يعمل الازدهار الذي يشهده قطاع السياحة على تعزيز العائدات الخارجية وتوفير الوظائف وتحفيز عملية النمو، ولكنه أيضًا في يزيد من حجم الواردات وتدفق التحويلات المالية للخارج ما يؤثر سلباً على رصيد الحساب الجاري.
يتمثل أحد العناصر الرئيسية في رؤية 2030 في تنمية قطاع السياحة في المملكة العربية السعودية. والهدف هو جذب المزيد من الزوار الأجانب للمملكة، وتوفير المزيد من الخيارات السياحية والترفيهية للسكان المحليين للحد من حاجتهم للسفر إلى الخارج. يمكن أن تساعد التنمية السياحية في تنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط، وتوفير فرص العمل المطلوبة بشدة للمواطنين السعوديين، وينبغي أن تؤثر إيجابًا على رصيد الحساب الجاري للبلاد.
على مدى السنوات الخمس الماضية تم إدخال إصلاحات هامة لتطوير قطاع السياحة. ففي حين أن السعودية كانت ترحب بالزوار لأغراض دينية لسنوات عديدة، إلا أن عدد السياح لغير الأغراض الدينية كان محدودًا جدًا إلى أن تم العمل بالتأشيرات السياحية في عام 2019. وبعد ذلك، أدى التوسع في منح التأشيرات الإلكترونية والتأشيرات عند الوصول إلى تيسير السفر إلى البلاد بشكل أكبر. يتم توجيه استثمارات كبيرة لتطوير أو توسيع الوجهات السياحية في المملكة، بما في ذلك مناطق العلا والدرعية والبحر الأحمر. كما يجري توسيع نطاق الخيارات الترفيهية من خلال الفعاليات الرياضية والثقافية والحفلات الموسيقية وبرنامج “مواسم السعودية”.
تأثير اقتصادي كبير
تحقق النمو في قطاع السياحة في المملكة بوتيرة سريعة. حيث بلغ ما أنفقه غير المقيمين الذين زاروا السعودية عام 2023 أربعة أضعاف ما كان عليه في عام 2018. وفي غضون ذلك، فإن ما ينفقه السعوديون في الخارج لا يزال أدنى من أعلي مستوياته التي بلغها قبل عقد من الزمان. ونتيجة لذلك، تحول الرصيد الصافي في حساب السفر لميزان المدفوعات من عجز قدره 3 مليارات دولار في عام 2018 إلى فائض كبير بمقدار 13 مليار دولار في عام 2023.
يسافر المزيد من الزوار إلى المملكة لغايات غير دينية. ووفقا لـ “تقرير الإحصاء السنوي” الصادر عن وزارة السياحة، فإن 58٪ من عدد الوافدين البالغ 27.4 مليون في عام 2023 جاءوا لغايات ليست دينية مقارنة بـ 44٪ في عام 2019. جاء حوالي 40٪ من الزوار في عام 2023 من أربع دول هي البحرين ومصر والكويت وباكستان. ويشكل السياح من أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية والصين واليابان نسبة صغيرة من الوافدين.
ومع ذلك، فإن تكلفة تطوير البنية التحتية في قطاع السياحة، والإنفاق المرتبط بتوفير المزيد من خيارات الترفيه، تؤثران على وضع الحساب الجاري السعودي، ولكن من غير الممكن تحديد رقم دقيق لهذا التأثير. وفي حين استمر الحساب الجاري السعودي بتحقيق فائض مناسب بلغ 34 مليار دولار في عام 2023، إلا أن مقدار هذا الفائض بلغ فقط نصف حجم الفائض المسجل في عام 2018 على الرغم من ارتفاع عائدات النفط بشكل كبير في عام 2023. وهذا بسبب النمو السريع للواردات في السنوات الأخيرة، وازدياد تدفق التحويلات المالية للخارج مع تدفق العمال الأجانب. وقد أدت هذه الاتجاهات لزيادة التحسن في رصيد السفر. ويتوقع صندوق النقد الدولي حدوث عجز في رصيد الحساب الجاري هذا العام، وأن يظل الأمر كذلك على المدى المتوسط.
تُظهر “نشرة المؤسسات السياحية” السنوية أن قطاع السياحة كان مصدرًا هامًا لتوفير فرص العمل. في عام 2022 (حسب آخر البيانات المتاحة)، عمل 880 ألف شخص (6٪ من إجمالي العمالة) في أنشطة مرتبطة بقطاع السياحة مقارنة بـ 550 ألف (4.5٪ من إجمالي العمالة) في عام 2018. وفي حين أن حوالي ثلثي الوظائف الجديدة التي تم خلقها بين عامي 2018 و2022 كانت من نصيب غير المواطنين، إلا أن معظم الوظائف المتبقية (95 ألف وظيفة) كانت من نصيب النساء السعوديات. في الواقع، كانت العمالة في قطاع السياحة تشكل 7% من وظائف النساء السعوديات في عام 2022، بعد أن كانت أقل من 1% في عام 2018.
من الصعب الحصول على أرقام دقيقة حول مساهمة قطاع السياحة في الاقتصاد السعودي. لا تتضمن بيانات الناتج المحلي الإجمالي سوى تبويب صناعي واسع لقطاع “التجزئة والجملة والمطاعم والفنادق”، والذي يشكل جزءًا فقط من الإنفاق المرتبط بالسياحة وليس كله (ويضم جزءاً من الإنفاق الذي لا يتعلق بقطاع السياحة على الإطلاق). وفي حين أن هذا ليس مقياسًا دقيقًا، إلا أنه يشير إلى مساهمة كبيرة لتوسع قطاع السياحة في النمو. منذ عام 2018، كان قطاع “التجزئة والجملة والمطاعم والفنادق” ثاني أسرع القطاعات نموًا في الاقتصاد، حيث توسع بنسبة 28٪ بالقيم الحقيقية (أي بعد احتساب التضخم) مقارنة بنسبة 16٪ لإجمالي القطاعات غير الهيدروكربونية.
لا تسير جميع الأمور بسلاسة
ومن المرجح أن يتواصل ارتفاع عدد السياح الوافدين في السنوات القادمة. كما يجري الإعلان عن مواقع جذب سياحي جديدة وتطويرها. من المتوقع ان تتحسن عملية التواصل مع الأسواق الرئيسية مع انطلاق شركة طيران الرياض في عام 2025، وهي شركة طيران مدعومة من قبل صندوق الاستثمارات العامة. ومن شأن العمل المقرر بنظام التأشيرة السياحية الموحدة لمجلس التعاون الخليجي (تأشيرة “جولات الخليج الكبرى”) أن يفضي لتسهيل السفر داخل المنطقة على المواطنين من خارج دول مجلس التعاون الخليجي. لا تزال الأسواق السياحية الضخمة في أميركا الشمالية وأوروبا الغربية والصين واليابان غير مستغلة إلى حدٍ ما، هذه الأسواق توفر فرصاً محتملة كبيرة للنمو.
ومع ذلك، لا تزال هناك بعض التحديات التي من شأنها أن تفضي لإبطاء نمو قطاع السياحة في المستقبل. فالسياحة العالمية تعد سوقًا تنافسية للغاية مع وجود العديد من الدول الأخرى التي تتنافس بشدة من أجل جذب السياح. إن حالة الغموض والصراع في منطقة الشرق الأوسط قد تثني الزوار المحتملين عن التوجه للمنطقة، إلى جانب الأفكار السلبية عن السعودية في بعض أجزاء من أوروبا والولايات المتحدة، والقيود المفروضة على الكحول، والمعايير الاجتماعية المختلفة الموجودة في المملكة. وهناك عامل آخر غير معروف، وهو كيفية تأثير التغيرات المناخية على السياحة في السعودية. فمن شأن فصول الصيف الطويلة ومرتفعة الحرارة، إلى جانب زيادة خطر الظواهر الجوية الشديدة، أن تردع الزوار الأجانب عن زيارة المملكة، وتشجيع السعوديين على زيادة معدلات سفرهم للخارج، على الرغم من أن الوجهات السياحية الأخرى تواجه مشكلات مماثلة، وتواجه الظواهر المناخية التي تؤثر أيضاً بالسلب على قطاع السياحة لديهم على مدار العام.
تأثير مستدام؟
أسهم انفتاح السعودية على قطاع السياحة في تعزيز الاقتصاد بشكل كبير من حيث الإيرادات الخارجية والوظائف ومعدل النمو. إلا أن زيادة الواردات وارتفاع تدفقات التحويلات المالية للخارج، وكلاهما مرتبط جزئيًا على الأقل، بتنمية قطاع السياحة، قد كان لهما تأثير إيجابي على رصيد الحساب الجاري السعودي.
وفي نهاية المطاف، فإن البت فيما إذا كانت السياحة تساهم في تحقيق حسابٍ جارٍ أقل اعتمادًا على النفط على المدى الطويل سوف يعتمد على ثلاثة عوامل: القدرة على جذب أعداد متزايدة من السياح للسعودية؛ واستعداد السعوديين للحد من سفرهم للخارج مع زيادة خيارات الترفيه المحلية؛ وما إذا كانت عملية الإنفاق على استيراد السلع والخدمات والعمل في المشاريع المتعلقة بالسياحة ستكون مؤقتة أو طويلة الأمد. وفيما يتصل بالعامل الأخير، يبدو من المنطقي الافتراض بأن الاستثمار في تطوير البنية الأساسية للسياحة سوف يكون “مؤقتا” – فبمجرد اكتمال المشاريع، سيتوقف الإنفاق باستثناء أعمال الصيانة الروتينية. ومع ذلك، فالحق يقال أيضًا، إن العديد من المشاريع القائمة حاليًا سوف تستغرق سنوات لإنجازها، وسوف يدخل حيز التنفيذ مشاريع جديدة للمعرض العالمي 2030 ولكأس العالم 2034، وغيرها من الفعاليات المخطط لها. وسوف تفضي هذه الأحداث لجلب زوار جدد للمملكة، ولكن سيترتب عليها أيضًا تكاليف أولية باهظة، وهذا يعني أنه من المرجح لمستويات الإنفاق المرتفعة أن تستمر خلال معظم العقد المقبل.
يمكن أن يساهم قطاع السياحة بشكل كبير في جهود التنويع الاقتصادي في السعودية، لكن الفوائد الكاملة لتحقيق حسابٍ جارٍ أقل اعتماداً على إيرادات النفط قد تستغرق عدة سنوات. وفي الواقع، قد يصبح الحساب الجاري، في السنوات الانتقالية، أكثر عرضة لتقلبات عائدات النفط نظرًا لحجم الإنفاق على المشاريع المتوخاة في إطار رؤية 2030.
من غير المرجح أن تتمكن أرامكو من الحفاظ على سياستها الحالية في توزيع عائدات الأسهم في ظل غياب انتعاش قوي في عائدات النفط. وقد يؤدي تخفيض الأرباح الموزعة إلى آثار سلبية على الأوضاع المالية للحكومة وصندوق الاستثمارات العامة.
عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستخلق خطوط تماس وتوتر داخلية يمكن أن تؤدي إلى توترات اجتماعية وسياسية جديدة. إضافة إلى خطوط تماس أخطر خارجياً، قد تزج الولايات المتحدة في حرب تجارية مع الصين.
على صعيد العلاقات الأمريكية-الخليجية، سترث إدارة هاريس إطار عمل راسخ للمضي قدماً، ومن غير المرجح أن تتخلى عنه.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.