تقترب الانتخابات الرئاسية بسرعة، والعديد من الليبيين على استعداد للإدلاء بأصواتهم. وهناك2.83 مليون ليبي مسجلون للاقتراع، وهناك 98 مرشحًا (96 رجلا وامرأتان) تقدموا لتسجيل تنافسهم على الرئاسة. وقد أعلنت حكومة الوحدة الانتقالية، حكومة الوحدة الوطنية، عن استعدادها لإجراء الانتخابات. وقد عين الأمين العام للأمم المتحدة المبعوثة الخاصة السابقة في ليبيا ورئيسة بعثة الدعم الأممية في ليبيا ستيفاني وليامز (Stephanie Williams) مستشارة خاصة له في ليبيا بعد استقالة المبعوث الأممي السابق يان كوبيتش (Jan Kubis)، الأمر الذي يعبر عن الشعور بالمسؤولية نحو الوساطة الدولية في ظل مشهد الانقسام السياسي في ليبيا. ويبدو أن بعض المؤسسات الليبية المقسمة قد بدأت عملية إعادة التوحيد بشكل بطيء – وتشمل البنك المركزي والقوات المسلحة الليبية. تم استئناف العمل على الصادرات النفطية، على الأقل للفترة الراهنة، وشهدت الأسعار أعلى معدل لها في سبع سنوات في ظل الانتعاش الاقتصادي العالمي.
وعلى الرغم من هذه التطورات، تواجه عملية الانتخابات الليبية مسائل قانونية عاجلة، وعملية تسييس صارخة، وفسادًا ومخاطر أمنية، ما يجعل عملية إجراء انتخابات حرة ونزيهة في موعدها محل نقاش. وتقررت الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية في 24 ديسمبر/كانون الأول، مع وجود بواعث قلق جدي حول إمكانية تأجيلها. أما الانتخابات النيابية، والتي من المفترض أن تجري في اليوم نفسه، فقد تم تأجيلها لثلاثين يومًا.
من بين المسجلين للتنافس على منصب الرئيس، ثلاثة مرشحين مثيرين للخلاف – رئيس الحكومة الانتقالية عبد الحميد دبيبة، واللواء خليفة حفتر وسيف الإسلام القذافي، وقد تم في البداية رفض ترشحهم لخوض الانتخابات، غير أن محاكم الاستئناف عادت وقررت السماح لهم بالمشاركة. ومع ذلك، فإن القائمة النهائية للمرشحين للرئاسة لم تُعلن بعد مع بقاء أسبوع على ذلك، وهكذا يبقى الأمر غير واضح حول المرشحين الذين سيسمح لهم بخوض الانتخابات رسميًا. وبعيدًا عن عراقيل إجراء الانتخابات الرئاسية، فإن المشهد الأمني الليبي ما يزال يخضع لمجموعات مختلفة من الميليشيا، التي تتدخل في عملية الانتخاب باستخدام تكتيكات الترهيب. وما يزال يوجد الآلاف من المرتزقة الأجانب والعديد من القواعد العسكرية الأجنبية، وتثير هذه الأمور المزيد من القلق حول تأثير الجهات الأجنبية في عدم استقرار المشهد السياسي.
نظرًا لهذا الواقع القاتم، من المحتمل تأجيل الانتخابات. ويدعو العديد من أعضاء منتدى الحوار السياسي في ليبيا، الذي تقوده الأمم المتحدة، إلى جانب هيئات استشارية مثل المجلس الأعلى للدولة، إلى تأجيل الانتخابات حتى مع إعلان المجلس الرئاسي الانتقالي عن جاهزيته لإجراء الانتخابات على الرغم من الصعوبات القائمة. وكلا الموقفين محفوفين بالمخاطر، ويمكن أن يؤديا إلى مزيد من الانقسام السياسي والعودة إلى العنف.
عملية الحوار السياسي الهشّ في ليبيا
تابع المجتمع الدولي عملية السلام والتوافق السياسي في ليبيا من خلال مسار برلين. وتحت تلك المظلة، توصلت الأطراف الليبية المتحاربة إلى وقف إطلاق نار في أكتوبر/تشرين الأول 2020، وأنشأت اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 (التي اشتملت على ممثلين عسكريين من الفصائل الغربية والشرقية) لمراقبة ذلك. في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وضع المنتدى السياسي الليبي، مدعومًا بالوساطة الأممية، خريطة طريق لاختيار حكومة انتقالية تشرف على إجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية، وإعادة توحيد المؤسسات السياسية والمالية والأمنية الليبية المقسمة. في مارس/آذار، اختار المنتدى رئيس وزراء ومجلس رئاسة لقيادة حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية لتشرف على الانتخابات. وقد دعم المجتمع الدولي، بشكل قوي، هذا المسار، وقد صدق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2570 على خريطة الطريق في أبريل/نيسان. وقد عقد منتدى الحوار الليبي مزيدًا من اللقاءات في الأشهر اللاحقة في جنيف لمحاولة الوصول إلى توافق على أساس قانوني ودستوري لإجراء الانتخابات، ولكن لم يتم التوصل إلى اتفاق محدد. ومع ذلك، فقد تم خلال مؤتمر استقرار ليبيا في أكتوبر/تشرين الأول في طرابلس إضافة إلى مؤتمر باريس الدولي في نوفمبر/تشرين الثاني، إعادة التأكيد على التزام المجتمع الدولي وحكومة الوحدة الوطنية الليبية، ودعمهما لإجراء انتخابات رئاسية في 24 كانون الأول/ ديسمبر حتى مع بقاء الحقائق على الأرض كما هي دون تغيير، والتي تشمل عدم التوافق على إطار قانوني انتخابي.
وعلاوة على ذلك، فإن البرلمان الليبي المتمركز في شرق ليبيا، أو مجلس النواب، قد أقر قوانين انتخابية استنكرها المجلس الرئاسي الاستشاري الأعلى المتمركز في طرابلس لأن النصاب البرلماني لم يكتمل. مثلا، صوت البرلمان على تأجيل الانتخابات النيابية لثلاثين يومًا حتى يناير/كانون الثاني 2022 بحضور 70 إلى 75 عضوً للتصويت (من بين 200 عضو منتخبين في 2014). كما أقر البرلمان قوانين انتخابية أخرى بطريقة مماثلة، ينظر إليها بعض النقاد كحركة مثيرة للخلاف من رئيس البرلمان، عقيلة صالح، الذي يتنافس أيضًا على منصب الرئاسة.
وبعيدًا عن القلق حول الانقسام السياسي والغموض القانوني حول القوانين الانتخابية والمرشحين الرئاسيين، هناك عدم وضوح حول ما سيحدث في اليوم التالي للانتخابات. السلطات التنفيذية ما تزال غير واضحة، محولة الانتخابات إلى موقف صفري إما أن تربح كل شيء أو تخسر كل شيء في دولة منقسمة بشكل عميق. ويقود هذا إلى مخاوف من أن يستخدم المرشحون حلفاءهم من الميليشيات لترهيب المقترعين في الأماكن التي لا يوجد لهم فيها دعم كافٍ. في الأسابيع الأخيرة، ازدادت المخاوف عندما اندلع القتال في جنوب مدينة سبها، وحاولت الميلشيات ترهيب الهيئات القضائية التي تقرر في المسائل الانتخابية وأهلية المرشحين الرئاسيين. وفوق ذلك، في حال إجراء الانتخابات، هناك مخاوف من عدم قبول للنتائج من قبل بعض المرشحين الخاسرين الذين يسيطرون على الميلشيات، ويستخدمون ذلك كفرصة لإعادة إثارة العنف والانقسام السياسي للمؤسسات، وهو ما ميز الحكومات الليبية السابقة في العقد الأخير.
تحدث الخبيران في الشؤون الليبية تيم إيتون (Tim Eaton) وطارق مجريسي قائلين، “من النظرة الأولى، يبدو أن كل الليبيين والمجتمع الدولي متحدون خلف الانتخابات. ومع ذلك، وعلى الرغم من البيانات المؤيدة للانتخابات، يستمر وجود منافسة صفرية. المعركة الآن هي حول العملية الانتخابية فيما يتعلق بمن يتحكم فيما يحدث بعد ذلك. الذين هم في مواقع القوة يرون في الانتخابات فرصة للتقدم للأمام أو تجديد الذات، ولكنهم يضعون الأولوية لحماية مواقعهم الحالية في حال انهيار العملية”.
المرشحون الرئاسيون
على الرغم من كل التحديات، قامت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بتسجيل المرشحين الرئاسيين والبرلمانيين في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني. وقد سجلت اللجنة 98 مرشحًا رئاسيًا، ولكن القائمة النهائية لم تنشر بعد بسبب كل المعارك القانونية على المرشحين الثلاثة الأكثر شهرة- رئيس الوزراء الانتقالي دبيبة واللواء المتقاعد حديثا حفتر وسيف الإسلام القذافي ابن الحاكم الليبي القتيل والمستبد معمر القذافي. لقد تم منع الثلاثة من المنافسة وتقدموا باستئناف. لقد تم منع حفتر والقذافي بسبب الاتهامات لهم بجرائم الحرب. القذافي أيضًا مطلوب القبض عليه من المحكمة الجنائية الدولية، وحفتر كان أيضًا ممنوعًا بداية بسبب قيود متعلقة بازدواجية الجنسية (يحمل حفتر أيضًا الجنسية الأمريكية). تم منع دبيبة لأنه من المفترض من رئيس الحكومة الانتقالي أن يشرف على الانتخابات ويتنازل عن منصبه. وقد استطاع أن يستأنف بسبب عدم الوضوح والتوافق على إطار قانوني انتخابي. يبدو أن هؤلاء المرشحين سيخوضون سباق الانتخابات، ومن المحتمل أن يتمتعوا بأفضل المواقع كي يحسنوا صنعًا في الانتخابات، نظرًا لقواعدهم الاجتماعية في مختلف المناطق، والأكثر أهمية هو تحالفاتهم مع الميليشيات المسلحة.
قاعدة دبيبة هي في غرب ليبيا، حفتر في الشرق وإلى درجة ما في الجنوب، وما يزال للقذافي دعم كبير في الجنوب. ومع ذلك، فإن أغلبية السكان تعيش في غرب ليبيا، وهذا يشير إلى إمكانية فوز رئاسي لدبيبة، الذي ينحدر من مصراتة. ولكن نظرًا لوجود مسائل كبيرة في إطار الانتخابات في ليبيا والمخاطر الأمنية، ذكر الخبراء في الشؤون الليبية أنه قد يكون من غير الممكن الإعلان عن أي شكل لنتائج الانتخابات الشرعية، والتي ستؤدي بالعديد من هؤلاء المرشحين والميليشيات المتحالفة معهم للعودة إلى القتال.
من بين الآخرين الذين أعلنوا ترشحهم، صالح رئيس البرلمان والحليف المقرب من حفتر، وفتحي باشاغا، وزير الداخلية السابق في حكومة الاتفاق الوطني المتمركزة في طرابلس، وعارف علي النايض سفير ليبيا في الإمارات العربية المتحدة من 2011- 2016، والقادم من بني غازي في شرق ليبيا ويقود كتلة إحياء ليبيا، ومحمد خالد عبد الله الغويل من مصراتة في غرب ليبيا، والذي يقود حزب السلام والازدهار، وعلي زيدان رئيس وزراء ليبيا من 2012-2014، والذي يقود حزب نداء القرضابية، وعثمان عبد الجليل وزير التعليم السابق، وإسماعيل الشتيوي وهو رجل أعمال من غرب ليبيا ويقيم في الإمارات العربية المتحدة.
دور الفاعلين الخارجيين
المسألة الواضحة الأخرى هي انعدام التقدم في انسحاب المقاتلين الأجانب والمرتزقة من ليبيا، وهي شرط رئيسي في وقف إطلاق النار وخريطة طريق أكتوبر/تشرين الأول 2020 نحو انتخابات حرة ونزيهة. الوجود الكثيف للمقاتلين الأجانب يطرح مخاطر أمنية تتجاوز تلك التي نتجت عن تواجد الميليشيات الليبية المسلحة في كل الأماكن، وهي مصطفة مع فصائل سياسية معينة، ومع مرشحين رئاسيين حاليًا في كل البلاد.
كان ذلك موضوعًا بارزًا في مؤتمر استقرار ليبيا ومؤتمر باريس، حيث أعاد المجتمع الدولي وحكومة الوحدة الوطنية التأكيد على الالتزام بـ “خطة عمل اللجان العسكرية الليبية المشتركة 5+5 لانسحاب المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية من الأراضي الليبية”. استمرت اللقاءات في الشهر الأخير بين الجهات الليبية الفاعلة والدول المجاورة للتقدم بالشكل الأمثل في موضوع انسحاب المقاتلين الأجانب والمرتزقة، ولكن ما تحقق هو إنجاز ملموس بسيط. في الفترة الأخيرة، أعلن الاتحاد الأوروبي عن عقوبات على مجموعة فاجنر الروسية بسبب عملياتها في ليبيا وسوريا وأوكرانيا، مؤكدًا على القلق المتزايد من تأثير عدم الاستقرار الناتج عن هذه الجماعات من المرتزقة.
بتجاوز وجود الجهات الخارجية الفاعلة في المشهد الأمني، هناك مخاوف من التدخل الأجنبي من خلال مرشحين محددين. لقد استفاد المرشحون المستقطبون، مثل حفتر، طويلا من الدعم الإماراتي والمصري والروسي، وحتى من دول أوروبية، مثل فرنسا، على الرغم من محاولته السيطرة على طرابلس في أبريل/نيسان 2019. يُنظر إلى دبيبة على أنه حليف أكثر قربًا من تركيا، مع أن منتقديه يركزون أكثر على استخدامه المزعوم لأموال الدولة لشراء الدعم السياسي والمنافسة في الانتخابات. هناك مرشحون آخرون يواجهون التدقيق، مثل النايض، وهو من الشرق، ويعتبر مرشحًا مدعومًا إماراتيًا.
البقاء إيجابيًا
بالنظر إلى أن بيئة ليبيا تعاني من مشاكل أمنية كبيرة وانقسامات سياسية، يكون التوافق صعبًا، وتصبح الانتخابات الرئاسية صراع قوى صفري. إن ليبيا بعيدة كثيرًا عن التمكن من إجراء انتخابات حرة ونزيهة، ولكن على الرغم من كل التحديات، هناك مؤشرات إيجابية على عودة العملية إلى المسار الصحيح. إن تعيين وليامز، وهي دبلوماسية أمريكية سابقة، مستشارةً خاصة للأمين العام للأمم المتحدة حول ليبيا، هو خطوة إيجابية نحو إعادة إحياء عملية وساطة دولية، بدأ بعض الخبراء يقولون إنها قد بدأت تتعثر في عهد كوبيتش. مثلا، في ندوة عبر الإنترنت لتشاثام هاوس في ديسمبر/كانون الأول حول الانتخابات الليبية، ذكر ولفرام لاتشر (Wolfram Lacher) أن الأمم المتحدة تراجعت أهميتها في الأشهر الأخيرة، وأنه كان عليها أن تلعب دورًا نشطًا أكثر عندما ظهرت نقاط الاختلاف حول الإطار القانوني للانتخابات قبل عدة أشهر.
وصلت وليامز إلى طرابلس في 13 ديسمبر/كانون الأول وتحدثت مع جهات فاعلة ليبية متعددة حول كيفية التقدم في انتخابات رئاسية ونيابية، تكون حرة ونزيهة. أيضًا، فإن العديد من الليبيين والمجتمع الدولي متوافقون على إجراء الانتخابات. وقد سجل أغلبية من الليبيين المؤهلين من أجل التصويت على الرغم من التقسيم السياسي والمخاطر الأمنية.
إن التأكد من أن هذه الانتخابات حرة ونزيهة وآمنة هو التحدي القادم. سيتم نشر المراقبين الدوليين، وقد حذر المجتمع الدولي من أن أي شخص يعيق الانتخابات ستتم معاقبته. الحكومة الانتقالية ذكرت أن البلاد جاهزة. ولكن أعضاء من المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عارضوا ذلك، وذكروا أن إجراء الانتخابات في 24 ديسمبر/كانون الأول من المرجّح أن يكون مستحيلاً. وسيثبت ذلك مع مرور الوقت.