كنائبٍ للرئيس السابق، ظهر جوزيف بايدن كمرشح للرئاسة دون منافس عن الحزب الديمقراطي، لمواجهة الرئيس الحالي دونالد ترامب في نوفمبر/تشرين الثاني. تقوم دول الخليج بالكثير من التحليل لما قد تنطوي عليه سياسة بايدن تجاه الشرق الأوسط، وهي بالضرورة مسألة تكهنات. سوف يبدو الوضع الذي يواجه كلاً من الولايات المتحدة والشرق الأوسط، بما في ذلك منطقة الخليج، مختلفًا تمامًا في نوفمبر/تشرين الثاني، إن لم نذكر يناير/كانون الثاني 2021، عندما تبدأ الولاية الرئاسية التالية رسمياً.
هنالك العديد من العوامل التي تعمل على تشكيل سياسة الولايات المتحدة، والتي يتفق الأغلبية على أنها في فترة انتقالية. ومع ذلك، يمكن القول بأن ترامب قد اكتشف أن هنالك بعض الآراء والتصورات التي تصر بالإجماع على أن المصلحة الوطنية تضغط ضد تغيير سريع وجذري في المسار. ويُرجح أن تكون وجهات النظر الشخصية للرئيس عاملاً رئيسياً، وخاصة لما لديه من خبرة رائعة، وهو بالتأكيد ما ينطبق على بايدن، إذا تم انتخابه.
عند دراسة الأدلة التي قد تقود إليها ميول المرشح وخبرته ومواقفه السابقة وتصريحاته السياسية الأخيرة – إضافة إلى الأجواء الأوسع داخل الحزب والبلد ككل- من الضروري أخذ بعض المحاذير الواضحة بعين الاعتبار. وقد تم اعتماد المواقف السابقة في وقت مختلف، ومع أخذ مجموعة مختلفة من الحسابات بعين الاعتبار. فالمسؤولية الشخصية المباشرة لأداء السياسة الخارجية وتبعاتها، والأهم من كل ذلك، استخدام القوة، تُعدّ عبئاً فريداً من نوعه لا يمكن محاكاته أو تخيله بسهولة.
حتى إن المواقف التي تبناها بايدن بصفته نائبًا للرئيس تم اتخاذها في ظل ظروف مختلفة، ودون المسؤولية الشخصية المباشرة من الرئاسة. ومن الطبيعي أن يكون هدف معظم السياسيين الأساسي هو أن يتم انتخابهم. ويصبح العبء الكامل لمسؤوليات الرئيس جلياً فقط بعد فوز المرشح بالبيت الأبيض واكتمال مراسم تنصيبه.
ولهذا، فمن الصواب إلقاء نظرة على المناصب الحالية والسابقة للمرشحين وكبار مستشاريهم للحصول على بعض الدلائل على ما يمكن أن يفعلوه لاحقاً. غير أن من الضروري التأكيد على القيود الواضحة لمثل هذا التحليل، ويمكن لذلك أن يساعدنا على وضع فرضيات حول ما قد يحدث في المستقبل، ولكن ليس أكثر من ذلك. ومع ذلك، فإن لدى بايدن سجلاً حافلاً والعديد من التصريحات الحديثة التي تستحق الرجوع إليها للحصول على إشارة إلى ما يمكن أن تبدو عليه سياسته الخارجية.
من المغري أن نفترض أنه سيحاول ببساطة إعادة عقارب الساعة أربع سنوات إلى الوراء والاستئناف من حيث توقف هو، والرئيس السابق باراك أوباما على وجه الخصوص، عندما تولى ترامب المسؤولية. ولكن حتى لو أراد بايدن القيام بذلك، على فرض أنه فاز، فلن يكون ذلك ممكنًا. فالكثير الكثير قد تغير في الفترة الانتقالية. فهو ليس أوباما، وسيكون من الضروري والمهم لبايدن توضيح ذلك من خلال الاختلافات في السياسة، في حال انتخابه. لهذا السبب وللعديد من الأسباب الأخرى، فإن العودة إلى مُجمل سياسات ولاية أوباما ستكون مستحيلةً وغير مرغوبة.
في الوقت الذي قد يبدو الأمر وكأنه أبديٌ في السياسة الداخلية، فإن يناير/كانون الثاني المقبل ليس بالبعيد في سياق العلاقات الدولية. ولذلك، هذا تقييمٌ سريعٌ لما قد تبدو عليه سياسات الشرق الأوسط والخليج في ظل إدارة بايدن المحتملة في العديد من القضايا التي من المحتمل أن تبقى محورية بعد تسعة أشهر من الآن.
إيران وخطة العمل الشاملة المشتركة
كان القاسم المشترك بين جميع المرشحين تقريبًا خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي هو التعهد بالعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، التي تخلى عنها ترامب في عام 2018. في أغسطس/آب 2019، أخبر بايدن مجلس العلاقات الخارجية أنه “إذا عادت إيران للامتثال بالتزاماتها النووية، فإنني سأعود مجددًا لخطة العمل الشاملة المشتركة”، وسأستخدمها كنقطة للانطلاق في مواجهة “تصرفات طهران الخبيثة الأخرى في المنطقة”. ربما هذا ما يود سماعه معظم الناخبين الديمقراطيين، الذين ينظرون إلى خطة العمل الشاملة المشتركة على أنها إنجاز بارز لسياسة أوباما الخارجية، واستاءوا جدًا من انسحاب ترامب من الاتفاقية. ولكن في حين أن خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) تؤدي مهمتها على الورق، إلا أنها في الحقيقية تبقى حبراً على ورق. وما بين حملة عقوبات “الضغوط القصوى” الأمريكية وتخلي إيران عن التزاماتها بموجب الاتفاق، فإن أي محاولة لإحيائها تتطلب، في الواقع، التفاوض عليها بشكل كامل من جديد. ولذلك، فحتى لو أعلن بايدن وفريقه عن “العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة”، فإن ما يبحثون عنه حقيقةً هو فهم جديد مبني على هذا النموذج.
يبدو أن جيك سوليفان، أحد كبار مستشاري السياسة الخارجية لبايدن، والذي كان أيضًا أحد مهندسي الاتفاق النووي الرئيسيين، يدرك تمامًا الحاجة إلى نهج يتجاوز الضغوط القصوى، وجهد لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء. وفي حين يعترف بأنه لا يعتقد أن العقوبات ستكون مجدية من دون إجماع وتعاون دولي، إلا أنه يعترف بأن حملة “الضغوط القصوى” لترامب كان لها أثرٌ كبير: “لقد كانت في الواقع تلك العقوبات مجديةً للغاية بالمعنى الضيق لأنها تسببت في معاناةٍ اقتصادية بالغة لدى إيران”. ويلاحظ، في الوقت ذاته، أن هذه العقوبات الفعالة لم تكن “عصًا سحرية” ولم تجد حلولاً لخلافات الولايات المتحدة مع إيران.
يُعد هذا مؤشراً قويًا على أن معسكر بايدن يذهب إلى ما هو أبعد من خطاب حملة “العودة للدخول في خطة العمل الشاملة المشتركة”، ويعمل على تقييم الوضع الراهن. سيشمل تحليل النفوذ الذي قدمته العقوبات لصناع السياسة في الولايات المتحدة بخصوص التعامل مع إيران، بالإضافة إلى مثالب سياسة، ربما كانت تفتقر إلى المكونات الدبلوماسية والسياسية اللازمة لترجمة مثل هذا النفوذ إلى مكاسب استراتيجية. يقول سوليفان إن الخطوة التالية ستكون “تأسيس شيء على غرار [خطة العمل الشاملة المشتركة]، ولكن البدء فوراً بعملية التفاوض على اتفاق لاحق”. وبعبارة أخرى، فإن سياسة بايدن ستسعى إلى إعادة الارتباط بالاتفاق النووي، وتتطلع أساساً إلى ما هو أبعد من ذلك، إلى اتفاق أقوى بجداول زمنية مطولة، من شأنها معالجة ما يسميه سوليفان “إمكانية تعزيز العناصر الأخرى التي تعلمناها فيما بعد”.
لا يوجد حتى الآن مؤشر على الكيفية التي سوف تسعى بها إدارة بايدن لمواجهة تصرفات إيران الخبيثة في المنطقة، ولا سيما دعمها للميليشيات الطائفية المسلحة في الدول المجاورة مثل العراق ولبنان وسوريا – على الرغم من أن هذه القضية أصبحت أكثر إلحاحًا ودمويةً منذ الانتخابات الأخيرة. كما أنه من غير الواضح ما إذا كان بايدن مستعدًا للموافقة على الاعتراف بحق إيران في تخصيب اليورانيوم، وتحت أي شروط، وهو الأمر الذي يعتبره العديد من المراقبين بمثابة تنازل أمريكي خارق جعل الاتفاق النووي ممكنًا.
العراق
تَعرض بايدن إلى انتقادات متكررة للافتراض بأنه صاحب اقتراح تقسيم العراق إلى دول شيعية وسُنية وكردية، ولكن هذا فيه مبالغة، وحتى تشويه لما دعا إليه بالفعل. وفي تعليق نشرته صحيفة نيويورك تايمز عام 2006، وفي مقالة رأي نشرتها صحيفة الواشنطن البوست عام 2007، كان قد اشترك في تأليفهما مع الصحفي والمعلق ليزلي إتش جيلب (Leslie H. Gelb)، أوصى بايدن بـ “التقسيم الليّن” للعراق – عملياً على غرار عملية التقسيم البوسنة– [بحيث ترتبط هذه الوحدات] معاً بشكل فضفاض بواسطة حكومة مركزية ضعيفة في بغداد. تم تشويه هذا المفهوم والاستهزاء به في حينه، لكن في حين أن كلمة التقسيم تبقى بغيضة، إلا أن المفهوم الأساسي قد وجد لاحقاً أنصاراً له في العراق والمنطقة. ويمكن القول إن هذا هو التوجه الفيدرالي الذي كانت البلاد على أية حال مقبلةً عليه، وبالأخص في المناطق الكردية والشيعية، التي تتمتع عملياً بالحكم الذاتي، في حين أنها اسمياً جزء من دولة عراقية موسعة، ولكنها لامركزية.
أما السؤال الأكبر الذي ستتم مناقشته خلال الحملة، وتحدده الإدارة المقبلة، فسيكون مدى تواجد الجيش الأمريكي في العراق. لا شكَّ أن كلاً من بايدن وترامب سوف يستمران في التعهد بإنهاء “الحروب [المستمرة بلا نهاية]“، وقد يحاول كل منهما التنصل من دعمهما الموثق رسمياً للغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 (بالنسبة لبايدن هناك تصويت له في مجلس الشيوخ، وبالنسبة لترامب هناك تعليقات في برنامج هاورد ستيرن (Howard Stern) الإذاعي). ولكن على الرغم من أن ترامب قد دعا مرارًا وتكرارًا إلى انسحاب القوات الأمريكية من الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم، إلا أنه عمومًا لم يسعَ إلى هذه السياسة. وفي المقابل، قال بايدن إنه لا يؤيد الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية من الشرق الأوسط، ويفترض أنه لن يميل إلى خفض الوجود العسكري الأمريكي في العراق إلى الصفر أو لأي درجة من هذا القبيل.
إن نظرة بايدن الدولية للعالم أقرب ما تكون إلى الطابع الدولي التقليدي، الذي أعقب الحرب الباردة، والذي يرفضه ترامب بشكل عام. لذلك، فبينما كان يجادل دوماً ضد استخدام القوة أثناء إدارة أوباما (حيث عارض التدخل في ليبيا، وكان يجادل ضد أي تورط كبير في سوريا، وحتى إنه كان يحث على توخي الحذر بشأن الغارة التي قتلت أسامة بن لادن)، فقد يتردد كثيرًا في الانجرار إلى أي صراع عسكري، وقد يكون بايدن أكثر انفتاحًا من ترامب في الاعتراف بالفوائد الاستراتيجية الأوسع من الاحتفاظ بالوجود العسكري الأمريكي في العراق.
لقد ذكر بايدن في الواقع بصريح العبارة أنه سيترك قوةً أمريكية في الشرق الأوسط، خصيصًا لمحاربة تنظيم داعش، ما يشير إلى استمرار التواجد في العراق. وفي الحقيقة إن تركيز بايدن على الاستمرار في محاربة داعش دفعه حتى إلى الاستشهاد بـ “ضرورة الإبقاء على الانخراط” في سوريا، ربما أكثر مما كان يتصور كلٌ من أوباما وترامب. وأشارت التصريحات الأخيرة التي أدلى بها أنتوني بلينكن (Antony Blinken)، أحد كبار مستشاري بايدن للسياسة الخارجية، بقوة إلى أن استمرار وجود القوات الأمريكية على الأرض سيكون ضروريًا للاحتفاظ بالنفوذ، وألمح إلى أسفه من أن إدارة أوباما لم تفعل المزيد للمساعدة في تشكيل النتائج في سوريا.
الالتزامات العسكرية وغيرها من الالتزامات لدول الخليج
أحد الاختلافات الخطابية الأكثر وضوحًا بين بايدن وترامب هو مواقفهما المعلنة تجاه مبيعات الأسلحة لشركاء الولايات المتحدة في الخليج العربي. يبدو أن ترامب ينظر إلى دول الخليج العربية بشكل أساسي كعملاء للسلع والخدمات العسكرية الأمريكية، وبالتالي، فهي مصدر ربح للشركات الأمريكية وفرص تشغيل العمال. ولكن، ولأسباب متنوعة، أظهرت علاقة الولايات المتحدة مع المملكة العربية السعودية، وبدرجة أقل مع الإمارات العربية المتحدة، تصدعًا حزبياً كبيراً بين الديمقراطيين والجمهوريين. لقد أصبح دعم المملكة العربية السعودية قضية خلافية بين بعض الجمهوريين الأمميين في مجلس الشيوخ، من أمثال ليندسي جراهام وماركو روبيو، الذين عادة ما يدعمون ترامب والبيت الأبيض. لقد عملت الحرب في اليمن بشكل خاص – التي تفاقمت إثر مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وتزايد المخاوف بشأن التعامل مع المنشقين في المملكة العربية السعودية، وغيرها من مصادر التوتر– على تحويل علاقة واشنطن بالرياض إلى واحدة من أكثر المظاهر المثيرة للجدل في السياسة الخارجية للولايات المتحدة في عهد ترامب.
لقد تزايدت مواقف بايدن والعديد من الديمقراطيين صراحةً بشأن الحرب في اليمن، والحد من مبيعات الأسلحة للمملكة العربية السعودية في ظل استمرار هذه الحرب. وقد أبلغ بايدن مجلس العلاقات الخارجية: “سوف أنهي دعم الولايات المتحدة لهذه الحرب المأساوية، التي تقودها السعودية في اليمن، وأطلب إعادة تقييم علاقتنا مع المملكة العربية السعودية”. حتى إن بايدن أشار في مناظرة مع مرشحي الحزب الديمقراطي السابقين إلى قادة المملكة العربية السعودية على أنهم “منبوذون” وقال إن “قيمة المردود الاجتماعي في حكومة المملكة العربية السعودية الحالية قليلةٌ جدًا”. ومع ذلك، فقد لخص لمجلس العلاقات الخارجية الحاجة إلى استمرار العلاقة مع الرياض، إذا تم تغييرها، وقال مؤكدًا: “أود أن أسمع كيف تنوي المملكة العربية السعودية تغيير نهجها للعمل مع إدارة أمريكية أكثر مسؤولية”. هذه الصيغة، والكثير من خطاب الحزب الديمقراطي حول المملكة العربية السعودية واليمن وقضايا مماثلة خلال رئاسة ترامب، تشير في نهاية المطاف إلى معارضةٍ لمن يشغل البيت الأبيض حاليًا. وكما توحي هذه التعليقات، فإن ما تتضمنه من معنى هو أن رئيساً مختلفاً وسياسة خارجية مختلفة للولايات المتحدة هما المفتاح لإقامة علاقة “يتم تصويبها” مع المملكة العربية السعودية والشركاء الخليجيين الآخرين.
ومع ذلك، فقد أصبحت بعض دول الخليج العربية، وخاصة المملكة العربية السعودية، وبدرجة أقل الإمارات العربية المتحدة، كرات قدم سياسية في الولايات المتحدة بين أعضاء الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ومؤخرًا بين الأمميين [الذين يؤمنون بالدور الدولي للولايات المتحدة] وبين أنصار “أمريكا أولاً” الجمهوريين. هناك قدر كبير من الأعمال المعتبرة ينبغي القيام بها لإعادة بناء العلاقات مع الديمقراطيين والجمهوريين [الأمميين]، وسوف تصبح هذه المهمة ملحةً أكثر في سياق رئاسة بايدن. لكن تهديدات الإرهاب الدولي والهيمنة الإيرانية وغيرها من المخاوف المشتركة توفر أساساً صلباً لإعادة إحياء الشراكة، إذا تمت إعادة تقييمها من جديد، في عهد بايدن.
إسرائيل والفلسطينيون
يُعد النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني عنصراً محورياً في السياسة الخارجية للولايات المتحدة لأسباب سياسية داخلية، ويشكل محور اهتمام كبيرًا لدول الخليج العربية، والتي يُحتمل أن تكون معظمها مفتوحةً على تطوير روابط أقوى مع إسرائيل. فقط الكويت، من بين الدول الخليجية، لم تظهر في السنوات الأخيرة اهتماماً واضحاً باستكشاف إمكانية إقامة علاقات أفضل مع إسرائيل. وفي حين تتنوع أسباب هذا الاهتمام، فإن التحسينات الكبيرة في العلاقات الثنائية مع إسرائيل تتوقف على التقدم بين إسرائيل والفلسطينيين في حل الدولتين أو، على أقل تقدير، التخفيف من عبء الاحتلال على الشعب الفلسطيني. وبالتالي، فقد شكّل تشجيع إدارة ترامب لإسرائيل على ضم الأراضي المحتلة واحتقارها الممنهج للتطلعات والمطالبات الفلسطينية إشكاليةً بالنسبة لمعظم دول الخليج العربية.
إن الاحتمال الذي يلوح في الأفق لمزيد من عمليات الضم الإسرائيلية واسعة النطاق في الضفة الغربية، وفق توصية مقترح ترامب الصادر في يناير/كانون الثاني، يجعل من التقدم الإضافي أمراً بالغ الصعوبة. ينبغي على دول الخليج التي لديها مصلحة في تحسين العلاقات مع إسرائيل، لأي سبب كان، أن تشعر ببالغ القلق جراء السياسات الأمريكية التي تشجع التصرفات الإسرائيلية، التي من شأنها أن تزيد من صعوبة تحقيق مثل هذه العلاقات المحسنة، إن لم تجعلها مستحيلة. ويوصي مقترح ترامب بأن تقوم إسرائيل بضم معظم المستوطنات، الرسمية أو غير الرسمية، وضمن مساحات شاسعة من الضفة الغربية، إضافة إلى غور الأردن ذو الاستراتيجية الحاسمة.
بعد دعوتها إسرائيل للمضي فعليًا في مثل هذا الضم، يبدو أن إدارة ترامب سعت إلى منع إسرائيل من التصرف الفوري. ومع ذلك، يبدو أن صعود بايدن في استطلاعات الرأي والصعوبات السياسية التي يواجهها ترامب نتيجة لجائحة فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية المصاحبة لها قد دفع البعض في الحكومة الإسرائيلية إلى النظر للأشهر المقبلة، خاصة قبل انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني، على أنها فرصة للعمل بسرعة للاستيلاء على أكبر قدر ممكن من الضفة الغربية قبل أن تتدخل إدارة بايدن لكبح جماحهم. لم تقم إدارة ترامب بتشجيع مثل هذه الخطوة علانيةً، إلا أن هنالك تلميحات عن تحفظات خاصة محتملة.
ومع ذلك، فقد أوضح بايدن أنه يعارض الضم، وما يزال ملتزماً بحل الدولتين. وعلاوة على ذلك، فقد قال إنه إذا تم انتخابه رئيسًا، فلن يكون ملزماً بكل ما يعترف به ترامب في الأشهر المقبلة، وقد يتراجع عن أي خطوات من هذا القبيل. وعلى الرغم مما تتمتع به إسرائيل من قاعدة قوية من الدعم المحلي في كلا الحزبين، إلا أنها أصبحت أيضًا وبشكل متزايد، قضية خلافية بين الجمهوريين والديمقراطيين داخل الحزبين. ويشعر المؤيدون الأقوياء لحقوق الفلسطينيين بالقلق الشديد بسبب التزام بايدن التاريخي بأمن إسرائيل و”العلاقة الخاصة” بين البلدين، ولكن يبقى شبح رئاسة بايدن على الأقل بمثابة رادع لعملية إسرائيلية كبيرة للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، مثلما هو سبب للحكومة الإسرائيلية للعمل بسرعة.
التكهنات
كان لدى معظم دول الخليج العربية شكوك كبيرة حول إدارة أوباما، ورحبت بفوز دونالد ترامب قبل أربع سنوات تقريبًا. وعلى هذا الأساس، وبسبب بعض المخاوف الموضحة أعلاه، قد تستمر العديد منها بالشعور بالضيق إزاء احتمال فوز بايدن بالرئاسة. قد يكون الدرس الأساسي لهم أنه كان من الخطأ أن يتم الانحياز المفرط تجاه الحزب الجمهوري وإدارة ترامب في حين أن الشراكة القيمة تكون مع الولايات المتحدة بشكل عام. لقد كرّس التاريخ نمطًا دوريًا لانتقال السلطة في الولايات المتحدة. وفي حين أن بعض اللاعبين الخارجيين، وأبرزهم إسرائيل، يمكنهم الاعتماد على قواعد صلبة من الدعم السياسي المحلي، إلا أن معظمهم، بما في ذلك جميع دول الخليج العربية، يفتقرون لمثل هذا الضمان.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الاتجاه العام نحو إضعاف القيادة العالمية والمشاركة العسكرية للولايات المتحدة، والإرهاق الواسع النطاق في الصراع -خاصة في الشرق الأوسط- الذي تشارك فيه الطبقات السياسية والقوات المسلحة والجمهور على النطاق الأوسع، سيكون عاملاً رئيسيًا بصرف النظر عمن يفوز في نوفمبر/تشرين الثاني. وعلى الرغم من أن العديد من دول الخليج كانت أكثر سعادة بحملة “الضغوط القصوى” للعقوبات ضد إيران في عهد ترامب مما كانت عليه مع خطة العمل الشاملة المشتركة في عهد أوباما، إلا أن السياسة الجديدة لم تسفر عن تخفيف التوترات أو أي تحسنٍ في السلوك الإيراني. إن الشعور العام بخيبة الأمل من الولايات المتحدة الذي تم بناؤه على مدى أكثر من 15 عامًا استمر في ظل قيادة ترامب، وتم تعزيزه بالشعور المزعج من عدم القدرة على التنبؤ. وفي حين يدعو بعض الديمقراطيين إلى المزيد من فك الارتباط الأمريكي، إلا أن هنالك إشارات من بايدن ومستشاريه على أن إدارته ستعامل الشرق الأوسط كمنطقة ذات أهمية مستمرة للولايات المتحدة، وقد تسعى إلى ضغط دبلوماسي جديد من الولايات المتحدة للتخفيف من التوترات وتعزيز الاستقرار في جميع المجالات. لذلك، هناك الكثير مما يمكن العمل عليه مع إدارة بايدن على الرغم من بعض مصادر التوتر المحتملة الموضحة أعلاه. فلا يوجد سبب يمنع من أن تجد دول الخليج نفسها منسجمة، أو حتى أكثر انسجامًا، مع رئاسة بايدن مما ستكون عليه في ولاية ثانية لترامب.