وصفت الانتفاضة التي عمت إيران إثر وفاة مهسا أميني، البالغة من العمر 22 عامًا، في مركز احتجاز شرطة الأخلاق الإيرانية بأنها أول ثورة نسوية في الشرق الأوسط. بعد سنوات من الجمود، تقدمت النساء لتحفيز المجتمع المدني الإيراني لتحدي البُنى الذكورية و سلطات إنفاذ القانون الغارقة في الأصولية الدينية.
لم تعد حركة “المرأة، الحياة، الحرية” تُرى بوضوح هذه الأيام، حيث انحسرت الاحتجاجات في الشوارع في مواجهة القمع الحكومي، لكن التغيير الاجتماعي الذي بدأ بسبب الاضطرابات ستكون له تبعاته على المدى البعيد. ثار الإيرانيون صغارًا وكبارًا على تدخل الحكومة في حياتهم الشخصية وخياراتهم. والأهم من ذلك، أن الحركة قد سلطت الضوء على الإمكانات الكامنة للمرأة في المجتمعات الأكثر عزلة والأقل ديمقراطية.
على عتبة إيران الشرقية، حيث تعمل حركة طالبان على توطيد سلطتها في أفغانستان، فرض النظام قيودًا جديدة على تواجد النساء في الأماكن العامة وحصولهن على التعليم. في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، حظرت حركة طالبان دخول النساء إلى الحدائق والمعارض. وفي ديسمبر/كانون الأول، وضعت الحركة لوائح جديدة تمنع الطالبات من الالتحاق بالجامعات، مستشهدين بما وصفته السلطات بالاختلاط غير الديني بين الطلاب والطالبات في حرم الجامعات، على الرغم من الالتزامات التي قطعوها على أنفسهم بالسماح للفتيات بالحصول على التعليم المدرسي.
ولكن على عكس سنوات الإضطرابات في “إمارة أفغانستان الإسلامية الأولى” التي استمرت بين عامي 1996 و2001، وتسببت في معاناة لا حصر لها للشعب الأفغاني، ولا سيما للنساء، فإن الإجراءات المتشددة التي اعتمدتها النسخة الجديدة من حركة طالبان تواجه مقاومة.
كردة فعلٍ على إعلان الحظر المفروض على تعليم النساء في الجامعات، اندلعت احتجاجات عديدة في جميع أنحاء كابول ومدن أخرى، حيث هتفت الأفغانيات “مرأة، حياة، حرية”، مقتبسة ذلك من الحركة الثورية في إيران، بالإضافة إلى صيحة الاستنفار الخاصة بهن “خبز، عمل، حرية”، رغم خطر الانتقام العنيف. في 25 ديسمبر/كانون الأول 2022، نظمت فتاة أفغانية تبلغ من العمر 18 عامًا احتجاجًا منفردًا بالوقوف أمام بوابة جامعة كابول، ورفعت لوحة كُتبت عليها بالعربية كلمة “اقرأ” التي تعتبر، وفقًا للتعاليم الإسلامية، أول كلمة في القرآن أُنزلت على النبي محمد للتشديد على أهمية محو الأمية. وقالت الفتاة لوكالة فرانس برس: “للمرة الأولى في حياتي، شعرت بالفخر والقوة والطاقة لأنني كنت أقف ضدهم، وأطالب بحق منحنا إياه الله”. وقفت هناك لمدة 15 دقيقة قبل أن يجبرها حراس حركة طالبان على المغادرة.
وقبل ذلك بيوم، تظاهرت مجموعة من النساء في مدينة هيرات احتجاجًا على تعليق التعليم الجامعي للمرأة، وطالبن بإلغاء القرار. استخدمت سلطات حركة طالبان الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريق المتظاهرين، وردت النساء هاتفةً “جبناء”. لم يكن أحد يتصور مثل هذه المشاهد من المواجهة الجريئة قبل ثلاثة عقود تقريبًا حين تولت طالبان الحكم لأول مرة، وطردت النساء من جميع مناحي الحياة الاجتماعية، لكنها أطلقت العنان للعنف بلا ضوابط مع الإفلات من العقاب.
وبعد الإعلان، قدم العشرات من المحاضرين الجامعيين استقالاتهم، معربين عن تضامنهم مع النساء، واحتجاجهم على مرسوم حركة طالبان. رفض الطلبة الذكور في جامعة ننجرهار في جلال أباد وجامعة قندهار التقدم للامتحانات في ديسمبر/كانون الأول تعبيرًا عن دعمهم لقضية زميلاتهم على مقاعد الدراسة.
وتتزايد الأحاديث التي تشير إلى أن الاحتجاجات الكاسحة المناهضة للحكومة في إيران منذ سبتمبر/أيلول هي التي حفزت الكثير من أعمال العصيان المدني هذه. أشارت المحادثات، على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى الكثير من أوجه الشبه بين الحركة النسائية الإيرانية، وقيام النساء الأفغانيات بتحدي حركة طالبان. كما تم بالمثل تعقب هذا التطابق في التقارير والتعليقات في وسائل الإعلام. بالإضافة إلى ذلك، يشير الباحثون بشكل متزايد إلى الانسجام بين الثورات التي حرضت عليها النساء في البلدين المتجاورين ضد عدم تسامح قادتها.
بعيدًا عن التقارب الجغرافي، تشترك إيران وأفغانستان في روابط ثقافية ولغوية ودينية واسعة، الأمر الذي يعزز الروابط القوية بين سكان البلدين. يتحدث الناس في كلا البلدين اللهجات الفارسية، ويعيش ما يقارب من 3 ملايين أفغاني في إيران بمن فيهم 780,000 بصفة لاجئ. وفي الوقت ذاته، استلهم الطرفان بشكل متماثل من الحركات الاجتماعية لبعضهم بعضًا، ومن نضالاتهم من أجل الحرية. ومن الأمثلة على ذلك، الشعبية الملحوظة لقائد حرب العصابات الأفغانية الراحل أحمد شاه مسعود، الذي أشاد العديد من الإيرانيين بمقاومته للاحتلال السوفييتي بين عامي 1979 و1989 وبمعارضته لحركة طالبان من معقله في بنجشير، واعتبروه بطلاً قوميًا. وعلى المنوال نفسه، نال ابنه أحمد مسعود إعجاب الإيرانيين بحملته الجسورة للحفاظ على استقلال وادي بنجشير؛ ولا سيما في أعقاب استيلاء حركة طالبان على أفغانستان في المرة الثانية، والتي بلغت ذروتها باستعادة الإمارة الإسلامية في أغسطس/آب 2021، حيث انهال عليه الإيرانيون بالثناء على وسائل التواصل الاجتماعي.
في عدد من المناسبات منذ اندلاع الاحتجاجات في إيران، احتشدت النساء الأفغانيات أمام السفارة الإيرانية في كابول في استعراض للوحدة. وأظهرت الشعارات التي رفعنها المصدر الذي ألهمهن بالاحتجاجات. وكُتب على إحدى اللافتات خلال احتجاجات 29 سبتمبر/أيلول في كابول، “لقد انتفضت إيران، والآن حان دورنا”. وأشارت المتظاهرات في أفغانستان، في عدة مناسبات، إلى قضية النساء الإيرانيات على أنها المحفز لتحركاتهن، وأخبرن وسائل الإعلام بأن المشاهد التي رأينها في إيران قد شدّت من عزيمتهن.
عملت الانتفاضات التي تقودها النساء في إيران على توحيد مختلف الجماعات الإيرانية، وحصلت على الدعم من كافة أرجاء العالم. وتعمل الآن على تحفيز النساء في أفغانستان على استجماع شجاعتهن، والوقوف في وجه حركة طالبان التي تجردهن من حقوقهن الأساسية.