا عمال أجانب قليلو المهارات يتقاضون أجور منخفضة. وتزيد أجور القطاع العام حيث يعمل معظم السعوديون في الوقت الراهن بحوالى 70% عن أجور القطاع الخاص، وهو فرق شاسع يجعل من هذا الأخير خيارًا غير مستحبّ. فهل يستطيع الإصلاح الاقتصادي أن يضمن مشاركة المرأة في القوى العاملة الوطنية التي يطغى عليها الرجال والعمال الأجانب؟ وهل ستتناول الخطط الإصلاحية القيود القانونية المتعلّقة باستقلالية المرأة؟
برنامج التحول الوطني
تفوق خريجات الجامعات في المملكة العربية السعودية الخريجين عددًا، إلا أنّ التمثيل النسائي في الوظائف أو المناصب الرئيسية لا يزال محدودًا في مختلف القطاعات. فتبلغ نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة حاليًا 21%، ولا تمثّل إلا 18% من السعوديات العاملات. وفضلًا عن ذلك استهدف برنامج التحول الوطني خصخصة قطاعات معينة مثل التعدين والسياحة الدينية حيث لا يزال توظيف المرأة محدودًا بشكل عام. وأقرّ ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة مع صحيفة ذي إيكونوميست الأمريكية أنّ مشاركة المرأة في الاقتصاد لا تتلاءم مع الاستثمار الذي استمرّ لعقود في تعليمها، وقال: “لا يزال قسم كبير من عواملنا الإنتاجية غير مستخدم” في إشارة إلى المرأة، وأضاف: “لدينا نمو سكاني يصل إلى معدلات مخيفة”. إلا أنّ الأمير اعتبر أنّ مستويات البطالة الملحوظة بين النساء تعود إلى القواعد الاجتماعية وثقافة المرأة أكثر من القيود الحكومية، موضحًا أنّ “نسبة كبيرة من السعوديات اعتادت ملازمة المنزل ولم تعتد فكرة العمل”. وعند سؤاله عن القيود المفروضة بوضوح على مشاركة النساء مثل حظر قيادة السيارة، امتنع سلمان عن تناول هذه المسألة معتبرًا ذلك قرارًا مجتمعيًّا.
وفي الواقع، تنبع التحديات التي تواجه مشاركة المرأة والفرص المتاحة أمامها من القيود السياسية أكثر من الثقافية. ففي السنوات الأخيرة، نجم عن سياسة الحكومة المتعلّقة بتأنيث المحال التجارية (استجابةً إلى احتياجات الزبائن النساء) زيادة بنسبة 12% في توظيف المرأة، رافقتها معارضة مجتمعية لا تُذكر. إلا أنّ سياسة التوظيف الجنسانية هذه قد لا تكون كافية في المجالات التي يهيمن عليها الرجال مثل الحقوق والهندسة حيث تزداد نسبة الخرّيجات بينما لا تزال سياسات الفصل الجنساني سائدة. وفي استطلاع شمل 3 آلاف سعودي، تبيّن أنّ المعوّقات التي تواجه المرأة في البحث عن العمل تشمل المواصلات التي أشارت إليها 46% من الإجابات، ومراكز رعاية الأطفال بنسبة 40%. وأظهرت الدراسة أيضًا أهمّ العوامل التي تؤثر على قرار قبول المرأة للوظيفة وتتضمّن مستوى الراتب (75%)، والساعات التي يقضيها الموظف في العمل (66%)، والمسافة بين مقر العمل والسكن (50%)، وتوفير المواصلات من قبل العمل (34%). أمّا الفصل الجنساني أو القبول المجتمعي فلم يبرز أي منهما كعامل إلا نادرًا.
وتخطط الحكومة السعودية لفرض ضرائب وإعانات سبق ودخل بعضها حيّز التنفيذ لدعم الموازنة العامة. وتدرس كذلك فرض ضريبة القيمة المضافة تماشيًا مع اقتراح فرض ضريبة القيمة المضافة على كافة دول مجلس التعاون الخليجي. وتخطط الحكومة لإقرار ضريبة على الأراضي بنسبة 2.5% تُفرض على الأراضي البيضاء غير المستثمَرة وذات الملكية الخاصة. وجاءت هذه الضريبة استجابة لنقص في الأراضي اللازمة لتنفيذ برنامج الإسكان “إسكان” الذي سيُنفَّذ بدعم من الحكومة. ولا يحقّ إلا للأسر التقدّم للحصول على هذا الدعم الإسكاني الحكومي نظرًا لأنّه من غير التقليدي أن تسكن امرأة وحدها، لكن تُطبَّق حالات استثنائية للأرامل والمطلّقات. ويُتوقّع أن يؤدي ارتفاع أسعار البنزين بحوالى 50 إلى 67% وتكاليف الكهرباء بـ40% وتكاليف المياه البلدية بـ200% إلى زيادرة من 58 إلى 113% في إنفاق الأسر المعيشية على البنزين والخدمات. وتضمّ كل أسرة معيشية حاليًّا معدّل فرد عامل ونصف، وإذا لم تبدأ النساء بالعمل لتعويض الانخفاض المتوقع في الدخل، سيتأثر عدد كبير من الأسر المعيشية بهذا الوضع. وبهدف مواجهة الانخفاض في دخل الأسر المعيشية المتوقع حدوثه مع حلول عام 2030، نصح تقرير استقصائي اقتصادي أجراه “معهد ماكنزي غلوبال” بزيادة نسبة مشاركة المرأة في العمل حتى 32%. ومن الضروري إجراء إصلاحات في القوانين والاستثمار الخارجي والعملية التجارية إلى جانب تأمين إدارة مالية فعالة للتوصل إلى ارتفاع ملحوظ وقصير الأمد في نسبة مشاركة المرأة. وفي حال طال الوضع وبقيت معدلات عمل المرأة شديدة الانخفاض وإمكانية الحصول على الموارد محدودة، يصبح هدف المعهد حينئذٍ صعب المنال.
وعندما أُعلن عن برنامج “حافز” لإعانة الشباب الباحثين عن عمل في عام 2011، شكّلت النساء الشابات 85% من المستفيدين المؤهلين. وفي الواقع يُنتقد برنامج التحول الوطني بشكل أساسي للأثر الذي سيتركه سحب الدعم العام من الفئات الضعيفة خصوصًا النساء في غياب بدائل مثل فرص العمل. وبدا أنّ إقرار قانون المنظمات الأهلية في عام 2015 بعد سنوات من دراسته مضبوطاً لاجتذاب مساعدة المجتمع المدني في مواجهة النقص المتوقع في دعم الرفاهية. وعندما سُئل الأمير محمد بن سلمان في مقابلته مع ذي إيكونوميست عن نظام الوصاية الذي تفرضه الحكومة السعودية والذي يشترط على كل امرأة الحصول على إذن ولي أمرها للسفر والزواج والعمل وأمور أخرى كثيرة، حمّل الأمير القيود الاجتماعية أو الدينية التي لا تستطيع الحكومة تغييرها مسؤولية ذلك، ناكرًا أنّ المرأة السعودية تحتاج إلى موافقة ولي أمرها إلا في حال لم تتجاوز عمرًا معيّنًا. وصنفت القيود الرسمية المفروضة على سفر المرأة بهدف العمل أو التعلّم أو حصولها على وثائق ثبوتية أو تأمين حمايتها من التحرش الجنسي المملكة السعودية بين البلدان ذات المستويات الأدنى من حيث مشاركة المرأة في سوق العمل.
ويوصي تقرير “معهد ماكنزي غلوبال” بمشاركة كافة الجهات المعنية في صناعة القرارات، موضحًا أنّ الإصلاح الاقتصادي الفعال يتطلب تعاونًا مجتمعيًّا عبر استيعاب الحاجات العامة. وقد لا تُعتبر المرأة التي تواجه استقلالية مقيّدة وشروطًا في البحث عن عمل أو المحافظة عليه، وكذلك في إيجاد الموارد والحصول على تعويضات قانونية، مهيّئةً تمامًا للانخراط في سوق عمل تنافسي. وتبقى السياسات والقواعد التمييزية التي لم تتم مراجعتها عقبةً هائلةً في طريق المشاركة الاقتصادية الكاملة، وبالتالي القدرة على جني دخل أكبر ودعم الاقتصاد الوطني. ويمكن أن تسهم مقاربة شاملة للإصلاح الاقتصادي تحرص على تمكين المرأة سياسيًّا واقتصاديًّا في تقليص الفجوة الواسعة بين الرجال والنساء بحسب تقرير الفجوة بين الجنسين في العالم. وفي هذا الصدد يُعتبر الاعتراف بالحواجز الجنسانية في أي برنامج تحويلي مفتاح اقتصاد مستدام، ليس لإشراك عدد أكبر من النساء في القوى العاملة فحسب بل أيضًا للمحافظة على وجودهنّ فيها.