على مدار العام ونصف العام الماضيين، تحولت الحرب في اليمن إلى صراع منخفض الحدة، تخللته بعض الاشتباكات الدورية التي لم تُحدث ما يكفي لتغيير خطوط السيطرة. يحتفظ الحوثيون – وهم ميليشيا تنتمي إلى مذهب الزيدية الشيعية – بالسيطرة على المرتفعات الشمالية، وهو ما فعلوه تمامًا منذ استيلائهم على العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014. ويخضع الجنوب لسيطرة تحالف من القوات التابعة لمجلس القيادة الرئاسي التي تحارب الحوثيين أحيانًا، وتحارب بعضها بعضًا أحيانًا أخرى. فلا الحوثيون ولا مجلس القيادة الرئاسي قادرين على فرض إرادتهم على بقية البلاد. وقد أجرت المملكة العربية السعودية محادثات مباشرة مع الحوثيين في الأشهر الأخيرة، ويبدو أنها تتطلع أكثر من أي وقت مضى لإيجاد مخرج من اليمن.
وهذا يطرح سؤالاً مهمًا: كيف سيبدو اليمن بعد الحرب؟ إذا قُدر للحرب أن تنتهي اليوم، فإن النتيجة المرجحة ستكون تقسيم اليمن إلى يمن شمالي يحكمه الحوثيون، ويمن جنوبي تحت سيطرة مجلس القيادة الرئاسي. لكن السؤال هو: هل تتوفر القدرة للحوثيين أو لمجلس القيادة الرئاسي على حكم دولة ناجحة تتمتع بالسلام والاستقلال؟ تتناول هذه السلسلة المكونة من جزأين التحديات التي تواجه كلتا الجماعتين في سعيهما للانتقال من الحكم في زمن الحرب إلى الحكم في زمن السلام.
يخضع شمال اليمن لسيطرة جماعة واحدة – وهم الحوثيون؛ وفي المقابل، ينقسم الجنوب بين أربعة فصائل رئيسية، ترغب جميعها في الهيمنة على أي دولة مستقبلية. ولكن في حين أن الشمال المستقل بقيادة الحوثيين سيواجه ثلاثة تحديات مترابطة – سياسية وحكومية واقتصادية – فإن الجنوب المستقل سيواجه سؤالاً شاملاً واحدًا: هل سيكون جنوب اليمن دولة للجنوبيين، أم أنه سيكون الدولة اليمنية المناوئة للحوثيين؟
على المستوى السطحي، ربما يبدو من المدهش أن التحدي الوحيد الذي يتعين على الجنوب التغلب عليه هو التحدي السياسي. ومع ذلك، فإن جنوب اليمن يواجه مجموعة من المشاكل، تمامًا كما هو الحال في الشمال الذي يسيطر عليه الحوثيون. وفقًا لبعض المقاييس، فإن اقتصاد الجنوب في وضع أسوأ من اقتصاد الشمال. فشبكة الكهرباء ومعظم البنية التحتية في الجنوب قديمة ومثقلة بالضرائب، وبحاجة ماسة لإصلاحات شاملة بعد سنوات من إهمال الحكومة المركزية في صنعاء. وتتمركز معظم المقرات الرئيسية للشركات التجارية الوطنية في صنعاء، وهذه ميزة لصالح الحوثيين عندما يتعلق الأمر بجمع الضرائب. ومع ذلك، بعد سنوات من الحرب وتعرض هذه الشركات للسلب على يد سلطات الحوثيين، نقلت بعض هذه الشركات مقراتها إلى الجنوب. وبعد سنوات من البدايات الفاشلة في أعقاب الانقسام في عام 2016، بدأ البنك المركزي في عدن أخيرًا في الوقوف على قدميه، وهو الفرع اليمني الوحيد المتصل بالأنظمة المصرفية الدولية.
ولعل الأمر الأبرز من الناحية الاقتصادية هو قيمة الريال اليمني في الشمال مقابل قيمته في الجنوب. عادة ما يتم تداول الريال اليمني في الشمال بحوالي 600-650 مقابل الدولار الأمريكي الواحد، في حين أن الريال في الجنوب أكثر تقلبًا، حيث يتم تداوله بحوالي 1100-1400 مقابل الدولار الواحد. لكن بعض المحللين أشاروا إلى أن حكومة الحوثيين تحافظ على السعر – الذي كان قبل الصراع يساوي 250 مقابل الدولار الواحد – بقوة مصطنعة من خلال “كبح الطلب والسيطرة على العرض بشكل كامل.” ومع ذلك، فإنه ليس من المرجح لمثل هذه التدابير أن تنجح إلى أجل غير مسمى في سيناريو ما بعد الصراع. وهذا يشكل تحديًا اقتصاديًا بالنسبة للحوثيين. ولكنه بالنسبة للجنوب، يشكل مشكلة سياسية لأن الدولة الجنوبية المستقبلية سوف تسيطر تقريبًا على جميع حقول النفط والغاز في اليمن. وهذا يمنح الجنوب قاعدة اقتصادية إذا كان موحدًا سياسيًا، ويستطيع تحديد كيفية الاستفادة من الإيرادات.
وانطلاقًا من المنطق ذاته، فإن ما يمكن اعتباره مشكلة عسكرية بالنسبة للجنوب – الافتقار لبنية قيادية موحدة لمختلف الجماعات المسلحة – هو في الواقع مشكلة سياسية. فقوات المقاومة الوطنية تتبع طارق صالح، والقوات الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي تتلقى أوامرها من عيدروس الزبيدي الذي يتزعم المجلس الانتقالي الجنوبي، في حين أن وحدات الجيش النظامي تتبع ظاهريًا لرئيس مجلس القيادة الرئاسي أو، في بعض الحالات، تميل أكثر إلى الأهداف السياسية لحزب الإصلاح وأيديولوجيته، وهو حزب سياسي يمنى تابع لجماعة الإخوان المسلمين. وما يزيد الأمور تعقيدًا هو أن العديد من هذه الوحدات تتلقى الأسلحة والتمويل إما من دولة الإمارات العربية المتحدة أو من السعودية، حيث تسعى كل منهما لتحقيق أهداف متناقضة في اليمن. فالسعودية تريد الخروج من اليمن بحماية حدودها وإبرام اتفاق أمني مع الحوثيين، بينما تطمح الإمارات إلى تمكين حلفائها في الجنوب وإضعاف حزب الإصلاح.
سوف يتعين على أي دولة جنوبية في المستقبل أن تقرر ما إذا كانت تريد أن تكون الدولة اليمنية المناوئة للحوثيين، كما يتصورها طارق صالح وحزب الإصلاح، أو ما إذا كانت تريد أن تصبح دولة مستقلة للجنوبيين، كما يريدها المجلس الانتقالي الجنوبي. لسنوات طويلة كان هذا الأمر يشكل جوهر التوترات في الجنوب. وهذا ما تسبب في اندلاع الاشتباكات بين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات الرئيس عبد ربه منصور هادي في عام 2019، وتسبب أيضًا في احتفاظ كلٍ من الأطراف الرئيسية الأربع في الجنوب ببنية القيادة والسيطرة الخاصة بها على قواتها. ولدى كلٍ من هذه الأطراف الإرادة للقتال دفاعًا عن رؤيتها لما ينبغي أن تبدو عليه الدولة المستقبلية في الجنوب.
ولهذا السبب أيضًا، حاولت السعودية، والإمارات بدرجة أقل، التوسط في سلسلة من التسويات بين هاتين الرؤيتين المتناقضتين للدولة الجنوبية. بعد اشتباكات المجلس الانتقالي الجنوبي ووحدات الجيش الموالية لهادي في عام 2019، كان من المفترض أن يتجاوز اتفاق الرياض هذه الخلافات، وأن تعود الجيوش تحت بنية قيادية واحدة. لكن ذلك لم ينجح، لذلك اقترحت السعودية الجزء الثاني من اتفاق الرياض. وليس من المستغرب أن يفشل ذلك كما فشلت النسخة الأصلية. بعد ذلك، في أبريل/نيسان 2022، أجبرت السعودية هادي على التنحي، واستبدلته بمجلس القيادة الرئاسي المكون من ثمانية شخصيات. وكما هو الحال مع الجهود السابقة، كان من المقرر أن يتوسط المجلس لتحقيق تسوية بين هاتين الرؤيتين المستقبليتين المتناقضتين. حصل كل من الأطراف الرئيسية – طارق صالح والمجلس الانتقالي الجنوبي وحزب الإصلاح، وما تبقى من الحكومة المعترف بها في الأمم المتحدة – على مقعد في المجلس الرئاسي. ولكن أيًا منها لم يجدِ نفعًا.
يواصل المجلس الانتقالي الجنوبي الضغط من أجل إنشاء دولة جنوبية مستقلة للجنوبيين، ما من شأنه ألا يترك مجالًا لطارق صالح، وهو من الشمال وحاربت عائلته ضد الجنوب في الحرب الأهلية عام 1994، ولا لحزب الإصلاح الذي حارب العديد من أفراده أيضًا ضد الجنوب في عام 1994.
ويعد هذا بمثابة تحدٍ وجوديٍ للجنوب. وما يجعل هذه المشكلة السياسية بالذات شاقة لأبعد الحدود هو أنه لا يوجد حل وسط، لقد تمت تجربة التسوية مرارًا وتكرارًا في الجنوب، وأثبتت فشلها في جميع الحالات.
وهذا يعني أنه عندما تتوصل السعودية في نهاية المطاف إلى اتفاق سلام مع الحوثيين، وتنسحب من اليمن، فإن ذلك لن يضع حدًا للحرب في الجنوب. وبدلاً من ذلك، فأغلب الظن أن ذلك سوف يؤدي إلى جولة جديدة من القتال، حيث سيتقاتل كل من المجلس الانتقالي الجنوبي وحزب الإصلاح وطارق صالح ومجلس القيادة الرئاسي على رؤية كل منهم للدولة الجنوبية.
إن الآراء الواردة هنا هي آراء خاصة بالكاتب أو المتحدث ولا تعكس بالضرورة آراء معهد دول الخليج العربية في واشنطن أو موظفيه أو مجلس إدارته.