لم يتبقَ سوى أقل من أربعة أشهر على انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني، وتشير معظم الاستطلاعات إلى تأخر الرئيس دونالد ترامب خلف نائب الرئيس السابق جوزيف بايدن. إلا أن ترامب رجل سياسة شعبوي جبار، وخلال عهده القصير نسبياً في العمل السياسي، أنجز سجلا حافلا كناجٍ بارع. في عام 2020، تمتع بالمزايا المعتبرة للمراكز الرئاسية التي يشغلها، والدعم الصلب من الناخبين في قاعدة الحزب الجمهوري وقادة الحزب، ودعم مالي كبير. لذلك، لا تزال هناك فرصة كبيرة لإعادة انتخاب الرئيس، والتمتع بأربع سنوات أخرى في البيت الأبيض.
ماذا سيعني ذلك لدول الخليج العربية، التي كان لها جميعا تقريباً علاقات قوية مع البيت الأبيض في عهد ترامب؟ بالنسبة لبعض قادة الخليج، وخاصة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، كان ترامب حليفاً عزيزاً خاصة في الأوقات العصيبة. ولكن بالنسبة للكثير من الآخرين، في الوقت الذي ربما يقدرون حملته في “الضغوط القصوى” من العقوبات على إيران، إلا أن الشكوك حول الدور الإقليمي للولايات المتحدة تعمقت فقط في ظل ترامب. حتى هؤلاء، والكثير منهم يفضلونه على سلفه، الرئيس السابق باراك أوباما، لم يطمئنوا على مدى السنوات الثلاث الماضية بشأن نوايا الولايات المتحدة. كان يُنظر إلى أوباما على أنه غير موثوق به بسبب اتفاقه النووي ومغازلته لإيران، وتخليه عن حسنى مبارك، الذي كان حليفاً للولايات المتحدة منذ فترة طويلة، عندما أطيح به كرئيس لمصر، ورفضه فرض خطته بشأن “الخط الأحمر” على استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا. جاء ترامب ليضيف المزاج المتقلب إلى جانب عدم الثقة.
إن أياً من ذلك لا يعني أن قاعدة بايدن الشعبية في دول الخليج أقوى من قاعدة ترامب. بل على العكس من ذلك، فمجرد المخاوف من أن بايدن قد يعيد إحياء العناصر الرئيسية لسياسة أوباما تخفف من أي دافع من هذا القبيل. ومع ذلك، ونظراً للمسائل الجدية المتعلقة ببعض سياسات ترامب في ولايته الأولى، والشكوك الكبيرة في نواياه في الفترة الرئاسية الثانية، يبدو أن تفضيل الرئيس الحالي، في أحسن الظروف محدود، في معظم الحالات. ويدرك قادة الخليج أنه سيتعين عليهم العمل مع من يفرزه النظام الأمريكي. ومع ذلك، لا بد من البدء في محاولة تصور ما قد تعنيه احتمالية ولاية ترامب الثانية بالنسبة لدول الخليج.
ومع ذلك، فإن سمة المزاجية المتقلبة المتأصلة في ترامب تجعل التنبؤ بتحركاته المستقبلية أمراً في غاية الصعوبة. فهو يتلذذ بفعل ما هو غير تقليدي وغير متوقع، ويمكن القول إن ذلك من دون الأخذ بالاعتبارات اللازمة لاحتمالية أن يفتقر ذلك للحكمة. ومع ذلك، فإن مصالح الولايات المتحدة وأصولها في المنطقة لن تتغير، وبالتالي هناك حدود لما يمكن أن يحققه نهج غير تقليدي في ضوء القيود التي ستواجه الإدارة المقبلة، بصرف النظر عمن سيفوز في نوفمبر/تشرين الثاني.
إيران
يمكن ربط المثال الأكثر وضوحا لعامل المزاجية المتقلبة بسياسة ترامب المحتملة تجاه إيران في ولايته الثانية. ربما عداؤه لإيران، الذي هو من أكثر سياساته تجانساً، كان هو السبب تحديداً في إمكانية حدوث تحول مفاجئ ومثير. وأصر ترامب مراراً وتكرارا على أن الهدف من التنصل من الاتفاق النووي “خطة العمل الشاملة المشتركة” مع إيران ومن حملة “الضغوط القصوى” هو إجبار إيران على الجلوس إلى الطاولة من أجل مفاوضات جديدة، لتحقيق صفقة أكبر وأفضل – صفقة شاملة وكبيرة مع طهران.
كانت معظم دول الخليج العربية تشعر بالقلق من المفاوضات بين طهران وإدارة أوباما. واعتقدت معظمها، في البداية على الأقل، أن خطة العمل الشاملة المشتركة غير كافية، وبشكل خاص فشلها في التعامل مع الصواريخ الباليستية الإيرانية، ودعمها لشبكة من الميليشيات الطائفية المسلحة في الدول العربية المجاورة. ومع ذلك، وافقت جميع دول الخليج في نهاية المطاف على كلٍ من المفاوضات والاتفاقية بعد تطمينات من واشنطن، ولكن دول الخليج العربية كانت قلقة من إمكانية تقارب أوسع بين الولايات المتحدة وإيران، ينطوي على علاقة جديدة من شأنها أن تضع تلك الدول ومصالحها جانباً في نهاية المطاف.
كان الرد الأولي للعديد من دول الخليج الرئيسية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، على فوز ترامب بالرئاسة في عام 2016، نظرا لتنديده بالاتفاق النووي، هو حث واشنطن على استخدام خطة العمل الشاملة المشتركة كوسيلة ضغط على طهران، لضمان تغييرات إضافية في السياسة للحد من الصواريخ الباليستية الإيرانية، ودعمها للجماعات المسلحة غير الحكومية في العالم العربي. وبالرغم من ذلك، رحبت هذه الدول عموما بانسحاب واشنطن من الاتفاقية في مايو/أيار 2018 وإعادة فرض العقوبات. ومع ذلك، فإن التصور بأن دولا مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة كانت تحث الولايات المتحدة على لدخول في حرب مع إيران لم يكن في محله. وقد تعززت بقوة المخاوف من أن تجد هذه الدول نفسها على الخط الأمامي لأي صراع من هذا القبيل عندما تحولت إيران، بعد مايو/أيار 2019، من محاولة لعزل الولايات المتحدة دبلوماسياً إلى حملة “المقاومة القصوى“، حيث تم استهداف المصالح والأصول العربية الخليجية بشكل متكرر.
إذا سارت ولاية ترامب الثانية على نمط الأولى، فستنطوي حتماً على ضغوطٍ شديدة على إيران، وسيشمل ذلك: المزيد من العقوبات؛ والمزيد من الضغوط على حلفائها وأصولها، من أمثال حزب الله ولبنان وبعض قوات الحشد الشعبي في العراق؛ وحملة مستدامة لزيادة عزلة إيران دولياً. إذا أعيد انتخاب ترامب في نوفمبر/تشرين الثاني، فإن طهران ستواجه قراراً صعبا: من الممكن أن تجد نفسها في حصار افتراضي لمدة 4 سنوات؛ أو تعمل على تكثيف “المقاومة القصوى” تحسباً لخطر حرب سافرة؛ أو الاستعداد للبحث عن شروط للتفاوض مع الإدارة. قد يكون هذا الخيار الثالث صعباً من الناحية السياسية في إيران، ولكن يمكن للمسؤولين الإيرانيين محاولة تكرار استراتيجية كوريا الشمالية في الحصول على مساحة من خلال المشاركة دون التخلي عن أي شيء حاسم، واللعب على غرور ترامب وحبه للمكائد والدراما والاستعراض.
يدرك قادة الخليج منذ فترة طويلة أنه مهما كانت سعادتهم بالموقف الأمريكي، الأكثر صرامة تجاه إيران في ظل ترامب، فمن الممكن أن يستيقظوا فجأة لرؤيته بكل سهولة ينادم المسؤولين الإيرانيين في نوع من “انطلاقة درامية”. سيصبح هذا الخطر أكثر حدة في الولاية الثانية، عندما يتزايد الطلب على انتصارات في السياسة الخارجية، نظرا لرغبته في إرث دائم، ويصعب تحقيقها بالنسبة لمعظم الرؤساء. الخطر الآخر هو إمكانية أن يستيقظ قادة الخليج ليجدوا أن الولايات المتحدة وإيران قد تعثرتا، ربما عن غير قصد، ودخلتا في صراع يكتسح دول الخليج، ولا يستطيعون السيطرة عليه.
في كلتا الحالتين، من الصعب أن نتصور أن ثلاث سنوات أو أربعاً أخرى من “الضغوط القصوى” ستكون مستدامة مقابل “المقاومة القصوى”. يبدو أن التوترات تتصاعد حتى في الفترة السابقة للانتخابات. تُنسب سلسلة الانفجارات التي حدثت في المنشآت العسكرية والنووية الإيرانية الرئيسية إلى حد بعيد إلى أعمال تخريبية إسرائيلية و/أو أمريكية. لذلك، قد تشعر الحكومة الإيرانية في الأسابيع المقبلة بضغوط كبيرة للانتقام ضد مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، على الأرجح في العراق أو دولة خليجية عربية، أو في مياه الخليج نفسها. لذلك، فمن الممكن أن لا تضطر دول الخليج لانتظار الإدارة الأمريكية القادمة ليتم تذكيرها بما سيحل بها جراء المأزق الحالي بين واشنطن وطهران. وفي ظل هذه الظروف، وبناء على تجاربهم مع الإدارات السابقة، لابد لمزاجية إدارة ترامب المتقلبة أن تجعل العديد من قادة الخليج في غاية القلق بشأن المسار المحتمل لسياسة واشنطن تجاه إيران.
العراق
سيشكل العراق معضلة ذات صلة بدول الخليج في الولاية الثانية لترامب. لطالما كان ترامب منتقداً صاخبا للغزو الأمريكي على العراق عام 2003، على الرغم من أنه دعمه علناً في ذلك الوقت. علاوة على ذلك، كان توجه ترامب في سياسته الخارجية نحو “أمريكا أولا” يقتضي إدانة “الحروب اللانهائية” والسعي لسحب القوات الأمريكية المتمركزة في الخارج. وقد تضمن ذلك حافزاً لإخراج جميع القوات الأمريكية من سوريا، والتي كثيراً ما أعرب الرئيس عن نيته القيام بها، ولكن لم يفعل ذلك في الواقع، وفي العراق، حيث كانت الضغوط المناهضة لإيران تعمل على الترشيد من التواجد العسكري الأمريكي المتواصل من وجهة نظر الرئيس. وقد أعرب مسؤولون آخرون في الإدارة عن تصميمهم على منع إيران من إقامة ممر عسكري تحت سيطرتها عبر شمال الشرق الأوسط من إيران عبر العراق إلى سوريا، وصولا إلى لبنان وساحل البحر الأبيض المتوسط.
كان لدى ترامب الاستعداد لمواجهة إيران في العراق. فكان مقتل اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في حرس الثورة الإسلامية، وحدة التدخل السريع الإيرانية الرئيسية في الشرق الأوسط، والقائد الفعلي لشبكة الميليشيات المسلحة التابعة لطهران في الدول العربية، بمثابة ضربة صاعقة، وتصعيد كبير لم ترد عليه إيران بالمثل، ربما خوفا من حرب مباشرة. كما قتل في الهجوم أيضا عددٌ من كبار المسؤولين الآخرين، بمن فيهم أبو مهدي المهندس، مؤسس وزعيم كتائب حزب الله، الميليشيا العراقية المؤيدة لإيران. لكن المهندس كان أيضاً قائداً لقوات الحشد الشعبي، وبذلك كان من الناحية الفنية، مسؤولاً عن قوات الأمن الحكومية العراقية. كان الهجوم الأمريكي من الناحية السياسية مدمراً للحكومة العراقية والعلاقات الأمريكية العراقية.
في أعقاب عملية القتل، تم حصار السفارة الأمريكية في بغداد بكوادر كتائب حزب الله والمتعاطفين معهم، وفي سلسلة من الضربات المتبادلة واحدة-بواحدة، أصبحت الحرب بين الولايات المتحدة وإيران قاب قوسين أو أدنى كما كانت منذ عقود. وعلاوة على ذلك، طالب مجلس النواب العراقي بطرد جميع القوات الأجنبية من البلاد، وهو قرار يستهدف بشكل مباشر التواجد الأمريكي، لكن المجلس ترك الأمر للسلطة التنفيذية لتنفيذ الطلب. ومنذ ذلك الحين، ورئيس الوزراء العراقي الجديد، مصطفى الكاظمي، يحاول إخضاع مجموعات الحشد الشعبي، وكتائب حزب الله على وجه الخصوص، لسيطرة أكبر من قبل الدولة، ولكن يبدو أنه لم ينجح بعد.
إذا قررت طهران الرد على سلسلة التفجيرات الأخيرة في منشآتها، فمن المرجح أن تفعل ذلك عن طريق مهاجمة المصالح الأمريكية في العراق، أو مهاجمة مصالح أو أهداف لدول الخليج العربية. إن استمرار التواجد الأمريكي في العراق، واستعداد واشنطن لدعم جهود الكاظمي للسيطرة على مجموعات الحشد الشعبي، وتعزيز المصالح الأمريكية في المنطقة، والذي يتزامن عموماً مع أجندات دول الخليج العربية، كل ذلك يعتمد على عدم انسحاب واشنطن من العراق كما يرغب العديد من الناخبين والسياسيين في الولايات المتحدة. قد يكون ترامب مع هذه المجموعة من الناحية النظرية، لكن التحذيرات من مسؤوليه الأمنيين، وكذلك مصلحته في مواصلة المواجهة مع طهران أقنعته حتى الآن بعدم القيام بتخفيض جذري على الدور الصارم والناعم للقوة الأمريكية في العراق.
لدى دول الخليج مصلحة قوية في إعادة بناء الدولة العراقية وإحياء القومية العراقية المستقلة لموازنة النفوذ الإيراني. ومع ذلك، فإن الترحيب بعودة العراق إلى الحظيرة العربية، وتعزيز عملية صنع القرار الوطني العراقي المستقل، لوضعه على الأقل على مسافة متساوية من طهران والعواصم العربية، يتطلب مجموعة معقدة من الحوافز والعقاب. ولا يمكن إخراج إيران من العراق أو قطع صلتها مع العراق. ومع ذلك، فإنه يمكن للولايات المتحدة وبلدان الخليج أن تضع على الطاولة مزايا مكملة من شأنها، إذا دمجت بطريقة مستدامة ومنسقة، أن تعوض العراق عن الإغراءات الإيرانية الدينية والأيديولوجية الكبيرة. ومع ذلك، لدى كل طرف سبب للشك في مدى التزام الطرف الآخر. ويبدو أن العديد من الأمريكيين، ومنهم ترامب، قد سئموا من العراق. ويبدو أن معظم دول الخليج العربية، باستثناء الكويت، مترددة وغير واثقة من قدرتها على إحراز تقدم فعال. يحتاج كل من الطرفين إلى نجاح الآخر. ويمكن لولاية ترامب الثانية، اعتماداً على نهجه تجاه إيران، أن تثبت فاعليتها في الاندماج مع جهود دول الخليج العربية للمساعدة في التقرب مع العراق، لإبعاده عن النفوذ الإيراني المفرط. أو يمكن أن يبشر بالانسحاب العسكري النهائي للولايات المتحدة مما يعتبره العديد من الأمريكيين واحداً من أكبر أخطاء السياسة الخارجية لبلادهم.
الالتزامات العسكرية وغيرها تجاه بلدان الخليج العربية
ترامب لا شيء إن لم يكن تاجراً. وهو ينظر إلى دول الخليج العربية على أنها، بالدرجة الأولى، عملاء للسلع والخدمات العسكرية الأمريكية. لم يبدِ أبداً أي اهتمام للحد من الالتزامات العسكرية وغيرها لدول الخليج، خاصة من حيث المبيعات. وقد قام في مناسبات عدة بمنع جهود الكونجرس لتقييد مبيعات الأسلحة، ولا شك أنه يهدف إلى مواصلة هذه الممارسات في فترة ولايته الثانية المحتملة. من الصعب للغاية الحصول على أغلبية ساحقة في الكونجرس للتغلب على حق النقض (الفيتو) الرئاسي. لذلك، على الرغم من الجهود غير المسبوقة من قبل كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ للحد من دعم الولايات المتحدة للحرب في اليمن، بما في ذلك محاولة الاحتجاج لأول مرة على قرار سلطات الحرب، إلا أن حق النقض تصدى باستمرار لهذه المبادرات. وبقدر ما تنظر دول الخليج إلى الولايات المتحدة في المقام الأول كمورد للأسلحة، فإن ترامب قريب من فكرة الرئيس المثالي لدول الخليج. وبقدر ما ينظر إليهم في المقام الأول كعملاء، فهم قريبون من كونهم حلفاء مثاليين. لذلك، وبناء على هذه الأسس، يمكن توقع القليل من التغيير والقليل من التوتر.
النزاع الداخلي في الخليج
كانت إحدى المسائل التي لم تتم تسويتها في السياسة الرئاسية لترامب في الشرق الأوسط هي الموقف من مقاطعة قطر من قبل ثلاثة من شركائها من دول مجلس التعاون الخليجي – المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين – إلى جانب مصر. في البداية، كان الرئيس يبدو منحازاً بقوة إلى جانب الدول المقاطِعة، في الوقت الذي كان البنتاجون يدعم الدوحة على نارٍ هادئة، سعياً للتوصل إلى حل مبكر، وسعت وزارة الخارجية للتوسط. ومع مرور الوقت، تمكنت قطر من استعادة مكانتها ضمن المفضلين في البيت الأبيض، ومفهوم وزارة الدفاع التي أكدت على أن قيمة القاعدة الجوية الأمريكية والأصول العسكرية الأخرى في قطر قد حلت إلى حد كبير محل أي مخاوف إيديولوجية أو سياسية بشأن سياسة قطر ونفوذها.
وبالرغم من ذلك، لم تضغط إدارة ترامب، بحزم ولا في أي مرحلة، من أجل حل النزاع عن طريق جعل العلاقات الثنائية مع أي من الأطراف أو جميعها مرهونة بنتيجة محددة. لذلك، فإن الضرورات الأمريكية المتعلقة بالمطالبة الملحة في إنهاء الطريق المسدود وبأي شروط اتخذت شكل الاقتراحات الودية بدلا من المطالب. ونتيجة لذلك استمرت المقاطعة. من الصعب أن نتخيل ما يمكن أن يحدث، عدا عن التراكمات نحو حرب شاملة مع إيران أو أزمة كبيرة أخرى، يمكنها أن تغير هذه الديناميكية في ولاية ثانية لترامب. وقد وصف المسؤولون الإماراتيون منذ البداية هذا بأنه الوضع الطبيعي الجديد داخل دول مجلس التعاون الخليجي. وهذا ثبتت صحته، حتى الآن على الأقل.
اليمن
استمر الدعم الأمريكي للتحالف المتدخل في اليمن بقيادة السعودية، على الرغم من الضغوط السياسية الداخلية الهائلة طوال فترة رئاسة ترامب. ومع ذلك، لم يكن هناك ضغط سياسي قط لكبح أو إنهاء تعاون الولايات المتحدة مع الإمارات العربية المتحدة في جهود مكافحة الإرهاب في جنوب اليمن. في عهد كلٍ من أوباما وترامب، حثت الولايات المتحدة المملكة العربية السعودية، بشكل خاص، للعمل على حل سياسي. ومع ذلك، ليس لدى المتمردين الحوثيين الكثير مما يحفزهم على تسهيل انسحاب يحفظ للسعودية ماء وجهها، ويمكن القول إنهم ما زالوا كذلك. منذ عام على الأقل والرياض تبحث عن مثل هذا المخرج، لكنها تتطلب تأكيدات متنوعة، خاصة فيما يتعلق بأمن حدودها الجنوبية، والنفوذ الإيراني في اليمن، واحتمال استمرار هجمات الحوثيين على أراضيها.
إذا كانت واشنطن تنظر إلى اليمن بشكل أساسي من خلال عدسة إيرانية، معتبرة الحوثيين أملاكاً إيرانية ومحمية لحزب الله، فهذا يشير إلى استمرار الدعم القوي للتدخل السعودي من واشنطن في ولاية ترامب الثانية. والشيء نفسه يقال في إطار بيع السلع والخدمات العسكرية للرياض في المقام الأول. ولكن إذا تم تسخير الأهداف والمصالح الاستراتيجية الأوسع للولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فربما يصبح الدعم مشروطاً أكثر، وقد تتزايد احتمالية المساعدة السياسية والدبلوماسية الإضافية المرتقبة لحل النزاع. سواء تم تسهيل الحل في اليمن من خلال ربطه باعتبارات إقليمية أوسع، أم فصله عنها، فإن التسهيلات الخارجية ستكون مطلوبة للتوصل إلى ترتيب مستدام بين المملكة العربية السعودية والحوثيين.
إسرائيل والفلسطينيون
غالبا ما يُنظر إليها على أنها قضية جانبية بالنسبة لدول الخليج، في الواقع، قد تكون سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل والفلسطينيين في ولاية ثانية محتملة لترامب مدمرة لمصالحهم بشكل استثنائي. حتى الآن، كرست رئاسة ترامب جهودها لتخليص الولايات المتحدة من التزاماتها بموجب إعلان المبادئ لعام 1993 والتزامها بحل الدولتين المرافق له. بالإضافة إلى ذلك، تسعى الإدارة إلى إنشاء سياسة أمريكية وكتلة سياسية رئيسية لصالح سياسة الضم الإسرائيلي الواسع النطاق في الضفة الغربية المحتلة، على الرغم من أن معظم المراقبين يتفقون على أن مثل هذه الإجراءات ستمنع فعلياً إقامة دولة فلسطينية مستقلة قادرة على الحياة.
يبدو واضحاً أن ترامب الذي يحث إسرائيل على المضي بحذر، والذي لم تقرر إدارته بعد ما يجب أن يكون موقفها من الضم الفوري، إما أنه لم يفكر في التنفيذ العملي لاقتراح السلام مقابل الازدهار الخاص به في يناير/كانون الثاني، أو أنه، وهذا الأرجح، ينظر إليه على أنه من مشاريع الولاية الثانية. يبدو من غير المحتمل أن تتصرف حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتحدٍّ وقح لتحذيرات إدارة ترامب بعدم المضي قدما على الفور. وعلى الرغم من كل ما قيل عن نقطة تحول في 1 يوليو/تموز، الوقت الذي أجازت الحكومة الإسرائيلية الجديدة لنفسها البدء في النظر في احتمال ضم مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية، لم يحدث شيء أو حتى لم يتم اتخاذ القرار حتى منتصف يوليو/تموز.
وفي حين أنه من الممكن أن تصر الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية على الأقل على ضم متواضع لبعض الكتل الاستيطانية الكبيرة، فإنه من غير المرجح أن يتم ضم جميع المستوطنات، عدا عن غور الأردن ذي الأهمية الحاسمة استراتيجياً، قبل نهاية العام. وعلاوة على ذلك، من المرجح أن يتخذ الضم شكل التوسع في تطبيق القانون المدني الإسرائيلي على هذه المناطق، والذي يمكن إلغاؤه بشكل أسهل من عملية الضم الرسمية. وبعبارة أخرى، فإنه من المرجح أن أكثر ما تريد الإدارة الأمريكية من الإسرائيليين أن يذهبوا إليه حتى نهاية هذا العام هو ضم مخفف بحكم الأمر الواقع لمنطقة محدودة.
ومع ذلك، فإن فوز ترامب في نوفمبر/تشرين الثاني سيجعل الضم الإسرائيلي لمناطق واسعة في الضفة الغربية في السنوات التالية يقيناً افتراضياً. وسيشكل هذا مشكلة كبيرة للعديد من دول الخليج. لقد سعت جميعها إلى بناء علاقات أوثق مع إسرائيل منذ التسعينيات، وبشكل خاص في السنوات الأخيرة. ومع ذلك، فجميعها حذرت إسرائيل من أن الضم الواسع النطاق في الأراضي المحتلة سيجعل توثيق العلاقات، وخاصة على المستويين الدبلوماسي والسياسي، شبه مستحيل. صرح بذلك صراحة سفير الإمارات العربية المتحدة لدى الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، الذي نشر مقالا في يوليو/تموز في إحدى الصحف الإسرائيلية البارزة بالعبرية، ونشر مقطع فيديو باللغة الإنجليزية يقول فيه إن بلاده تسعى إلى علاقات أفضل مع إسرائيل، لكن هذا سيكون مستحيلاً في حالة الضم. ومع ذلك، يبدو أن كثيرين من اليمين الإسرائيلي قد ركزوا اهتمامهم على الاعتراف والاحترام اللذين أظهرهما النداء بدلا من التحذير الصريح الذي حاول نقله.
الضم هو أكبر ما يهدد العلاقات الأوثق بين إسرائيل ودول الخليج. وفي حين لا يزال من الممكن إحراز بعض التقدم في المجالات الثقافية والرياضية والعلمية، إلا أنه من غير الممكن متابعة السعي لتحقيق علاقات حقيقية في المجالات السياسية والدبلوماسية والعسكرية في سياق ضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية. وسيعمل ذلك على توقف التقدم الدبلوماسي والعسكري بين دول الخليج وإسرائيل في الوقت الذي يكون فيه لدى الطرفين دوافع كبيرة لمتابعة العلاقات البناءة بسبب الشكوك الكبيرة المتبادلة تجاه إيران، وإلى حد ما تركيا (تعتبر قطر استثناء واضحاً لذلك). إذا تغيرت الظروف الإقليمية والاستراتيجية، فمن الممكن أن يثبت بسهولة أنها كانت لحظة تاريخية عابرة ليس من السهل استردادها. وليس من المرجح أن تولي إدارة ترامب اهتماما أكبر لهذا المأزق السياسي في ولاية ثانية أكثر مما فعلت في ولايتها الأولى.
تكهنات
من المرجح أن تستمر المخاوف الواسعة لدى دول الخليج بشأن حسن تقدير الولايات المتحدة ومدى إمكانية الاعتماد عليها والتنبؤ بسياستها بصرف النظر عمن سيفوز في نوفمبر/تشرين الثاني، علماً بأنه من الممكن استعادة درجة أكبر من القدرة على التنبؤ في حالة فوز بايدن. من ناحية أخرى، هناك مظاهر من نهج ترامب في السياسة الخارجية تتوافق مع ضرورات دول الخليج، لاسيما فيما يتعلق بإيران، طالما تم تجنب الحرب أو، نقيضها، التقارب المفاجئ. لكن يجب على دول الخليج أيضا أن تقلق بشأن نطاق الضم الإسرائيلي خلال ولاية ثانية لترامب.
بالنسبة لدول الخليج، يعتبر ترامب في الانتخابات القادمة الشيطان الذي يعرفونه: هناك العديد من المشاكل في علاقتهم معه ولكن هناك العديد من المزايا أيضاً. والسيئة الأكبر، وهي أيضا من المفارقات المثيرة للسخرية وإحدى صفاته المتأصلة: مزاجيته المتقلبة. وعلى النقيض من ذلك، فإن إدارة بايدن غير معروفة، خاصة لأنه من غير المرجح أن تقوم بإعادة إحياء نهج إدارة أوباما تجاه المنطقة. فقد تغير الكثير، وتم تعلم الكثير من العِبر، وعلى أي حال، لا يوجد إداراتان متماثلتان. وكما من المرجح أن تثبت إدارة ترامب الثانية، لا يوجد كذلك فترتان رئاسيتان متشابهتان من ولايتين للرئيس نفسه.