تولى الرئيس جوزيف بايدن السلطة في يناير/كانون الثاني وهو مصمم على إنهاء الحرب في اليمن. وكان العديد من أفراد السلطة الحاكمة الجديدة قد خدموا في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، معتبرين قرار أوباما بالانسحاب، ودعم التدخل بقيادة السعودية في اليمن قرارًا خاطئًا. وفي وقت لاحق، شبه أحد كبار المسؤولين في عهد أوباما دعم السعوديين “بمن يركب سيارة مع سائق مخمور”.
تعتبر الحرب في اليمن كارثة بكل المقاييس، فالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة – اللتان تعدان شريكتين للولايات المتحدة الأمريكية – متهمتان بتعذيب سجناء في اليمن، وتنفيذ غارات جوية تسببت بقتل مدنيين، وكذلك المساعدة في خلق ما تسميه الأمم المتحدة بـ “أسوأ أزمة إنسانية في العالم”.
بالنسبة للولايات المتحدة، فإن الإدارة الجديدة قد شعرت بأن الوقت قد حان للتغيير. فما إن مر أسبوعان على توليه زمام الحكم، تعهد بايدن في أول خطاب رئيسي له حول السياسة الخارجية بإنهاء كافة أشكال الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية ضمن الحرب في اليمن، بما في ذلك بيع الأسلحة. وفي اليوم ذاته، قامت إدارة بايدن بتعيين تيموثي ليندركينج، وهو موظف بارز في وزارة الخارجية، مبعوثًا خاصًا للولايات المتحدة في اليمن. وفي اليوم التالي، وهو الخامس من فبراير/شباط، أبلغت إدارة بايدن الكونجرس بأنها سترفع تصنيف المنظمة الإرهابية الأجنبية الذي وضعته الإدارة المنتهية ولايتها على الحوثيين في آخر يوم للرئيس دونالد ترامب في الحكم.
ومن واشنطن، كان يلوح في الأفق وعد لتحقيق السلام. فقد مارست الولايات المتحدة ضغوطات عديدة على السعودية، وكثفت من جهودها الدبلوماسية، وبقيامها برفع التصنيف الإرهابي، قدمت جزرة للحوثيين. وكما قال ليندركينج بعد أسبوعين، فإن الوقت قد حان لاختبار التزام الحوثيين بعملية السلام.
وكما كان متوقعًا، فقد رد الحوثيون على تحركات الولايات المتحدة، لا بالحديث، بل بشن هجوم على مأرب، التي تعد مفتاحًا لتحقيق هدف التنظيم في تأسيس دولة مستقلة في اليمن. حيث تتركز الموارد الاقتصادية للبلاد، وتحديدًا حقول النفط والغاز، في مأرب وشبوة وحضرموت. وبالنسبة للحوثيين، فإنه من أجل استمرارهم كدولة، لا بد من سيطرتهم على واحدة على الأقل من هذه المحافظات. ولأن مأرب تقع أقصى غرب هذه المحافظات، وتعد الأقرب إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، كان التركيز عليها. فإذا ما نجح الحوثيون في السيطرة على مأرب، من المحتمل أن يتجهوا جنوبًا إلى شبوة في محاولة منهم للسيطرة على حقول النفط هناك، وبالتالي توسيع قاعدتهم الاقتصادية.
خلال السنوات الأولى من الحرب، كانت مأرب تعد إحدى قصص النجاح القليلة في اليمن. فقد أحدث النازحون من المناطق التي يسيطر عليها الإرهابيون الحوثيون، وكذلك الاستثمار الخارجي في المنطقة، ثورة في البناء، ذلك أن عدد سكان مأرب ازداد من بما يزيد عن 400 ألف بقليل في عام 2015 إلى ما يقارب 3 ملايين نسمة في الوقت الحاضر. وتم بناء مركز تسوق ضخم، وملعب كرة قدم جديد، وكذلك جامعة مستقلة، كما تم بناء مطار دولي. كل ذلك تم تحت مظلة حماية القوات العسكرية الإماراتية وبطاريات صواريخ باتريوت التابعة لها، والتي منعت الحوثيين من التقدم شرقًا إلى مأرب.
ولكن في يونيو/حزيران من عام 2019، بدأت الإمارات بالانسحاب من اليمن. حيث سحبت قواتها وبطاريات صواريخ باتريوت من مأرب. وفي الرابع من يوليو/تموز من عام 2019، اختبر الحوثيون القدرة الدفاعية للمدينة بإطلاق صواريخ باليستية على منزل محافظ مأرب سلطان العرادة.
وفي كانون يناير/الثاني من عام 2020، قام الحوثيون بشن هجوم على مأرب. وكان القتال خلال معظم العام التالي غير حاسم إلى حد ما. حيث قام الحوثيون بتوجيه موجة تتلوها أخرى من المقاتلين باتجاه القوى المتحالفة مع حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، والميليشيات القبلية التي تدعمها القوات الجوية السعودية. وكان الحوثيون يسيطرون على بعض الأقاليم، ثم تستعيدها القوات الحكومية في صراع متأرجح لم يتمكن أي طرف منهما الانتصار فيه.
لاحقًا في فبراير/شباط من عام 2021، رفعت إدارة بايدن تصنيف المنظمة الأجنبية الإرهابية، وضاعف الحوثيون من جهودهم المبذولة في مأرب. وأعادت الجماعة نشر مقاتلين من جبهات أخرى في مأرب، وانتقلوا جنوبًا إلى البيضاء وشبوة من أجل تضييق الخناق على مأرب، وقطع طرق الإمداد الرئيسية لها. كما مارس الحوثيون ضغوطاتهم على قبائل مأرب من أجل الموافقة على عقد اتفاقيات فردية تنص على عدم الاعتداء، ومن شأنها السماح للمقاتلين الحوثيين بالمرور من الأقاليم القبلية في طريقهم إلى مأرب. حتى اليوم لم ينجح الحوثيون في التفاوض مع القبائل السنية في مأرب، ولكن المحلل عبد الغني العرياني كتب أن “بعض القبائل تميل إلى قبول صفقة الحوثيين”.
إن جزءًا كبيرًا من غرب مأرب وجنوبها، حيث يدور القتال حاليًا، عبارة عن أرض صحراوية نسبيًا، ما يعرض المقاتلين الحوثيين للضربات الجوية. لكن الضغوطات الأمريكية على السعودية، وتعليق مبيعات الأسلحة الهجومية من شأنهما أن يساهما في التخلص من ذلك العائق. ومؤخرًا، أخبر بعض المسؤولين الغربيين مجموعة الأزمات الدولية بأنه في ظل معدلات الاستخدام الحالية، قد يجبر السعوديون على تقليص استخدامهم للذخائر دقيقة التوجيه خلال العام المقبل.
إن التحالف المناهض للحوثيين منقسم في مأرب، فالسعودية تبحث عن مخرج، بينما تتطلع القبائل إلى عقد صفقات فردية مع الحوثيين، وتعاني القوات الحكومية من انعدام الكفاءة والفساد وسوء الإدارة. وبناء على تقرير صدر مؤخرًا، فإن الجنود في مأرب غالبًا ما يجبرون على شراء أسلحتهم الخاصة من السوق السوداء. كما أنه لم يتم دفع رواتب العديد من الجنود الحكوميين لعدة أشهر، ما قاد إلى فرار عدد منهم باتجاه السعودية باحثين عن فرص عمل.
وليس مفاجئًا أن ينتصر الحوثيون على الأرض. فقد سيطروا بشكل كامل على محافظة البيضاء في سبتمبر/أيلول، وكذلك على أجزاء من شمال شبوة، ما يسمح لهم بفصل مأرب عن الجنوب. كما أنهم سيطروا على منطقة حارب جنوب مأرب، ويحاصرون حاليًا منطقة العبدية، التي إذا ما سقطت بأيديهم، فإن الحوثيين سيواصلون التقدم باتجاه مدينة مأرب. وفي حال نجح الحوثيون في السيطرة على عاصمة مأرب، وهو أمر مرجح، فإنهم سيسيطرون على حقول الغاز في مأرب، وستتلاشى أية آمال في توحيد اليمن كدولة واحدة.
إن الديناميكيات في مأرب قد وضعت الولايات المتحدة في موقف صعب، فليس للولايات المتحدة أي نوع من النفوذ على الحوثيين، كما أن العقوبات المفروضة لم تنجح على الإطلاق. إضافة إلى ذلك، فإن التصريحات شديدة اللهجة الصادرة عن الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة لا تلقى آذانًا صاغية على الإطلاق. عدا عن أن المشاركة العسكرية الأمريكية المباشرة لم تلقَ نجاحًا أبدًا. ولا يرى الحوثيون سببًا يدفعهم للتسوية أو التفاوض. فهم يعتقدون – وهم محقون – بأنهم يحققون انتصارات على أرض المعركة، وبأنهم إذا ما واصلوا التقدم في مأرب، فسيكون بإمكانهم السيطرة على حقول النفط والغاز، وتحقيق دولة مستقلة يحكمونها. عدا عن ذلك، فإن إدارة بايدن، وبعد سنوات من النقد الديمقراطي للتحالف الذي تقوده السعودية، لا ترغب في التراجع عن قرارها بخصوص تزويد السعوديين بالأسلحة الهجومية. فمنذ توليها زمام الحكم، اكتشفت الإدارة بأن ممارسة الضغوطات على جانب واحد أمر لا يجدي نفعًا.
أما فيما يتعلق باليمن، فلا خيارات أمام الولايات المتحدة الأمريكية. وقد يحدث أمرًا من اثنين: إما أن تحتاج الولايات المتحدة إلى مساعدة خارجية من إيران لإقناع الحوثيين بوقف هجومهم قبل سقوط مأرب (على الرغم من أنه من غير الواضح وجود سبب يدفع إيران لممارسة ضغوط على حلفائها من أجل التوقف، وليس من الواضح ما إذا كان الحوثيين سينصتون لهذه الضغوط إذا ما حدثت)، أو أن الحوثيين سيسيطرون على مأرب ويتقدمون باتجاه شبوة، وبالتالي سينهار هدف المجتمع الدولي المتمثل في إقامة دولة يمنية موحدة.