استفاقت دول الخليج العربية هذا الصباح، على غرار معظم الدول الأخرى حول العالم، بما في ذلك الطبقة السياسية الأمريكية (القادة الجمهوريين من دون استثناء)، على خبر انتخاب الشعب الأمريكي لدونالد ترامب رئيسًا مقبلًا للولايات المتحدة. كانت كافة المؤشرات التي سبقت الاقتراع تشير إلى فوز هيلاري كلينتون المحتّم وإن بفارق ضئيل في الأصوات. ولكن بحلول الليل، اتّضح شيئًا فشيئًا أن الإحصاءات ونماذج التكهّن الأخرى، كلّها تقريبًا، (وحتّى ضمن الحملة الانتخابية الرابحة عينها على ما يُزعم)، عجزت عن التنبؤ بالثورة التي كان يمثّلها ترامب في حملته الانتخابية ضد النخبة في واشنطن. وتواجه دول الخليج العربية اليوم، على غرار أبرز حلفاء الولايات المتحدة الآخرين حول العالم، فترة من الغموض النسبي، نظرًا إلى صعوبة توقّع معالم سياسة ترامب الخارجية. إلا أنه يمكن، حتى في هذه المرحلة المبكرة، استخلاص بعض العوامل الأكثر وضوحًا التي ستحدد طبيعة هذه العلاقة الحيوية على مدى السنوات الأربع القادمة.
صفحة بيضاء
إن المشكلة الأولى التي تعترض أي تحليل تتمثّل بقلّة الأدلة التي يمكن الاستناد عليها لتكهّن احتمالية تماشي سياسة ترامب الخارجية أو تنافيها مع السياسات الأمريكية التقليدية والتوافقية. لا يحظى ترامب بسجل حافل بمناصب اعتلاها إما منتخبًا أو معينًا. ولم يبد في حملته الانتخابية أي معرفة أو اهتمام بالسياسة الخارجية باستثناء عدائه للعولمة الاقتصادية والاتفاقيات التجارية. ولم يضع أي برنامج مفصّل أو متماسك يتناول السياسة الخارجية، ناهيك عن سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ولم تتضح أسماء المستشارين الرئيسيين الذين سيعاونون ترامب في المسائل المتعلقة بالشرق الأوسط، وذلك يعود في المقام الأول إلى تفادي (إن لم نقل أكثر من ذلك) ترامب ومعظم أعضاء مؤسسة السياسة الخارجية في الحزب الجمهوري لبعضهم البعض خلال حملته الانتخابية. وبالفعل، يصحّ القول أن خبراء الأمن القومي والسياسة الخارجية في الحزب الجمهوري هم أقل الداعمين لترامب في حزبه، وعلى الرغم من ميله بشكل ملحوظ إلى تقدير “ولاء” أتباعه له، فقد لا تؤتمن المجموعة الصغيرة من المستشارين التي انتقاها على صياغة سياسات إدارته وتطبيقها عقب تنصيبه رئيسًا للجمهورية.
أما بالنسبة إلى دول الخليج العربية، فلن يتمثّل التحدي الأكبر الذي سيواجهها في التعامل مع رئاسة ترامب أو توجيهه للسياسة الخارجية في تعليقاته المعادية للإسلام أو في الخطابات التي ألقاها في خضم حملته والتي لا تخلو من الإسلاموفوبيا أو ما يسمى برهاب الإسلام. ومما لا شك فيه أن هذا الأمر لن يكسبه تعاطف قيادات الدول الخليجية أو الرأي العام فيها، إلا أن هذه القضايا تشكل في حد ذاتها تحديًا داخليًا يواجهه المسلمون والعرب في أمريكا دون غيرها من الدول. لا بل سيتمثل التحدي الأكبر بكيفية تعامل الرئيس ترامب مع بعض القضايا التي تمسّ بشكل كبير جداول الأعمال القومية الأمنية للدول الخليجية نظرًا إلى التناقضات في السياسة الخارجية التي ظهرت في موضوعات عدّة تطرّق إليها ترامب مرارًا وتكرارًا في حملته الانتخابية، بما في ذلك تعاطفه مع العديد من أوجه السياسة الخارجية الروسية علمًا أنه يجاهر بعدائه لإيران.
الصراع السوري وعلاقة إيران بروسيا
من منظور الشرق الأوسط الاستراتيجي، تعتبر هذه المعادلة غير منطقية لأن موسكو وطهران باتتا تتفقان حول الكثير من القضايا الاستراتيجية الإقليمية الأكثر إلحاحًا، ولاسيما تلك التي تتصدّر الملفات الأمنية لدول الخليج، كالحروب الأهلية الإقليمية في سوريا واليمن. ولا بدّ أن يعتبر اندفاع ترامب إلى بناء جسور مع موسكو، وتعاطفه الجليّ مع تدخل روسيا في سوريا (الذي أساء اعتباره، على غرار الكرملين، عمليًة تهدف في المقام الأول إلى مكافحة الإرهاب وتستهدف “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام”/”داعش”)، مدعاةً للقلق. فإن طغى هذا المنطق على التفكير الاستراتيجي في البيت الأبيض، فسيكون هذا الأمر بمثابة نعمة كبيرة لإيران ولنظام الرئيس السوري بشار الأسد. ومن ناحية أخرى، فإن عداء ترامب لإيران قد يزيد بشكل ملفت من احتمالية تحسين التعاون الاستراتيجي مع دول الخليج في ما يتعلق بالمواجهات الإقليمية مع إيران، بما في ذلك من خلال وكلاء في مسارح الحروب كسوريا واليمن. وستحدد أولويات الولايات المتحدة، كما ترسمها إدارة ترامب، كيفية حدوث ذلك.
هل ستعتبر إدارة ترامب بقاء نظام الأسد في سوريا وتعزيزه، الأمر الذي بات يعتبر مؤخرًا هدفًا تسعى كل من روسيا وإيران إلى تحقيقه عبر التعاون الفعلي العسكري والدبلوماسي، هدفًا روسيًا شرعيًا، إن لم نقل أهلًا للتبجيل، ومشروعًا يهدف إلى مكافحة الإرهاب، يتعين عليها أن تقبل به أو أن تذهب حتى إلى حد دعمه؟ يلمّح الجزء الأكبر من الخطابات التي ألقاها في حملته الانتخابية والتي تناولت الصراع السوري والصراع ضد “داعش” إلى إمكانية حصول هذا الأمر. أو أنه، وبعد التفكير مليًا، قد ينظر إلى هذا التدخل المشترك بالنيابة عن النظام السوري على أنه مشروع إيران و”حزب الله” بامتياز، ويجب التصدي له بطريقة أكثر عدوانية من تلك التي اتبعها الرئيس باراك أوباما.
فهل سيحاول البيت الأبيض بإدارة ترامب أن يفصل موسكو عن طهران في ما يتعلق بالقضايا السورية عبر بعض الأساليب الدبلوماسية الماكرة؟ ومن شأن أي سياسة خارجية ماكرة ومُلتزمة أن تخلق فرصًا سانحة لاستغلال نقاط التباين الحقيقية بين موسكو وطهران المتعلقة بأهداف الدولتين الطويلة الأمد في سوريا، والتي لا تعتبر متشابهة تمامًا. أو هل ستقوم سياسة ترامب الخارجية على موقف انعزالي جديد وتعتبر بكل بساطة أن المأزق السوري لا يعني الولايات المتحدة، مما يكرّس جوهر النهج الذي انتهجه أوباما، وإن اختلفت ربما مجموعة الأولويات التي ستدفعه إلى القيام بذلك؟
هذه هي بعض المسائل الرئيسية التي ستسعى دول الخليج العربية إلى النظر فيها في أقرب وقت ممكن. نظرًا إلى أن هذه الدول تعتبر أن أمنها القومي مرتبط بشكل رئيسي، وإن كان لا يقتصر، على تنافسها مع طهران، فسيضطلع موقف الولايات المتحدة من مطامح وسياسات إيران الإقليمية بدور كبير في تحديد علاقة هذه الدول مع سياسة الولايات المتحدة. ففي ظل عهد أوباما، كانت هذه الدول تعتبر أن واشنطن لا تستجيب وبشكل متزايد لتخوفاتها من إيران. وتخوفت من أن ينذر الاتفاق النووي بتقرب أمريكي من طهران على نطاق أوسع، إلا أن هذا الأمر لم يتم. وأخاف هذه الدول عدم تدخل الولايات المتحدة في المسألة السورية. وقررت أن تبادر وتتدخل في اليمن عندما شعرت أن المتمردين الحوثيين وأنصارهم الإيرانيين باتوا يشكلون خطرًا مرفوضًا على مواقعها المهددة.
ستأمل الدول الخليجية أن يدفع كره ترامب لإيران، الذي عبّر عنه بفصاحة في حملته الانتخابية، عند توليه مقاليد الحكم، إلى إعادة النظر في موقفه من بعض السياسات والاستراتيجيات الحالية التي تنتهجها روسيا في الشرق الأوسط، ولاسيما من تدخل موسكو في سوريا. فسيكون عليه التوفيق بين هذين الموقفين، فيما تمتلك الدول الخليجية كافة الذرائع اللازمة التي تجعلها تدفع، وفي مرحلة مبكرة، باتجاه أن يقوم البيت الأبيض بقيادة ترامب بالنظر إلى سوريا والصراعات الإقليمية الأخرى في المقام الأول في سياق النفوذ الإيراني المتفشي في الشرق الأوسط، لا أن يعتبرها إحدى أوجه العلاقات الروسية الدولية “الشرعية” ومبادراتها لمكافحة الإرهاب. ونظرًا إلى تصريحات ترامب الحازمة التي تدين دور إيران الإقليمي، ستأمل دول الخليج بالطبع ألا يكون مفهوم ترامب الجديد “للقومية” ببساطة هو معاداة الأجانب في أمريكا، بل أن يترجم إلى جدول أعمال دولي ضخم.
الاتفاق النووي الإيراني
انتقد ترامب بشدّة الاتفاق النووي مع إيران، ووصفه “بالكارثي”، وبأسوأ الاتفاقات التي أبرمت على الإطلاق. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن يقوم بإلغاء الاتفاق بهذه البساطة. ولكن، وبقدر ما تستمر دول الخليج العربية في الارتياب من الاتفاق، فإنها ستلقى آذاناً أكثر إصغاءً لها بكثير في البيت الأبيض بإدارة ترامب. وقد تكون الدول الخليجية قد أعادت النظر في معارضتها القاطعة في البداية للاتفاق، نظرًا إلى أنه يبدو أنه نجح في تجميد البرنامج النووي الإيراني على مدى العقد المقبل على الأقل، ولم يؤد إلى تقارب واسع النطاق بين واشنطن وطهران. ولكن إن كانت لا تزال تتوق لترى الاتفاق ينهار، فثمة بصيص أمل جديد. فمن المرجح أن يعمد ترامب على الأقل إلى تكثيف مطالب الولايات المتحدة في ما يتعلق بتنفيذ الاتفاق وألا يبذخ في تقديم المكافآت مقابل امتثال إيران متى أمكن.
يصعب في الواقع تخيّل أن مرحلة التنفيذ قد تظّل هانئة نسبيًا إلا إذا كانت سياسة ترامب الخارجية لا تمت بصلة للهجته الخطابية أثناء الحملة الانتخابية. وهذا ممكن ولكنه من المرجح أكثر أن تجد إيران نفسها تتعامل مع موقف مغاير تمامًا لمحاوريها الأمريكيين في غضون بضعة أسابيع. وقد تكون مدة بقاء العقد على وشك الانتهاء فعليًا بسبب الخلافات المريرة التي ستنشب حول حقوق الفريقين ومسؤولياتهما في خلال المراحل القادمة من مرحلة التنفيذ والتي تعتبر أكثر صعوبة. وعلى المدى البعيد، قد يتحسّر أخصام إيران على انهيار الاتفاق، ولكنهم قد يرحبون بذلك على المدى القصير. وبالطبع، سيسفر هذا الأمر في نهاية المطاف عن تعزيز القوى الأكثر تطرفًا في الحكومة الإيرانية.
“اقتسام الأعباء” المالية والعسكرية
ولقد كان الموضوعان الأكثر وضوحًا في الخطابات التي ألقاها ترامب في حملته الانتخابية حول السياسة الخارجية في صميم رؤيته الشعبوية: أولًا، مجموعة من الأولويات تتمحور حول رؤية انعزالية جديدة “أمريكا أولا”، وتحطّ في الواقع من شأن التحالفات الرسمية الطويلة الأمد كحلف شمال الأطلسي وثانيًا، المبادئ المناهضة للتجارة وللعولمة التي من شأنها أن تقدّم مستويات جديدة من الحمائية الاقتصادية للعلاقات التجارية التي تربط الولايات المتحدة بالعالم بأسره. وبالنسبة إلى التجارة، لا داعي لدول الخليج العربية أن تقلق. فلطالما كانت علاقتها مع الولايات المتحدة ترتكز أولًا وقبل أي أمر آخر على دورها كمنتجة للطاقة ومزوّدة للسوق العالمي بها، وليس فقط للولايات المتحدة، بل لاسيما لأبرز شركاء واشنطن في التجارة في شرق آسيا وجنوبها. من المفترض أن يسمح نهج ترامب، الذي يبدو تجاريًا وعمليًا ويرتكز على مجموع الحسابات في علاقاته مع الآخرين، للدول الخليجية أن تثبت أنها حليف مهم للولايات المتحدة.
وصف ترامب مرارًا وتكرارًا، في حملته الانتخابية المملكة العربية السعودية وألمانيا واليابان بأنها دول، بحسب ما ألمح، لا تدفع ثمنًا كافيًا مقابل دفاعها عن نفسها وهي تدين ضمنيًا للولايات المتحدة بالمزيد من الأموال. وما لم يغيّر الرئيس ترامب مبادئه وأولوياته بشكل جذري، من المرجح أن يشعر بالغبطة عندما يرى حصة الدول العربية الفعلية في ميزان المدفوعات الأمريكي. ففي العام 2010، على سبيل المثال، وافقت المملكة العربية السعودية على شراء طائرات بقيمة 60 مليار دولار بالإضافة إلى مشتريات أخرى عسكرية وغير عسكرية عديدة. وفي العام 2015، باعت الولايات المتحدة أسلحة بحوالى 33 مليار دولار إلى الدول الخليجية. وأضف إلى ذلك عشرات آلاف التسهيلات والخدمات وغيرها من التسويات العينية وذات القيمة المضافة التي عادة ما تميّز القواعد الأمريكية في منطقة الخليج، ولاسيما في الإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين. فإن تطرّقت سياسة البيت الأبيض الخارجية المقبلة إلى اقتسام الأعباء والمساهمات المالية للدفاع التي أولتها حملة ترامب الأولوية، ستتمتع الدول الخليجية بمكانة جيدة تجعلها تفرض نفسها كحلفاء أساسيين يتمتعون بوضع جيد جًدا.
إن لم تعمد إدارة ترامب إلى إيلاء الأولوية لالتزام الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وربما حتى للوجود العسكري فيه، فسيعتبر هذا الأمر سيفًا ذي حدّين من وجهة نظر الدول الخليجية. فمن جهة، تريد الدول الخليجية أن تضمن الحصول على حماية الولايات المتحدة لها بشكل رئيسي، ولاسيما في حالة المواجهة المباشرة مع إيران أو حتى بشكل أدق، إن تعرّضت هذه الدول لهجوم من إيران. وقد تكون احتمالية حياد الولايات المتحدة وتركيزها بطريقة أكبر حتى على الداخل مثيرة للقلق في هذا السياق. إلا أن تطبيق مبدأ الانعزالية الجديد بدرجة أقل من التطرف قد يمنح الدول الخليجية فسحة أكبر من الحرية لتتمكن من استكمال تحضيرها لجدول أعمال مستقل يتناول الأمن القومي وحتى العسكري للتعامل مع الأزمات الإقليمية، مع توقع هذه الدول أن تحظى بدعم الولايات المتحدة اللوجستي وأن تمدّها بالأسلحة.
بحلول تدخل الدول الخليجية في اليمن في آذار/مارس 2015، كانت هذه الدول، ولاسيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، قد أقرت من جانبها ومنذ وقت طويل بحاجتها إلى “اقتسام الأعباء” بشكلٍ أكبر، وإلى اتخاذ خطوة عسكرية أحادية الجانب للحفاظ على مصالحها بمنأى من مشاركة الولايات المتحدة أو من دون إرشاداتها إن دعت الحاجة. وطالما أنها قادرة على استكمال سعيها لوضع جدول الأعمال هذا وتوسيعه من دون المخاطرة بخسارة قاعدة علاقتها بالولايات المتحدة والضمانات الأساسية الأمريكية المتمثلة بحماية الولايات المتحدة لها وبإمدادها بالأسلحة والتكنولوجيا الأمريكية، فقد يكون لانتهاج إدارة ترامب لنهج يستدعي تدخلًا أقل في الدول الخليجية بعض النتائج الإيجابية على صناعة قرار مستقل حول الأمن القومي في الخليج.
الإسلام والإرهاب
أخيرًا، وفيما تعتبر اللهجة المسيئة للإسلام والتي تنم عن إسلاموفوبيا التي اعتمدها ترامب في بعض الخطابات التي ألقاها في حملته، مشكلًة سياسية أمريكية داخلية في المقام الأول، سيحتاج الرئيس ترامب والقادة العرب إلى إيجاد لغة متبادلة تحترم الآخر، وهو أمر قد توصّلوا إليه بالفعل، بالجزء الأكبر، مع هيلاري كلينتون. وباختصار، إن الخطاب العلني المسيء للإسلام، وحظر دخول الأفراد بناء على أصلهم (ناهيك عن توجههم الديني)، والأقوال والأفعال التي تساوي الإسلام بشكل عام بالإرهاب، أمور قد تلحق ضررًا جسيمًا بطرفي العلاقة التي تربط الولايات المتحدة بالدول الخليجية في عهد ترامب. وإذ أمّن الرئيس الجديد فوزه، فلم يعد بحاجة للسمسرة بهذه الطريقة، إذ أن مسؤولياته الجديدة قادرة أن تفرض عليه ألا يتفوه بمثل هذه الكلمات، لا بل يجب أن تفرض ذلك.
شدّد ترامب على اعتزامه القضاء على “داعش” بلغة حيّة وقوية. وطالما أن ما يقوم به لا يعتبر، نظرًا إلى هذا الكمّ من الإصرار، دعمًا فعليًا لجدول الأعمال الإقليمي الإيراني، فإنه سيجد شركاء متلهفين لحملته من الدول الخليجية. وتقتضي مصلحة الفريقين حتمًا التوصل إلى جدول أعمال يهدف إلى مكافحة الإرهاب والقضاء على التطرف. ويجب استخدام مثل هذه العلاقة كضمانة مثالية تردع أي إسهاب إضافي في الكلام يحرّض على التعصب ضد المسلمين. ويجب أيضًا أن تتفادى مثل هذه الشراكة بعض تعليقات ترامب الأكثر جموحًا التي تتمحور حول اتباع أنواع جديدة من التعذيب بحق المتهمين بالإرهاب بما في ذلك “الإغراق إلى حد الاختناق وأخرى أسوأ بكثير”، وقتل عائلات الإرهابيين، وغيرها من التدابير الشديدة العنف وغير المألوفة التي لا تنتهك المعايير الدولية فحسب، بل من المرجح أنها تخرق القانون الأمريكي أيضًا. ولكن وحتى في خضم حملته الانتخابية، نأى ترامب بنفسه عن بعض هذه التعليقات الأكثر تطرفًا التي تفوه بها سابقًا. ومن المرجح أن تستمر هذه العملية. وسيكون هذا النمو ضروريًا لتطوير شراكة فعالة تهدف إلى مكافحة الإرهاب والتطرف مع الدول الخليجية والكثير من الدول الأخرى حول العالم.
قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب
إن إدارة أوباما المنتهية ولايتها قادرة على المساعدة من خلال التعاون مع الدول الخليجية قبل أن يتولى الرئيس ترامب مقاليد الحكم لإيجاد آلية قانونية “لإصلاح” قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب، الذي يسمح للأمريكيين بمقاضاة المملكة العربية السعودية ومسؤوليها، ومسؤولين آخرين، بتهمة التواطؤ المزعوم في هجمات إرهابية قاتلة في الولايات المتحدة. إن تجاوز الفيتو الذي سمح بإقرار مشروع قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب فورًا بعد الذكرى الخامسة عشرة لهجمات 11 أيلول/سبتمبر الإرهابية والذي أتى قبل الانتخابات مباشرة، شكّل مصدر ندم كبير في الكونغرس في اليوم عينه الذي أقرّ فيه القانون. وتتخوف المملكة العربية السعودية وحلفاؤها الخليجيون من الأثر المحتمل لهذا القانون على العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة. إلا أن الأمريكيين الجادين والمطلعين أيضًا على حيثيات القانون قلقون أيضًا من الأثر المحتمل لهذا القانون على الدبلوماسية الأمريكية والأعمال العسكرية إن أصبحت الحكومة الأمريكية ومسؤولوها عرضة للمقاضاة بدورهم أينما تواجدوا حول العالم.
ويبقى علينا أن نترقب إذا ما كان مفهوم ترامب الجديد “للقومية” وخطابه الشعبوي سيسمحان له أن يشارك علنًا في تصحيح هذا الخطأ، فمن المستحسن أن يعدّل القانون بالإجماع بطريقة ترضي كافة الأفرقاء في خلال الأسابيع القادمة بالتعاون علنا مع إدارة أوباما وقادة الكونغرس. وعسى أن تقدم إدارة ترامب القادمة دعمها الضمني لهذا التعديل (مما قد يضع هذه المسألة بشكل علني قيد الانتظار إلى أن يتولى الرئيس الجديد مقاليد الحكم.) وبالنسبة إلى كل الذين يقدّرون فعالية الدبلوماسية والاستراتيجية العسكرية الأمريكية والعلاقة الثنائية مع المملكة العربية السعودية، فإن “إصلاح” قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب يعتبر خطوًة مهمًة ويتعين على طاقم ترامب أن يفسح المجال على الأقل للسماح بإجراء هذا التصحيح الحيوي.