ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
في السنوات الأولى من عمر “عملية السلام” بين العرب وإسرائيل التي رعتها الولايات المتحدة كان المسؤولون الأمريكيون مثلهم مثل المسؤولين في العالم يشيرون إلى الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967 على أنها أراض محتلة، ولاحقا اعتبروا المستوطنات الإسرائيلية في هذه الأراضي “غير شرعية”، وتتنافى مع قرارات مجلس الأمن والقانون الدولي الذي لا يجيز احتلال أراضي الغير بالقوة.
مع مرور الوقت وبفعل ضغوط إسرائيل وأصدقائها في الولايات المتحدة، بدأت اللغة السياسية تتغير تدريجيا. أصبحت الأراضي المحتلة في بعض تصريحات المسؤولين “متنازع عليها” أو أن إسرائيل “تسيطر” عليها بدلا من احتلالها، كما تحولت المستوطنات إلى مجرد “عقبة” في وجه السلام، ما دفع بالعاهل الأردني الراحل الملك حسين للقول بسخرية أن الأمر سيصل بالمسؤولين الأمريكيين لوصف المستوطنات بأنها مجرد “منظر قبيح” Eyesore. اللافت أن المسؤولين الأمريكيين اعتمدوا صيغة بسيطة ولكن تضليلية لشرح موقفهم من المستوطنات أو الوضع القانون للأراضي المحتلة، أي “موقفنا من هذه المسائل لم يتغير ولا يزال كما هو”، ولكن في الوقت ذاته يمتنعون عن تحديد ماهية هذا الموقف الأمريكي بكلام واضح.
منذ انعقاد مؤتمر مدريد للسلام بعد حرب تحرير الكويت، وحتى مفاوضات شيباردستاون في سنة ألفين بين سوريا وإسرائيل برعاية واشنطن، ولاحقا الوساطة التركية بين سوريا وإسرائيل والتي توقفت عمليا بعد الهجوم العسكري الذي شنته حكومة إيهود أولمرت ضد حركة حماس في قطاع غزة في 2008 والتي حاولت إدارة الرئيس أوباما دفعها من خلال مساعي المبعوث فريد هوف، كانت المفاوضات مبنية على أساس استعادة سوريا هضبة الجولان مقابل السلام والتطبيع مع إسرائيل. قادة إسرائيليون مثل إسحاق رابين وايهود اولمرت كانوا يسلمون بأن السلام مع سوريا سوف يعني الانسحاب الكامل من هضبة الجولان، أو تقريبا من كاملها مع تعديلات متفق عليها بين الطرفين تأخذ بعين الاعتبار انحسار منسوب مياه بحيرة طبريا. وخلال العقود الطويلة التي مرت بها “عملية السلام” لم تقبل أي إدارة أمريكية جمهورية أو ديمقراطية الاعتراف بقرار إسرائيل في 1981 تطبيق القانون الإسرائيلي في هضبة الجولان فيما اعتبر آنذاك خطوة عملية لضم الجولان. الرد الأولي للرئيس رونالد ريغان بعد قرار إسرائيل كان في تعليق اتفاق تعاون استراتيجي بين إسرائيل والولايات المتحدة كخطوة عقابية.
ترامب جاء لينقض لا ليكمل
يفاخر الرئيس دونالد ترامب بأنه جاء لينقض أرث أسلافه في “عملية السلام” وليس إكماله أو البناء عليه. وهذا ما عكسته جميع قراراته حتى الآن ، مثل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وإلغاء التمثيل الفلسطيني في واشنطن عمليا، والتمثيل الأمريكي لدى الفلسطينيين في القدس، إضافة إلى إنهاء المساعدات لوكالة إغاثة اللاجئين وقطع المساعدات التعليمية الأمريكية عن الطلاب الفلسطينيين. كلها هدايا قدمها ترامب لنتنياهو دون أي مقابل. وفي نهاية السنة الماضية بدأت إدارة ترامب بإرسال المؤشرات بأن موقفها السياسي والقانوني من هضبة الجولان مقبل على تحول جذري. وأول مؤشر جاء في تصويت واشنطن للمرة الأولى ضد قرار دوري وسنوي في الأمم المتحدة يذّكر بالهوية السورية لهضبة الجولان. وفي الأسبوع الماضي أشار التقرير السنوي لوزارة الخارجية حول حقوق الانسان في العالم للمرة الأولى إلى الجولان على أنه أرض تسيطر عليها إسرائيل ولا تحتلها كما كان الحال في السابق. هذا التعديل في اللغة، تزامن مع جهود يبذلها اصدقاء الرئيس ترامب في الكونغرس، ومن أبرزهم السيناتور الجمهوري ليندزي غراهام الذي عاد قبل أيام من زيارة لإسرائيل، شملت التوقف في الجولان، إصدار مشروع قرار يحض إدارة ترامب على الاعتراف “بالسيادة الإسرائيلية” على الجولان.
يوم الخميس، وخلال وجود وزير خارجيته مايك بومبيو في إسرائيل، في زيارة مصممة لتأكيد دعم إدارة ترامب لنتنياهو الذي يواجه انتخابات نيابية صعبة في التاسع من أبريل – نيسان المقبل بعد اتهامه بتلقي الرشاوى، فاجأ ترامب أجهزة الدولة الأمريكية وحتى وزير خارجيته والعالم بإطلاق تغريدة في منتصف اليوم قال فيها “لقد حان الوقت للولايات المتحدة بعد 52 سنة الاعتراف الكامل بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان، التي لها أهمية استراتيجية وأمنية بالغة لدولة إسرائيل، وللاستقرار الإقليمي”. وهكذا وبتغريدة متهورة نسف ترامب أكثر من 50 سنة من التقاليد والمسلمات السياسية والقانونية لجميع الرؤساء الذين سبقوه وحاولوا التوسط بين إسرائيل والعرب. وكان هناك شبه إجماع في أوساط المحللين والدبلوماسيين على أن توقيت تغريدة ترامب يمثل هدية سياسية سافرة لنتنياهو عشية الانتخابات النيابية في إسرائيل، لأن خصوم نتنياهو رحبوا بالخطوة التي سيبني عليها رئيس وزراء إسرائيل المزيد من الدعم عندما يبدأ زيارة أخرى لواشنطن في مطلع الأسبوع حيث سيلتقي بالرئيس ترامب وأصدقاء إسرائيل في الكونغرس، وللتحدث أمام المؤتمر السنوي “للجنة العلاقات-الأمريكية-الإسرائيلية للشؤون العامة” (إيباك) وهو الاسم الطويل للوبي الأساسي المؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة. وكان بومبيو في إسرائيل قد قال للصحفيين إنه لا يوجد هناك موقف أمريكي جديد حول الجولان، وذلك قبل ساعات من تغريدة ترامب. وكان مسؤول أمريكي بارز تحدث مع الصحفيين الأسبوع الماضي قبل جولة بومبيو قد نفى بشكل قوي وجود أي تغيير في الموقف من الجولان. وسارع الحقوقيون للقول إن إعطاء الغطاء الأمريكي لضم إسرائيل للجولان هو انتهاك صارخ للقانون الدولي ولقرارات مجلس الأمن الدولي، بما فيها القرار 242، الذي لا يجيز حيازة الأراضي بالقوة.
فريد هوف : قرار ترامب هدية لإيران
ويرى السفير والمبعوث الأمريكي السابق فريد هوف، في حوار خاص معنا، أن موقف ترامب ” هو هدية لإيران وحزب الله وبشار الأسد. وهذا سيوفر لإيران وحزب الله الفرصة لانقاذ ما يسمونه “بالمقاومة” من مغبة يوميات تبييض الأموال وتهريب المخدرات. وإذا تم الاعتراف رسميا بضم الجولان عندها ستقوم إيران وحزب الله بالصراخ حول ضم إسرائيل لأراضٍ احتلت في انتهاك واضح للقرار 242 ومبادرة السلام العربية”. ويشير هوف إلى احتمال قيام إيران وحزب الله” بأعمال إرهابية وقصف في الجولان”، ويتابع “أما بالنسبة لبشار الأسد، وهو مع والده حافظ، مسؤولان عن خسارة الجولان، فإن القرار الأمريكي سوف يكون فرصة لتغيير الموضوع وابعاده عن موضوع ارتكابه جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية “. ويرى هوف أن موقف ترامب وأي إجراءات لاحقة تتخذها إسرائيل لن تكون إيجابية بالضرورة للأمن الإسرائيلي، فالوضع الراهن كاف لإسرائيل.” وتساءل هوف عما إذا كانت الأجهزة الأمريكية المعنية قد ناقشت هذه المسألة، وكيف وصلنا إلى قرار ترامب “دفن القرار 242 بالعمق”.
قرار ترامب هو انتصار واضح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي فرضت عليه إدارة الرئيس السابق باراك أوباما عقوبات اقتصادية في 2014 بعد غزوه لشبه جزيرة القرم في أوكرانيا وضمها. الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان السوري، سيقوض عمليا جميع الحجج القانونية والأخلاقية والسياسية التي كانت تستخدمها واشطن وحلفائها في أوروبا للضغط على روسيا للانسحاب من القرم. قرار ترامب، سوف يشجع اليمين الشوفيني والعنصري في إسرائيل على ضم مناطق واسعة من الضفة الغربية لإسرائيل. وأشار معلقون كثر إلى أن قيام ترامب بشرعنة احتلال إسرائيل لأراض سورية، سوف يؤثر سلبا على فرص الحصول على دعم عربي، وتحديدا خليجي، لما يسمى بصفقة القرن للتوصل إلى حل للنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي. وبما أن الخطط التي وضعها صهر ومستشار ترامب، جاريد كوشنر وفريقه الصغير – المعروف بتأييده الشديد لسياسات نتنياهو – مبنية على فرضية استعداد دول الخليج لتقديم مساعدات مالية هامة لتحسين نوعية الحياة الاقتصادية للفلسطينيين تحت الاحتلال، خاصة وأن ما رشح حتى الآن عن “صفقة القرن” لا يشمل إقامة دولة فلسطينية مستقلة بالفعل. ويرى كوشنر، وفق ما تقوله شخصيات مقربة منه، أن قدرة الفلسطينيين على مقاومة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية قد انخفضت لأنه لم يعد بوسع الفلسطينيين الاعتماد على دعم دول الخليج لهم، لأن دول الخليج، وفقا لهذا التفكير ترى أن إيران والقوى المتحالفة معها هي التي تشكل الخطر الأكبر على أمن دول الخليج، وليس إسرائيل. اعتراف واشنطن بسيادة إسرائيل على الجولان، سوف يحرج أي دولة عربية تريد التعاون مع الولايات المتحدة أو حتى إسرائيل في مواجهة إيران، إذا أصرت واشنطن على موقفها الجديد تجاه الجولان.
معارضة يهودية لجنوح إسرائيل الشوفيني
ويأتي قرار ترامب حول الجولان في الوقت الذي تتعرض فيه حكومة نتنياهو في الولايات المتحدة إلى انتقادات واسعة ونابية من مختلف الجهات وتحديدا شخصيات ومؤسسات يهودية أمريكية عريقة تؤمن بالسلام وتعايش إسرائيل مع دولة فلسطينية مستقلة، والأهم بالنسبة لها بقاء إسرائيل دولة بعيدة عن تيارات المستوطنين العنصريين والأحزاب المتطرفة التي تنبذ السلام مع العرب وتفاخر بقوميتها المناوئة للعرب. وهناك جدل عال وصريح في أوساط اليهود الأمريكيين وخاصة في أوساط الشباب الذين لا يتورعون عن انتقاد إسرائيل وجنوحها السافر إلى الحكم الشوفيني.
ومنذ الانتخابات النصفية في نوفمبر – تشرين الثاني الماضي وبروز نواب جدد من الشباب والليبراليين ازدادت انتقادات المشرعين الديمقراطيين للعنف الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين، ولنتنياهو شخصيا، بسبب تحالفه الصارخ مع أحزاب عنصرية لضمان بقائه في السلطة. وفي هذا السياق كان من اللافت أن عددا من المرشحين الديمقراطيين لمنصب الرئاسة قد قرروا، مقاطعة مؤتمر اللوبي المؤيد لإسرائيل “إيباك” الأسبوع المقبل، وهو المؤتمر الذي كانت الشخصيات السياسية الأمريكية تتنافس تقليديا على حضوره والتحدث فيه. وتراوحت أسباب المقاطعة بين الاستياء من سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين، والتحالف الجديد بين نتنياهو والأحزاب العنصرية الإسرائيلية. ووصل عدد المرشحين الديمقراطيين الذين سيقاطعون المؤتمر إلى سبعة، أي حوالي النصف، ومن أبرزهم السيناتور بيرني ساندرز، والسيناتور إليزابيث وارن، والسيناتور كمالا هاريس، والنائب السابق بيتو أورورك، والنجم الساطع والشاب في الحزب الديمقراطي بيتر بيتوجيج، وجي إينسلي، وجوليان كاسترو. وتعرض المرشحون الديمقراطيون إلى ضغوط من القاعدة التقدمية والليبرالية في الحزب الذين طالبوهم بمقاطعة مؤتمر (إيباك) بشكل علني . وقال جوش أورتون مدير حملة ساندرز إنه سيقاطع المؤتمر لأن “إيباك توفر المنبر لقادة عبّروا عن مواقف عنصرية، ولأنهم يعارضون الحل المبني على دولتين “بين إسرائيل وفلسطين.”