في تشرين الثاني/نوفمبر 2015 في سيول، كوريا الجنوبية، اجتمع 50 مرأة من حول العالم، ومن بينهن نساءٌ من الإمارات العربية المتحدة، للمشاركة في شبكة المرأة من أجل الديمقراطية ضمن جمعية الحركة العالمية من أجل الديمقراطية. ولدى سؤال النساء عن الهواجس الأهم بالنسبة إليهن، كان الجواب أنّ إصلاح قانون العائلة يشكّل اليوم إحدى الأولويات الكبرى.
فقد أفادت نساءٌ من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأنّ قوانين العائلة التمييزية المحكومة من الشريعة – وهي نظامٌ قانوني يستند إلى الإسلام – تقف بين بلادهن وأي شكلٍ من أشكال تمكين المرأة، ما يضع بدوره حاجزًا أمام التقدم الديمقراطي.
فإلامَ تعود أهمية إصلاح قانون العائلة، خصوصًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟ وكيف يرتبط قانون العائلة بالإسلام؟ وماذا سيتطلّب إصلاح هذه القوانين في هذه المنطقة بالذات؟ كلّها أسئلةٌ لا يمكن الإجابة عنها من دون فهم تطوّر الأنظمة القانونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
بداية، تعتمد دول المنطقة أنظمةً قانونيةً مختلفة. فتزعم دول الخليج كسلطنة عمان وقطر والبحرين والمملكة العربية السعودية – فضلًا عن دولة اليمن المجاورة – أنها تبني قوانينها على الشريعة فحسب. إلّا أنّ معظم البلدان قد طوّرت مزيجًا من الأنظمة القانونية، حتى تلك التي تزعم أنها تلتزم بالشريعة. فقد أدّت عوامل تاريخية، وأهمها الاستعمار، إلى أنظمةٍ مختلطة تمتزج فيها ملامح القوانين البريطانية والفرنسية والمصرية.
وباستثناء تركيا وتونس اللتين استقتا القوانين من مصادر علمانية، تعتمد معظم الدول في المنطقة على القانون الديني لحُكم المسائل العائلية كالزواج والطلاق وحضانة الأطفال. ففي الواقع، قوانين الأحوال الشخصية التي تطبَّق على النساء هي التي تبني الهوية الإسلامية للأمّة أو تكسرها. وفي حين تستند معظم القوانين في هذه المجتمعات إلى مزيجٍ من القوانين المدنية والتقاليد الأوروبية، تحمل المرأة على كاهلها عبء الهوية “الإسلامية” للدولة.
لذلك، تتأثر النساء بشكلٍ خاص في هذه البلدان بالإملاءات الدينية. وفي حين تميل السلطات الدينية إلى المزيد من المحافظة في عددٍ كبير من المجتمعات الإسلامية، تحَدّ حقوق المرأة، قبل الرجل، وتنتهَك لدرجاتٍ تهدد كيانها الجسدي والنفسي.
ويقف الزواج المبكر بشكلٍ عام أمام استكمال الفتاة تعليمها ويعرّضها لمخاطر صحية متعلقة بالحمل المبكر وختان الإناث والصدمة النفسية التي يسببها الزواج في عمر التسع سنوات. ويأتي عجز المرأة عن طلب الطلاق حتى من زوجٍ يعنّفها، أو عن الحصول على حضانة أولادها ليعرّض أكثر النساء ضعفًا للمزيد من الخطر.
وتكمن المشكلة في واقع أنّ الشريعة ما زالت فكرةً مجرّدة بالنسبة لمعظم المواطنين. فيعجز معظم سكان المنطقة عن إعطاء تعريفٍ متماسكٍ للشريعة. بالإضافة إلى ذلك، ترتكز القوانين المحكومة بالشريعة على تفسير النصوص الدينية، ويختلف هذا التفسير من بلدٍ إلى آخر، وأحيانًا من مدينةٍ إلى أخرى، وغالبًا من إمامٍ إلى آخر. ويرفض القادة الدينيون المحافظون والملتزمون المتشددون بتعاليمهم فكرة تبنّي تفسيراتٍ أكثر ليبراليةً لقوانين العائلة جملةً وتفصيلًا، ما يفاقم حظر مناقشة هذا الموضوع.
وللزيادة من تعقيد الأمور، وفي بلدانٍ كلبنان ومصر والسودان والمغرب، يتسنّى للأقليات الدينية اختيار القوانين الدينية التي ترغب في تطبيقها على قوانين الأحوال الشخصية، في حين أنّ بلدانًا أخرى ما زالت تخضع للقوانين الإسلامية.
لكن بغضّ النظر عن البلد أو إيمان سكّانه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا – وسواء كانت القوانين “علمانيةً” أو “إسلامية” – يميّز النظام القانوني المرأة. ففي كافّة هذه المجتمعات تقريبًا، تحتاج المرأة إلى إذن الرجل للمشاركة في عددٍ كبيرٍ من النشاطات ومنها العمل والحياة العامة. أمّا القوانين غير المتعلقة بالعائلة، فلم تستوحى بشكلٍ عام من القوانين الدينية.
تدوين القوانين وحالة دول الخليج العربية
مرّ وقتٌ طويل قبل أن تتمتّع قوانين العائلة بالمكانة التي تشغلها اليوم في المنطقة. فلم تتبنَّ معظم الدول ذات الأكثرية المسلمة قوانين العائلة التشريعية، أو المكتوبة، حتى منتصف القرن العشرين، أي بعد استقلالها عن قوات الاستعمار. وانتظرت دول الخليج العربية حتى القرن الواحد والعشرين لتقنينها، في حين لم تقدم المملكة العربية السعودية على هذه الخطوة على الرغم من أنها سبق وأعلنت رغبتها في ذلك. فلمَ لا؟
ويُعتبر سنّ القوانين المكتوبة بشكلٍ واسع أفضل من الاعتماد على القانون العرفي، إلّا أنّ الموضوع قابلٌ للنقاش في بعض الحالات. ومن الأسباب التي دفعت مملكات الخليج العربية إلى التردد في إحداث هذا الإصلاح، أوضاعها الاقتصادية الاستثنائية. فقطر والإمارات العربية المتحدة والبحرين إلى حدٍّ ما دولٌ ريعية، ما يعني أنّ عائدات النفط والغاز الخاصة بها قد مكّنتها من التخفيف من حدّة الآثار الاجتماعية غير المحبّذة الناجمة عن القانون الإسلامي المحافظ من خلال تقديم فوائد اقتصادية كبيرة لمواطنيها.
إلّا أنّ ذلك لا يعني أنّ الوضع لم يشهد أيّ تحسّن، فقبل تدوين القانون في كلّ من الكويت والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة في بداية القرن الواحد والعشرين، كان يحقّ للقضاة تحديد مصير المرأة بناءً على تفسيراتهم الخاصة للقانون – وهو وضع خطير في ثقافات تقبل بوصاية الرجل وتبعيّة المرأة له.
وفي حالة المملكة العربية السعودية، يدّعي بعض الخبراء أنّ التدوين القانوني قد يعيق إصلاح قانون الأسرة. لكنّ القضاة في الوقت الحالي يصدرون الأحكام بناءً على تفسيراتهم الخاصة للنصوص الدينية، ما يؤديّ إلى إصدار قرارات تعسّفية. ويعزو نايثان ج. براون في مقال له نُشر في مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية رفضَ الحكم الملكي السعودي تدوين قانون الأسرة إلى رغبة المملكة في تجنّب تحويل “شريعة الله” إلى “تشريع من صنع الإنسان”، وأيضًا إلى رغبتها في الحفاظ على مرونة تفسير النصوص. ويعني ذلك إذًا أنّ الانتقال من الشريعة مع كلّ صفاتها الإعتباطية إلى النموذج الأوروبي تنظيمًا للقانون أنّ هذا الأخير قد يصبح أكثر “إسلامية” في حال شاء المشرّعون تدوين التفسيرات الأكثر تشدّدًا للإسلام. ويؤكّد براون أنّ “تدوين القانون قد يكون إذًا طريقة لفرض قواعد مبنية على الشريعة بدلًا من تجنّب ذلك… ومن الممكن حتّى أن يعيد ويُدرج ضمن صلاحيات هذه القواعد مسائل كانت قد أحيلت إلى هيئات شبه قضائية”.
ولهذا السبب وأسباب أخرى، يجب ألّا يُعتبر التقنين ضمانة لإحراز تقدّم على صعيد قانون المرأة. ومع أنّ تدوين قوانين الأسرة الجديدة تزامنت مع مصادقة دول الخليج على معاهدات كبرى لحقوق الإنسان، بما فيها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، جرت مصادقة الدول الخليجية على هذه الوثائق مع تحفظات. وفضلًا عن ذلك، بقيت قوانين الأسرة المدوّنة مقيِّدة، أقلّه للمرأة. وتم اعتماد إصلاحات بسيطة في مصر والأردن، إلّا أنّ أهمّ الإصلاحات في قانون الأسرة في المنطقة سُجّلت في تونس أوّلًا ومن ثمّ في المغرب.
فمثّل قانون الأحوال الشخصية التونسي الذي تمّ تشريعه عام 1956 تبدّلًا شديدًا في ممارسة قانون الأسرة وإصلاحه. وخضعت قوانين أخرى لإصلاحات في التسعينات، بما فيها قانون الجنسية الذي منح المرأة حقوقًا لا سابق لها. ومع أنّ الإصلاحات في المغرب عام 2004 لم تتّسم بهذه الشمولية، يقترب المغرب من الوصول إلى مستوى تونس في ما يتعلق بحقوق المرأة على صعيد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. إلّا أنّ التقدّم يجري ببطء، وشهدت الفترة الأخيرة تراجعًا في المكاسب التي جنتها المرأة في أوائل القرن الواحد والعشرين.
كيف يمكن إصلاح قانون الأسرة؟
نظرًا للعلاقة المعقدة والمترابطة بين الدولة والقوانين والدين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يُعتبر إصلاح القوانين المتعلقة بهوية الدولة السياسية والدينية مهمة صعبة. ومن إحدى سبل حلّ هذه المسألة إثبات أنّ هذه القوانين تسيء على حدّ سواء إلى جانب آخر من هوية الدولة كسمعتها الدولية مثلًا. ففي الواقع، يُحرَّم القبول علنًا بالعنف ضدّ المرأة حتّى على رجال الدين الأكثر تحفظًا. وأطلقت منظمة التضامن النسائي للتعلم مؤخّرًا حملة عالمية في المؤتمر الستين للجنة وضع المرأة التابعة للأمم المتحدة بهدف تسليط الضوء على العلاقة بين قانون الأسرة والعنف. ومن شأن حملات كهذه تمكين مجتمعات بأكملها من فهم العنف الجنسي ومناهضته، والسماح للمرأة بالتقدّم واتخاذ قراراتها الخاصة في ما يرتبط بالعلاقة بين إيمانها وحقوقها الإنسانية.
كنت ديفيس-باكارد مديرة تنفيذية مساعدة في منظمة التضامن النسائي للتعلم.