ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
في أغسطس/آب، تمت تسوية الصراع في أفغانستان بشكل مفاجئ لصالح طالبان، حيث سيطرت الجماعة المتمردة في هجوم عسكري خاطف على جميع أنحاء البلاد تقريبًا. لقد فشل الرئيس الأفغاني أشرف غاني في إشراك طالبان سياسيًا، كما لم يشعر بجسامة الوضع وطابعه المُلح، الأمر الذي أدى به في نهاية المطاف إلى الفرار من البلاد مع مجموعة من المستشارين المقربين. أدى ذلك إلى سقوط سريع لكثير من مظاهر الدولة الأفغانية – على الأقل مؤقتًا – بالرغم من القدرات المؤسساتية التي تم تطويرها على مدار العشرين عامًا الماضية، في حين تم ترك طالبان تسيطر سيطرة شبه كاملة على الساحة السياسية الأفغانية. لقد أدى هجوم 26 أغسطس/آب الذي شنه الفرع المحلي لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، دولة خراسان الإسلامية، على مطار كابول إلى تعزيز أهمية طالبان كحصن محتمل، وربما وحيد، ضد الجماعة.
هذه التغييرات داخل أفغانستان تم استقبالها بحذر في الشرق الأوسط الكبير. لكن ردود أفعال الأطراف الفاعلة سياسيًا تجاه ظهور طالبان من جديد تتأثر أيضًا بخطوط التقسيمات السياسية التي تهيمن على سياسات الشرق الأوسط. في تسعينيات القرن الماضي، كانت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة هما الدولتين الوحيدتين في الشرق الأوسط اللتين اعترفتا بنظام طالبان، بينما ظلت إيران، الجارة المباشرة لأفغانستان، من أشد المعارضين لنظام طالبان الأول. اقتصرت المشاركة التركية مع أفغانستان بشكل أساسي على الجاليتين الأوزبكية والتركمانية في البلاد، ولم تدخل قطر إلى المعترك الأفغاني إلا بعدما استضافت الدوحة المكتب السياسي لطالبان في عام 2013.
يبدو أن شركاء طالبان التقليديين في الخليج مترددون هذه المرة – أو على الأقل ليسوا في موقف مثالي– في الانخراط بسهولة مع الجماعة. فقد أغلقت السعودية والإمارات بعثتيهما الدبلوماسيتين في كابول في منتصف أغسطس/آب، ما يشير إلى أن الدول الخليجية ذات الأهمية الأكبر لا تريد الاحتفاظ بأي روابط كقنوات خلفية مع الجماعة، وقررت التراجع إلى أن تتضح الصورة السياسية أكثر في كابول. يبدو أن كلاً من السعودية والإمارات اعتبرتا النظام السياسي بعد 11 سبتمبر/أيلول في أفغانستان أمرًا واقعًا، ولم تتوقعا انهياره بالكامل، واستعادة طالبان للسلطة بشكل كامل. بعد عام 2009 على الأقل، عندما طردت السعودية ممثل طالبان طيب آغا، لم تحتفظ أي من الدولتين باتصالات دبلوماسية ولا – على ما يبدو – بقنوات خلفية مع طالبان. بالإضافة إلى ذلك، استمر كلا البلدين في انتقاد قطر على استضافتها للمكتب السياسي لطالبان. ويبدو أن ولي العهد السعودي قد أحجم عن مقابلة وفد من طالبان حتى عندما كان في إسلام أباد في عام 2019. وبالمثل، انخفض مستوى ثقة طالبان في الرياض وأبوظبي، وخاصة لدى قيادات البلدين، بشكل كبير، وقاومت الحركة محاولات إجراء مفاوضات مع ممثلي الولايات المتحدة في العاصمتين.
من المرجح أن يكون انتصار التمرد المحافظ والإسلامي المتشدد موضع ترحيب من قبل الحركات الإسلامية في جميع أنحاء الشرق الأوسط واعتباره معززًا للروح المعنوية. ومن المرجح أن يشكل مصدر قلق كبير للسعودية والإمارات، والأدهى من ذلك إذا وجدت الجماعات الخليجية غير الحكومية ملاذًا لها في أفغانستان تحت حكم طالبان. من هذا المنطلق، كانت كل من السعودية والإمارات تفضلان حكومة غاني السابقة التي تمتعتا معها بدرجة أكبر من التفاهم السياسي في جميع الأمور ذات الاهتمام المشترك، لا سيما أنشطة الجماعات الإرهابية في المنطقة والنفوذ الإيراني المتنامي.
وفرت الإمارات ملاذًا لغاني، ما يسلط الضوء، ضمنيًا، على علاقاتها الوثيقة مع المسؤولين الحكوميين الأفغان السابقين، الذين استثمر العديد منهم في قطاع العقارات المربح في الإمارات. على الرغم من هذه العلاقات القديمة، وعلى العكس من إيران أو حتى تركيا، فإن الأهمية الاستراتيجية لأفغانستان بالنسبة للإمارات محدودة نوعًا ما، لهذا من المرجح أن لا تشعر الإمارات بضرورة ملحة للتعامل مع طالبان. ومع ذلك، قد يتغير هذا إذا تمكنت قطر من التأثير في تركيبة النظام السياسي الجديد في البلاد بحيث يمكنها من تحقيق مصالح سياسية.
من المحتمل أن تجد القيادة السعودية الحالية، التي نفذت درجة من التحرر الاجتماعي في المملكة، نفسها على خلاف مع حكومة طالبان الجديدة. ومع ذلك، فإن المكانة الدينية التي تتمتع بها السعودية كمركز للعالم الإسلامي والتقدير أو النفوذ الذي تتمتع به من خلال جميع الفصائل الأفغانية يمكن أن يدفع المملكة في نهاية المطاف إلى لعب دور أكبر في دولة مسلمة شقيقة. إن سياسة عدم المشاركة المستمرة من جانب السعودية قد تفسح المجال لخصوم السعودية، ولا سيما إيران، للاصطياد في المياه الأفغانية العكرة. كان من الممكن أن يكون استيلاء طالبان على غرب أفغانستان أكثر دموية لو أن إيران سلكت نهجًا فعالاً مناهضًا لطالبان داخل أفغانستان بدلاً من التزامها بموقف المتفرج والصامت. على مدى السنوات العشر الماضية، وعلى ما يبدو منذ أن أنهى السعوديون علاقاتهم مع طالبان في عام 2009، أقامت إيران علاقات ضمنية مع الجماعة، حيث زودت القادة المحليين بالسلاح واستضافت قيادتها. حتى عندما ثارت بعض فصائل طالبان ضد قيادة الجماعة في غرب وجنوب أفغانستان في عام 2015، استمرت إيران بدعم الموالين للقيادة المركزية. علاوة على ذلك، فإن قائد فيلق القدس التابع لحرس الثورة الإسلامية، اللواء إسماعيل قاآني، هو خبير في الشأن الأفغاني، وكان مهندس هذه الشراكة مع طالبان. وهذا يضع ملف أفغانستان تحت إشراف حرس الثورة الإسلامية.
لنضع جانبًا هذه المسرحية الإيرانية للحصول على النفوذ، تبقى الرياض صاحبة الورقة الأقوى في مواجهة طالبان. تستمد طالبان قسطًا كبيرًا من شرعيتها من خلفيتها الدينية، ولا سيما في المناطق الريفية في أفغانستان. ومن دون أي مشاركة دبلوماسية مباشرة أو غير مباشرة مع المملكة، قد يكون من الصعب على الأفغان السفر إلى السعودية للحج أو العمرة. ما قد يؤدي إلى إلحاق الضرر برأس المال الديني لطالبان الذي اكتسبوه بشق الأنفس، في ظل وجود تابعيها السنة الملتزمون بصورة كبيرة ، الأمر الذي يظهر الميزة الكبيرة للقوة الناعمة، والذي سيتردد السعوديون كثيرًا في إبقائها على طاولة التفاوض.
من بين دول الخليج، ربما تكون قطر هي الطرف الفاعل الأهم في أفغانستان وصاحبة النفوذ الأكثر تراكمًا. بناء على الثقة والاحترام المتبادل الذي أقامته القيادة القطرية على مر السنين مع قيادة طالبان، ويعزى ذلك بشكل أساسي إلى حيادها كمضيف ومنسق في المحادثات بين طالبان والولايات المتحدة، من المرجح أن تعمل قطر كمركز دبلوماسي في القضية الأفغانية. تحاول تركيا، الحليف المقرب من قطر، إيجاد موطئ قدم لها واكتساب أهمية في أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي. ومع ذلك، فقد تعثرت الصفقة التي كانت ستمنح تركيا مسؤولية تأمين وتشغيل مطار كابول عندما رفضت طالبان قبول أي وجود عسكري تركي مستمر في أفغانستان. لقد كان لتركيا ردة فعلٍ إيجابيةٍ تجاه الرسائل القادمة من طالبان من خلال التعبير عن عزمها على الإبقاء على علاقاتها مع أفغانستان والحفاظ على بعثتها الدبلوماسية مفتوحة. لا شك أن تركيا لا تزال تسعى للقيام بدور أكبر في أفغانستان من خلال المشاركة المستقبلية، مثل المشاركة في إعادة بناء البنية التحتية لأفغانستان ومبادرات التصنيع المحتملة. كما تلعب شركات البناء التركية كذلك دورًا مهمًا في بناء مشاريع الطاقة الكهرومائية، والمشاركة الطويلة الأجل في الاقتصاد الأفغاني والتي سوف تتردد طالبان في قطعها. إن بقاء أفغانستان مستقرة، حتى في ظل حكم طالبان، يعتبر مفيدًا لأنقرة بشكل خاص، لأن ذلك من المحتمل أن يقلل من تدفق اللاجئين إلى تركيا، وهي القضية التي ألحقت ضررًا سياسياً بالحكومة التركية.
كما توفر الأزمة الأفغانية لدول الخليج فرصة فريدة لإثبات مدى منفعتها لحلفائها الغربيين، ولا سيما الولايات المتحدة. تستضيف قطر والإمارات والكويت والبحرين بالفعل آلاف الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من أفغانستان. ومع ذلك، فإن المجال السياسي لدول الخليج يتسع لما هو أكثر من كونها مجرد مراكز عبور للاجئين الأفغان. لقد أرسلت الإمارات بالفعل مساعدات طبية وغذائية كجزء من التزامها بتقديم المساعدة الإنسانية. ونظرًا لأن المساعدات الخارجية تشكل عنصرًا رئيسيًا في ميزانية التنمية في البلاد، يمكن لقادة الخليج استخدام قوتهم المالية الكبيرة لدعم مشاريع التنمية في أفغانستان، بالإضافة إلى المساعدة في تحسين البنية التحتية الصحية. وهذا سيؤدي حتمًا إلى زيادة رصيدهم السياسي في أفغانستان، بالإضافة إلى زيادة الرصيد السياسي لشركائهم الغربيين، الذين من غير المرجح أن يعترفوا علانية بحكومة طالبان في كابول أو أن يكونوا في وضع يسمح لهم بمساعدة الشعب الأفغاني بشكل مباشر. وتبقى دول الخليج كذلك موطنًا لعدد كبير من المغتربين الأفغان الذين تلعب تحويلاتهم المالية الخارجية دورًا مهمًا في الحفاظ على الاقتصاد الأفغاني قائمًا على قدميه. لا تزال أفغانستان على شفا الانهيار الاقتصادي، حيث تم تجميد الجزء الأكبر من الأصول المالية للبلاد من قبل الولايات المتحدة، وتم وقف المساعدات المالية من قبل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ومن دون دعم وشراكة مالية أجنبية كبيرة، من المرجح أن يرتفع إنتاج المخدرات والاتجار بها بشكل كبير، حتى عندما تجد طالبان نفسها تحكم بلدًا يمضي من فشل إلى فشل. وقد يؤدي الافتقار للحوكمة الفعالة إلى إيجاد فرصة للجماعات المتطرفة، الأمر الذي سيزيد من التهديد بالعنف على الساحة الإقليمية والعالمية.
إن الهجوم الأخير على مطار كابول يجعل طالبان القوة الوحيدة المحتملة على الأرض التي لديها القدرة على قمع الجماعات الإرهابية. ومع ذلك، فإنه ليس من المرجح أن تنخرط معظم الحكومات الغربية بشكل أكبر مع طالبان. وهو ما من شأنه أن يخلق مساحة سياسية فريدة لمزيد من المساعدة المالية والانخراط السياسي من قبل دول الخليج العربية التي قد لا تعيقها الشروط التي يصر عليها نظراؤها الغربيون. وهذا قد يوفر لهم نفوذًا هم في أمس الحاجة إليه على نظام طالبان، الذي يطالب الآن بالمساعدات المالية والاستثمارات الدولية. وبهذه الطريقة، يمكن للقوى الغربية العمل جنبًا إلى جنب مع شركائها في الخليج، والسعي إلى فرض مطالبهم السياسية على طالبان باستخدام الحوافز المالية التي يقدمها الخليج لأفغانستان. وقد يساهم هذا أيضًا في تلطيف بعض ممارسات الجماعة الأكثر تطرفًا، والترويج لتشكيل حكومة أفغانية جديدة أكثر شموليةً وتمثيلاً.