ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
المأزق الراهن بين الولايات المتحدة وإيران بشأن الخطوات الأولى التي يجب أن يقوم بها كل طرف من أجل استئناف المفاوضات النووية، يعكس قناعة كل طرف بأن لديه أوراق قوية للحصول على تنازلات أولية تمهد للمفاوضات، وأنه قادر على الانتظار وغير مستعجل لأكثر من سبب، من بينها المعارضة الداخلية للإسراع باستئناف المفاوضات. حتى الآن، السجال العلني بين واشنطن وطهران، هو بجوهره مفاوضات أولية علنية وغير مباشرة، حول كيفية استئناف المفاوضات النووية الحقيقية.
ولكن حتى في حال استئناف المفاوضات النووية، بمشاركة جميع الأطراف، التي وقعت على الاتفاق الأول في 2015، والتي تقول إدارة الرئيس بايدن أنها تريد تطويره وإلحاق برنامج إيران الصاروخي به، ليس من الواضح حتى الآن، كيف ستعالج إدارة الرئيس بايدن التحدي الأخر الذي تمثله إيران لحلفاء واشنطن في المنطقة، أي سياساتها العدوانية الإقليمية، وتدخلها السافر في شؤون دول عربية مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن، واستخدامها لوكلائها وعملائها في هذه الدول لتهديد الاستقرار الإقليمي. إدارة الرئيس بايدن، تدرك أن عليها مواجهة هذا التحدي الإيراني الإقليمي، الذي أخفق الرئيس الأسبق باراك أوباما في مواجهته، ولكن ليس من الواضح حتى الآن، كيف ستحاول إدارة بايدن ردع هذا التحدي الإقليمي بشكل مباشر، والى أي مدى ستحاول التعاون والتنسيق مع حلفائها الإقليميين، وذلك في الوقت الذي تبعث فيه بالمؤشرات التي تبين إنها لا تريد التورط أكثر في نزاعات ومشاكل المنطقة.
المأزق الراهن ببساطة، يتمثل في إصرار إدارة الرئيس بايدن على أن تعود إيران أولاً للالتزام ببنود الاتفاق، وتحديداً التوقف عن تخصيب اليورانيوم بنسب تزيد عن تلك التي حددها اتفاق 2015، والتوقف عن إنتاج أجهزة الطرد العكسي المتطورة، وغيرها من البنود التي توقفت إيران عن العمل بها منذ انسحاب إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاق في 2018. هذه الانتهاكات تعني أن الفترة التي تحتاجها إيران لإنتاج المواد الانشطارية النووية الضرورية لتصنيع قنبلة نووية قد انخفضت من سنة إلى ثلاثة أشهر.
من جهتها لا تزال إيران تصر على ان تبدأ ادارة بايدن بإلغاء العقوبات، التي فرضها الرئيس ترامب، خاصة وأن الولايات المتحدة، وليس إيران، هي التي انسحبت من الاتفاق، وبأنها مستعدة، في هذه الحالة، للعودة للالتزام بجميع بنود الاتفاق. وحتى قبل انتهاء الشهر الأول للرئيس بايدن في البيت الأبيض، بدأت إيران بامتحان الرئيس الجديد من خلال الطلب من وكلائها وعملائها مهاجمة قاعدة جوية عسكرية أميركية في مدينة أربيل، العراق، في منتصف فبراير/شباط. الرئيس بايدن رد عسكرياً، ولكن بشكل محدود ومتعمد، ضد عملاء إيران في سوريا، ليقول عملياً لإيران إن سلوكها العدائي لن يمر دون رد، وأنه في الوقت ذاته لا يريد تصعيد المواجهة.
ويوم الأربعاء، تعرضت القوات الأميركية المنتشرة في قاعدة عين الأسد في الأنبار في غرب العراق إلى قصف صاروخي يعتقد أن قوى موالية لإيران شنته، وذلك قبل أيام من وصول البابا فرانسيس إلى العراق، الأمر الذي يمكن أن يؤخر أي رد عسكري أميركي، بعد أن تنتهي وزارة الدفاع من التحقق من هوية الفاعلين. المفارقة في المأزق السياسي والتراشق العسكري هي أن هذه التطورات تأتي على خلفية الرغبة المعلنة للطرفين بالعودة إلى المفاوضات النووية، والادعاء الإيراني بأن سياسة “الصبر الاستراتيجي” قد تغلبت على سياسة “الضغوط القصوى”، التي فرضها الرئيس السابق ترامب على طهران، والرفض الضمني لإدارة الرئيس بايدن لسياسة “الضغوط القصوى”، وإن بقيت عملياً ملتزمة بها لإرغام إيران على العودة إلى المفاوضات أولاً، قبل إلغاء العقوبات تدريجياً.
ولكن المواقف المتصلبة للطرفين، وهي جزئياً موجهة لاسترضاء أو تحييد المعارضة الداخلية، وخاصة في إيران، لم تؤد حتى الآن إلى نقطة اللاعودة، لا بل إن هناك مؤشرات من الطرفين تبين أن استئناف المفاوضات لا يزال ممكناً. الولايات المتحدة أعلنت أنها لا تزال مستعدة لتلبية دعوة الاتحاد الأوروبي لاستئناف المفاوضات النووية مع إيران، على الرغم من أن إيران رفضت العرض الأوروبي. من جهتها أبدت إيران موقفاً توافقياً، حين توصل الرئيس حسن روحاني قبل أيام إلى اتفاق تقني مع وكالة الطاقة النووية الدولية، يقضي بمواصلة عمليات التفتيش دون سابق إنذار في المفاعل النووية الإيرانية لمدة ثلاثة أشهر إضافية. وكان البرلمان الإيراني قد حدد 21 فبراير كموعد لوقف السماح لفرق التفتيش لدخول المفاعل النووية بشكل مفاجئ، بعد أن فرض هذه القيود في أعقاب اغتيال العالم الإيراني محسن فخري زادة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، في عملية قامت بها إسرائيل، وفقاً لتقارير صحفية عديدة. ورفضت أكثرية من النواب الإيرانيين مبادرة الرئيس روحاني.
من جهتها تعاملت الولايات المتحدة والدول الأوروبية مع الاتفاق بين وكالة الطاقة النووية وإيران، على أنه خطوة توافقية، وردت بالمثل حين توقفت عن إصدار قرار من وكالة الطاقة النووية بإدانة قرار إيران بتعليق عمليات فرق التفتيش الدولية.
هذه الخطوات “الوفاقية” من الطرفين يمكن، نظرياً على الأقل، أن تؤدي إلى استئناف المفاوضات، ربما بعد وضع برنامج زمني، يقوم به كل طرف بتنفيذ بعض الخطوات المتزامنة بطريقة تسمح لكل طرف بالقول إنه لم يقدم تنازلات أولية. الرأي السائد في أوساط المحللين في واشنطن هو أن التأخر في استئناف المفاوضات سوف يكون محفوفاً بالمخاطر، لأن إيران ستواصل تخصيب اليورانيوم بنسب مقلقة، وهذا انتهاك يمكن وقفه إما بالمفاوضات أو بالقوة العسكرية. كما أن استمرار المأزق قد يدفع بإيران للمضي أكثر في التصعيد العسكري، والحرب بالوكالة ضد القوات والمصالح الأميركية في العراق. وأي تصعيد إيراني سوف يرغم الرئيس بايدن على الرد عليه، لأنه إذا لم يفعل ذلك سوف يعّرض نفسه لمعارضة أقوى من الجمهوريين في الداخل، كما سيجد نفسه في موقع دفاعي في علاقاته مع دول المنطقة التي تنظر – عن حق – إلى أي اتفاق مع إيران لا يقلص برنامجها النووي بطريقة جدية، ولا يتصدى لسياساتها التخريبية في المنطقة بشكل حاسم، بريبة عميقة.
وإذا أراد بايدن بالفعل الحصول على دعم أو قبول دول المنطقة لأي اتفاق نووي معدّل مع إيران، فعليه أن يسارع في التنسيق والتشاور معها للتوصل إلى آليات سياسية وأمنية لردع العدوانية الإيرانية الإقليمية. وهذا يعني أن إدارة بايدن يجب أن تتفاوض مع دول المنطقة بشكل متزامن مع أي مفاوضات تعقدها مع إيران. هذا هو التحدي المزدوج الذي يواجهه الرئيس بايدن في الشرق الأوسط.