ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
ما يمكن توقعه بدرجة عالية من الثقة بعد فوز الحزب الديمقراطي بالأكثرية في مجلس النواب هو تحول هذه المؤسسة التي تعكس ميول أكثرية الناخبين إلى ساحة المواجهة الرئيسية خلال السنتين المقبلتين بين الرئيس ترامب والمعارضة الديمقراطية التي ستقوم للمرة الأولى منذ انتخابه بمراقبة سياساته وممارساته.
وهذا يعني أن ترامب الذي يرفض أية مساءلة سوف يصعّد من لهجته ضد المشرعين الديمقراطيين وخاصة بشأن القضايا الخلافية بين الطرفين، مثل الهجرة واللاجئين، والعلاقة مع روسيا وكوريا الشمالية، والعقوبات ضد إيران. ومن المتوقع أن تكون المواجهة بين ترامب والديمقراطيين حول مستقبل العلاقات مع السعودية، والتي برزت إلى السطح بشكل صارخ في أعقاب جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي على يد فريق أمني سعودي في القنصلية السعودية في أسطنبول، تركيا، أبشع من أي مواجهات أخرى في السنتين الماضيتين.
“قضية خاشقجي” في واشنطن كشفت عن جميع نقاط التماس بين الولايات المتحدة والسعودية، وأبرزها دور السعودية في حرب اليمن، وهي حرب يعارضها بشدة العديد من المشرعين من الحزبين في الكونغرس في موقف يعكس اتجاهات الرأي العام. دفاع الرئيس ترامب القوي عن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ورفضه العملي لاستنتاج وكالة الاستخبارات المركزية “سي آي أي” بأن ولي العهد هو الذي أصدر أوامر قتل خاشقجي، والذي أثار جدلا حادا وانتقادات لاذعة وجهت إلى ترامب من قيادات ديمقراطية وجمهورية، يؤكد بشكل قاطع أن جريمة قتل خاشقجي سوف تبقى حاضرة بقوة في السجال السياسي في واشنطن لوقت طويل.
ما هو مؤكد أيضا أن مجلس النواب سيقوم عبر لجانه المختصة بإجراء تحقيقات عديدة في سياسات وقرارات ترامب الداخلية والخارجية، وكذلك التحقيق بممارسات أفراد عائلة الرئيس لمعرفة ما إذا كانت هناك ممارسات مشبوهة أو فساد مالي. وسوف يطلب مجلس النواب من المسؤولين البارزين في الأجهزة الحكومية المثول طوعا أمام اللجان في جلسات استماع. وفي حال تلكؤ أو رفض بعضهم تلبية طلب الكونغرس، عندها سوف يَستخدم رؤساء اللجان صلاحياتهم باستدعاء المسؤولين، للتحقيق معهم. استعادة الديمقراطيين لمجلس النواب يعني أن بعض مبادرات أو طموحات ترامب الداخلية والخارجية، مثل بناء الجدار على الحدود مع المكسيك، أو توقيع اتفاقيات تجارية دولية، أو اتفاقات كبيرة مع كوريا الشمالية لن تتحقق بسبب المعارضة المتوقعة من مجلس النواب.
الأمر اللافت في الكونغرس الجديد، وخاصة التنوع في مجلس النواب ( أكبر عدد من النساء، وأكبر عدد من الأعضاء الجدد من أصل أمريكي-لاتيني في تاريخ الكونغرس، وانتخاب أعضاء ليبراليين وتقدميين) يعني من جملة ما يعنيه أن جميع أصدقاء الولايات المتحدة التقليديين في الشرق الأوسط، وبينهم إسرائيل والسعودية وتركيا ومصر سوف يتعرضون للانتقادات من مجلس النواب الجديد. أما بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في مصر وتركيا والسعودية، أو بسبب استياء عدد هام من الديمقراطيين من سياسات رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو تجاه الفلسطينيين وإيران وخاصة علاقته القوية بالرئيس ترامب.
بين الممكن والمرغوب والمستحيل
سعى الرئيس ترامب وفريقه فور استلامهم للسلطة إلى تقويض تركة سلفه باراك أوباما، وخاصة إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، وهو وعد قطعه ترامب لناخبيه خلال الحملة الانتخابية. ويأمل ترامب من خلال إعادة فرض العقوبات الأمريكية ضد إيران، إلى تشجيع الحركة الاحتجاجية داخل البلاد لتضييق الحصار على النظام الإسلامي، الذي يتمنى بعض أقطاب الإدارة مثل مستشار الأمن القومي جون بولتون سقوطه. ولكن في إقرار ضمني من ترامب بأن حرمان النظام الإيراني من الموارد المالية لن يكون سهلا، فقد أضطر إلى استثناء عدد من الدول المهمة من بينها الهند وكوريا الجنوبية وإيطاليا من العقوبات الأمريكية وسمح لها باستيراد النفط من إيران.
ويعكف جاريد كوشنير مستشار وصهر الرئيس ترامب منذ تعيينه على وضع خطة لاستئناف المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. وقالت مصادر مطلعة إن كوشنير كان يعتزم زيارة سبع دول في المنطقة في الشهر الماضي، تشمل السعودية، ولكن “قضية خاشقجي” حالت دون ذلك. ويرى بعض المحللين، أن ما سمي “بصفقة القرن” (حتى قبل الكشف عن مضمونها) لن تطرح في أي وقت قريب، وقد تبقى مطوية ليس فقط بسبب “قضية خاشقجي” بل بسبب الأزمة الحكومية في إسرائيل، والتوتر المستمر بين إدارة ترامب والسلطة الفلسطينية بسبب مواقف ترامب القاسية تجاهها والتي ترجمها من خلال قطع المساعدات المالية عن الأجهزة الفلسطينية ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس وإعلانها عاصمة لإسرائيل. وكان ترامب يعول على قيام السعودية بإقناع الفلسطينيين، إو بالضغط عليهم للعودة إلى طاولة المفاوضات.
الرئيس ترامب كان ولا يزال يرغب بالانسحاب العسكري من الشرق الأوسط وجنوب آسيا، فهو ليس مرتاحا لبقاء القوات الأمريكية في أفغانستان والعراق وسوريا إلى أمد مفتوح، ولكن التطورات الميدانية التي أرغمته على ابقاء القوات الأمريكية في سوريا، قد ترغمه على الرضوخ إلى إمكانية عدم تحقق رغبته هذه.
اليمن: حرب لا يمكن الانتصار فيها
أكد عدد من النواب الديمقراطيين ممن يُتوقع ترأسهم اللجان المختصة بالشؤون الخارجية والاستخباراتية والعسكرية عزمهم تنظيم جلسات الاستماع لمناقشة مختلف نواحي الحرب في اليمن بهدف إنهاء الحرب، ووقف الدعم اللوجستي والعسكري الذي تقدمه الولايات المتحدة للقوات السعودية بشكل فوري. ويضيف هؤلاء أنه بعد ثلاث سنوات على بدء هذه الحرب التي أودت بأرواح عدد كبير من الأطفال وتسببت بأسوأ كارثة انسانية في العالم، يجب أن يدرك الائتلاف الذي تقوده السعودية أنه لا يمكن الانتصار في مثل هذه الحرب. وكان من اللافت أنه حتى قبل انتهاء فرز الأصوات في الانتخابات النصفية، أعلنت الولايات المتحدة أنها ستتوقف عن تزويد الطائرات العسكرية السعودية بالوقود في الجو خلال غاراتها في اليمن. وسوف يطلب الديمقراطيون من قادة وزارة الدفاع من مدنيين وعسكريين المثول أمام لجانهم لمناقشة جدوى الدعم الأمريكي للتحالف الذي تقوده السعودية، حيث سيتعرض هذا الدور إلى انتقادات قاسية. اللافت هو أن معارضة الحرب في اليمن موجودة في أوساط الحزبين، وإن كانت أوسع بكثير في الحزب الديمقراطي، حيث توجد أصوات نافذة تريد وقف الدعم الأمريكي بشكل فوري. وخلال دفاعه عن ولي العهد السعودي قبل أيام، قال الرئيس ترامب إن هناك مواقف مغايرة لموقفه في الكونغرس، مضيفا أنه يتوقع أن تصله هذه المواقف قريبا، وذلك في اشارة ضمنية منه إلى احتمالية فرض مجلس النواب الديمقراطي عقوبات عسكرية ضد السعودية تشمل تجميد شحنات الصواريخ والقنابل التي تستخدمها القاذفات السعودية في حرب اليمن. وفي الصيف الماضي أخفق الديمقراطيون في مجلس الشيوخ في تجميد صفقة أسلحة للسعودية، ولكن في أعقاب جريمة قتل خاشقجي، وبروز معارضة جمهورية أقوى، سوف تصبح مسألة تجميد الأسلحة إلى السعودية قابلة للتحقيق.
و”قضية خاشقجي” باقية
تعرض بيان الرئيس ترامب قبل أيام والذي برأ فيه عمليا ولي العهد السعودي من جريمة قتل خاشقجي إلى انتقادات لاذعة واستهجان صارخ من أقطاب الحزبين في الكونغرس، الذين لم يتوقفوا فقط لملاحظة ركاكته اللغوية واخطائه، بل أيضا غرابته وابتعاده عن الأعراف الدبلوماسية المعمول بها. وطالب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بوب كوركر والعضو الديمقراطي الأول فيها من الرئيس ترامب استخدام قانون “ماغنيتسكي” الدولي المصمم لمحاسبة المسؤولين في العالم على انتهاكاتهم السافرة لحقوق الإنسان. ويقضي القانون بإعطاء الحكومة الأمريكية مهلة محددة (80 يوما) للتحقيق بأي طلب من المشرعين يستند إلى هذا القانون. ويطالب أعضاء مجلس الشيوخ الموقعون على مشروع القرار من ترامب بإجراء تحقيق في ما إذا كان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان هو الذي أصدر الأمر بقتل خاشقجي. وهذا مؤشر آخر بأن “قضية خاشقجي” لن تغيب عن مداولات المشرعين الأمريكيين. السيناتور كوركر كان لاذعا إلى اقصى الحدود، لا بل مهينا للرئيس الأمريكي حين غرّد ساخرا، “لم أكن أتصور يوما يتحول فيه البيت الأبيض إلى شركة علاقات عامة تعمل لصالح ولي عهد السعودية”. السيناتور الجمهوري راند بول بدا وكأنه يتنافس مع زميله كوركر حول من هو أكثر سخرية من ترامب وشعاراته حين غرّد “أنا واثق جدا أن هذا البيان يعكس السعودية أولا، وليس أمريكا أولا”.السيناتور الجمهوري ليندزي غراهام المقرب من ترامب قال إن هناك “دعم من الحزبين لفرض عقوبات جدية ضد السعودية”، بما في ذلك “أفراد من العائلة المالكة بسبب هذا العمل البربري الذي يتحدى الأعراف الحضارية…”، في إشارة إلى جريمة خاشقجي. كل ذلك يعني أنه على الرغم من محاولات الرئيس ترامب صيانة العلاقات الأمريكية-السعودية، إلا أن “قضية خاشقجي” تعني تعريض هذه العلاقات إلى أكبر أزمة منذ هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 الإرهابية. ومع أن معظم المشرعين يريدون الحفاظ على علاقات جيدة مع السعودية، إلا أنهم يستدركون ويقولون إن استيائهم هو من ولي العهد، وإنهم لا يريدون أن تكون هذه العلاقة على حساب حقوق الإنسان، وخاصة حقوق صحفي مثل جمال خاشقجي كان يملك حق الإقامة الدائمة في البلاد، ويكتب لصحيفة رئيسية مثل واشنطن بوست. “قضية خاشقجي” تعني أن العلاقات الأمريكية-السعودية سوف تكون في جوهر المواجهة المتوقعة بين النواب الديمقراطيين والرئيس ترامب خلال السنتين المقبلتين.