في التاسع عشر من حزيران/ يونيو، أعلنت القوات اليمنية التي تدعمها الإمارات العربية المتحدة أنها أحكمت سيطرتها على مطار الحديدة بعد أسبوع من القتال العنيف مع المتمردين الحوثيين للسيطرة على هذه المنشأة كجزء من عملية النصر الذهبي، وهي حملة عسكرية للسيطرة على مدينة الحديدة والميناء.
ستبدأ الآن المعركة الجدية من أجل الحديدة. ومهما كانت النتيجة، فمن المرجح أن الصراع على المدينة سيمثل تحولاً في شكل الحرب ومسارها على قدم المساواة مع دخول التحالف الذي تقوده السعودية إلى الصراع منذ آذار/ مارس 2015، وفقدان المتمردين الحوثيين لعدن والكثير من الجنوب اليمني في أواسط عام 2015، ووفاة الرئيس السابق علي عبدالله صالح في كانون الأول/ ديسمبر 2017.
ومع وصول القتال الآن فقط إلى ضواحي المدينة، هناك الآن توقعات جريئة حول المشهد اليمني ما بعد الحديدة. لكن هناك الكثير من المتغيرات ومثل هذا الغموض الشديد الذي يكتنف سير المعركة، على الرغم من الإجماع على أن الائتلاف سيكون المهيمن في النهاية، فإنه من المستحيل تقديم أي قضية على أنها النتيجة الأكثر ترجيحًا. هناك العديد من السيناريوهات المحتملة للمعركة، لكل منها معنى مختلف لمسار الصراع.
الخلفية
كانت حملة الحديدة قيد التخطيط منذ عام 2016 على الأقل، وفي حسابات البعض، منذ دخول التحالف الذي تقوده السعودية إلى الحرب في اليمن. يعتقد المسؤولون السعوديون والإماراتيون الذين يقودون الجهد الحربي بأن الحوثيين الذين استولوا على صنعاء في أيلول/ سبتمبر 2014 إلى جانب القوات الموالية لصالح، يستخدمون الحديدة لتهريب الأسلحة، بما في ذلك مكونات الصواريخ، إلى داخل البلاد (وهي موضع خلاف من قبل فريق خبراء عينتهم الأمم المتحدة). وقد تعهد التحالف، الذي يرى الحوثيين كوكيل لإيران على نمط حزب الله، بإخراج الحوثيين من البلدات والمدن اليمنية وإعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي خلعه الحوثيون في مطلع عام 2015، إلى السلطة. أصبح ينظر إلى الحديدة على أنها جزء جوهري في الحملة.
وفي حين حقق التحالف، وبالأخص الإمارات العربية المتحدة، بعض النجاحات الكبيرة في الأيام الأولى من النزاع – أبرزها طرد الحوثيين من ميناء مدينة عدن الجنوبي، ومعظم محافظات الجنوب في عام 2015، ومن ثم دحر القاعدة عن المكلا في عام 2016- وصلت الحرب إلى مأزق من الجمود الفوضوي في أواخر عام 2016. وعلى أمل تحريك الأمور، اقترحت الإمارات هجومًا برمائيًّا على الحديدة بهدف توجيه ضربة إستراتيجية ورمزية ومالية للحوثيين، الذين يجنون إيرادات بمئات ملايين الدولارات من الميناء كل عام. وشعر حلفاء الإمارات الغربيون، وخاصة الولايات المتحدة، بالقلق من أن مثل هذا الهجوم كان محفوفًا بالمخاطر، بالنسبة لقوات الإمارات العربية المتحدة والوضع الإنساني في اليمن، ومع ذلك، عاد الإماراتيون إلى مخططهم.
منذ مقتل صالح في كانون الأول/ ديسمبر 2017 على يد مقاتلي الحوثي، قامت مَفرزة من المجموعات التي تحمل اسم “قوات المقاومة الوطنية” بسلسلة من الإنجازات أثناء توغلهم شمالاً إلى ساحل اليمن المطل على البحر الأحمر، بدعم من الجيش الإماراتي. ويشمل التحالف: مقاومة تهامة بقيادة قبيلة الزرانيق؛ المقاتلين الانفصاليين الجنوبيين بقيادة السلفيين من العمالقة، أو “لواء العمالقة”؛ ومنذ شهر آذار/ مارس تقريبًا، الحرس الجمهوري حديث المنشأ، بقيادة العميد اللواء طارق صالح، ابن أخي الرئيس السابق.
في شهري نيسان وأيار/ أبريل ومايو، حققت قوات المقاومة الوطنية سلسلة من المكاسب السريعة على طول الطريق الساحلي، ووصلت على بعد 6 إلى 9 أميال من مطار الحديدة بحلول أوائل حزيران/ يونيو. وحتى الوصول إلى المطار، احتدم القتال على الطرق الرئيسية والبلدات والتقاطعات على طول الطريق الساحلي.
على الطريق السريع الداخلي، لم تدخل قوات المقاومة الوطنية بعد بلدة الجراحي، على بعد حوالي 68 ميلاً إلى الجنوب من الحديدة الواقعة على حدود زبيد. بين زبيد والحديدة تقع بلدتا بيت الفقيه والمنصورية، وهي بلدة صغيرة عند تقاطع رئيسي يربط الطريق الداخلي مع صنعاء العاصمة. ويذكر أن الحوثيين يستحكمون في كل من هذه المناطق وقد استخدموها بالفعل كقواعد للقيام بأعمال خلف خطوط الحراسة ضد التحالف، ما أدى إلى قطع خطوط الإمداد إلى جبهة الحديدة.
في التاسع عشر من حزيران/ يونيو، أعلنت قوات المقاومة الوطنية أنها سيطرت على مطار الحديدة، ما يمهد الطريق لمعركة الميناء والمدينة. وتقوم الإمارات العربية المتحدة ببناء منشأة لمرفأ مؤقت في الدريهيمي، ما سيسمح لها بربط العمليات البرية في اليمن مع أقرب قاعدة لها، في عصب بإريتريا، حيث تستعد الآلاف من القوات اليمنية والإماراتية والسودانية للانتشار.
واضح أنه لا يوجد توافق، على الورق: يتراوح عدد مقاتلي التحالف في أي مكان ما بين 20000 إلى 25000 من المقاتلين المدعومين بالمركبات المدرعة، والدعم الجوي من الطائرات المقاتلة وطائرات الهليكوبتر من طراز أباتشي، والموارد غير المحدودة، مقابل فرقة من الحوثيين يفترض أن لا تزيد عن 5000 إلى 10 آلاف رجل. وكثير منهم حديثو التجنيد أكثر من كونهم مقاتلين أشداء متفانين (من المرجح أن تكون قوات الحوثي المقاتلة الأساسية بضعة آلاف فقط من الرجال)، ومن المرجح أن تنقطع عنهم الإمدادات في وقت مبكر من القتال.
إن أكثر ما يثير القلق هو مصير ما يقدر بنحو 600000 شخص ممن يعيشون في الحديدة، وملايين اليمنيين الذين يعتمدون على الميناء كشريان الحياة. وقدرت الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإنسانية أن القتال سيؤدي إلى نزوح مئات الآلاف من الأشخاص، ما سيؤثر مباشرة على 250000 من سكان الحديدة، وسيكون له تأثير “مأساوي” على الوضع الإنساني. وكلما طالت مدة القتال، كانت النتيجة أسوأ. وفي حين يكافح اليمنيون لشراء المواد الغذائية الأساسية، فإن التشديد على الإمدادات (والتجار المضاربين) سيؤدي حتما إلى ارتفاع الأسعار طالما استمر القتال.
ومع ذلك، يرى التحالف -ولا سيما الإمارات العربية المتحدة- أن حملة الحديدة هي أفضل طريقة للخروج من مأزق الحرب اليمنية. وقد صرح وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتية أنور قرقاش للصحفيين في 18 حزيران/ يونيو قائلاً: “إن هدفنا الاستراتيجي هو إنهاء الحرب في اليمن، وهذا أمر لا يمكن فعله في الوقت الذي يسيطر فيه الحوثيون على الحديدة”. ثم أردف قائلا إن الحملة كانت تهدف لمساعدة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن جريفيث، على إقناع الحوثيين بـ “الانسحاب غير المشروط” من الحديدة. وكان جريفيث قد وصل إلى صنعاء في 16 حزيران/ يونيو على أمل التوصل إلى تسوية للميناء بالمفاوضات.
أربعة سيناريوهات محتملة لمعركة الحديدة
السيناريو الأفضل: الحل السياسي
في حين أن الأمل في التوصل إلى اتفاق بالمفاوضات لمنع معركة الميناء والمدينة لا يزال ضعيفًا للغاية، يواصل جريفيث الضغط على الحوثيين لتسليم الميناء أو على الأقل الموافقة على السيطرة المشتركة، ويفضل التحالف اتفاق تسوية للميناء على حل عسكري.
في 19 حزيران/ يونيو، غادر جريفيث صنعاء بعد عدة أيام من الاجتماعات مع الحوثيين، وسيحاول الآن التوسط في صفقة مع التحالف. لكن الحوثيين على استعداد للتنازل إلى إدارة مشتركة للميناء فقط مع الأمم المتحدة والانسحاب الجزئي من مدينة الحديدة. ويطالب التحالف، تمشيًا مع تعليقات قرقاش، بتسليم الميناء كاملا لحكومة هادي في نهاية المطاف، وانسحاب كامل للحوثيين. لقد تذبذب رد الحوثيين ما بين التلميح لاستعدادهم الواضح للتفاوض وإصدار بيانات عدائية حول قدرة قواتهم على الاحتفاظ بالميناء.
المحصلة:
- اتفاقية ستشهد في نهاية المطاف انسحاب الحوثيين من كل من مدينة الحديدة ومينائها، وربما من ميناء الصليف في الشمال، وقد يصطحبون أسلحتهم الثقيلة معهم. ستكون هذه ضربة رمزية، لكنها ستترك الحوثيين في وضع يمكنهم من إعادة نشر قواتهم على خطوط المواجهة الأخرى (ما من شأنه أن يكون مثبطًا للتحالف ليوافق على مثل هذه الصفقة). سيبقى التحالف مسيطرًا على جزء كبير من ساحل البحر الأحمر، ويمكن للمقاتلين المدعومين من الإمارات العربية المتحدة أن يتوجهوا شمالا للالتحاق بالقوات اليمنية في مدينة ميدي الساحلية القريبة من الحدود السعودية.
- النتيجة المفضلة هي حل وسط، ما قد يساعد في إيجاد الزخم نحو عملية سلام. إذا تصرفت جميع الأطراف بحسن نية، فبإمكانهم بناء الثقة اللازمة للتحرك نحو تسوية عن طريق المفاوضات.
- من الناحية الإنسانية/ الاقتصادية:
- يمكن تفادي المزيد من تعميق الأزمة الإنسانية، إذا منحت الثقة للتحالف، فإن حجم السلع الداخلة للبلاد سيزداد بشكل كبير، وربما يؤدي إلى انخفاض الأسعار وجعل السلع الأساسية في متناول اليد.
خطة التحالف: فوز نظيف وسريع
في مرحلة ما قبل هجوم الحديدة، زعم التحالف أن العملية ستكون سريعة ونظيفة. قال العديد من الأشخاص المطلعين على إستراتيجية الإمارات العربية المتحدة إن القيادة الإماراتية قدّرت أن العملية ستستغرق حوالي ستة أسابيع من الشروع رسميًّا بالعملية التي بدأت يوم 12 حزيران/ يونيو. من خلال محادثاتهم مع نظرائهم الأجانب، قام مسؤولو الإمارات العربية المتحدة -الذين خططوا العملية ويشرفون عليها- بتقديم تقدير موسع من حوالي خمسة إلى ثمانية أسابيع لإكمال العملية.
بعد تأكيد سيطرتها الكاملة على المطار، ستستمر القوات المناهضة للحوثيين شمالاً على طول الساحل، متتبعة الطريق السريع على الأطراف الغربية للمدينة لتفصل المنشآت الرئيسية للميناء عن المركز الحضري للمدينة (إذا لم يتمكنوا من ذلك، قد يستخدمون القوات الجوية لقطع الطريق). وقد توجهت فرقة ثانية بالفعل إلى الشمال الشرقي، بهدف قطع الطريق الرئيسي الذي يربط الحديدة مع الطريق السريع الداخلي والطريق الرئيسي المؤدي إلى صنعاء. واندلع القتال بالفعل حول مفرق حيوي على الطريق السريع. مع استمرار القوات في تطويق المدينة، تخطط القوات الإماراتية لشن هجوم على الميناء نفسه، يُرجح أن يكون من البر والبحر.
وبمجرد سيطرة قوات المقاومة الوطنية على الميناء، فإنها تخطط لدخول المدينة. وبحسب مصادر مطلعة على المخطط الحالي، فإن المسؤولين الإماراتيين يعتقدون أن الهجوم سيتعزز من خلال تمرد محلي ضد الحوثيين الذين سوف يستسلمون أو يهزمون فورًا، على حد قول الإماراتيين. لا يعتمد الجدول الزمني لدولة الإمارات بالضرورة على التحرير الكامل لمدينة الحديدة، بل على الاستيلاء على الميناء والعودة إلى النشاط الطبيعي.
المحصلة:
- إن الفوز السريع سيشكل ضربة لمعنويات المقاتلين الحوثيين ويعزز منافسيهم بشكل كبير، ومن المرجح أن يؤدي إلى تجدد المتاعب على جبهات أخرى، بما فيها نيهم (شمال شرق صنعاء) وتعز. إذا تمت هزيمة الحوثيين بهذه السرعة، فإن صورة القوة العسكرية التي يمتازون بها سوف تتزعزع. ليس من المرجح أن يؤدي فقدان الحديدة إلى استسلام الحوثيين، ومع ذلك، فقد هددت الجماعة بالانتقام الذي قد يشمل موجة جديدة من هجمات الصواريخ الباليستية وحتى التوغل العسكري في مدينة نجران في جنوب المملكة العربية السعودية.
- بعد شهر من القتال الدموي، ليس من المرجح أن تختار الأطراف العودة إلى المفاوضات السياسية. كما أن للحديدة قيمة رمزية: ففي عام 1934، استولت المملكة العربية السعودية حديثة الإنشاء على المدينة من الإمامة الزيدية آنذاك في اليمن، ما أجبر الإمام أن يرفع دعوى من أجل السلام ونبذ ادعاءاته بمقاطعتي نجران وعسير.
- من الناحية الإنسانية:
- بصرف النظر عن الحل السياسي، فإن هذه أقل نتائج الوضع الإنساني سوءًا. ولكن قد يؤدي شهر من انقطاع إمدادات السلع الأساسية إلى الميناء والمدينة إلى عواقب وخيمة بالنسبة لجزء كبير من سكان اليمن الذين يعتمدون على المساعدات الإنسانية التي تدخل عبر الميناء، خاصة إذا لم تكن المياه النظيفة متوفرة. وقد يؤدي تفشي الكوليرا في المدينة بسرعة إلى انتشار الوباء، ما سيؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني سوءًا.
الاحتمال الأرجح: عدة أشهر من القتال
لدى الإمارات العربية المتحدة ثقة كبيرة في قدرتها على السيطرة على الميناء في إطار الجدول الزمني المقدر لها. ومع ذلك، من المعروف عن التحالف في الماضي أن لديه ثقة مفرطة في السرعة التي يستطيع من خلالها تحقيق أهدافه. في بداية الحرب، توقعت المملكة العربية السعودية تحقيق نصر خلال أسابيع، مستشهدةً بمقاومةٍ داخلية للحوثيين وتفوق جوي ساحق.
إلى جانب القوات الموالية لصالح، احتفظ الحوثيون بعدن لأربعة أشهر في عام 2015 قبل أن يتم دحرهم بحملة إماراتية منسقة والتي غالبا ما يشار إليها كسابقة للحديدة (الحُجة المقابلة لهذا الجدال هي أن القوات اليمنية المدعومة من الإمارات العربية المتحدة والتي تقود حملة البحر الأحمر تعتبر أكثر خبرة، وأفضل تدريبًا واستعدادًا من عام 2015). واجه تحالف الحوثي- صالح مقاومة داخلية من النوع الذي لم يشاهد بعد في ميناء البحر الأحمر، ولم تتم السيطرة الكاملة على المدينة أو الميناء. وفي حين أن هناك حقدًا كبيرًا على الحوثيين في الحديدة، إلا أنهم معروفون أيضًا بقدرتهم على إنشاء بنية تحتية قوية ووحشية في المناطق التي يحتلونها. يتساءل بعض المراقبين، إذا كانت هناك قوة كبيرة مناهضة للحوثيين بالانتظار، فلماذا لم تُسيطر المقاومة الداخلية على الحديدة في كانون الأول/ ديسمبر 2017 عندما حرّض صالح على انتفاضة ضد الحوثيين. كما كان يدرك الحوثيون بوجود خطط لحملة عسكرية لاحتلال المدينة منذ أواخر عام 2016، ومن المرجح، على الأقل، أنهم قد استفادوا من خبرة المستشارين الإيرانيين وحزب الله الذين لديهم خبرة قتالية أكبر في المناطق المأهولة.
إذا لم تحدث الانتفاضة كما هو متوقع، من المرجح أن تقوم الإمارات العربية المتحدة بتعديل جدولها الزمني، لأن قتال الشوارع من خارج المدينة سيكون طويلاً وفوضويًّا. هذا قبل الأخذ بعين الاعتبار مواقع الحوثيين في البلدات والمدن بالقرب من الحديدة ووجودهم في المناطق الزراعية والتلال الصخرية وجبال محمية بورا الطبيعية التي تبدأ من على بعد 25 ميلاً تقريبًا خارج المدينة.
ومع ذلك، قد يتمكن التحالف من قطع خطوط الإمداد الرئيسية من المدينة وإليها، وغربلة صفوف الحوثيين مع مرور الوقت، ما يجعل حصار المدينة أكثر فاعلية. ويمكن للحوثيين بدورهم استهداف السفن البحرية والتجارية حول الميناء. ومن المرجح أن تضغط الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإنسانية على الحوثيين والتحالف للسماح بدخول الغذاء والماء والوقود إلى المدينة خلال هذه الفترة، ما سيزود المدنيين المحاصرين في تبادل إطلاق النار بشريان الحياة، الذي سيفيد الحوثيين أنفسهم.
المحصلة:
- إذا لم يتمكن الحوثيون من إيجاد إمدادات بديلة، فليس من الواضح ما إذا كانوا قادرين على مواصلة القتال في المدينة لأكثر من بضعة أشهر، ومن المحتمل أن تتقلص قواتهم إلى حد كبير، وستنهار معنوياتهم بعد هذه الفترة.
- سوف يعتمد السياق السياسي على كيفية انتهاء هذا السيناريو، من خلال صفقة سياسية أو انتصار عسكري مباشر. يمكن للتسوية السياسية أن تساعد في البدء بعملية العودة إلى محادثات السلام، بالرغم من أنه من المرجح أن يتصاعد الحقد والخطاب. ومن المحتمل أن يؤدي النصر العسكري المباشر إلى نتيجة مشابهة للسيناريو الثاني. وقد ينظر التحالف للفوز في الحديدة على أنه مبرر لمطالب أكثر شموليةً فيما يتعلق بأي تسوية سياسية.
- من الناحية الإنسانية:
- معركة لمدة ثلاثة أشهر في الحديدة ستلحق ضررًا كبيرًا بالوضع الإنساني، سواء داخل المدينة أم في جميع أرجاء اليمن، وخاصة إذا قام الحوثيون بمنع السفن من دخول الميناء، وإذا منع القتال الشاحنات من الدخول إلى الميناء والمغادرة بالبضائع. من المرجح أن تشدد الأمم المتحدة على ضمان عبور المعونات الخطوط الأمامية، وستضغط على الحوثيين والتحالف للسماح بمواصلة العمليات في الموانئ. ومع ذلك، من المحتمل أن لا تخاطر كبرى شركات الشحن بإرسال البضائع إلى الميناء أثناء القتال (في عدن، على سبيل المثال، توقف نشاط شحن البضائع حتى عندما أحكمت القوات المعادية للحوثي سيطرتها الكاملة على الميناء). ومن المرجح أن تؤدي المعركة إذا استمرت ثلاثة أشهر إلى خسائر كبيرة في الأرواح وستترك المدينة وبنيتها التحتية في حالة يرثى لها. كما أنه سيرتفع احتمال انتشار وباء الكوليرا بدرجة كبيرة.
السيناريو الأسوأ: معركة مطولة ومدمرة
هنالك إجماع واسع في أوساط المحللين على أن الحوثيين لن يتمكنوا في نهاية المطاف من الاحتفاظ بالميناء أو الإبقاء على خطوط الإمداد من شبكة الطرق إلى المدينة. ومع ذلك، إذا تمكن الحوثيون من الحفاظ على القبضة الخانقة على الميناء أو أبقوا على خطوط الإمداد البرية مفتوحة، فهنالك احتمال بأن يتمكنوا من تحمل ضغط التحالف لفترة طويلة من الزمن. ومن المحتمل أن يؤدي هذا إلى شهور من الكر والفر، قبل أن يستقر في أنماط الاستنزاف الراكدة نفسها التي تشهدها البلاد، وقد يؤدي فقط إلى تعقيد مهمة إيجاد حل سياسي للصراع.
من شأن القتال المطول أن يستلزم نشر قوات يمنية راجلة ومدرعة في المدينة، ما يزيد من احتمال تضرر البنية التحتية والإصابات في صفوف المدنيين. يعتمد وضع الميناء على من يسيطر عليه – الحوثيين أو التحالف.
المحصلة:
- من المرجح أن تستقر المعركة طويلة الأمد على نمطٍ من النوع الذي تشهده تعز، حيث تتخذ قوى المعارضة أماكن لها في مواقع محددة وتحاول تحقيق المكاسب الهامشية مع مرور الوقت، في حين يكافح العاملون في المجال الإنساني للحفاظ على إمكانية الوصول.
- معركة مطولة من أجل المدينة من شأنها أن تقلل من احتمال التقدم على المسار السياسي. إذا كان الأمر كذلك، فإن الحديدة ستصبح ببساطة نقطة أخرى يمكن التفاوض عليها كجزء من تسوية سياسية أوسع.
- من الناحية الإنسانية:
- في غضون الأشهر الستة، سوف يزداد احتمال المجاعة والوباء وتدمير البنية التحتية. وستعمل الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإنسانية على ضمان وصول المساعدات الإنسانية في حالة اندلاع معركة طويلة الأمد. غير أن الوضع الإنساني يمكن أن يستقر إلى حد ما إذا لم يتم التنازع على الميناء.
الاستنتاجات
يبدو أن النتيجة الأكثر احتمالاً هي ما يشبه السيناريو الثالث- معركة لمدة شهرين إلى ثلاثة أشهر، التي من المرجو أن تنتهي بتدخل خارجي لمنع المزيد من الخسائر الإنسانية. ومع هذا، يمكن لعدة عوامل هوجاء تغيير ذلك.
الولايات المتحدة، التي رفضت حتى الآن المشاركة في الحملة على الرغم من مطالبة الإمارات العربية المتحدة بالحصول على المساعدة، قد تختار المشاركة بشكل مباشر أكثر، على سبيل المثال، من خلال توفير كاسحة ألغام لمساعدة القوات المدعومة من الإمارات العربية المتحدة في دخول الميناء، وباستخدام ثقلها السياسي لدعم الحملة. ولكن إذا تدهورت الحالة الإنسانية بسرعة –كانتشار وباء الكوليرا على سبيل المثال- أو قتل عدد كبير من المدنيين في تبادل إطلاق النار، فإن الرأي العام في الولايات المتحدة قد يتحول بسرعة ضد الحملة، ما يؤدي إلى قيام واشنطن بالضغط على التحالف لإنهاء المعركة والتفاوض مع الحوثيين على صفقة تسوية، ولا سيما إذا تفاقمت الضغوطات من الكونجرس.
ثم هناك احتمال لحدث “البجعة السوداء” المفاجئ وغير المتوقع والذي يمكن أن يغير من مظهر الصراع. يمكن أن يشمل هذا الحدث اختراقات على جبهات أخرى (نيهم أو تعز، على سبيل المثال)، أو المزيد من الاقتتال الداخلي بين أنصار التحالف اليمنيين، أو ضربة ناجحة لصاروخ باليستي حوثي على هدف مدني داخل المملكة العربية السعودية.
وأخيرًا، لن تكون نهاية المعركة إلا بداية لعدة قضايا تخص الحديدة. يقول التحالف إنه والحكومة اليمنية سيتمكنان من تشغيل الميناء بفاعلية أكبر من الحوثيين. يأمل مسؤولو التحالف أن تكون النتيجة في الحديدة أقرب إلى ما كانت عليه في المكلا ومأرب -حيث تحسنت السلطة الإدارية وتقديم الخدمات منذ طرد القوى المتنافسة (القاعدة من المكلا والحوثيين من مأرب)- مقارنة مع تجربة عدن، حيث أصبح الاقتتال الداخلي عائقًا أمام السلطة الإدارية الفعالة. إذا استمر القتال على امتداد طريق الحديدة- صنعاء، فإنه من غير الواضح كيف سيتم إيصال السلع الأساسية من الميناء إلى المراكز السكانية الرئيسية في البلاد.
في نهاية المطاف، من المرجح أن تؤدي معركة الحديدة إلى ترك الحوثيين في وضع ضعيف عسكريًا، وسيكون للتحالف اليد العليا في المفاوضات، حسب اعتقاد الإمارات. لكن هذه الميزة ستأتي بتكلفة كبيرة، ويمكن أن تؤدي إلى تعميق المأزق السياسي، تاركة اليمن في وضع أكثر فقرًا وجوعًا، وفي حالة حرب.