لأول مرة منذ فترة طويلة، يتزايد التفاؤل بانتهاء الحرب اليمنية عاجلاً وليس آجلاً. ويرجع الفضل الأكبر في هذا بشكل مباشر للاتفاق الذي توسطت فيه الصين بين السعودية وإيران في مارس/آذار لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما. وكجزء من الاتفاق، وافقت إيران على وقف تسليح الحوثيين، والضغط عليهم لوقف الهجمات الصاروخية عبر الحدود على السعودية.
بعد ذلك، في منتصف أبريل/نيسان، قام وفد سعودي بزيارة لصنعاء، التي يسيطر عليها الحوثيون، لمناقشة وقف دائم لإطلاق النار. على الرغم من وجود ثلاث نقاط خلافية عالقة – استخدام عائدات النفط، والجدول الزمني لخروج القوات الأجنبية من اليمن، ودفع رواتب موظفي الخدمة المدنية، بما في ذلك قوات الأمن – فقد أعقبت المحادثات على الفور خطوة إيجابية أخرى، تمثلت في إشراف الصليب الأحمر على عملية تبادل للأسرى.
إجمالاً، أطلق الحوثيون والسعودية سراح ما يقرب من 900 سجين. ولعل أبرزهم تسليم الحوثيين شقيق طارق صالح والابن البكر له، حيث إن طارق صالح هو عضو مجلس القيادة الرئاسي وقائد قوات المقاومة الوطنية؛ وكذلك تم تسليم محمود الصبيحي وزير الدفاع السابق وناصر منصور هادي شقيق الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي. كان الصبيحي وهادي محتجزين من بدايات الحرب، وكان الرجال الأربعة من أبرز الرهائن الذين تم الإفراج عنهم، ما يشير إلى أن الحوثيين لم يعودوا يشعرون بالحاجة إلى الاحتفاظ بهم كدروع بشرية.
ولكن بصرف النظر عن موعد انتهاء الحرب، سواء الشهر القادم أو العام القادم، وبصرف النظر عن الشكل النهائي الذي ستفضي إليه الاتفاقية، دولة واحدة أو اثنتين، فإن كل ما يتبقى من اليمن سيواجه تحديًا خطيرًا في اليوم التالي لتوقيع أي اتفاقية سلام.
في العادة، عندما تنتهي حرب مثل تلك الجارية في اليمن، يشرف الوسطاء والمفاوضون الخارجيون (أحيانًا الأمم المتحدة وأحيانًا لا) على عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج. وبشكل أساسي، تقوم الجماعات المسلحة بتسليم أسلحتها، ويتم حلها قبل إعادة إدماجها في المجتمع، أو وضعها في وحدات عسكرية نظامية.
لسوء الحظ، ليس من المرجح لهذه العملية أن تنجح في اليمن. لقد حاولت الدولة تنفيذ أشكال مختلفة من هذه العملية دون نجاح يذكر. في عام 2019، طردت الوحدات العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي القوات الموالية للرئيس هادي آنذاك، والحكومة المعترف بها من الأمم المتحدة من عدن. وتحسبًا لانهيار التحالف المناهض للحوثيين، توسطت السعودية في اتفاق بين الحليفين الصوريين. كانت اتفاقية الرياض تهدف إلى إلحاق الوحدات العسكرية الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي بجيش حكومة هادي. ومع ذلك، فإن فشل الصفقة لم يكن مستغربًا حيث تباطأ الطرفان، وتحدثا عن “التسلسل”، وألقى كل منهما باللائمة على الجانب الآخر في عدم الامتثال.
في عام 2022، حاولت السعودية مرة أخرى، إجبار هادي على التنحي عن الرئاسة واستبداله بمجلس قيادة رئاسي من ثمانية رجال، تم تصميمه لتقديم جبهة مشتركة للحوثيين على الصعيدين الدبلوماسي والعسكري. لكن الاتفاقية فشلت مرة أخرى، حيث أمضت الفصائل المختلفة، التي تشكل المجلس، وقتًا أطول في قتال بعضها بعضًا أكثر مما أمضته في قتال الحوثيين. لقد صمد مجلس القيادة الرئاسي، لكنه ليس بالنموذج الذي يُحتذى به.
لا تزال الوحدات العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي تخضع لقيادةٍ وسيطرة منفصلة عن تلك التابعة للحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، وكذلك هو الحال مع قوات المقاومة الوطنية التابعة لطارق صالح وكتائب العمالقة، وجميعها مدعومة من الإمارات العربية المتحدة.
في الواقع، في اليمن، كلما طالت الحرب، ظهرت المزيد من الجماعات المسلحة. تحول الصراع البسيط نسبيًا بين الحوثيين وحكومة هادي المدعومة من التحالف الذي تقوده السعودية، في عام 2015، إلى حرب ثلاثية الأطراف بين الحوثيين وحكومة هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي في عامي 2017 و2018. والآن، تشير العضوية المتنوعة لمجلس القيادة الرئاسي إلى أن اليمن بلد ممزق بشدة مع العديد من الجماعات المسلحة التي في معظمها لا يثق بعضها ببعض.
يعود جزء من أسباب هذا الوضع المعقد للسياسة، ولكن النسبة الأكبر للاقتصاد. فمع استمرار الحرب، تصدعت التحالفات وانقسمت، حيث رأت مجموعات مختلفة فرصة لتعزيز أهدافها الحزبية. على سبيل المثال، كان طارق صالح ذات يوم متحالفًا مع الحوثيين. ولا يزال المجلس الانتقالي الجنوبي، على الرغم من كونه جزءًا من مجلس القيادة الرئاسي، يدعو إلى دولة جنوبية مستقلة ويتبناها، الأمر الذي يتعارض مع أهداف أعضاء المجلس الرئاسي الآخرين. هذا على مستوى النخبة. أما بالنسبة لمعظم الجنود المشاة، وهم العناصر الذين يشكلون الجزء الأكبر من المقاتلين المسلحين في هذه الجماعات، فإن القضية إلى حد كبير تكمن في الرواتب.
لقد تداعت الحرب، وقسّمت الاقتصاد اليمني إلى قسمين غير متكافئين مع بنكين مركزيين وسعرين مختلفين متنافسين للصرف. قبل الحرب، كان يتم تداول الريَال اليمني بسعر 250-1 مقابل الدولار. اليوم يقترب من 600-1 مقابل الدولار في صنعاء، التي يسيطر عليها الحوثيون، ويتأرجح حول 1100-1 في عدن. في مواجهة انهيار العملة وارتفاع الأسعار والتضخم وانعدام فرص العمل، لجأ العديد من الرجال، بالإضافة إلى آلاف الأطفال، إلى الجماعات المسلحة كمصدر للدخل.
هؤلاء العناصر هم الذين يلعبون الدور الرئيسي لضمان استمرار السلام في اليمن. إذا كان من الممكن إقناعهم بإلقاء أسلحتهم، وإذا قدمت لهم رواتب كافية للعيش، وبدائل قابلة للتطبيق بعيدًا عن البقاء في جماعة مسلحة، عندئذٍ قد تثبت أركان السلام في اليمن بالفعل. وإذا لم يتم ذلك، فسوف تستمر الحرب بصرف النظر عن أي صفقة يوقعها الحوثيون مع السعودية.
إذا كان المجتمع الدولي يريد ضمان انتهاء حرب اليمن فعليًا عند توقيع اتفاق السلام وحل الجماعات المسلحة المختلفة وتسريحها فعليًا، فعليه إعادة بناء اقتصاد البلاد. وهذا يتطلب تمويلًا خارجيًا كبيرًا ومستدامًا في وقت يبدو أن العديد من الدول الغربية قد مضت قدمًا في ذلك. ومن دون ذلك، سوف تستمر الحرب في اليمن كما كانت عليه طوال السنوات الثماني الماضية.