تستمر الأمم المتحدة والولايات المتحدة في العمل على إيجاد حل لنزاع السنوات السبع. في أكتوبر/تشرين الأول زار المبعوث الأممي الخاص هانس غروندبرغ (Hans Grundberg) الدولة التي مزقتها الحرب للمرة الأولى منذ تعيينه في أغسطس/آب. منذ ذلك الوقت، زار غروندبرغ الإمارات العربية المتحدة وإيران، وعاد إلى اليمن للمرة الثانية لزيارة عدن وتعز، وسافر إلى الكويت ومصر وروسيا. خلال زيارته الأولى إلى اليمن كمبعوث خاص، التقى غروندبرغ في عدن مع رئيس الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة معين عبد الملك سعيد، ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، وجهات سياسية فاعلة أخرى. وفي زيارته اللاحقة، التقى المسؤولين اليمنيين في عدن، بمن فيهم سعيد مرة أخرى، وكذلك التقى في تعز المحافظ وقادة سياسيين ونشطاء وآخرين.
في نوفمبر/تشرين الثاني، زار المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، تيموثي ليندركنج (Timothy Lenderking)، عدن أيضا في رحلته الأولى للدولة خلال توليه منصبه. التقى ليندركنج كذلك مع سعيد وكبار المسؤولين اليمنيين الآخرين. منذ زيارته اليمن، عاد ليندركنج للمنطقة وزار المملكة العربية السعودية والبحرين للتنسيق فيما يتعلق بموضوع الأمن الإقليمي والقضايا المرتبطة بإيران، بالإضافة للمفاوضات حول جهود السلام في اليمن التي تقودها الأمم المتحدة.
وعلى الرغم من هذه المبادرات الدبلوماسية، استمرت الأعمال العدائية على الأرض. ففي 12 نوفمبر/تشرين الثاني أعلنت القوات المشتركة، المدعومة إماراتيًا، انسحابها من مناطق في محافظة الحديدة. هذا التحرك جاء مباشرة بعد ما ورد عن انسحاب لقوات سعودية وإماراتية من محافظة شبوة. وقد استغلت قوات الحوثيين هذه التطورات، واستولت على عدة مناطق كانت القوات المشتركة قد غادرتها. ومع ذلك، فقد ووجه هذا التقدم الحوثي بمقاومة بعض عناصر القوات المشتركة.
جهود دبلوماسية مستمرة
ظلت الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية ملتزمتين بتحقيق نهاية للحرب في اليمن. في مقابلة عبر البريد الإلكتروني، قال جيرالد فيرستين (Gerald Feierstein)، وهو سفير أمريكي سابق في اليمن ونائب رئيس معهد الشرق الأوسط، “إن الزيارات الأخيرة من قبل المبعوث الأممي الخاص غروندبرغ والمبعوث الأمريكي الخاص ليندركنج للمنطقة، بما فيها زياراتهما لليمن، هي تطورات مرحب بها، وتمثل التزامًا مستمرًا من المجتمع الدولي لإيجاد مسارٍ لإنهاء النزاع في اليمن، وبدء مسار تسوية سياسية. ومع ذلك، خطة الزيارة كانت تفتقد لقاء مع قيادة الحوثيين، وهو في الواقع، العقبة الرئيسية لتحقيق وقف لإطلاق النار”. وأضاف قائلا، “إلى أن يصبح الحوثيون جزءًا من عملية التفاوض، وما داموا مستمرين في التقدم بشكل حثيث في عدوانهم العسكري في اليمن وعبر الحدود إلى السعودية، فلن يكون هناك وقف لإطلاق النار أو إيقاف للنزاع.”
على الرغم من استمرارية جهود وساطة الإدارة الأمريكية، لا يبدو أنها ذاهبة لحل ما حتى الآن. فبينما لعبت واشنطن دورًا في الضغط على السعودية للإعلان عن مقترح وقف إطلاق النار في مارس/آذار، رفض الحوثيون ذلك قائلين إنهم سيوافقون عليه فقط إذا رفعت الرياض الحصار الجوي والأرضي والبحري، الذي فُرض في 2015. ولكن لا يبدو أن السعوديين يميلون لرفع الحصار بشكل أحادي عن صنعاء والحديدة. بالنسبة للحوثيين، يبدو أن لديهم الرغبة في السيطرة على مأرب الغنية بالنفط. فقد أُفيد ان الحوثيين قد سيطروا على مناطق في الجزء الجنوبي من المحافظة. وهكذا، يبدو أنهم يفتقدون لسبب ضاغط للمشاركة في عملية السلام. في نفس الوقت، لا يبدو أن واشنطن لديها القدرة على تقديم شيء ملموس للحوثيين مقابل وقف إطلاق النار، لا سيما لوقف هجومهم على مأرب.
في سبتمبر/أيلول، زار مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان السعودية والتقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة. وقد رافق سوليفان خلال الزيارة كل من ليندركنج وبريت ماكجورك (Brett McGurk) منسق مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد تمحور النقاش حول الحرب في اليمن. ومع ذلك، يبدو أن زيارة سوليفان لم تعطِ نتائجا مثمرة لسببين رئيسيين على الأقل. الأول، أن العلاقة الأمريكية-السعودية قد بدأت بداية صعبة مع الإدارة الجديدة، وأن التقدم في تحسين فحواها يسير بشكل متقطع، في أفضل الحالات، مع تعبير واشنطن عن المخاوف حول قضايا مثل أسعار النفط العالية. وهكذا، يمكن القول إن نهج الذراع الطويلة لواشنطن تجاه السعودية قد يكون مؤثرًا على جهود الوساطة الأمريكية في اليمن، وخصوصًا في ظل انعدام التأثير الأمريكي النسبي على اليمن، وحاجة واشنطن لتنسيق الجهود مع السعودية. ثانيًا، لا تزال الإدارة الأمريكية توازن خياراتها المتعلقة بتحالفاتها في المنطقة. يبدو أنها ما تزال تجرب التحول نحو آسيا، وإعادة تقييم وضع قوتها في الخليج، والذي أثار عدم السرور وحفز بعض السلوك المتشكك من قبل شركاء في الخليج جاعلا الدبلوماسية الأساسية أكثر تحديًا.
ارتبط موقف واشنطن تجاه اليمن تقليديًا بسياستها الخارجية الشرق أوسطية، وتحديدًا سياساتها تجاه السعودية. عندما تولى الرئيس جوزيف بايدن منصبه، سحب بشكل عاجل الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية السعودية في اليمن، وعين ليندركنج مبعوثًا إلى الدولة التي مزقتها الحرب، مثيرًا بعض التساؤلات مثل إذا ما بدأت الولايات المتحدة، أخيرًا، في تطوير سياسة معينة بخصوص اليمن. لكن في الوقت الحالي، يبقى موقف واشنطن تجاه اليمن مائلاً نسبيًا نحو وجهات نظر الرياض، بما يتعلق بالدبلوماسية والخطاب الرسمي. يعتبر الحوثيون مسؤولين، جزئيًا، عن ذلك، لما يبدو من تحالفهم المستمر مع إيران. وبوضع الدبلوماسية والخطاب الرسمي جانبًا، هناك بعض المسائل المتعلقة بتأثير هذا الميل النسبي الأمريكي، نظرًا لتأثير واشنطن الذي لم يتم تحديده بعد ضد الحوثيين.
من المحتمل استمرار الأمم المتحدة والولايات المتحدة في دعوة الحوثيين لإيقاف هجومهم على مأرب والانخراط في العملية السياسية. ومع ذلك، فمن غير المحتمل أن يستجيب الحوثيون بشكل إيجابي لهذه الدعوات، بينما يستمرون في تحقيق المكاسب في ساحة المعركة. ولغياب التأثير لخلق اهتزاز في هذه الثقة لديهم، فلا يبدو أنهم سيتنازلون عن أي ميزة متوفرة. ونظرًا لهذه الحقائق، فإن أي تأجيل للقتال سيستمر، ربما من خلال الوساطات المحلية، والتي يعتقد بعض المراقبين للشأن اليمني أنها ستكون أكثر جدوى في دولة محطمة، بالنظر إلى التأثير المحدود للمجتمع الدولي.
الانسحاب من الحديدة: هل هي انقسامات داخلية؟
الانسحاب الأخير للقوات المشتركة، المدعومة إماراتيًا، من الحديدة جاء بشكل لافت كمفاجأة. في بيانها، قالت القوات المشتركة إنها رأت “خطأ بقائها محاصرة في متارس دفاعية ممنوع عليها الحرب، بقرار دولي، فيما الجبهات المختلفة تتطلب دعمًا بكلِّ الأشكال “. يقود القوات المشتركة طارق صالح، ابن شقيق الرئيس السابق الراحل علي عبدالله صالح، وتشتمل على ثلاث مكونات: ألوية العمالقة ومقاومة تهامة وقوات حراس الجمهورية. شجبت مقاومة تهامة الانسحاب، ووصفته بأنه انسحاب “غير مبرر”، مما يشير إلى انقسام داخلي في القوات المشتركة. في الواقع، بعض المقاتلين التهاميين والمقاتلين الآخرين، الذين هم أيضًا جزء من القوات المشتركة، اشتبكوا مع الحوثيين عندما تحرك الحوثيون إلى مناطق تم التخلي عنها. وعلى الرغم من أن القوات المشتركة موالية للحكومة المعترف بها أمميًا ومدعومة إماراتيًا، بدا أن التحرك قد أفاد الحوثيين أكثر من التحالف بقيادة السعودية، وهذا ليس فقط لأن الانسحاب “لم يكن ضروريا” لإقامة خطوط أمامية إضافية، وفق أحد محللي الشأن اليمني، ولكن أيضا لأن الحوثيين يمكنهم استخدام سيطرتهم على مناطق أكثر كنوع من التأثير في أي عملية سلام.
نتيجة لذلك، من المحتمل زيادة تعقيد جهود جلب الحوثيين لطاولة التفاوض. يبدو أن الحوثيين مهتمون بأن يصبحوا “الممثل الوحيد” لليمن. إن مكاسبهم المناطقية الأخيرة تجعلهم أقل ميلًا للمشاركة في الحوار السياسي الأوسع في هذه المرحلة وتشجعهم لمطالب أكبر في أي مفاوضات مستقبلية.
ومع ذلك، ليس من المحتمل تغيير أولويات واشنطن والأمم المتحدة. فوفقا للخبيرة في الشأن اليمني هيلين لاكنر (Helen Lackner)، “إن الانسحاب لا يغير إلا القليل بالنسبة لـ ليندركنج الذي يظل بشكل كبير غير مؤثر. قد يكون لليندركنج بعض التأثير على السعوديين، ولكن لا تأثير له على الحوثيين. وإضافة لذلك، أي افتراض بأن محادثات الاتفاق النووي الأمريكية-الإيرانية يمكن أن يكون لها تأثير ذو معنى على سياسة الحوثيين في اليمن هو مضلل بالقدر نفسه، على الرغم من أنه قد يكون جزءًا من التفكير الأمريكي”.
وأوضحت لاكنر في مقابلة على البريد الإلكتروني، “بالنسبة لغروندبرغ، يحاول أن يبدأ المحادثات بمجموعة متنوعة وطائفة من الأطراف المعنية”. وذكرت لاكنر أنها تعتقد أن الانسحاب الأخير لا يشكل فرقًا كبيرًا بالنسبة له، عدا عن جعله بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة مهجورة، نظرا لمغادرة القوات المدعومة إماراتيًا. وتضيف قائلة، “سيكون من المثير أن نرى ما إذا كان سيتم تجديد تفويضها في الأسابيع القادمة. قد يحاول غروندبرغ أن يحيي بعض البنود من اتفاق ستوكهولم، وتحديدًا ذلك المتعلق بتعز” إضافة إلى تبادل الأسرى. وشددت لاكنر قائلة، “على الرغم من الجهود البارزة لإشراك العديد من الأطراف المتقاتلة وغيرها من الأطراف في الاجتماع، فإن مشكلة غروندبرغ المباشرة، مع ذلك، هي أن الحوثيين لم يدعوه إلى صنعاء، والتي يجب أن تكون على رأس جدول أعماله”.
يبدو أن قرار سحب القوات كان قرارًا إماراتيًا بشكل رئيسي. مع ذلك، جاءت هذه الخطوة في الوقت التي يسعى فيه كلٌ من السعوديين والإماراتيين مهتمون بانسحاب كامل من اليمن، ولكن يبدو أنهم ما يزالوا يبحثون عن خطة خروج توفر بعض الشكل النظامي والغطاء الدبلوماسي لهذا التحرك. وهم كذلك سيكونون مهتمين بتجنب انسحاب سريع يشكل مظهرًا للخسارة في ذلك النزاع. إن ترددهم، قد يكون بشكل رئيسي مسألة شكلية، معززة – في الحالة السعودية – بالمخاوف الأمنية التي يثيرها الحوثيون في داخل الحدود السعودية. وربما إزاء قوة الحقائق على الأرض، من المحتمل أن يُنظر إلى فصيل حوثي معزز باعتباره السبب الأكبر لبقاء كل من الرياض وأبو ظبي ملتزمتين بالقتال.
خلال هذا العام، كان هناك بعض الخطوات الصغيرة للتقدم للأمام في اليمن، مثل تعيين المبعوث الأمريكي الخاص. مع ذلك، فشلت الجهود الدبلوماسية حتى الآن في تحقيق اختراق بارز. إن إشراك الحوثيين يبقى عقبة رئيسية. في 2022، ستكون هناك جهود متواصلة من المجتمع الدولي لإنهاء النزاع. ولكن يظل أنه لا توجد تسوية سريعة للحرب في اليمن.