في رسالة مباشرة وغير عادية إلى الجمهور الإسرائيلي، حذر سفير الإمارات العربية المتحدة لدى الولايات المتحدة، يوسف العتيبة من الضم المحتمل لمناطق واسعة النطاق من الضفة الغربية المحتلة، والمتوقع في وقت لاحق من هذا العام. وأعرب العتيبة عن تحذيره في مقالة باللغة العبرية لصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، وأصدر كذلك رسالة متلفزة منفصلة باللغة الإنجليزية. إن هذا التواصل جدير بالملاحظة من عدة نواحٍ، فمن الواضح أنه يهدف إلى التأثير على الجدل الإسرائيلي الداخلي بشأن الضم، ويعمل بمثابة تحذير صارخ ومباشر للجمهور الإسرائيلي، ولكن من الممكن أن يضل الإسرائيليين بالتركيز على شكل الرسالة أو حتى وجودها، بدلاً من مضمونها.
في الواقع، يقول العتيبة للإسرائيليين: يبدو أن العديد من قادتكم يرون أنه لن يكون للضم أي نتائج سلبية ذات مغزى على الصعيد الإقليمي. فأقول لكم بصراحة إن هذا ليس صحيحًا، وإن ذلك، في الواقع، سوف يشوش على أية عملية تقارب يمكن أن يتم اتخاذها مع بلادي.
ومع ذلك، فإن نبرة الرسالة – وحتى وجودها – تعبر عن حقيقيةٍ ضمنية أكثر تعقيداً. فليس ثمة طرف في العلاقة الخليجية-الإسرائيلية صريح تماماً مع جماهيره حول ما حدث (وما لم يحدث) منذ اتفاقيات أوسلو عام 1993 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. جميع دول الخليج، دون استثناء، قطعت أشواطًا طويلةً نحو الحوار مع إسرائيل؛ ولكلٍ أسبابها للقيام بذلك. وتفاصيل هذه التفاعلات أقل أهمية من حقيقة أن جميع دول الخليج العربية الست انفتحت على إسرائيل في أوقات مختلفة خلال الثلاثين عاماً الماضية، وبعضها كان انفتاحه ملحوظاً.
لعل أقرب علاقة مفتوحة بين دولة خليجية وإسرائيل كانت إنشاء بعثة تجارية إسرائيلية في قطر عام 1996. ولكنها توقفت في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2000، مع اندلاع الانتفاضة الثانية وتصاعدها. ومن الجدير ذكره حول هذه العلاقة أنها بلغت ذروتها في عام 1996، ويمكن القول إن هذه كانت من أقوى فترات عملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية، حيث انتشرت على نطاق واسع الآمال بحل الدولتين على أساس اتفاقات أوسلو. لكن هذه التحركات نحو إقامة علاقات دبلوماسية رسمية توقفت مع انهيار تلك الآمال في ظل لهيب الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
من المؤكد أن قطر، شأنها في ذلك شأن معظم شركائها الخليجيين، ما زالت تُبقي على علاقاتها المنفتحة القوية مع إسرائيل، على الرغم من كبح هذه العلاقة بفعل مستوى اعتمادها حالياً على تركيا وإيران، اللتين لهما علاقات متوترة جدًا مع إسرائيل. في الوقت الراهن، عُمان هي التي تقيم أقوى العلاقات مع إسرائيل، حيث رحب السلطان الراحل قابوس بن سعيد في عام 2018 برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وغيره من كبار المسؤولين في زيارة نادرة إلى دولة عربية. وحتى هنا، كان هناك بعض الحذر، حيث لم يتم الإعلان عن الزيارة إلا بعد عودة نتنياهو إلى إسرائيل، وأوضح العمانيون أنه لم تكن لديهم الإرادة لتطبيع العلاقات الدبلوماسية وغيرها مع إسرائيل حتى قيام الدولة الفلسطينية، وإنهاء الاحتلال الذي بدأ في عام 1967.
على الرغم من تاريخ قطر الحافل بالعلاقات الرائدة مع إسرائيل، واستعداد عُمان للانخراط علناً مع القادة السياسيين الإسرائيليين، إلا أن الاهتمام تركز في السنوات الأخيرة على العلاقات بين إسرائيل والدول الخليجية الثلاث الأكثر توحدًا حول الشؤون الإقليمية: المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين. في الوقت الذي تحتفظ فيه عمان وقطر بسياساتهما الخارجية تجاه إيران بشكل خاص، وتعمل الكويت بشكل دؤوب لتجنب الانجرار إلى النزاعات الإقليمية أو الإيديولوجية أو الطائفية، تتخذ السعودية والإمارات والبحرين موقفًا قويًا ضد الهيمنة الإيرانية، وتقف بشدة ضد وكلائها في العالم العربي. وبما أن إسرائيل تشاطرهم الرأي القائل بأن إيران هي الخطر الرئيسي في المنطقة، وكانت في السنوات الأخيرة على استعداد للعمل ضد الميليشيات المدعومة من إيران وبالأخص في سوريا والعراق، فقد تنامى هنالك شعور في الخليج بأن إسرائيل هي [شريك] استراتيجي ثمين مرتقب، وحتى إنها ربما تكون شريكاً في الأمن القومي.
وقد تطورت الرؤية ذاتها في إسرائيل، فقد أصبحت رؤية إسرائيل للتهديدات قريبة جدًا من رؤية السعودية والإمارات والبحرين عندما انتهى الجزء الرئيسي من الحرب السورية، بسقوط حلب في يد القوات الحكومية في عام 2016. في تلك الأثناء، انتهت أغلبية الأعمال القتالية بشكل رئيسي في أكثر المناطق أهمية في البلاد، تاركة لميليشيا حزب الله اللبنانية القوية المدعومة من إيران مطلق الحرية للبحث في أنشطة أخرى محتملة. ومع ذلك، فقد عملت الحرب السورية على تحويل دور حزب الله ليكون في طليعة شبكة المليشيات الإيرانية إقليمياً وعلى نطاق واسع، وزاد كثيراً من قوة المجموعة وخبرتها وقدراتها العسكرية. ويرتبطون الآن بمنظمات تحمل الفكر نفسه في العراق بين قوات الحشد الشعبي والحوثيين في اليمن، وغيرها من الجماعات الأصغر الموالية لإيران، والمنتشرة حول العالم العربي. وكانت هذه بالتحديد مظاهر التدخل الإيراني التي أصابت دول الخليج الثلاث بالجزع. هذا التوافق المتزايد في رؤية التهديدات شجع كلاً من إسرائيل والدول الخليجية هذه على الأخذ بعين الاعتبار الفوائد المحتملة لتوثيق الروابط.
بالإضافة لذلك، تشعر دولة الإمارات العربية المتحدة بقلق عميق إزاء صعود تركيا كقوة إقليمية مهيمنة محتملة، تقود كتلة سنية إسلامية إقليمية وليدة بالاشتراك مع قطر وحكومة الوفاق الوطني في ليبيا، وحماس وأحزاب الإخوان المسلمين، وغيرها من القوى التي تحمل فكراً مماثلاً. وتنظر إسرائيل كذلك بعين الريبة إلى الأجندة السياسة الخارجية لتركيا. فولّدَ هذا العداء القوي تجاه الإخوان المسلمين تقاربًا بين المواقف الإسرائيلية والإماراتية بخصوص حماس، وبتعاطف كبير مع الرؤية المصرية أيضًا. كما يُنظر إلى إسرائيل على أنها شريك تجاري محتمل ومصدر للتكنولوجيا الضرورية، ولا سيما ما يتعلق بالقضايا العسكرية والأمنية، وعلى رأسها الأمن السيبراني.
لجميع هذه الأسباب، تم تشجيع الجانبين في السنوات الأخيرة على النظر إلى مزايا توثيق العلاقات. ومع ذلك، يبالغ القادة الإسرائيليون عندما يتحدثون عن “حلفائنا العرب السنة”. فليس ثمة تحالف بين إسرائيل وأيٍ من دول الخليج. ولا يوجد حتى علاقات دبلوماسية. ومع ذلك، فإن موقف المملكة العربية السعودية، وإن لم يطرأ أي تغيير منذ اعتماد مبادرة السلام العربية، التي قدمت إلى جامعة الدول العربية في عام 2002، وتبنتها فيما بعد منظمة التعاون الإسلامي، مضلل أيضًا. فهناك العديد من الأدلة على وجود معلومات استخبارية مهمة واتصالات عسكرية على مستوى متدنٍّ، وتجارة هادئة خاصة بالسلع والخدمات الاستراتيجية والمتعلقة بالأمن.
وكان هناك أيضًا تغيير في الموقف. وانعكس هذا مؤخرًا في إنتاج الدراما التلفزيونية الرمضانية لهذا العام في الخليج، هذا إلى جانب التزايد في العلاقات الرياضية والتجارية والثقافية. بالإضافة إلى ذلك، هنالك تغيير ملحوظ في اللهجة المتعلقة بالمواقف تجاه القومية اليهودية الإسرائيلية، التي أخذت في الظهور في هذا القرن، وهي تختلف تمامًا عن المواقف العربية من الحقبة الماضية. ويعزى ذلك جزئيًا إلى التغيير الجيلي، وجزئيًا إلى معاهدات السلام الإسرائيلية مع مصر والأردن، والاتفاقيات مع منظمة التحرير الفلسطينية، إضافة إلى حقيقة أن إسرائيل لاعب مهم في الشرق الأوسط.
خلاصة القول هي أن دول الخليج لم ولن تعتقد أبدًا أن إسرائيل تشكل تهديدًا وجوديًا لمصالحها الوطنية الأساسية. وعلى النقيض من ذلك، فإن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين تنظر إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية على أنها بالتأكيد تشكل مثل هذا التهديد، وتشاركهم إسرائيل في وجهة النظر هذه. لذلك، في الفترة الحالية، يبدو أن إسرائيل أصبحت طرفًا فاعلاً وراسخاً إقليمياً، قد تكون سياسته الخارجية مدمرة للغاية عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين، ولكنها قد تكون مفيدة عندما يتعلق الأمر بإيران وحتى بتركيا. وأبعد من ذلك تظهر الفكرة القديمة القائلة بأن إسرائيل هي صنيعة الغرب، أو أنها قضاء مؤقت، محكوم عليه أن يمضي على نهج الدول الصليبية في العصور الوسطى.
كل هذا يجعل لرسالة العتيبة للجمهور الإسرائيلي نبرة غير عادية. فحقيقة وجود الرسالة بحد ذاتها تعبر عن الجدية والاستعداد للحوار المباشر، على النقيض التام من الصمت المطبق في العقود السابقة. فالرسالة بحد ذاتها اعتراف، وبالرغم من أنها ليست دبلوماسية بشكل رسمي، إلا أنها تعبر عن وجود درجة من الاحترام. فهي تقول إنكم تستحقون التحدث إليكم، ونعتقد (ونأمل) أن تستمعوا إلى العقل. لم تحمل الرسالة نبرة توسّل أو تسوّل؛ كما أنها لم تكن نبرة تهديد أو إكراه. بل كانت نداء إلى العقل. وقد أعطى وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش هذه الرسالة حجماً أكبر، عندما تحدث مع اللجنة اليهودية الأمريكية، حيث أكد مجددًا أن بلاده ما تزال ملتزمة بحل الدولتين وتعارض الضم، ولكنها على استعداد للاستمرار في التواصل مع إسرائيل وتشجع المفاوضات. وأضاف أنه لا يزال من الممكن متابعة العلاقات غير السياسية حتى مع استمرار الخلافات السياسية.
تسير الإمارات على حبل مشدود. لا مجال للشك في أنها تحاول بشكل ودود توصيل رسالتين إلى إسرائيل في آنٍ واحد. الأولى، نود كثيراً تحسين العلاقات معكم. والثانية، إن مخططاتكم للضم ستجعل هذا الأمر مستحيلاً، وإن التقدم نحو إنهاء الاحتلال ضروري للمضي قدماً. لا يوجد أي تناقض بين هاتين الرسالتين. ولكن هناك مأزق. يبدو أن العديد من القادة اليهود الإسرائيليين، ومعظمهم من المحافظين، قد توصلوا إلى نتيجة خاطئة من تجربة الأعوام الثلاثين الماضية – وبالأخص الخمسة عشر عامًا الماضية- مفادها أن الثمن الذي سيتعين عليهم دفعه مقابل تحسين العلاقات مع دول الخليج العربية ببساطة ينخفض مع مرور الوقت. إذا تشددوا في ذلك، يمكنهم الاستمرار في الحصول على ما يصل إلى صفقة أفضل، والوقت ببساطة في صالحهم. وهذا ليس صحيحاً، لأن حافزهم في توثيق العلاقات مع إسرائيل يعتمد أيضا على عوامل مستقلة إلى حد كبير عن السلوك الإسرائيلي، وأبرزها صعود القوة الإيرانية والتركية، التي تهدد كلاً من إسرائيل ودول الخليج العربية.
إن الخطر على الإمارات ودول الخليج الأخرى في هذا النوع من التعامل مع إسرائيل هو أن حقيقة وجود الرسالة ونبرتها قد تكون هي كل ما يهم إسرائيل، وليس مضمون الرسالة. بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، مثل “تايمز أوف إسرائيل”، أساءت تفسير تعليقات قرقاش بكون تصريحات العتيبة “تحولاً كبيراً”. زعمت تقارير غير موثقة من صحف محافظة مثل “إسرائيل هيوم” أنه “خلف الكواليس لا تتم مقاومة خطوة [الضم] بالقوة التي قد يأملها الفلسطينيون”، وأن الدول العربية “لن تعرض علاقاتها مع إدارة ترامب للخطر” من أجل الفلسطينيين. وفكرة أن الحكومات العربية لا تهتم كثيرًا بالضم منتشرة على نطاق واسع في إسرائيل، لدرجة أن كاتب عمود بارز في صحيفة هآرتس شعر بأنه مضطر إلى التحذير من أن “التقارير التي تفيد بأن العرب يدعمون خطط الضم الإسرائيلية في الضفة الغربية لا أساس لها من الصحة على الإطلاق”.
كما يساور القادة الفلسطينيين شكوك جدية بشأن نوايا الإمارات. ولعل أبرزها، رفضهم مؤخراً قبول شحنتين من الإمدادات الطبية، لأن نقلهما جوًا بشكل مباشر من الإمارات العربية المتحدة إلى إسرائيل كان ببساطة ذريعة “لتطبيع” العلاقات بين البلدين.
ولكن تم التأكيد على جدية معارضة الإمارات للضم من خلال تعليق حديث لقرقاش في معهد الشرق الأوسط حيث قال: “في نهاية المطاف، أعتقد شخصياً أنه إذا واصلنا الطريق الذي نسلكه اليوم، وفقدنا إمكانية تنفيذ حل الدولتين على أرض الواقع، فإننا حقيقةً سنتحدث عن حقوق متساوية ودولة واحدة”.
هنالك احتمال قوي بأن يتوصل القادة والمواطنون الإسرائيليون إلى استنتاج خاطئ بأن حقيقة إبلاغ الإمارات لهم مباشرةً بطريقة محترمة وودية هي الرسالة الحقيقية. ليس من الخطأ تحديد الدافع وراء توثيق العلاقات مع إسرائيل من هذه الإشارات. الرسالة موجودة، نعم. ولكن الرسالة الفعلية التي يبعثها العتيبة وقرقاش للإسرائيليين – أن مخططاتكم للضم لا تتوافق مع أي فكرة للاستمرار في تطوير حوارنا وتعاوننا الحذر المحتمل- قد تضيع. ولكي يتم فهم الرسالة بشكل صحيح، يحتاج الإسرائيليون، وقادتهم على وجه الخصوص، إلى استقبالها دون غطرسة، وبالتواضع الحذر الذي يسعى الإسرائيليون أحياناً للحفاظ عليه في تعاملهم مع العالم العربي.