ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
خلال أسبوع واحد، واجه الرئيس دونالد ترامب تحديات داخلية قانونية يمكن أن تهدد مستقبله السياسي، وتسببت بإغضابه وإحباطه وإحراجه، فضلا عن تحديات خارجية أمنية وعسكرية صعبة تتطلب معالجة دقيقة قد لا يستطيع الرئيس المحاصر التعامل معها بحكمة وفعالية.
ويتخوف بعض المراقبين من أن يكون أي قرار يتخذه ترامب بشأن سوريا مصمم ولو جزئيا لإبعاد الأنظار عن مشاكله الداخلية. هذه المخاوف برزت من جديد بعد التغييرات التي طرأت على تركيبة فريقه المعني بالأمن القومي والسياسة الخارجية في أعقاب تعيينه جون بولتون المعروف بمواقفه المتشددة تجاه إيران وسوريا وكوريا الشمالية مستشارا للأمن القومي، ومايك بومبيو ذي المواقف المتصلبة تجاه إيران وكوريا الشمالية وزيرا للخارجية. وليس من المبالغة القول إن الأسابيع المقبلة قد تكون محورية في تقرير مصير ترامب وولايته، نظرا ليس فقط للتحدي السوري، ولكن لأن ترامب سوف يقرر في آيار – مايو المقبل ما اذا كانت واشنطن ستبقى أو ستنسحب من الاتفاق النووي الدولي الموقع مع إيران، وهو الشهر الذي سينتهي باجتماعه التاريخي المتوقع مع زعيم كوريا الشمالية كيم يونغ أون.
وشاهد ملايين الأمريكيين، في يوم الثلاثاء، الرئيس ترامب محاطا بكبار مساعديه لشؤون الأمن القومي من سياسيين وعسكريين قبل اجتماع لمناقشة الخيارات العسكرية المتوفرة للولايات المتحدة لمعاقبة نظام بشار الأسد في سوريا، ردا على الهجوم الكيماوي ضد بلدة دوما في الغوطة الشرقية، قرب دمشق الذي قُتل فيه العشرات من المدنيين. بدا الغضب على وجه ترامب قبل أن يكتف يديه ويبدأ بالتوبيخ والتأنيب. ولكن مرارة ترامب وكلماته الجارحة لم تكن موجهة للطاغية السوري بشار الأسد كما يفترض، ولكن كلامه اللاذع استهدف المحقق روبرت مولر الذي يشرف على التحقيق بالتدخل الروسي في انتخابات الرئاسة، وما إذا كان مسؤولون في حملة ترامب قد تورطوا في هذا التدخل، أو قاموا – بمن فيهم الرئيس ترامب – لاحقا بالتدخل لعرقلة التحقيق. ترامب شكى بمرارة ممزوجة بالغضب والإحباط قرار نائب وزير العدل رود روزينستين، بناء على توصية من مولر بالسماح لعناصر من مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) بتفتيش مكتب ومحل إقامة مايكل كوهين، المحامي الشخصي للرئيس ترامب والاستيلاء على أوراقه وسجلاته وأجهزة الكمبيوتر التي تتضمن تسجيلات لمكالماته الهاتفية إضافة إلى هاتفه النقال.
وكعادته، بالغ ترامب بوصف ما حدث، قائلا إن عناصر أف بي آي “اقتحموا” مكتب محاميه، وهو أمر نفاه كوهين لاحقا بقوله إن المفتشين كانوا مهنيين ولطفاء. وأضاف ترامب أن ما حدث هو عمل مشين “وهجوم على بلادنا”. وخلال مونولوج طويل ومفكك، تطرق ترامب إلى الهجمات الكيماوية ضد المدنيين في الغوطة، وقال إن الأسد يجب أن يعاقب وأنه سيتخذ قراره خلال 24 أو 48 ساعة.
وبينما بدأ ترامب الأسبوع بمهاجمة المحقق مولر ونائب وزير العدل روزينستين، فقد أنهاه بشنّ هجوم لاذع ضد جيمس كومي الذي أقاله ترامب قبل أقل من سنة من منصبه كمدير لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي)، لأنه قاوم ضغوطه بعدم مواصلة التحقيق بانتهاكات مستشار الأمن القومي الأسبق مايكل فلين. وعاد كومي إلى الواجهة بعد تأليفه لكتاب تطرق فيه بالتفصيل لعلاقته بترامب قبل طرده. ووفقا لمقتطفات من الكتاب يصف كومي الرئيس ترامب بأنه يتصرف مثل زعماء عصابات المافيا، حيث يتوقع من العاملين معه ولاء مطلقا، وحيث يمارس الكذب بشأن القضايا البسيطة والقضايا الهامة. ويرى كومي أن أمريكا في عصر ترامب قد دخلت في مرحلة خطيرة حيث يتم التشكيك بالحقائق الجوهرية في المناخ السياسي الراهن، وحيث أصبح الكذب أمرا طبيعيا، ويتم تجاهل السلوك غير الأخلاقي وحتى مكافأته. ولجأ ترامب إلى وسيلته المفضلة في التواصل الإجتماعي، تويتر، لمهاجمة كومي ونعته بالكاذب وتسريب الوثائق السرية، وهي تهمة باطلة، قائلا إنه كان مديرا ضعيفا لمكتب أف بي آي. ولكن رد فعل ترامب وقيادة الحزب الجمهوري التي انشأت موقعا إلكترونيا لدحض كتاب كومي يحمل اسم “كومي الكاذب”، يبين أن ترامب ومؤيديه كانوا يتوقعون وبقلق أن يضعهم كتاب كومي في موقع دفاعي صعب.
سوريا: الصواريخ آتية أو غير آتية
اتسمت مواقف إدارة ترامب حول سوريا واحتمال معاقبتها عسكريا بالرسائل المتناقضة. وكعادته سارع ترامب عبر تغريداته باطلاق التهديدات العسكرية، والقول بإن قراره النهائي حول الضربة سيتخذ في القريب العاجل. وفي إحدى تغريداته، حذر ترامب روسيا من أن الصواريخ الأمريكية الجيدة “والذكية” قادمة وعليها أن تكون مستعدة لها، وذلك في مؤشر واضح بأنه قد اتخذ بالفعل قراره بضرب سوريا. ولكن موقف ترامب لم يكن منسجما مع موقف وزير الدفاع جيمس ماتيس الذي قال إن المسؤولين الأمريكيين يواصلون مع الحلفاء تقييم التقارير الاستخباراتية حول الأدلة المتعلقة باستخدام السلاح الكيماوي، الأمر الذي أرغم ترامب على التراجع بعض الشيء، والادعاء في اليوم التالي “لم أقل أبدا إن الهجوم على سوريا سوف يحدث. هذا قد يحدث قريبا جدا، أو لن يحدث أبدا.” وتزامن هذا الموقف مع تصريحات وزير الدفاع ماتيس أمام المشرعين الأمريكيين من أن الرد العسكري الأمريكي يجب أن يتوازن مع خطر اندلاع حرب أوسع، بسبب وجود العسكريين الروس في قواعد مشتركة تتواجد فيها القوات والأسلحة السورية. هذا الموقف تزامن مع الكشف عن وجود اتصالات بين العسكريين الأمريكيين والروس لتفادي أي مواجهات عسكرية غير مقصودة في حال لجأت واشنطن إلى الخيار العسكري. اللافت أن تهديدات ترامب العسكرية، جاءت بعد أسبوعين من قوله علنا أنه يريد الانسحاب من سوريا بسرعة وترك مستقبلها للآخرين كي يتهموا هم به. هذا الموقف يتعارض مع رغبة وزارة الدفاع بابقاء القوات الأمريكية المرابطة في شمال شرق سوريا لمواصلة مهمتها بالقضاء على فلول تنظيم الدولة الإسلامية، ولكن في الوقت ذاته حرمان النظام السوري وحلفائه الإيرانيين من السيطرة على تلك المنطقة من سوريا الغنية بالموارد الزراعية والنفطية. الوزير ماتيس عكس المعضلة التي تواجهها الولايات المتحدة في سوريا حين قال إن بلاده تريد فقط القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، “وليس التورط في الحرب الاهلية”، مشددا في الوقت ذاته على أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال التغاضي عن استخدام الأسلحة الكيماوية، ولكن الواقع هو أن الولايات المتحدة متورطة ولو بشكل محدود بالحرب الأهلية، طالما بقيت قواتها على الأرض، وإن كان ذلك في غياب استراتيجية سياسية بعيدة المدى.
خلال شهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ التي تنظر في التصديق على تعيينه وزيرا للخارجية حاول مايك بومبيو التراجع بعض الشيء عن مواقفه المتصلبة القديمة ومن بينها رفضه القاطع للاتفاق النووي مع إيران، قائلا إنه سيحاول “إصلاح” الاتفاق إذا كان ذلك ممكنا خلال الأسابيع المقبلة، ولكنه أضاف أن إيران لا تسابق لتطوير السلاح النووي قبل انتهاء فترة الاتفاق، وأنها لن تفعل ذلك حتى ولو تم انهيار الاتفاق. وكان الرئيس ترامب قد تعهد بالانسحاب من الاتفاق اذا لم توافق الدول الاوروبية : ألمانيا وفرنسا وبريطانيا على ادخال تعديلات جذرية على الاتفاق، وهو أمر غير متوقع نظرا لرفض إيران لأي تعديلات .
ومع أن بومبيو شدد على أن مواقفه متطابقة بشكل شبه كلي مع الرئيس ترامب، إلا أنه كان من اللافت أنه اتخذ موقفا متشددا من روسيا، بعكس ترامب داعيا إلى ضرورة تنفيذ جميع العقوبات المفروضة على روسيا، قائلا إن الرئيس بوتين “لم يستلم بشكل فعال الرسالة الأمريكية” حول جدية العقوبات، مشددا على ضرورة التصدي لسياسات روسيا المتصلبة ومن بينها تدخل روسيا في أوكرانيا والعمل على منعها من تحقيق أهدافها.
أنظار الأمريكيين والعالم مركزة على واشنطن، وعلى رئيس أمريكي محاصر يواجه تسونامي من التحديات الخارجية والداخلية، وعليه اتخاذ قرارات حاسمة في الأيام والأسابيع المقبلة تمس بمستقبل الولايات المتحدة ومستقبل العالم.