شهد الأسبوع الماضي تصعيدا غير مسبوق في التوتر بين دول مجلس التعاون الخليجي، وصل إلى حد قيام السعودية والإمارات والبحرين بقطع علاقاتها مع قطر. وبهذه المرحلة يقدم معهد دول الخليج العربية في واشنطن رؤى وتحليلات في التوتر المستمر ويسعى إلى توضيح التداعيات بالنسبة لدولة قطر ودول مجلس التعاون الخليجي المجاورة لها.
شهد هذا الأسبوع تصعيدًا متسارعًا في ما أصبح الآن أكثر الأزمات حدة في تاريخ مجلس التعاون الخليجي منذ الغزو العراقي للكويت، فثلاثة من أعضاء مجلس التعاون الخليجي – السعودية والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، وانضمت إليها مصر وغيرها- قطعت علاقاتها بقطر في خطوة جريئة وعالية المخاطر كي تغير سلوكها، وترقى خطوات هذه الدول إلى محاولة منسقة لفرض أقصى درجات الضغط على قيادة الدولة شبه الجزيرة، ليس فقط بقطع العلاقات الدبلوماسية، بل بمنع حركة البضائع والأشخاص.
وهناك العديد من التكهنات حول أسباب اتخاذ دول الخليج هذه الإجراءات، وتحديدًا في هذا الوقت، رغم أن فحصًا لسلوك ومحتوى التصعيد الذي يقوده الإعلام يكشف عن ديناميكيات أكبر تحدث الآن في الخليج: ديناميكيات تتركز في كل من الائتلافات داخل الدولة والعلاقات الناشئة بين الدولة والمجتمع. والأكثر إثارة للدهشة هو فرض السعودية نفسها قائدة، مدعومة بالبحرين التابعة والإمارات العربية المتحدة المشاركة، لتحالف عربي إسلامي سني عريض. هذه الزعامة، كما يعتقد الكثيرون من كبار محللي ومستشاري الخليج، يمكن أن تتحقق بشكل تام فقط بتوحيد الموقف الاستراتيجي الخليجي: لمواجهة إيران خصمها الرئيسي في المنطقة، ومكافحة الأيديولوجيات الإسلامية المتطرفة الخارجة عن إطار سيطرة الدولة.
داخليًّا، تعمل المملكة السعودية على صياغة هوية وطنية أكثر قوة برعاية آل سعود، وذلك بعملية بدأت في ظل حكم الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز وتسارعت بشدة في ظل حكم الملك سلمان بن عبد العزيز، وهي مشروع وطني يسعى إلى اغتنام جيل الإعلام الجديد، وتقويض الشبكات الإسلامية التي كانت سابقنا مهيمنة على مجتمع مدني واهن، كما يسعى هذا المشروع إلى تهذيب، أو مبدئيًّا، إصلاح المؤسسة الدينية للدولة.
إن موقف قطر المستقل، الذي يتسم معظمه بالأصوات المتعددة الناقدة غالبًا، التي تظهر على منصاتها الإعلامية المتنوعة، يشكل مصدر إزعاج مستمرًّا للزعامة السعودية الإقليمية، ويشكل تحديًا مباشرًا لسعيها إلى خطاب وطني موحد. وفي عالم مشبع بالمعلومات، تتبنى المملكة العربية السعودية وشركاؤها قناعة بأن الطموحات الوطنية والإقليمية تتطلب صوتًا موحدًا تحت زعامة سعودية.
الحزم الجديد
أظهرت المملكة السعودية تحت حكم الملك سلمان حزمًا لفرض قوتها في الخارج ولإعادة صياغة العقد الاجتماعي في الداخل، في خطوة تتناقض مع الحذر السعودي التاريخي، فالقرار السعودي بقيادة تحالف عسكري في اليمن بعد وقت قصير من سيطرة المتمردين الحوثيين وحلفائهم على مدينة عدن الجنوبية، يعكس مخاوف السعودية من أن يتم تطويقها من قبل حركات تحت النفوذ الإيراني، ويعكس حزمًا سعوديًّا جديدًا، وقد تبنت القيادة السعودية الجديدة بالفعل توصيف “عاصفة الحزم” شعارًا للعهد الجديد.
وفيما شكّل هذا الرد العسكري غير المعهود مفاجأة وبث قليلا من الذعر لدى معظم المحللين الغربيين، نالت حملة اليمن دعم قطاع كبير من القوميين والإسلاميين في الجمهور السعودي. وأظهرت السعودية إصرارها على لعب دور قيادي أكبر لمواجهة إيران وتشكيل تحالف سني أوسع لمكافحة التطرف عن طريق إنشاء التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب في كانون الأول/ديسمبر عام 2015.
لقد وجدت طموحات الزعامة السعودية الجديدة في الإمارات العربية المتحدة شريكًا متحمسًا، يرى في إعادة فرض السعودية ومصر نفسيهما عنصرًا أساسيًّا لإستراتيجيتها الإقليمية في دحر إيران ووضع الناشطين الإسلاميين تحت قيادة الدولة. هذه الشراكة الناشئة تمت رعايتها من قبل الأمير محمد بن سلمان الشاب القوي، ولي ولي العهد ووزير الدفاع السعودي، لاحترامه النجاحات الإماراتية في التنويع الاقتصادي وبناء الأمة.
النموذج الإماراتي كان واضحًا في توعية الجيل الجديد من الشباب، التي قادها أيضًا ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وتتطلب إصلاحات الرؤية السعودية 2030 المزيد من المسؤولية تجاه الشباب الذين يجدون أنفسهم تحت طائلة التقشف، ولكنها أيضا تتطلب فتح المزيد من الآفاق للمشاركة في الحياة العامة والاقتصادية. أما الفضاء الجديد، الذي لا يزال مرتبطًا بقوة بالدولة وقيادتها، فقد نشأ عن طريق تقليص مراكز القوى في المؤسسة الإسلامية، وأبرزها الشرطة الدينية للدولة.
وتم عرض كل من الطموحات الدولية والمحلية للتحول السعودي الجديد بشكل كامل خلال زيارة الرئيس الأميركي دونالد جي. ترامب للرياض في أيار/مايو، وقد جمعت القيادة السعودية بشكل مثير للإعجاب 55 دولة في القمة العربية الإسلامية الأميركية، وركزت على كل من جهود مكافحة الإرهاب وتوعية النساء والشباب من خلال زيارات إلى المركز العالمي الجديد لمكافحة الأيديولوجيات المتطرفة، ومصنع شركة جنرال إلكتريك الذي يوظف النساء، ومنتدى المغردين الذي ترعاه مؤسسة الأمير محمد بن سلمان. وكان الهدف من التجمع هو إثارة إعجاب الإدارة الأميركية الجديدة وقد تحقق ذلك؛ فكان هناك رد فعل مُبهر من ترامب يؤشر اعتراف الولايات المتحدة بالدور القيادي الجديد للسعودية في الشؤون العربية والإسلامية.
إعادة قطر إلى الصف
من اللافت أن المواجهة مع قطر تأتي في أعقاب قمة الرياض، التي كانت ذروة الاستعراض الرمزي لقوة السعودية الجديدة. وسواء كانت الخطوة المنسقة مع الحلفاء العرب والخليجيين تشير إلى رد فعل غاضب تجاه التمرد القطري أم إلى استعراض جريء للقوة يعتمد على تقييمات فردية لصحة الخطاب المزعوم الذي أدلى به الأمير تميم بن حمد آل ثاني، فإن أي تفسير يقود إلى النقطة ذاتها: تصاعد حزم السعودية، بدعم من دولة الإمارات العربية المتحدة، ومطالبتها بقبول دورها القيادي والامتثال له، خاصة من قبل شركائها الخليجيين.
لقد اعتمدت إستراتيجية قطر الإقليمية بشكل كبير على القوة الناعمة لذراعها الإعلامية، فدعم قطر وتعاطفها مع الإخوان المسلمين ودعم بعض الحركات السلفية المتشددة في سوريا تمت الإشارة إليه بشكل متكرر. وكان الأمر الأقل ترحيبًا هو استضافة قطر لمجموعة أكثر تنوعًا من القوميين العرب والناشطين الشباب من خلال وسائل إعلامها الأكثر انفتاحًا. وفي الحقيقة، اكتسب عامل التواصل هذا أهمية منذ المواجهة السعودية-الإماراتية-البحرينية مع قطر في عام 2014، والتي انتهت باتفاق الرياض الذي فرض قيودًا على دعم قطر للإسلاميين. إن استعداد قطر في ظل الأمير الجديد تميم لاتخاذ خطوات تحترم الزعامة السعودية كان واضحًا في مشاركتها في كل من التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن وفي التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب.
ومع ذلك، تواصلت إدانة الإمبراطورية الإعلامية القطرية والحاجة لوضع قطر في الصف وراء خطاب خليجي أكثر توحدًا، وكانت قضية مركزية في كل من الحملة الإعلامية العنيفة في الأسبوعين الماضيين والمطالب الحالية غير الرسمية التي تم إبلاغ قطر بها. وكانت المواجهة الحالية مليئة بشكاوى المسؤولين والمستشارين السعوديين والإماراتيين حول عدم احترام وسائل الإعلام القطرية لقمة الرياض، وتغطيتها المنتقدة لحرب اليمن. ويبدو أن الاتهامات بأن قطر تدعم متمردين إرهابيين في البحرين والمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية تستند إلى التغطية المنتقدة للعمليات الأمنية الأخيرة، والتي يُنظر إليها على أنها تحريض إعلامي.
إن الرغبة في إعادة سياسات قطر إلى الصف، ومن ثم تقييد إعلامها، قد تعكس أيضًا الفترة العصيبة التي تواجهها المنطقة الآن، فالتغطية الصحفية الناقدة والتوعية الشبابية والإسلامية البديلة أصبحت تشكل تهديدًا لأن كلاً من الحملات الإقليمية والمشاريع الوطنية تمر بلحظات عصيبة متوقعة. وأدى الوصول إلى طريق مسدود عسكريا في اليمن إلى زيادة التدهور الاقتصادي والانقسامات السياسية في البلاد، فأنتج أزمة إنسانية متصاعدة تتم تغطيتها من قبل وسائل الإعلام القطرية بشكل حثيث، كما أنه كشف عن خلافات بين الشريكين الرئيسيين السعودية والإمارات. ويعد التحول المحفوف بالمخاطر بإشراك الشباب في إطار مشروع وطني موحد في ظل ظروف التقشف اقتراحًا أكثر صعوبة بالنسبة للمملكة العربية السعودية منه في دولة الإمارات العربية المتحدة الأكثر ثراءً أو حتى في قطر، فالسعودية ذات الموارد الأقل وذات الكثير من الشبكات الإسلامية والشباب العاطلين عن العمل، لن تخدمها تدخلات قطر المحسوسة والخطاب المضاد المتاح عبر أذرعها الإعلامية.
الخليج الموحد
إن التحديات الأمنية والاجتماعية في مرحلة التحول الحالية، وتشجيع الإدارة الأميركية المحسوس، قد قادا السعودية والإمارات، وحلفاءهما إلى تعزيز تقدمهم وتحقيق أهدافهم: خليج موحد تحت رعاية سعودية. ومن وجهة نظر القيادتين السعودية والإماراتية، فإن التوقعات المتباينة والأجندات المتنافسة في مجلس التعاون الخليجي أضعفت تماسكه الاستراتيجي، وحدّت من فاعليته بسبب المنافسين، وفتحت الحدود الوطنية أمام عدم الاستقرار، لا سيما من قبل الإسلاميين وجماعات الناشطين، ويرى أنصار قطر أن الحملة تعد انتهاكًا لسيادتها وكبحًا للفضاء السياسي الذي اتاحته. وسترسم نتائج المواجهة مستقبل الخليج ووسائل إعلامه أيضًا.