ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
في 27 أكتوبر/تشرين الأول، وبعد مرور أكثر من عام على المواجهة السياسية، شكل العراق حكومة جديدة. وقد تشكلت الحكومة على أساس نظام المحاصصة العرقية-الطائفية. تفاوضت الأحزاب السياسية العراقية حول من سيكون على رأس الوزارات الأكثر أهمية. تنافست الأحزاب الشيعية، على سبيل المثال، على وزارة النفط والمالية والداخلية من بين وزارات أخرى، بينما تفاوضت الأحزاب السنية فيما بينها على من سيتولى وزارتي الدفاع والتخطيط. في غضون ذلك، يواصل الأكراد الصراع على من سيفوز بالوزارتين الأخيرتين المتبقيتين في مجلس الوزراء. كان توزيع الوزارات بشكل أساسيٍ، وفقًا لأحد المحللين السياسيين، بمثابة مزاد للمساومة والمكافأة بين الأحزاب السياسية. وكانت النتيجة حكومة مكونة من 21 وزارة – 12 منها للشيعة، وست للسُنة، واثنتان للأكراد، ووزارة واحدة لحزب آخر من أحزاب الأقلية.
كان نظام المحاصصة فكرة تم تطويرها في أوائل التسعينيات من قبل شخصيات سياسية عراقية معارضة في المنفى لتقسيم المواقع السياسية بناءً على إحصاء تقديري للشيعة والأكراد والسنة، لضمان تمثيل هذه الجماعات في الحكومة العراقية. كانت الخطط بمثابة خارطة طريق لمجلس الحكم العراقي بعد غزو العراق في عام 2003 بقيادة الولايات المتحدة، حيث كان المجلس يتكون من سبعة أحزاب سياسية عراقية رئيسية شاركت في الاتفاقية الأولية في عام 1992. الدستور العراقي الذي تمت المصادقة عليه لاحقًا يحظر الطائفية، وليس فيه ما يشير إلى توزيع المناصب السياسية على أساس طائفي أو عرقي. ومع ذلك، أصبح تقسيم الوزارات بنظام المحاصصة اتفاقًا ضمنيًا بين اللاعبين السياسيين. “تم تقسيم [مناصب الرئاسة ورئيس مجلس النواب ورئيس الوزراء بين المجتمعات الثلاثة الكبرى، مع الاحتفاظ بمنصب الرئيس للأكراد، ومنصب رئيس الوزراء (الأقوى في العراق) للشيعة، ومنصب رئيس مجلس النواب للسُنة”.
يتم تقسيم الوزارات والجهاز البيروقراطي العراقي وفقًا لنظام المحاصصة هذا. في حين يتم تنفيذه لضمان تقسيم الوزارات التي تعكس القوة السياسية والديموغرافية، المعترف بها ضمنيًا، بين الجماعات العرقية والطائفية الرئيسية في البلاد – وضمان الانسجام السياسي الأساسي- فإن الطريقة التي يتم بها تنفيذ هذا النظام تسهل حتمًا الفساد، لأنه يتم التعامل مع الوزارة التي يتم تخصيصها لحزب سياسي معين كملك خاص يتم استغلاله لصالح الحزب وليس لصالح الدولة. وهكذا تصبح عملية الفساد بسيطة؛ يتلقى رجال الأعمال المقربون من الحزب السياسي الذي يحتفظ بالوزارة العقود، ويبالغون في التكاليف، وفي نهاية المطاف يقتسمون الأرباح مع الحزب السياسي. تعد وزارة الصحة من أبرز الأمثلة على تكلفة هذا الفساد، حيث هيمن عليها أنصار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر لعدة سنوات. تدهور النظام الصحي نتيجة للفساد الذي تتفق عليه، ضمنيًا، وتتورط فيه جميع الأحزاب السياسية، وعلى الرغم من الفساد المفتوح وتدهور الخدمات، تغض الشخصيات السياسية الأخرى الطرف لأنها تمارس القدر نفسه من الفساد في الوزارات الأخرى. وقد شمل هذا “الفساد الطائفي” مناصب تتراوح بين السفراء والقادة العسكريين ووكلاء الوزارات. ويتم تقسيم هذه المناصب، والمعروفة باسم “الدرجات الخاصة”، بناء على عدد المقاعد التي يفوز بها الأحزاب في الانتخابات النيابية. تقوم الأحزاب السياسية بتعيين الأعضاء الموالين لها، كسفراء على سبيل المثال، بصرف النظر عن الخبرة، وعلى الرغم من عدم استيفاء المتطلبات القانونية. وغالبًا ما تكون هذه المناصب الخمسة آلاف، أو نحو ذلك، مطمعًا أكثر من منصب الوزير لأن فترة ولايتها أطول. إن الأعضاء الموالين للأحزاب والذين يفوزون بمثل هذه المناصب في ظل البيروقراطية، وخاصة مناصب صنع القرار، يضمنون “تدفق الموارد من الوزارات ومؤسسات الدولة للمستفيدين منها. كما أنهم يعملون كعقبات تعرقل العقود إذا لم تخدم مصلحة الأحزاب التي يمثلونها”.
يتسبب نظام المحاصصة في اعتماد الناخبين على الأحزاب السياسية لأنها تتحكم في ميزان الثواب والعقاب داخل الحكومة. يمتلك العراق قطاعًا عامًا مترهلاً، وقطاعًا خاصًا في غاية الهشاشة، وهذا ما يمنح الأحزاب السياسية نفوذًا. ونظرًا لأن الحكومة توظف 40٪ من القوى العاملة، يتعين على الموظفين، سواء كانوا يشغلون مناصب عليا أو وظائف روتينية عادية، الحصول على دعم سياسي للحفاظ على وظائفهم في ظل هذه البيروقراطية.
تتوسع المزايا التي يحصل عليها الأعضاء الموالون للأحزاب إلى ما هو أبعد من مجرد التوظيف المنتظم. فيحصل بعض الأعضاء على رواتب دون عمل. وصرح وزير مالية سابق في عام 2021 أن 300,000 من موظفي القطاع العام هم عمال وهميون [يُطلق عليهم في العراق ” فضائيين”]. كما يرتبط الولاء الحزبي أيضًا بمعاشات التقاعد. ويقدر بعض السياسيين أن هناك، على سبيل المثال، أكثر من 400 امرأة متقاعدة من ذوات الرتب العسكرية العالية اللواتي لم يخدمن في الجيش قط. يتألف النظام السياسي العراقي من حيث الجوهر من العديد من مراكز القوة التي تتنافس باستمرار على المنافع الحزبية من خلال الاستفادة من سيطرتها على المناصب السياسية. تعد الهيئة الحاكمة، وعلى رأسها رئيس الوزراء، في حالة شلل، لأن الوزارات تستجيب لإملاءات الأحزاب السياسية المسيطرة بدلاً من الاستجابة للمراسيم الصادرة عن المناصب العليا في الحكومة أو عن اللوائح الوزارية فقط.
يهدف نظام المحاصصة إلى تشكيل حكومة شاملة تضم العراقيين من جميع الخلفيات. ومع ذلك، فقد أصبح نظامًا يتسم بالقصور ويسهل المحسوبية والفساد. أدى عجز الحكومة عن تقديم الخدمات وتلبية الاحتياجات الأساسية إلى تآكل الثقة في المسؤولين العراقيين وصناع القرار، والتشكيك في خدمات الحكومة وكفاءتها. وفي استطلاع حديث للرأي، أعرب 85٪ من العراقيين، الذين شملهم الاستطلاع، عن انخفاض ثقتهم في الجهات الحكومية.
يعد نظام المحاصصة أحد العقبات الأساسية في طريق إصلاح العراق اليوم. فيسمح هذا النظام بهيمنة وترسيخ الأحزاب السياسية التي تسعى إلى تحقيق مصالحها الضيقة على حساب المصالح العامة. بالإضافة إلى ذلك، إن هذا الترتيب السياسي يضعف الهوية الوطنية العراقية. وعلى الرغم من ظهور بعض المحاولات لإصلاح النظام السياسي، إلا أنه تم كبح هذه الجهود، حيث اتحدت الأحزاب المتصارعة داخل الحكومة على هدفٍ واحد يتمثل في الحفاظ على الوضع الراهن. وتمثل الحكومة العراقية الجديدة استمرارًا لهذا التقليد، ما يعني أن الأمل في حدوث تغيير سياسي ذي مغزى يعد ضعيفًا جدًا. وفي حين أن التكلفة السياسية والاقتصادية لمثل هذا النظام مرتفعة بشكل فائق، إلا أنه قدم صيغة غير ناضجة، ولكنها موثوقة نسبيًا حتى الآن، لمنع الانزلاق إلى الصراع الأهلي العرقي والطائفي. سوف يحتاج منتقدو نظام المحاصصة إلى تعزيز انتقاداتهم برؤية مقْنِعة لعراق جديد، وإصلاحات قابلة للتطبيق يمكن أن تغير في توجهات هذا النظام، مع عدم المساس بالحد الأدنى من الأمن الداخلي الذي وفره نظام المحاصصة للمجتمع العراقي.