ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
قام إثنان من المهندسين المعماريين الشباب العرب من جامعة هارفارد الأمريكية للتصميم بتقديم مشروع تخطيط حضري يعمل على معالجة القضايا السياسية والإجتماعية في منطقة الخليج من خلال تجربة فكرية في التخطيط الحضري لمدينة عربية جديدة ويوتوبية من ناحية تصميمها. حيث تصور حامد بوخمسين من الكويت وعلي كريمي من البحرين مستقبل بديل لستة جزرغير مسكونة في الخليج وقاما بإطفاء رؤية حضرية عليها لإنشاء دولة خليجية عربية جديدة ومستقلة باسم “عربستان”. بالرغم من أن أرخبيل عربستان هو مشروع خيالي في ذهن المصممين ولكن في جوهر تصميمه فإنه يلقي الضوء على الإختلافات الموجودة بين دول مجلس التعاون الخليجي الست ويهدف إلى تعزيز الهوية الخليجية من خلال تجاوز العقبات الثقافية والسياسية والإجتماعية التي تواجه سكان الخليج في الوقت الحاضر.
المخطط العام
معظم الجزر المختارة في عربستان تنتمي حاليا إلى دول مجلس التعاون الخليجي، ولكن تم تصميم دولة عربستان كدولة مستقلة بعلالقات دبلوماسية وثيقة مع دول الخليج. كل جزيرة تقوم بمعالجة مشاكل اجتماعية تواجه دول الخليج. في الخطة الرئيسية لعربستان، قام المهندسون المعماريون بتعيين موضوع لكل جزيرة، و يعرض كل موضوع حل لقضية سياسية تواجه دول معينة في الخليج. وفقا لبوخمسين : “إن وضع هذه الأفكار في العديد من الجزر في منطقة الخليج كجزء من هذه الرؤية لدولة عربستان يسمح للنقد البناء بعيد عن المناخ الحالي للمنطقة. “
فعلى سبيل المثال فإن إحدى الجزرستقوم بتوفير أول طريق للنساء فقط حتى يتسنى للمرأة السعودية أن تسوق بحرية. وقد تم تصميم جزيرة أخرى لإستضافة متحف الحركات الوطنية الخليجية وهي فكرة مستوحاة من النفي القسري لثلاثة قوميين من البحرين في سانت هيلانة خلال الفترة الإستعمارية البريطانية في 1950. بالإضافة إلى ذلك، فقد تم تخصيص الجزيرة البحرينية أم النعسان كجزيرة تستضيف تقطير الكحول المحلي (العرق) من تمور المنطقة وأنشطة الصيد بالصقور لتشجيع السياح في الأراضي العربية بصرف النظر عن زيارة مراكز سياحية أجنبية. كما وضعت جزيرة مقلب كملاذ للمقيمين غير الشرعيين والعمال الأجانب الذين يعيشون في الخليج، وجزيرة أخرى لكأس العالم التي تم انشاؤها في المقام الأول للالتفاف على القيود المفروضة على المشاركة في استضافة البطولة الدولية لكرة القدم. وأخيرا، تم تخصيص جزيرة الحفاظ على التراث الثقافي للمحافظة على تراث الخليج والمهمل من قبل العمارة الحديثة.
بين اليوتوبيا وقصر النظر
قال كريمي: “نحن ندرك أن بعض من أفكارنا يمكن أن ينظر إليها على أنها غير منطقية، ولكن النقطة التي نريد أن نلفت الانتباه إليها هي عدم منطقية الظروف التي أدت بنا إلى تصور وظائف هذه الجزر” وأضاف : “خذ جزيرة كأس العالم على سبيل المثال: تلقت دولة قطر الكثير من الانتقادات بسبب محاولتها لإستضافة كأس العالم 2022 تمثلت بشكاوى تقول بإن الإقتراح قصير النظر والقصد، فضلا عن المخاوف من حصول انتهاكات لحقوق الإنسان. ونظرا للطبيعة المثيرة للجدل لبطولة كأس العالم قمنا بالتفكير في تغيير كأس العالم لياخذ مكانه في عدة دول خليجية أخرى من دون أن تنفرد دولة بالتمثيل بشكل مماثل لبطولة كأس أمم أوروبا بين بلجيكا، وهولندا وكأس العالم كوريا واليابان. ولكن بما أن الفيفا قامت بحظر الشراكة في استضافة كأس العالم في عام 2004 فان عربستان ستكون قادرة على استضافة مباريات في مختلف البلدان من دون كسر قاعدة استضافة المشاركين. وعلى حسب رؤية المعماريين فان جزيرة عربستان مكونة من كل دولة خليجية مما يسمح لدول مجلس التعاون الخليجي استضافة نهائيات كأس العالم. لذلك ستستخدم دول مجلس التعاون عربستان للإلتفاف على قانون الفيفا،” وتابع: “أن الجزر التي ساهمت بها هذه البلدان سوف تكون خالية من انتهاكات حقوق الإنسان.”
جزيرة مقلب تيسر الطريق إلى نيل صفة المواطنة الخليجية من خلال استضافة عديمي الجنسية في منطقة الخليج. وقد استلهم المعماريون الفكرة من خلال خطة الكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة لمنح المواطنة في جزر القمر لبعض السكان الذين لا يمتلكون وثائق اقامة والمعروفين بـ” البدون”. تضم مقلب مركزا للهجرة لإصدار وثائق لجميع المقيمين في الخليج وكذلك العمال الأجانب، وبهذه الطريقة تستطيع دول الخليج الالتفاف على الضغوط الدولية بمنح الجنسية لإقامة البدون عديمي الجنسية، والاقامة الدائمة للعمال الأجانب. وستكون المواثيق الدبلوماسية والاقتصادية المتفق عليها بين عربستان ودول الخليج قادرة على منح المواطنة والحق في الإقامة والعمل في منطقة الخليج للوافدين والبدون. و يعبر المعماريان من خلال جزيرة مقلب عن شرعية طلبات الجنسية والإقامة مع تسليط الضوء على غرابة الحل الذي يقترحونه لأن سياسات دول الخليج يجب أن توفر طريقا للحصول على الجنسية بدلا من دفع السكان عديمي الجنسية إلى جزر القمر.
يستخدم المهندسان الجزر كوسيلة لتسليط الضوء على التحديات التي تعوق التغيير الإجتماعي في الخليج فضلا عن مجموعة متنوعة من القضايا الإجتماعية والسياسية التي تواجه المواطنين الشباب في دول الخليج العربية. بوخمسين وكريمي يجدان قيمة كبيرة في تعزيز الهوية الخليجية الإقليمية وإعادة صياغة المصطلحات الحديثة. كمساحة جغرافية محايدة جديدة خارج إطار الدول الحالية، فإن عربستان توفر المرونة اللازمة لحل المشاكل الطويلة الأمد للبلدان وتبادل المصالح الأساسية، ومنح الشباب رؤية بديلة للمستقبل.
التغيير الجماعي
من الواضح أن عربستان لا تقدم حلولا واقعية، لكنها تمثل قطاعا ابداعيا للتجارب السياسية. وأكد بوخمسين: ” لم يعد بوسعنا أن ننظر إلى أنفسنا في كنف حدودنا. نحن بحاجة إلى مزيد من الأفق وتوسيع نطاق المناقشات على مواضيع الهوية والسياسة “. كلا المهندسين المعماريين قاما باقتراح الحلول الحضرية لتحدي المعايير الثقافية والسياسية المقبولة مجتمعيا من خلال توظيف المفاهيم المتقدمة وإثارة النقاش حول التغييرات التي تشتد الحاجة لها في المنطقة.
يستكشف بوخمسين وكريمي المرجعية الأخلاقية للمهندس من خلال عربستان حيث أن الجزرتم توضيفها لمكافحة الشعور بالعجز الناشئ من البيئة الإجتماعية والسياسية التي ينظر إليها على أنها معقدة للغاية.
في النهاية، هذه هي رؤى معمارية وإقليمية تحاول معالجة العديد من مشاكل المنطقة. هناك بعض السخرية والمثالية في الطريقة التي ينظر بها المهندسان المعماريان للمشروع. وفقا لبوخمسين، ” فكرة أن نتمكن من معالجة هذه المشاكل من خلال اقتراح بلد جديد يطرح السؤال التالي: هل الإطار الوطني الانعزالي الحالي في منطقة الخليج يساعد على حل مشاكلها ؟ ” وفي نهاية المطاف، فان بوخمسين وكريمي يريدان أكثرمن مجرد بقاء أفكارهم في فضاء المدينة الفاضلة الطوباوي حيث يودان أن يُطلق العنان لنقاش هذه المواضيع في المجال العام. وبالرغم من أن فكرة مشروع عربستان قد تكون غير قابلة للتطبيق، ولكن الأفكار التي تستند عليها لا يمكن احتواءها.
فاطمة أبو أسرار هي باحثة سابقة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن وهي خريجة جامعة هارفارد الأمريكية للإدارة الحكومية.