لن تشمل مراسم توقيع إعلان السلام في البيت الأبيض في 15 سبتمبر/أيلول فقط الإعلان الرسمي عن عملية تطبيع بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، ولكن البحرين قد أعلنت الآن أنها ستقوم أيضاً بمثل هذا الالتزام في هذه الفعالية. ويعد هذا من الانتصارات المهمة الأخرى لإدارة الرئيس دونالد ترامب ويضاف بشكل رئيسي إلى الإنجاز الدبلوماسي الذي تحققه إسرائيل مع دول الخليج العربية.
يعتبر القرار البحريني باقتفاء أثر الإمارات صفعة أخرى لآمال الفلسطينيين في استخدام الاعتراف العربي بإسرائيل كوسيلة ضغط بيدهم في مسعىً لإنهاء الاحتلال الذي بدأ عام 1967. وهو مؤشر آخر على أن مبادرة السلام العربية – التي أطلقتها المملكة العربية السعودية في عام 2002، والتي أقرتها بالإجماع جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي– أصبحت بائدة بالفعل.
كان القصد من مبادرة السلام العربية الشروع في عملية من شأنها إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، بحيث يأتي التطبيع بعد اختتام هذه العملية. في السنوات الأخيرة، أعادت العديد من دول الخليج العربية النظر في تصورها لهذا الجدول الزمني، فاتحةً الباب لخطوات ثنائية متبادلة في كلا الاتجاهين، مفترضة أنه إذا اتخذت إسرائيل تدابير لتخفيف الاحتلال أو التخلي عنه، فإن ذلك ستقابله عروض دبلوماسية عربية لا ترقى لمستوى الاعتراف الكامل. وعلى الرغم من أن الإمارات العربية المتحدة والبحرين تصران على أنهما مستمرتان في دعم مبادرة السلام العربية، من خلال الالتزام بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، إلا أنهما تعملان بشكل فعال على وضع اللمسات الأخيرة لعكس مسار المبادرة: التطبيع يأتي أولاً، ويتبعه في نهاية المطاف خطوات لإنهاء الاحتلال. هكذا، على الأقل، توضحان موقفهما، مؤكدتين أنهما حافظتا على إمكانية حل الدولتين، وبالتالي مبادرة السلام العربية كذلك، من خلال حمل الولايات المتحدة على الالتزام بعدم دعم أي عمليات ضم إسرائيلية جديدة حتى 2024 على الأقل.
ولكن لماذا حذت البحرين حذو الإمارات واتخذت هذه الخطوة بهذه السرعة؟ هناك العديد من الدول العربية الأخرى المنفتحة على التطبيع مع إسرائيل، وتشمل عُمان والسودان والمغرب وقطر، وذلك إذا انخفض اعتماد الدوحة بسبب المقاطعة على تركيا وإيران. بذهابها في المقدمة، اتخذت الإمارات الخطوة الجريئة بالفعل، قافزة إلى المجهول بشكل فعال. ومع ذلك، فقد أظهرت الأيام التي تلت إعلان الإمارات أن الثمن الدبلوماسي والسياسي سيكون محدوداً على دول الخليج العربية الأصغر في اتخاذها لهذه الخطوة.
تقريبًا لم تستنكر أي دولة عربية بقوة التحرك الإماراتي. حتى إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمر مسؤوليه بالتوقف عن توجيه انتقادات للإمارات العربية المتحدة بعد أن باح بها الكثير منهم، حيث لم تتردد هذه الانتقادات على ألسنة قادة عرب آخرين. كما أنه لم تحدث أي انتكاسة سياسية تذكر للإمارات. وأظهر الإماراتيون أن ثمن الالتزام بالانفتاح مع إسرائيل ضئيل جداً، على المدى القريب على الأقل.
بالإضافة إلى ذلك، ومن شبه المؤكد، أن المملكة العربية السعودية لم تعترض بقوة على مثل هذا التحرك، نظراً للدرجة التي تميل بها المنامة إلى الإذعان للرياض في مسائل الدفاع والسياسة الخارجية. وقد يشير ذلك إلى درجة من الانفتاح لدى المملكة العربية السعودية لاتخاذ مثل هذه الخطوات في المستقبل إذا كانت الظروف مواتية، على الرغم من أن حسابات الرياض ستكون أكثر تعقيداً من حسابات جاراتها الصغرى. كما يعكس ذلك مزيداً من التقارب بين البحرين والإمارات العربية المتحدة والضغط الذي تمارسه الدولتان لتنويع خياراتهما الاستراتيجية في سياق تعميق الشكوك بشأن التزام الولايات المتحدة ومدى مصداقيتها كضامن للأمن القومي والاستقرار الإقليمي.
أما بالنسبة لدوافع تطبيع العلاقات مع إسرائيل، فقد أصبحت الإمارات هي الثعلب الذي يضرب به المثل، ولديها الكثير من البنود على جدول الأعمال، وأما البحرين فهي القنفذ، وتركز في الأساس على شيء واحد. فالإمارات معنية بما يلي: مواجهة إيران وتركيا، والتواصل مع الولايات المتحدة (بما في ذلك إدارة ترامب والديمقراطيون الرئيسيون)، والحصول على أنظمة الأسلحة الأمريكية المتقدمة، وإقامة شراكة مع إسرائيل في مجال التكنولوجيا المتقدمة والتكنولوجيا السيبرانية والتجارة، وعدد آخر من العوامل. ومع ذلك، فإن كل الحوافز البحرينية تقريباً تنحصر في التهديد الذي تشكله إيران، التي أصرت عدة مرات على أن البحرين جزء من أراضيها السيادية.
بالإضافة إلى ذلك، وفي حين أن في البحرين أسرة حاكمة سنية ونخبة سياسية، إلا أن بها أيضاً على أغلبية شيعية مضطربة ومهمشة سياسياً. لقد أثبتت العناصر المتطرفة بين السكان الشيعة البحرينيين أنها أكثر تقبلاً للعروض الإيرانية من تقبلها للمجتمعات الشيعية في الكويت أو المملكة العربية السعودية، وهناك إثباتات كبيرة على أن إيران كانت تحاول أن تُفاقم من حدة الاضطرابات في البلاد، وتعمل على تشجيع العنف المناهض للحكومة وحتى الإرهاب.
لذلك، وفي حين أن جميع دول الخليج العربية، وبدرجات متفاوتة، تعتبر إيران تهديداً، بالنسبة للبحرين، فإن المخاوف الوجودية التي تمثلها طهران شديدة بشكل فريد من نوعه. إسرائيل هي الخصم الإقليمي الأقوى لإيران، وهي مسؤولة عن معظم الإجراءات المضادة منخفضة الحدة ضد الميليشيات الموالية لإيران على شكل ضربات جوية متكررة في سوريا، وبشكل أكبر في العراق. وتعتبر البحرين نفسها أضعف الأهداف الإيرانية، وتعتبر إسرائيل العدو الأكبر لطهران. لذلك، في الوقت الذي تسعى فيه الإمارات العربية المتحدة إلى مجموعة من المنافع المحددة، مثل القدرة على شراء طائرات مقاتلة أمريكية من طراز F-35، فإن احتمالية إقامة علاقات أوثق مع إسرائيل بالنسبة للبحرين هي أكثر وضوحاً. والميزة الرئيسية الأخرى هي ببساطة تعزيز العلاقات مع واشنطن، وهذه العلاقات قوية جداً بالفعل حيث تستضيف البحرين الأسطول الخامس الأمريكي المخصص إلى حد كبير لحفظ أمن الخليج، وله ميزة كبيرة تتمثل في كونه حليفاً رئيسياً من خارج الناتو. ورغم أن البحرين تأمل في الحصول على أسلحة أكثر تطوراً من واشنطن، وفرص تجارية أو سياحية جديدة مع إسرائيل، إلا أن هذه اعتبارات ثانوية. فبالنسبة للبحرين، يكاد توثيق العلاقات مع إسرائيل يكون هدفاً بحد ذاته نظراً لتركيز المنامة الأشد على التهديد الإيراني.
ومع ذلك، قد تتعرض البحرين، من بعض الجوانب، إلى مخاطر أكثر مما تتعرض له الإمارات العربية المتحدة. فبينما أظهرت الإمارات العربية المتحدة أن ردة الفعل العكسية في المنطقة على الانفتاح مع إسرائيل كانت محدودة للغاية، إلا أن البحرين قد تواجه بعض ردود الفعل السياسية المحلية السلبية. وعلى الرغم من أن البحرينيين يرون، منذ سنوات، أن حكومتهم تتفاعل بشكل متزايد مع المسؤولين الإسرائيليين، إلا أن هناك خطراً دائماً بأن يكون الاعتراف الرسمي دافعاً لإثارة الاضطرابات في بعض المجتمعات الشيعية. وبقدر ما تنظر إيران إلى هذا على أنه ائتلاف معادٍ لها، وهي قادرة على إقناع أنصارها في البحرين بذلك، فقد يصبح مظلمة رئيسية تؤدي إلى موجة أخرى من الاحتجاجات المناهضة للحكومة. وكما توضح كبيرة الباحثين في معهد دول الخليج العربية في واشنطن كريستين سميث ديوان: “يبدو أن معارضة التطبيع تنتشر على نطاق واسع في المجتمع البحريني، وقد تم التعبير عن هذه المعارضة في بيان وقعته 17 مجموعة سياسية ومدنية تمثل الإسلاميين السنة والشيعة واليساريين والقوميين والمنظمات المهنية والعمالية”.
إذا كان بإمكان البحرين احتواء مثل هذه التبعات السياسية المحلية المزعزعة للاستقرار، بالإضافة إلى التبعات الدبلوماسية الإقليمية، فإن تحركاتها لتطبيع العلاقات مع إسرائيل يمكن أن تشجع الآخرين، ولا سيما عُمان والسودان، ليحذوا حذوها. ولدى إسرائيل والولايات المتحدة حافز قوي لجعل هذه العملية تسير كما يجب لكلتا الدولتين الخليجيتين. إن العرب الآخرين المرشحين لمبادرات الانفتاح الدبلوماسي المحتمل على إسرائيل سيراقبون عن كثب العملية وتبعاتها.