سيكون صوم رمضان هذا العام شاقًا على المبعوث الأممي الخاص في اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد. فهو يشرف حاليًا على المحادثات الجارية في الكويت والهادفة إلى إنهاء الحرب الأهلية التي بدأت في نيسان/أبريل والتي يبدو أنها ستمتد في خلال الشهر الفضيل وما بعده.
على الرغم من الجهود القصوى التي بذلها المبعوث الخاص، لم تكن المحادثات بمعظمها حاسمة. ويفيد ولد الشيخ أحمد باستمرار أن المفاوضات تمضي قدمًا، وإنْ بسرعة السلحفاة. ففي الحقيقة، حققت محادثات الكويت تحسنًا بالنسبة إلى الجولات السابقة في سويسرا، من حيث أن أيًا من الفريقين المتفاوضين لم يغادر الطاولة، كما فعلا من دون أن يلتقيا وجهًا لوجه في حزيران/يونيو 2015. واليوم، يلتقي هذا التحالف الثنائي الغريب يوميًا مع ولد الشيخ أحمد، وهو يتألف من وفد الحوثيين و”المؤتمر الشعبي العام”، أي حزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي دعم الحوثيين وأرسل قوات عسكرية موالية للقتال إلى جانبهم. كما يلتقي التحالف مع ممثلين من الحكومة اليمنية في المنفى التي يتقدمها رئيس البلاد المعترف به دوليًا عبد ربه منصور هادي.
وإن تم ترتيب صفقة في الكويت، فمن غير المرجح أن تكون صفقة سلام، بالأحرى، ستكون في الواقع اتفاق وقف إطلاق نار على أمل أن يؤدي إلى استقرار سياسي أكثر شمولية في وقت لاحق. وهذا التمييز بين عملية وقف إطلاق النار وعملية السلام مهم جدًا. فالتركيز على محادثات الكويت فحسب هو تقليل كبير من شأن الوقت والطاقة والموارد التي سيكون على المجتمع الدولي ودول الخليج بشكل خاص تكريسها من أجل جمع أشلاء اليمن مجددًا، إذا تمكنوا من ذلك بأي شكل من الأشكال. لكن بصراحة، تبقى علامات الاستفهام تلف مسألة استعدادهم للقيام بهذا النوع من التعهد. لذلك، ولسوء الحظ، يبقى السلام في اليمن غائبًا شيئًا ما.
ما يشكل جزءًا من المشكلة هو أن الحرب، كمعظم النزاعات الأهلية، ليست ثنائية الأطراف ببساطة. بل هي نزاع متعدد الأقطاب ومؤلف من مجموعة فصائل مختلفة محفَّزة للتعاون معًا لأن لها أعداء مشتركين وليس أهدافًا مشتركة. ويزيد هذه الصورة تعقيدًا تباين المصالح وجداول أعمال اللاعبين في الساحة الإقليمية. وتضاهي هذه الأمور أهمية مسألة أن أيًا من التحالف بين الحوثيين وصالح، وحكومة هادي لا يمثل بأكمله المجموعات المتعددة والمختلفة المشارِكة في النزاع.
تجدر ملاحظة أن اثنين من الأفرقاء الإقليميين والمحليين الأساسيين، وهما الإمارات العربية المتحدة وميليشيات المقاومة الجنوبية الموالية للاستقلال، غائبان عن المحادثات في الكويت. فمنذ بداية الحرب، تبدل دور الإمارات من لاعب في الائتلاف الشامل الذي تقوده السعودية إلى التركيز فحسب على الأراضي التي تسيطر عليها، أو على الأقل تتبارى عليها، المقاومة الجنوبية التي تشكل بدورها حقيبة ممزوجة تحتوي على ميليشيات متمركزة ليست بالضرورة حليفة بطبيعتها.
بمساعدة القوات الخاصة الإماراتية، تمكنت ميليشيات المقاومة الجنوبية من إبعاد حلف الحوثيين وصالح عن جزء كبير من جنوب البلاد في منتصف عام 2015. ومنذ ذلك الحين، ركزت كثيرًا على توسيع سيطرتها على الجنوب، الذي كان سابقًا دولة مستقلة اشتراكية، من خلال بناء مؤسساتها الخاصة. ولم يُدعى قادة المقاومة الجنوبية إلى محادثات الكويت، ولا حتى دُعي الكثيرون من عدة ميليشيات محلية تقاتل الحوثيين، ابتداءً من السلفيين والإسلاميين الأكثر اعتدالًا في تعز، وصولًا إلى رجال القبائل في محافظة مأرب الوسطى والغنية بالنفط. وتدّعي حكومة هادي أنها تقود بشكل أساسي كل المجموعات المناهضة للحوثيين وصالح على الأرض، ما يشكل توكيدًا هشًا في أفضل الحالات.
إذا بقيت دوافع الإمارات للتورط في الحرب لغزًا، فعدم التدخل في محادثات السلام هو أقل إثارة للحيرة. إذ تبقى أبو ظبي على مسافة من المحادثات بسبب تزايد نفورها من حكومة هادي، وخاصة لعلي محسن الأحمر الذي عينه هادي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة ونائب رئيس في وقت سابق هذه السنة. فيعتبر الإماراتيون أن محسن مؤيد هام للإخوان المسلمين الذين يشتمونهم ويدعونهم مجموعة إرهابية في اليمن. وللسبب نفسه، رفض الإماراتيون تأييد الإصلاح، وهو الحزب الإسلامي السني الرئيسي في اليمن، في جهوده لتعزيز المقاومة في تعز أو للمشاركة في الحرب ضد الحوثيين في الشمال، التي يقودها بشكل كبير محسن وحلفاؤه من حزب الإصلاح إلى جانب قبائل محلية. وركز الإماراتيون بدلًا من ذلك على بناء قدرة حلفائهم في الجنوب لإجبار تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية على الانسحاب، وهو الجناح المحلي القوي للحركة الجهادية العالمية.
تفادى القادة الإماراتيون بشكل عام النقد العلني الصريح لحكومة هادي، التي تدعمها المملكة العربية السعودية، وهي الحليفة الأساسية للإمارات في المنطقة. وينسق السعوديون لحملة مكثفة من القصف الجوي ضد كل من صالح والحوثيين، الذين ينظرون إليهم على أنهم وكلاء لعدوهم الممقوت إيران. وتؤدي الرياض دورًا فاعلًا أكثر من هادي في تنسيق تقاتل الميليشيات على الأرض. ولا يريد الإماراتيون زعزعة سفينة مجلس التعاون الخليجي أو تخييب أمل حليف رئيسي، لكن لا يمكن إلا ملاحظة انعدام دعمهم العلني للمحادثات.
ربما يمل الآن المسؤولون السعوديون من هادي أيضًا شيئًا فشيئًا، بعد أن شكلت شرعيته كرئيس، بالإضافة إلى قرار أصدرته الأمم المتحدة في نيسان/أبريل 2015، تبريرهم الأساسي للحملة العسكرية ضد حلف الحوثيين وصالح. فقد انتُخب هادي في عام 2012، وكان المرشح الوحيد في انتخابات رآها اليمنيون استفتاءً يدور حول صالح وتأييدًا لخطة سلام توسطت فيها الأمم المتحدة عقب الانتفاضات العربية. وكانت الرياض قد افترضت أنه سيتبين أن هادي يطاوع بسهولة وأنه، عند حلول الوقت المناسب، سيوافق على استبداله بشخص أفضل قادر على التوسط لتحقيق وفاق بين مختلف الفصائل اليمنية. وتحرص الرياض الآن على التوصل إلى اتفاق سلام بعد فتح خط تواصل مباشر مع الحوثيين وترتيب صفقة مستقلة معهم حول أمن الحدود الجنوبية. وسيتبين أنها جاهزة لإلقاء تحية الوداع على الرئيس كجزء من تسوية متداولة أكبر.
لكن هادي يحتفظ برأي آخر، وقد اختار أن يتمسك بالسلطة لأطول مدة ممكنة. ففي نيسان، طرد رئيس الوزراء ونائب الرئيس خالد بحاح الذي تم تجهيزه ليصبح وريثه كما كان يبدو. وعين مكانه كنائب رئيس محسن، الذي أدى دورًا لا يُحمد عليه في الحرب الأهلية في الشمال والجنوب عام 1994، وفي حملة الأرض المحروقة التي امتدت من عام 2004 إلى 2010 ضد الحوثيين. ولا يمكن للولايات المتحدة، التي تشك في علاقة محسن الطويلة المدى مع الجهاديين المتطرفين، أن تكون سعيدة بهذا التعيين.
تم فهم هذه الخطوة على أنها مناورة لمنع الحوثيين من طلب استبدال هادي بنائبه الذي لم يَجرِ اختباره أبدًا، وكانت هذه الصفقة لتعكس اتفاق عام 2011 الذي قاده إلى السلطة أولًا.
أصبحت مسألة دور هادي في المستقبل نقطة عالقة في محادثات السلام. وفيما يتفق الوفدان علنًا على أن الحرب يجب أن تنتهي وأن أفضل طريقة لتحقيق ذلك هي تسوية سياسية وعسكرية، قدّم كل منهما جدول أعماله الخاص. فتطلب حكومة هادي استسلام حلف الحوثيين وصالح قبل الحديث عن أي تسوية سياسية، فيما يطلب الوفد المنازع تشكيل حكومة وفاق يؤدي فيها دورًا جوهريًا قبل أي حديث عن نزع السلاح. كما يريد حلف صالح والحوثيين أن يتأكد من أن الصفقة ستؤدي إلى خلع هادي من سدة الرئاسة أو خفض رتبته إلى منصب ظاهري عمليًا – وهي فكرة بغيضة لهادي الذي، مع كل شرعيته الدستورية، يُشهَد على فشله الذريع كقائد للبلاد.
حتى لو وجد الوفدان سبيلًا للتلاقي في الوسط، فالصفقة التي يعملان عليها لن تؤدي إلا إلى فض النزاع الأكبر، وليس الحروب الصغيرة التي اندلعت كنتيجة له. كما يصعب تصديق أن صفقة كهذه ستؤدي إلى نزع سلاح المجموعات التي اكتسبت قوتها حديثًا كميليشيات المقاومة الجنوبية أو فائض الميليشيات السلفية التي تشكلت منذ بداية النزاع.
لا يبدو على الحوثيين، الذين كانوا يخوضون حربًا في معظم الأوقات في خلال السنوات الإثنتي عشرة الماضية، أنهم سيسلّمون بهذه البساطة أسلحتهم – خاصة إلى الوحدات العسكرية التي يسيطر عليها عدوهم اللجوج محسن. كما لا يبدو أن الوحدات العسكرية الموالية لصالح التي حاربت إلى جانب الحوثيين في خلال الحرب ستعود أدراجها بكل وداعة. ولا تثق قبائل عدة حاربت ضد الحوثيين في الشمال برجال محسن أكثر بكثير مما تثق بالحوثيين، كما تشك أن يعاملها صالح الذي فرض القوة العسكرية لفترة طويلة وحلفاؤه أفضل مما كانوا يعاملونها قبل أن تنشق عن نظام صالح في عام 2011.
إذ تتمركز كل فصيلة عسكرية في موقع حيث تدافع عن نطاقها الخاص وتستعد لاستخدام القوة من أجل تحسين موقع مساومتها في مفاوضات لاحقة حول مستقبل البلاد السياسي، ليس من الواضح من هو في موقع – وذلك في حال تواجد هذا الفريق – أن يتخلى عن أسلحته ويتوصل إلى وفاق بين المجموعات المسلحة المتعددة على الأرض. ولا يبدو أن الأمم المتحدة ستنشر قوات حفظ سلام، وخاصةً نظرًا إلى تواجد تنظيم القاعدة المزعزع للاستقرار. فقد أمضت الحركة الجهادية التي تتمتع بامتياز محلي فتّاك معظم الحرب وهي تبني ترسانة مخيفة من الأسلحة الثقيلة وخزينة تُقدَّر بمئتيْ مليون دولار أمريكي، كما كانت تسيطر حتى وقت متأخر على مرفأ أساسي في جنوب اليمن.
تنمو الميليشيات وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية ومجموعات مماثلة وسط حوكمة ضعيفة. ويتمثل أحد المخاوف المتعلقة بأي ترتيب انتقالي يتم التوصل إليه في الكويت – وذلك في حال تم التوصل إلى أي ترتيب – في أن الحوكمة ستُترك في يد النخب القابلة للرشوة والسارقة التي قضت وقتًا كبيرًا في العقود الأربعة الماضية وهي تستنفد موارد اليمن، بالإضافة إلى الحوثيين الذين أثبتوا في فترة السنة ونصف السنة التي تحكّموا فيها بمقاليد السلطة في صنعاء أنهم ليسوا أكثر مهارة من أي فريق آخر في تسلّم الحكم.
من دون ثمار السلام، ربما ستسمح المظالم القديمة – أي الفساد والاقتصاد الضعيف والافتقار إلى الخدمات الأساسية والغياب التام للسلطة القضائية التي تنفذ مهامها – للمجموعات المحلية المسلحة بالازدهار. كما يصعب تصديق أن الجنوبيين، الذين رفعوا أخيرًا أسلحتهم للقتال، سيقبلون بصفقة سلام تعيد الحوثيين وموالي صالح بالإضافة إلى حزب الإصلاح ومحسن إلى السلطة. فردة فعلهم السريعة إزاء صفقة كهذه – أي إعلان الاستقلال – ستُقحم على الأرجح البلاد مجددًا في النزاع. كما ستترك الإمارات والسعودية في موقع صعب حيث قد تجد الميليشيات التي تدعمها السعودية نفسها أخيرًا تقاتل حلفاء الإمارات على الأرض.
يبدو أن المسؤولين في الغرب يعتبرون أن دول الخليج العربية ستعالج هذه المشاكل، وبخاصة السعودية. إلا أن هذا الاستنتاج يغفل عن بعض التفاصيل، فهو لا يأخذ بالاعتبار أن السعودية طرف أساسي في النزاع. كما أنه من الغريب أن مسؤولية كبيرة أُلقيت على عاتق الخليج لدعم إعادة الإعمار والتطور الاقتصادي. وقد تم تبديد أموال الخليج المؤمنة في الفترة السياسية الانتقالية بين 2012 و2014 على وتيرة بطيئة بشكل يرثى له، كما تميل دول الخليج عمومًا إلى التركيز على المشاريع الضخمة الطويلة المدى، كمحطات توليد الكهرباء والمرافئ وتطوير المطارات، بدلًا من مشاريع محلية أصغر يشعر الشعب بتأثيرها بشكل أسرع.
ثم تُطرَح مسألة الاهتمام وقوة الإرادة في المملكة والخليج لإرساء الاستقرار في اليمن. فيبدو أن حاكم السعودية الفعلي، أي ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تعب من الحرب في اليمن وصار يركز أكثر على إصلاح اقتصاد المملكة في فترة تتسم بالمردود النفطي الضئيل والعجز الضريبي المتزايد. ومن الصعب تصديق أن الأمير، بعد إنهائه حملته غير الناجحة نوعًا ما في اليمن إذ أدرك كم يمكن أن تتسبب النخب السياسية هناك بالمشاكل، سيكرس الطاقة الضرورية لتحقيق استقرار البلاد والتوسط بين الفصائل المختلفة. وقد يكون جل ما يحتاجه حدودًا آمنة بموجب إبرام اتفاق مع الحوثيين يضمن تقاتل اليمنيين في ما بينهم من دون إزعاج الدول المجاورة، قبل أن ينتقل إلى الخطوة التالية الكبيرة – خاصة إذا أصبح فجأة بالإمكان الحفاظ على علاقات طيبة مع الحوثيين، الذين ما زالوا متهمين بأنهم وكلاء لإيران.
يؤسف أن اليمن بعيدة كل البعد عن السلام. وأكثر ما يمكنها أن تأمله هو نهاية الحرب الكبيرة، وإمكانية وضع حد للحروب الصغيرة المترتبة عنه. فقد تقضي الحاجة إلى خدمات المبعوث الأممي الخاص لبعض الوقت.