كان لهجمات القاعدة في 11 سبتمبر/أيلول2001 على الولايات المتحدة تأثير هائل على دول الخليج العربية وحساباتها السياسية والاستراتيجية، وعلى علاقاتها مع الولايات المتحدة. حيث ساعدت الهجمات وردود فعل الولايات المتحدة على انطلاق تطورات ما يزال صداها يتردد حتى الآن. فعلى الرغم من انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان في أغسطس/آب، في الذكرى العشرين للهجمات، ما تزال بيئة ما بعد أحداث 11 سبتمبر هي التي تحكم بشكل أساسي المشهد الاستراتيجي والسياسي داخل منطقة الخليج ومع الولايات المتحدة.
لقد جرت، منذ ذلك الحين، العديد من التطورات الأخرى الجديرة بالملاحظة، والتي ساهمت أيضًا في تشكيل المشهد السياسي في الخليج العربي، مثل انتفاضات الربيع العربي عام 2011، وتنامي الشعبوية القومية، وظهور الدولة الإسلامية في العراق والشام (تنظيم داعش) وسقوطها، والاتفاقية النووية “خطة العمل الشاملة المشتركة” بين القوى الدولية وإيران، والتراجع الواضح في سطوة وجاذبية جماعة الإخوان المسلمين. لقد كان لهجمات 11 سبتمبر/أيلول وتداعياتها أثر عميق على معظم، إن لم يكن كل، هذه التطورات.
هجمات 11 سبتمبر تغيّر مواقف دول الخليج تجاه الإسلاموية والإرهاب
تسببت هجمات 11 سبتمبر/أيلول في البدء بعملية، تم تكثيفها وترسيخها بعد انتفاضات الربيع العربي عام 2011 وما أعقبها من أحداث، حيث عارضت العديد من دول الخليج العربية – لا سيما دولة الإمارات العربية المتحدة والسعودية – بشكل قاطع الجماعات السلفية الجهادية، مثل تنظيم القاعدة والحركات السياسية الإسلامية مثل الإخوان المسلمين. قبل هجمات 11 سبتمبر/أيلول، كان موقف الإمارات متذبذبًا بشأن الإسلاموية، وكانت من بين الدول القليلة التي اعترفت دبلوماسيًا بنظام طالبان في أفغانستان في التسعينيات. ومع ذلك، بدأت الشكوك في أبوظبي خلال تسعينيات القرن الماضي، وفي عام 1994 تم حل فرع جماعة الإخوان المسلمين في الإمارات، جمعية الإصلاح. لكن لا يزال هناك نوع من التعاطف الرسمي مع جماعة الإخوان المسلمين في بعض الإمارات الصغرى، وخاصة رأس الخيمة.
ومع ذلك، شكلت أحداث 11 سبتمبر/أيلول صدمة هائلة للقيادة الإماراتية، خاصة أن اثنين من الخاطفين كانوا إماراتيين. تم التشديد على مخاطر الإرهاب، وتجذرت فكرة أن جماعة الإخوان المسلمين هي التي قدمت السردية والإطار المفاهيمي لتنظيم القاعدة والجماعات الأخرى الأكثر عنفًا، وبالتالي كانت المصدر الأساسي لذلك التهديد. وقام القادة الإماراتيون بعملية تطهير ممنهجة للجماعات الجهادية والإسلامية في مجتمعهم، فطردوا المعلمين الإسلاميين، وأعادوا تجديد الكتب المدرسية. والأهم من ذلك، أن الإمارات بدأت بوضع وترويج سردية معادية للإسلاميين إضافة إلى نموذج بديل يقوم على التسامح والتعايش والانفتاح الاجتماعي، ولكن ليس على الديمقراطية أو التعددية السياسية.
على النقيض من ذلك، ظلت قطر متمسكة بتعاطفها القوي مع الجماعات الإسلامية ودعمها للحركات الشعبوية الأخرى، بما في ذلك اليساريون العرب القوميون، الموقف الذي أكسبها استحسانًا شعبيًا واسعًا، ولكنه أثار قلق الحكومات العربية. إن دعم قطر للجماعات التابعة للإخوان المسلمين، وغيرهم من الإسلاميين، يضعها في صراع مباشر مع الإمارات، الأمر الذي فجّر صراعًا أيديولوجيًا وفكريًا لتحديد معالم معايير الثقافة السياسية العربية السائدة، لا سيما ما يتعلق بالإسلام السياسي. على عكس وصف الإمارات للإخوان المسلمين بأنهم جوهر المشكلة، روجت قطر لسردية مناقضة تفيد بأن الجماعات السياسية، مثل الإخوان المسلمين، هي أفضل تصحيح لمشكلة الإرهاب الجهادي (وهي وجهة نظر حظيت باستحسان كبير من إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما وأطراف من الحكومة الأمريكية ولفترة طويلة خلال الاضطرابات المرتبطة بالربيع العربي). الأساس المنطقي لتلك السردية يعتمد على أنه ما لم يكن هناك منفذ سياسي للإسلاميين، مثل الأحزاب السياسية أو الجمعيات المرتبطة بالإخوان المسلمين، فإن بعض النشطاء المحبطين سيلجأون لحمل السلاح في نهاية المطاف، وينضمون إلى جماعات مثل القاعدة.
وصل الخلاف إلى ذروته بعد انتفاضات الربيع العربي عام 2011، حيث تمت الإطاحة ببعض الحكام المستبدين طويلي العهد في السلطة، مثل حسني مبارك في مصر، وزين العابدين بن علي في تونس، ومعمر القذافي في ليبيا. ازدهرت جماعة الإخوان المسلمين، والجماعات الإسلامية المماثلة في البداية في البيئة التي أعقبت سقوط الدكتاتوريات في مصر وتونس. لكنهم فقدوا السلطة في نهاية المطاف من خلال عملية سياسية في تونس وانقلاب شعبي في مصر. ونسبيًا، هنالك مأزق في ليبيا. وتمت هزيمة الانتفاضة المسلحة في سوريا بعد تدخل عسكري مشترك من روسيا وإيران وحزب الله لإنقاذ نظام الرئيس بشار الأسد في خريف عام 2015. على الرغم من الثقة الواضحة التي تحلت بها قطر والعديد من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، إلا أن جماعات الإسلام السياسي لم تهيمن بشكل عام في الجمهوريات العربية في حقبة ما بعد الانتفاضات، ما عدا في غرب ليبيا (بالإضافة إلى حكم حماس في غزة، الذي سبق الربيع العربي).
على عكس جارتيها الصُّغيرتين، لم تكترث السعودية في البداية لهجمات 11 سبتمبر/أيلول على اعتبار أنها ليست مشكلة سعودية في الأساس، على الرغم من أن 15 من الخاطفين التسعة عشر كانوا سعوديين، وكان زعيم القاعدة، المتطرف السعودي أسامة بن لادن مناهضًا للحكومة السعودية. يبدو أن القادة السعوديين كانوا يعتقدون أن الرياض لا تتحمل المسؤولية الفعلية على الرغم من وجود مكون سعودي كبير مشارك في هجمات 11 سبتمبر/أيلول، حيث كان هذا المكون موجودًا في أفغانستان، وتم تنظيمه إلى حد كبير في هامبورج، وتم التنفيذ في الولايات المتحدة. وبالرغم من ذلك، فإن مزيجًا من الضغط والغضب الأمريكي، وهجمات القاعدة داخل السعودية في عام 2003، على وجه الخصوص، قد غيرت المواقف السعودية بشكل كبير.
أصبحت السعودية أقرب إلى منظور الإمارات في موقفها من الإسلاموية والإخوان المسلمين، على الرغم من تردد الرياض في معارضة أي خلط بين الدين والسياسة بشكل قاطع كما تفعل الإمارات، وذلك نظرًا للدور الرئيسي الذي لعبه الدين تاريخيًا في شَرْعَنة سرديات الدولة السعودية. ومع ذلك، وتحديدًا بعد انتفاضات الربيع العربي، انضمت السعودية إلى الإمارات في اعتبار جماعة الإخوان المسلمين تهديدًا إقليميًا رئيسيًا، وساعدت في دعم انقلاب 2013 في مصر، وبذلت جهودًا أخرى في المنطقة لمواجهة جماعة الإخوان المسلمين. صنفت الدولتان، بالإضافة إلى مصر، جماعة الإخوان المسلمين، رسميًا، على أنها منظمة إرهابية في عام 2014. وكان الخلاف حول الإسلاموية هو القضية الرئيسية التي أدت إلى الخلاف مع قطر في 2013- 2014، والمقاطعة فيما بعد التي استمرت من يونيو/حزيران 2017 إلى يناير/كانون الثاني 2021.
باختصار، كانت أحداث 11 سبتمبر/أيلول هي محور الخلاف الفكري الذي أعاد تشكيل العلاقات الخليجية العربية ورؤاها المتنافسة حول الأمن والاستقرار. منذ خريف عام 2020، تشهد المنطقة فترة من الترسيخ الواسع وتقليص النفقات والمناورات الدبلوماسية التي تركز على الدبلوماسية والتجارة بدلاً من الصراع. ومع ذلك، فلم تتم تسوية النزاعات الأساسية إلى حد كبير. حتى إن التقارب مع قطر في مجلس التعاون لدول الخليج العربية ما يزال هشًا نظرًا لأن الخلاف الأساسي حول الشرعية السياسية للإسلاميين، وبالأخص جماعة الإخوان المسلمين، لا يزال محل خلاف كبير. في أفغانستان البعيدة نسبيًا، أدى انتصار حركة طالبان – وهي جماعة تتبع المذهب الديوبندي الإسلامي، وهو مذهب غير معروف فعليًا في العالم العربي – إلى تعزيز الخلاف حول الإسلاموية والإرهاب، وخاصة بسبب العلاقات الوثيقة مع طالبان التي تحتفظ بها تركيا، وبشكل خاص قطر مع طالبان.
تأثير هجمات 11 سبتمبر على العلاقات الأمريكية-الخليجية
بشكل عام، عززت هجمات 11 سبتمبر/أيلول من علاقات الولايات المتحدة مع جميع شركائها العرب الخليجيين، ولكن لم يتحقق ذلك دون تعقيدات كبيرة. في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول مباشرة، ظهرت مخاوف بشأن الدور السعودي، واستمر بعضها، وهو ما ساهم في استمرار التيار المعادي للسعودية في الخطاب السياسي الأمريكي. ومع ذلك، فقد تم الإقرار بأن الادعاءات حول علاقات القيادة السعودية بهجمات 11 سبتمبر/أيلول أو تنظيم القاعدة غير قابلة للتصديق بعدما أيقن الكثير من الأمريكيين بتصميم المجموعة على الإطاحة بالحكومة السعودية. وبينما لا تزال الشكوك قائمة في بعض الأوساط الأمريكية، إلا أنه لا يوجد أي دليل يثبت بشكل قاطع وجود أي علاقة. في الواقع، حتى الحكومة السعودية طالبت بالكشف عن الوثائق السرية المتعلقة بالأحداث، مثل ملحق تقرير لجنة 11 سبتمبر/أيلول، الذي يقال إن الرئيس جوزيف بايدن يخطط لنشره في وقت لاحق من هذا العام.
ومع ذلك، هناك انتقادات مبررة لدور السعودية على مدى عقود بسبب ترويجها لنسخة غير متسامحة من الإسلام، وهو ما ساهم في تبرير التطرف الجهادي، بما فيه الفكر الذي روجه تنظيم القاعدة، من الناحية الدينية. كون 15 من الخاطفين التسعة عشر كانوا سعوديين، وكون زعيم القاعدة نفسه معارضًا سعوديًا يشير إلى وجود علاقة ثقافية قوية، وإن كانت معارضة للحكومة. إن تصنيف السعودية “كدولة معفاة من التأشيرات الافتراضية“، سمح بإصدار التأشيرات الأمريكية عن طريق البريد وتفادي الحاجة إلى الظهور الشخصي أو تقديم المستندات الداعمة، وهذا يساعد أيضًا في توضيح السبب الذي جعل القاعدة تفضل استخدام السعوديين لهذه الهجمات على الأراضي الأمريكية. بمجرد اضطلاع الرياض بدور استباقيٍ في مواجهة وقمع تنظيم القاعدة في أعقاب الهجمات الإرهابية داخل السعودية عام 2003، هدأت الخلافات بين الحكومتين الأمريكية والسعودية حول هذه القضايا بشكل ملحوظ – على الرغم من أن التوترات الجانبية حول قضايا مثل السعي لمقاضاة الحكومة السعودية أو مسؤوليها بشأن هجمات 11 سبتمبر ما تزال قائمة.
لكن السعودية أثبتت بالفعل أنها شريك لا غنى عنه في مكافحة الإرهاب بقيامها بالعديد من الاعتقالات، وأنشطة مكافحة الإرهاب، وتمويل حملات مواجهة وإحباط الهجمات، وتبادل المعلومات الاستخباراتية الضرورية. ومع ذلك، لا تزال ذكريات 11 سبتمبر/أيلول تطارد العلاقات الأمريكية-السعودية ولو في الحد الأدنى. وقد تفاقمت في السنوات الأخيرة بسبب التقارب بين الرياض وإدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، والتأثير الإنساني لحرب اليمن، ومقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، ومخاوف أخرى متعلق بحقوق الإنسان.
كان أكبر تأثير مباشر لأحداث 11 سبتمبر/أيلول على العلاقات الأمريكية-الخليجية هو الاستخدام الأمريكي الأول لقاعدة العُديد الجوية في قطر، تلك القاعدة التي أصبحت بمثابة مقر متقدم للقيادة المركزية الأمريكية، وبالتالي أصبحت مركزًا لمعظم النشاط العسكري غير البحري الأمريكي في منطقة الخليج. شيدت قطر القاعدة في التسعينيات، وكان واضحًا أنها تأمل في جذب الجيش الأمريكي إلى وجود دائم في البلاد كركيزة أساسية في استراتيجية الدفاع القطرية. وعلى أية حال، كان رد الولايات المتحدة المباشر على أحداث 11 سبتمبر/أيلول هو استخدامها لهذه القاعدة لأول مرة في سبتمبر/أيلول 2001 خلال استعداداتها للحملة ضد تنظيم القاعدة وطالبان في أفغانستان. وبالتالي، أصبحت قطر المضيف الرئيسي للعمليات الجوية الأمريكية والتمركز والعمليات اللوجستية والقيادة والتحكم في منطقة واسعة تحت مظلة القيادة المركزية الأمريكية.
كانت العلاقات المرتبطة بقاعدة العُديد بين الولايات المتحدة وقطر ضروريةً للوجود العسكري الأمريكي في الخليج والشرق الأوسط الأكبر وحتى في المحيط الهندي. كما لعبت أيضًا دورًا محوريًا في تأمين الشراكة الأمريكية-القطرية، والتي كانت لا تقدر بثمن بالنسبة للوضع الأمني لدولة قطر، وقدرتها على تحمل الانتقادات على بعض تحالفاتها ونشاطاتها الإقليمية، وتحريرها لمحتوى منافذها الإعلامية البارزة، مثل الجزيرة. كان الوجود العسكري الأمريكي في قطر أمرًا حتميًا، بشكل خاص، أقنعت الدوحة من خلاله واشنطن بالبقاء على الحياد إبان مقاطعة قطر، وتراجع ترامب عن تحركه الأولي إلى جانب السعودية والإمارات والبحرين ومصر. كما لعبت هذه العلاقة هذه دورًا في خلق مناخ من الثقة وإمكانية اعتماد كل طرف على الآخر، الأمر الذي ساعد قطر على لعب دور الوسيط بين الولايات المتحدة وطالبان، هذا الدور الذي يبدو أنه قد آتى أُكُله بشكل جيد للقطريين مع انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان- على الرغم من أن أي علاقة عميقة مع طالبان تنطوي على مخاطر نظرًا لأن المنظمة من الممكن أن تصبح مرة أخرى مركزًا للإرهاب الدولي.
كما أن العلاقة بين الولايات المتحدة والإمارات قد تعززت منذ 11 سبتمبر/أيلول، فقد عملت الإمارات كذلك كشريك عسكري حاسم، واشتركت في كل الاشتباكات العسكرية الأمريكية بعد 11 سبتمبر/أيلول باستثناء غزو العراق عام 2003. خلال هذا الوقت، يُزعم أن وزير الدفاع السابق، جيم ماتيس، أطلق على الإمارات لقب “إسبارطة الصغيرة“، وأصبحت البلاد تعرف بفاعلية قواتها الجوية والقوات الخاصة غير العادية، على عكس العديد من القوات المسلحة العربية الأخرى. ويرجع الوجود البحري الأمريكي في البحرين إلى ما قبل أحداث 11 سبتمبر/أيلول بفترة طويلة، لكن هذه العلاقة الحيوية أيضًا قد تعززت بفعل هجمات 11 سبتمبر/أيلول والاشتباكات العسكرية اللاحقة. وتواصلت علاقات الولايات المتحدة مع الكويت بشكل قوي، ولا سيما بعد تحرير الكويت عام 1991.
رد فعل الولايات المتحدة على هجمات 11 سبتمبر وصعود إيران
كان لأهم الردود الأمريكية على هجمات 11 سبتمبر/أيلول أثرٌ غير مقصود في تقوية إيران وحلفائها في المنطقة بشكل كبير. بدأت هذه العملية مع الإطاحة بنظام طالبان في أفغانستان في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني عام 2001. كانت طالبان آنذاك من بين ألد أعداء إيران بسبب الكراهية الطائفية الشديدة، وكانت مصدرًا دائمًا لإزعاج طهران وإغضابها. ربما كان تعزيز القوة الإيرانية بشكل مطرد من أكبر نتائج عملية غزو العراق عام 2003. حيث كان الجيش العراقي، الذي تم تفكيكه، والدولة التي أصبحت مجزأة بشكل سيئ بسبب الاحتلال الأمريكي، بمثابة أقوى خصوم إيران.
بالإضافة إلى الحرب العراقية-الإيرانية الوحشية والمتعثرة في ثمانينيات القرن الماضي، كانت الدولة العراقية والجيش في عهد صدام حسين حصنًا منيعًا في وجه المخططات الإيرانية في معظم العالم العربي، وخاصة شمال الشرق الأوسط. وبعد نزع سلاح العراق وتشرذمه، ووقوعه في أيدي الميليشيات الشيعية الموالية لإيران، إلى حد كبير، بدأ نفوذ إيران في الامتداد عبر العراق إلى سوريا ليصل إلى لبنان، الذي يضم أقدم جماعة مسلحة بالوكالة لإيران، حزب الله الذي ازدادت قوته ونشاطه في العديد من البلدان الأخرى. وتعزز صعود الهيمنة الإيرانية في المنطقة بالتدخل المشترك الناجح مع روسيا وحزب الله لإنقاذ نظام الأسد الدكتاتوري في دمشق في خريف عام 2015.
من الواضح أنه لم يكن في نية واشنطن أبدًا أن تأتي ردود فعلها على هجمات 11 سبتمبر/أيلول بالدرجة الأولى في صالح تقوية يد إيران الإقليمية. ومع ذلك، على مدى العقد الماضي، كان كل من واشنطن وشركائها العرب في الخليج مضطرين للتعامل مع صعود إيران كقوة مهيمنة إقليمية ناشئة. وقد أدى ذلك إلى مزيد من التعاون والاعتماد المتبادل، وفي بعض الأحيان كان هناك قلق وشكوك حول مدى الثقة في واشنطن كضامن للاستقرار الإقليمي والوضع الراهن، كما في حالة الاتفاقية النووية عام 2015. وتعززت هذه الشكوك من خلال عدم وجود أي رد قوي من قبل ترامب على الهجمات الصاروخية والطائرات دون طيار في سبتمبر/أيلول 2019 على منشآت أرامكو السعودية، والتي ذُكر أنها نفذت من قبل إيران، على أساس أن الولايات المتحدة نفسها لم تكن مستهدفة بشكل مباشر.
ومع ذلك، لا تزال طموحات إيران التوسعية في المنطقة تواجه معارضة من قبل تحالف إقليمي فضفاض بقيادة الولايات المتحدة يضم السعودية والإمارات، بالإضافة إلى قطر والبحرين في الأدوار الحيوية الأساسية، وبالطبع إسرائيل. ربما تشكل التوترات بين المعسكرين المؤيد لإيران والمعارض لها أخطر خطوط التقسيم الإستراتيجي في المنطقة. ويتواصل الصراع بوتيرة منخفضة بين إيران (وحلفائها) من جهة والدول المتحالفة مع الولايات المتحدة، وأبرزها الضربة الجوية الأمريكية باستخدام طائرة دون طيار في يناير/كانون الثاني 2020 في العراق، والتي أودت بحياة القائد الإيراني البارز قاسم سليماني وقائد قوات الحشد الشعبي العراقية أبو مهدي المهندس. من المؤكد أن مثل هذه التوترات ستكون السبب الأكثر منطقية لأي حرب جديدة محتملة في الشرق الأوسط.
نتيجة لذلك، تستمر هجمات 11 سبتمبر/أيلول وتأثيراتها المتعاقبة في تشكيل مظاهر للحرب والسلام المتلاحقة في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج. بعد مرور عشرين عامًا على تلك الهجمات، ما زلنا نشعر بتوابع هذا الزلزال.