عندما يعود الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، على دول الخليج العربي أن تتوقع توفر توافق وفرص سانحة في قضايا الطاقة، ولكن أيضاً بعض الخلافات. قد لا تكون قضايا الطاقة على رأس أجندة الولايات المتحدة والخليج، ولكن بينما يسعى ترامب لتحقيق زيادة هائلة في إنتاج النفط والغاز الأميركي، وعرقلة صادرات النفط الإيرانية، فإنه لن يتردد في التدخل بقوة في سوق النفط، ودعوة المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول لدعمه.
شهدت العلاقات مع دول الخليج توتراً في عهد الرئيس جوزيف بايدن، الذي تولت إدارته السلطة ولديها تصميم على تسريع التحول بعيداً عن الوقود الأحفوري، والحد من التداخلات الأمنية في الشرق الأوسط. أدت تعليقات بايدن في حملته الانتخابية في عام 2019، التي أشارت إلى تحول الولايات المتحدة بعيداً عن الشرق الأوسط، ووصف السعودية بأنها دولة “منبوذة” إلى فتور في العلاقة مع المملكة. استعادت هذه العلاقات دفئها، ولكنها لم تتحسن كما ينبغي على الرغم من سنوات من الدبلوماسية الحذرة. كان التعاون في مجال الطاقة النظيفة مؤشراً على قوة علاقة واشنطن مع الإمارات العربية المتحدة، وخاصة في الفترة التي سبقت مؤتمر الأمم المتحدة الثامن والعشرين للتغير المناخي. ولكن بشكل عام، ظلت دول الخليج العربية متشككة بشأن أولويات إدارة بايدن في مجال الطاقة وافتراضاتها المتعلقة بوتيرة التحول في هذا المجال.
في المقابل، فإن قادة الخليج يعرفون ما يمكن توقعوه من ترامب، أجندة “أميركا أولا”، والرغبة في تحدي الأفكار والسياسات التقليدية وعقد الصفقات الجيوسياسية، ودرجة من عدم القدرة على التنبؤ. خلال ولايته الأولى، أعطى ترامب أهمية خاصة لدول الخليج. كانت السعودية أول دولة يزورها ترامب كرئيس. وتوسعت إدارته في عقد صفقات الأسلحة السعودية والإمارات، وكان هناك توافق كبير بين ترامب ودول الخليج العربية فيما يتعلق بمواضيع التجارة والتعاون الاقتصادي والاستثمار. وكان إنجاز ترامب المميز في السياسة الخارجية هو توقيع اتفاقيات إبراهام لتطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل. ومع ذلك، اعترضت دول الخليج على دعمه غير المشروط لإسرائيل، كما أدى رده الفاتر على هجمات سبتمبر/أيلول 2019 على منشأة بقيق النفطية وحقل خريص النفطي في السعودية إلى زعزعة ثقة دول الخليج العربية في الضمانات الأمنية الأمريكية.
الآن يعود ترامب إلى مشهد يتسم بالتغير الجذري في الشرق الأوسط، حيث هناك إيران الضعيفة، وإسرائيل الجريئة، والمنطقة المرهقة من الصراع والمعاناة الإنسانية. إن الشكوك في إيران عميقة في عواصم الخليج، لكن الانفراج في العلاقات المتوترة، الذي توسطت الصين لتحقيقه في عام 2023 بين السعودية وإيران، أظهر إرادة جديدة لوضع حالة العداء جانباً. وخلال العام الماضي، تضاءل التهديد الإيراني بشكل كبير. لقد أدى رد إسرائيل الساحق على هجمات السابع من أكتوبر إلى توجيه ضربات قوية لحركة حماس، وتدمير قيادة حزب الله، ويهدد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا بتفتيت “محور المقاومة” التابع لإيران. هناك قلق عميق يسود المنطقة بشأن الأحداث القادمة في سوريا والدول المجاورة. وهناك إيمان محدود بأن واشنطن لديها القدرة أو الرغبة في التوسط في تحقيق السلام في المنطقة. وبدلاً من ذلك، فإن دول مجلس التعاون الخليجي تريد خفض التصعيد وإدارة شؤونها بنفسها.
وفي ظل هذا السياق، تثير أجندة ترامب في مجال الطاقة بعض المخاطر بالنسبة لدول الخليج. فقد تعهد الرئيس المنتخب “بإطلاق العنان” للطاقة الأميركية، والزيادة الهائلة في إنتاج النفط والغاز من خلال خفض القيود التنظيمية، وبناء المزيد من البنية التحتية، وتعزيز الاستثمار في الوقود الأحفوري. وهو يخطط لإبطال الإجراءات التنظيمية التي اتخذتها إدارة بايدن بشأن الموافقات على مشاريع الغاز الطبيعي المسال في أيامه الأولى في منصبه. ويعكس شعار ترامب “احفر يا عزيزي، احفر” اعتقاده بأن على الولايات المتحدة – التي أصبحت الآن أكبر منتج للنفط والغاز في العالم – أن تستفيد من القوة الجيوسياسية والسوقية لصادرات النفط والغاز.
وبشكل عام، تشكل هذه الأجندة حول “هيمنة الطاقة” خبراً مزعجاً بالنسبة لدول الخليج. فقد أدت الزيادة المذهلة في إنتاج النفط والصادرات الأميركية خلال السنوات الخمس عشرة الماضية إلى تقويض سلطة السوق التي تتمتع بها أوبك والمنتجون المتحالفون معها. كما أن إمدادات النفط القوية المتوفرة خارج إطار أوبك، وخاصة من الولايات المتحدة، قد قامت بتعويض التخفيضات العميقة في الإنتاج التي أجراها تحالف أوبك بلس منذ عام 2022، ويهدد التباطؤ الاقتصادي في الصين بتعطيل المحرك الرئيسي لنمو الطلب العالمي على النفط. وفي أوائل ديسمبر/كانون الأول، قامت أوبك بلس للمرة الثالثة بتأجيل خططها لاستعادة مستويات الإنتاج السابقة، وهي تخطط الآن لزيادة الإنتاج تدريجياً على مدى 18 شهراً. ولن يذرف ترامب الدموع إذا استمرت الولايات المتحدة في الاقتطاع من حصة أوبك بلس السوقية – خاصة وأن القدرة الاحتياطية الكبيرة تُبقي أسعار النفط تحت السيطرة.
ومع ذلك، فإن ما يشفع للسعودية وغيرها من المنتجين الخليجيين قد تكون خطة ترامب للضغط على صادرات النفط الإيرانية. فعلى مدى أشهر، هدد ترامب باستعادة سياسة “الضغوط القصوى” على إيران من خلال زيادة العقوبات المفروضة على إيران. وعندما انسحب من الاتفاق النووي في مايو/أيار 2018، وأعاد فرض العقوبات على قطاع الطاقة في نوفمبر/تشرين الثاني من ذلك العام، انخفضت فجأة صادرات النفط الإيرانية بشكل حاد. ولكن في السنوات الأخيرة، انتعشت صادرات النفط الإيرانية، حيث وصلت إلى أكثر من 1.5 مليون برميل يومياً في بعض الأشهر. وقد تحايلت الجهات المؤثرة في السوق على العقوبات من خلال مزج الخام، ونقل البضائع من سفينة إلى سفينة، والقيام بعمليات الشحن غير المشروعة. كما عرضت إيران خصومات على الأسعار لمكرري النفط الصينيين الذين يشترون الآن كل النفط الإيراني تقريباً. لكن معظم المحللين يتفقون على أن التراخي في تطبيق العقوبات من قبل إدارة بايدن قد سهّل هذه التجارة. وفي حال زاد ترامب من الضغوط على إيران – ووجد طريقة لتغيير سلوك مكرري النفط المستقلين في الصين – فمن الممكن أن تخسر إيران من 750 ألف إلى مليون برميل من الصادرات يومياً.
وسوف ترحب السعودية وغيرها من الدول المنتجة في تحالف أوبك بلس بسوق نفط أكثر صرامة، ولكن قد تكون لديها رغبة ليست كبيرة في سد الفجوة على الفور. ومن شأن الانخفاض الحاد في صادرات النفط الإيرانية أن يخلق فرصة لاستنزاف المخزونات العالمية وتعميق التراجع – وهو الوضع الذي تتجاوز فيه الأسعار الفورية أسعار التسليم في المستقبل، وهذا سيقلل من حوافز التخزين. وبعد سنوات من الإحباط المتزايد لدى تحالف أوبك بلس إزاء عدم قدرته على السيطرة على سوق النفط، فإن فقدان الإمدادات الإيرانية قد يكون هو الحل المطلوب.
ربما يتوقع ترامب أن تنتهز الرياض الفرصة لاستبدال النفط الإيراني والعمل كداعمة للسوق، لكن السعوديين قد لا يكونون في عجلة من أمرهم لتلبية هذه الدعوة. إن الاستجابة الأكثر بطئاً من شأنها أن تحقق عدة أهداف: التخلص من المخزون، وتغيير توقعات السوق، والحصول على إيرادات أعلى، وتجنب التحركات الانتهازية التي قد تؤدي إلى مواجهة مع إيران.
بدأت قوة مدعومة من تركيا في سوريا هجوماً على مدينة كوباني، ذات الأغلبية الكردية، وحذر القادة الأكراد من أن ذلك قد يؤدي إلى تطهير عرقي، ويقوض المعركة ضد تنظيم داعش في شمال شرق سوريا.
ستشكل استضافة كأس العالم فرصة عظيمة للسعودية في دعم الإصلاحات المرتبطة برؤية2030 . وفي حين أن الاستعدادات للبطولة ستكون مكلفة، إلا أنها ستعزز النمو الاقتصادي، ومن شأنها أن تدفع نحو المزيد من التغيير الاجتماعي.
ما كشفه الانهيار السريع للقوات الأمنية السورية التابعة لنظام بشار الأسد في حلب ومحيطها هو العلاقة العضوية والمعقدة لحربين تبعدان مئات الأميال عن بعضهما البعض مع ما يحدث في سوريا.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.