ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
في 13 تموز/يوليو، قلّد الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي الدبلوماسي المخضرم أحمد سالم الوحيشي منصب سفير اليمن لدى روسيا، الذي كان شاغرًا منذ العام 2011. حاولت حكومة عبدربه منصور هادي أن تملأ هذا المنصب الشاغر منذ أكثر من عام، إلا أن كافة محاولاتها قد باءت بالفشل. وتكشف النقاشات التي أجريت مع مصادر يمنية النقاب عن سلسلة معقدة من الأحداث التي تظهر حقيقة ما جرى حينذاك، والتي تتناول أيضًا واقع العلاقات اليمنية الروسية.
وفي حزيران/يونيو 2016، لم تعيّن حكومة عبدربه منصور هادي الوحيشي سفيرًا لها في روسيا بل عيّنته سفيرها في قطر. وفي الوقت عينه، عيّنت أيضًا دبلوماسيًا يمنيًا مخضرمًا آخر، مروان نعمان، سفيرًا في روسيا. إلا أن الدوحة وموسكو لم تمنحا موافقتهما لهذين التعينين، خلال المهلة الدبلوماسية المحددة لذلك. ولم تقدم الدولتان أية تبريرات على رفضهما لهذين التعينين، ونظرًا إلى أنهما لم تمضيا قدمًا في هذه التعيينات، قررت حكومة عبدربه منصور هادي أن تقوم بتبديلهما معيّنة بذلك الوحيشي سفيرًا في روسيا ونعمان سفيرًا في قطر. اتخذت عملية تعيين الوحيشي طابعًا رسميًا في شهر آذار/مارس وصادقت موسكو على هذا القرار في شهر حزيران/يونيو. وفي المقابل، لم يتم تعيين نعمان سفيرًا في الدوحة حتى شهر حزيران/يونيو، وذلك قبل يومين فحسب من إقدام اليمن ( إلى جانب المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، ومصر) على قطع علاقاتها مع قطر. وإذ تعذّر على نعمان أن يشغل هذا المنصب في ظل تعليق العلاقات، عُيّن مستشارًا لوزير الخارجية اليمني.
وفيما لم تكن المصادر اليمنية على دراية لمَ رفضت قطر تعيين الوحيشي سفيرًا في العام 2016، فهي تعتقد أنها تعلم لمَ لم تمضي روسيا قدمًا في تعيين نعمان سفيرًا. فبحلول العام 2015، تم عزل العديد من السفراء اليمنيين الذين عيّنهم الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح ولم يتم استبدالهم. وفي العام 2015، عيّنت حكومة عبدربه منصور هادي سفراء جدد في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ولكن ليس في روسيا، ولا في العديد من الدول الأخرى. وتعتقد المصادر اليمنية أن موسكو قد استاءت من هذا الأمر، وردت على هذه الإساءة بعدم المضي قدمًا في تعيين نعمان بعد أن وقع الاختيار عليه في العام 2016. ينظر إلى موافقة موسكو على تعيين الوحيشي (وإن تمت بعد ثلاثة أشهر من الانتظار) على أنها تعكس إحساسًا بأن موسكو تعتقد الآن أن حكومة عبدربه منصور هادي باتت تعي موقفها وتفهمه. كما يُعتقد أن السفير الروسي لدى اليمن، فلاديمير ديدوشكين، الذي يقيم حاليًا في الرياض، قد اضطلع بدور هام في ممارسة الضغوطات على موسكو لتقبل بتعيين الوحيشي كجزء من جهود كبيرة تبذلها روسيا في محاولة للتوصل إلى قرار يمني بوقف إطلاق النار.
تدرك حكومة عبدربه منصور هادي جيدًا أن موسكو تحافظ على علاقاتها الوطيدة مع صالح، غريم هادي، كما فعلت منذ تولي صالح رئاسة اليمن الشمالي في العام 1978. وفيما كانت موسكو تدعم اليمن الجنوبي الماركسي حينذاك، تمكّن صالح مع ذلك من إقناع موسكو بأن تبيعه أسلحة بعد فترة وجيزة من اندلاع الحرب القصيرة عام 1979 بين الشمال والجنوب كما وفي الثمانينات. إلا أن موسكو قد توقفت عن تقديمها للمساعدة لدولة اليمن (التي اتحدت عام 1990) فور انهيار الاتحاد السوفياتي. وفي وقت لاحق، أيّدت موسكو انتقال السلطة برعاية مجلس التعاون الخليجي لفترة ما بين العامين 2011 و2012 من صالح الذي لم يكن يتمتع آنذاك بشعبية واسعة إلى عبدربه منصور هادي الذي كان نائبه لفترة طويلة من الزمن. إلا أن صالح تمكّن من الحفاظ على موقعه كلاعب قوي في اليمن ونجح في إحياء علاقاته مع موسكو عبر معارفه هناك.
ويقال إن إعطاء موسكو حافزًا لئلا تصبح أكثر تأييدًا لصالح يمثّل جزءًا من الدافع الذي يجعل عبدربه منصور هادي يسعى إلى تحسين علاقاته مع روسيا. ويتمثل جزء آخر من هذا الدافع في الاعتقاد بأن هادي سيحتاج إلى نوع ما من التسوية مع صالح من أجل التوصل إلى حل للنزاع اليمني، نظرًا إلى أن التوصل إلى تسوية بين عبدربه منصور هادي من جهة والحوثيين في الشمال أو الانفصاليين في الجنوب من جهة أخرى يبدو مستبعدًا جدًا. وعلى الرغم من أن الإمارات العربية المتحدة كانت من أشد مؤيدي عبدربه منصور هادي، فإن تقاربها المتزايد من معارضيه الانفصاليين يدفعه أيضًا إلى أن يسعى للحصول على مساعدة روسية، ويعود ذلك جزئيًا إلى سعيه إلى استمالة أبوظبي، التي تربطها بموسكو علاقات جيدة جدًا.
ويقال إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرغب في إنشاء قاعدة بحرية في عدن. ولا شك في أن هذا الأمر ليس بجديد، بل الجديد هو ترميم المرافق البحرية السوفياتية في عدن التي استخدمتها موسكو عندما كان اليمن الجنوبي لا يزال مستقلًا. (ويبدو أن بوتين يرغب في استعادة ما كان يمتلكه الاتحاد السوفياتي آنذاك من قواعد عسكرية ودول حليفة قد فقدها عند انتهاء الحرب الباردة.) وقد يكون عبدربه منصور هادي متحمسًا ليقدم لبوتين ما يريد في هذه الحالة. فرأى هادي كيف يمكن أن يعتبر الحفاظ على قاعدة بحرية روسية في سوريا أحد أهداف بوتين للمحافظة على نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وإلى أي مدى ساهم وجود هذه القاعدة، من دون أدنى شك، في تمكين بوتين من القيام بذلك. وقد يعتقد عبدربه منصور هادي أن السماح للروس بإعادة بناء قاعدتهم البحرية في عدن قد يؤدي إلى نتيجة مماثلة في ما يتعلق بقضيته السياسية. وإن هادي يتلقى الدعم من المملكة العربية السعودية إلا أن الجهود التي تبذلها الرياض تصبّ في الشمال حيث تتمركز قوة الحوثيين وصالح أكثر مما تصبّ في الجنوب، حيث يشكّل الانفصاليون وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب خطرًا مباشرًا أكثر. ولا يمكن لهادي أن يكون على يقين أن الأمريكيين سيتدخلون لحمايته.
وقد يقدّر عبدربه منصور هادي أن كلّما ازداد استثمار بوتين في اليمن (أي القاعدة البحرية في عدن)، كلّما ازدادت احتمالية تدخّل روسيا للحفاظ على الحكومة التي جعلت الصفقة ممكنة. ومن الممكن أن تدفع أي زيادة في الحصة الروسية في حكومة هادي بموسكو إلى إقناع الإمارات العربية المتحدة بدعم عبدربه منصور هادي دون خصومه الانفصاليين. وقد تدفع زيادة التدخل الروسي في اليمن بواشنطن إلى إيلاء مزيد من الاهتمام أيضًا. فمهما كانت حسابات هادي، فإن تعيين سفير يمني جديد لدى روسيا قد لا يدل كثيرًا على زيادة الاهتمام الروسي باليمن بقدر ما يدل على زيادة أمل الحكومة اليمنية في ضمان الحصول على مساعدة خارجية.
مارك ن. كاتز، زميل غير مقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، وحاليا يعمل كزميل أول زائر في المعهد الفنلندي للشؤون الدولية.