في 20 كانون الثاني/ يناير أدّى رئيس الولايات المتحدة المنتخب دونالد ج. ترامب اليمين الدستورية. يستعرض الباحثون المقيمون الأولون في معهد دول الخليج العربية في واشنطن تصريحات بعض مرشحي الرئيس الأساسيين لتولّي مناصب وزارية في خلال جلسات المصادقة على تعيينهم – وتصريحات الرئيس نفسه – لاستشفاف سياسات الإدارة الجديدة المحتملة بشأن القضايا الأكثر إلحاحًا التي تهم دول الخليج العربية.
خلافًا للكثيرين في الولايات المتحدة ومختلف أنحاء العالم، تنظر دول الخليج العربية إلى إدارة الرئيس دونالد ج. ترامب مترقبةً تحسين مصالحها لكن قلقةً في الوقت عينه بشأن التغييرات المحتملة في السياسة الخارجية الأمريكية التقليدية. وبشكل عام، لطالما شعرت حكومات الخليج العربية بارتياح حيال الجمهوريين أكبر من الديمقراطيين منذ برزت الولايات المتحدة كلاعبة أساسية في الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية. وجمعت علاقات ودّ واحترام بين الكثيرين من واضعي السياسات الخليجيين ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون وبالتالي ما كان ليشكّل انتخابها رئيسة مصدر قلق لهم. فهم يشاركونها من دون شك الاهتمام الأوسع نطاقًا باستقرار سياسة الولايات المتحدة الخارجية واستمراريتها، وهي سياسة كان من المتوقّع أن تمثّلها، بعكس الرئيس ترامب. ومع ذلك، لا يمكن القول إن التحوّل في القوة الأمريكية الناتج عن استبدال ديمقراطية مألوفة بجمهوري يصعب توقّع تصرّفاته لم يكن تحولًا غير مرحّب به تمامًا بنظر عدة دول خليجية.
فضلًا عن ذلك، لا تتوقع هذه الحكومات أن توجه إليها الإدارة الجديدة المخاوف نفسها بشأن حقوق الإنسان التي لطالما عبّرت عنها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما أو أن تشدد من جديد على حقوق المرأة التي كانت لتشكّل سمة من سمات إدارة كلينتون. وبالفعل، أثارت فكرة عدم حرص واشنطن على إثارة هذه القضايا في عهد إدارة ترامب حماسة مجموعة من حكومات الشرق الأوسط من العرب وغير العرب. وبالإضافة إلى ذلك، لا يثير تشديد ترامب كمرشح في خلال الانتخابات على إقامة علاقات تقوم على التجارة والسجلّات المالية مع شركاء الولايات المتحدة التقليديين حول العالم، ومن بينهم حلفاء الناتو، قلق حكومات الخليج العربية نظرًا للمبالغ المالية الضخمة التي تنفقها على الأسلحة والسلع الأمريكية الأخرى منذ السنوات الأخيرة. وما من شكّ أن أي دراسة للسجلّ المالي بين الاقتصاد الأمريكي واقتصاداتها ستنعكس بشكل إيجابي عليها ولا سيّما من الناحية النقدية البحتة.
ولعل المسألة الأهم التي تعلّق بسببها بلدان الخليج العربية آمالًا كبيرة على الإدارة الجديدة هي السياسة الأمريكية تجاه إيران. فشعرت هذه الحكومات، ولا سيّما في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، أن الولايات المتحدة قد تخلّت عنها أمام تعاظم نفوذ إيران الإقليمي وبخاصة في خلال ولاية أوباما الثانية. ولقد أعربت عن تحفظات شديدة بشأن المفاوضات الدولية النووية مع إيران وعبّرت عن مخاوف كبيرة حول التداعيات الواسعة النطاق لخطة العمل الشاملة المشتركة وشعرت أن واشنطن لا تعمل بما فيه الكفاية للحد من انتشار النفوذ الإيراني في سوريا والعراق ودول عربية رئيسية أخرى. وبذلت إدارة أوباما جهودًا كثيرة لطمأنة شركاء واشنطن العرب في الخليج فنجحت إلى حدّ ما ولا سيّما في ما يتعلّق بخطة العمل الشاملة المشتركة ولكن ظلّ شعور عام بخيبة الأمل والقلق حيال السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط سائدًا.
وبالتالي، لم تحزن كثير من الحكومات الخليجية العربية بعد رحيل أوباما وفريقه عن الساحة الدولية. وفضلًا عن ذلك، أثارت تعليقات ترامب والكثيرين من مستشاريه ومسؤوليه المعيّنين الرئيسيين المعادية جدًا لإيران ودورها الإقليمي حماسة هذه الحكومات. ولكن لم تخلُ هذه الآمال من بعض التحفظات. فثمة قلق من أن يقوّض مفهوم ترامب للقومية والشعبوية، أي مفهومه المرتقب “لأمريكا أولًا”، التزام إدارته بدور الولايات المتحدة العالمي وأن يؤدي إلى سياسة انعزال جديدة من دون مكوّن دولي قوي. وعلى وجه التحديد، عبّر ترامب مرارًا عن إعجابه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين واقترح أن تكون روسيا شريكة في المعركة ضد الإرهاب في سوريا. ومن وجهة نظر بلدان الخليج ولا سيّما السعودية وقطر، تضع السياسات المماثلة بشكل أساسي الولايات المتحدة في صفّ إيران في سوريا التي تعتبرها هذه البلدان ساحة معركة حاسمة في الشرق الأوسط المعاصر وقد ترسم نتيجتها المشهد الإقليمي الاستراتيجي للعقود القادمة. ولكن خطاب حملة ترامب الذي كان معاديًا لإيران ومتعاطفًا مع روسيا لا يتماشى مع الوضع في الشرق الأوسط حيث تسعى طهران وموسكو خلف الأهداف عينها.
ويحتلّ الجانب العسكري الأهمية الكبرى في العلاقات بين الولايات المتحدة وشركائها العرب في الخليج، ويُعتبر بالتالي تعيين الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس الذي تمت المصادقة على تعيينه كوزير للدفاع التعيين الأهم بالنسبة لبلدان الخليج (إلى جانب وزير الأمن الداخلي الجديد الجنرال المتقاعد الآخر جون كيلي). واتّخذ ماتيس في إجاباته المكتوبة أمام لجنة القوات المسلّحة في مجلس الشيوخ موقفًا متشددًا حيال إيران وأفاد قائلًا، “إن إيران هي أكبر قوة مزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط وسياساتها تتعارض مع مصالحنا.” وأضاف أن استراتيجية الولايات المتحدة يجب أن تقوم على محاربة الإرهاب والتطرّف “وتقديم الدعم للحكومات المتجاوبة” “والتصدي لهدف إيران بالهيمنة الإقليمية والقضاء عليه”.
واعترف أن المجموعات مثل الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) تشكّل تهديدًا خطيرًا وكتب أن “إيران أثبتت من جهة أخرى دورها كمصدر الاضطرابات الأساسي في الشرق الأوسط”. وعندما سُئل إذا كانت إيران تشكّل “تهديدًا مشتركًا للولايات المتحدة وإسرائيل” أجاب أنها تشكل هذا التهديد بالفعل ولكنه تابع قائلًا،”أودّ أن أضيف أنها تهدّد شركاءنا العرب في المنطقة أيضًا”. ويشير هذا التعليق إلى أنه في حين لا تزال الدول العربية تحتل مرتبة ثانوية في الكونغرس، لن يحصل ذلك في البنتاغون في عهد ماتيس. وفضلًا عن ذلك، لم تتفاجأ حكومات الخليج بهذا الموقف المتشدّد تجاه مكانة إيران الخطيرة والحاجة إلى ردّ أمريكي قوي عليها. وأُفيد أن مدّة ترؤسه للقيادة المركزية الأمريكية، وهي محور الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، قد أٌنهيت قبل أوانها لأن موقفه الحازم تجاه سوء سلوك إيران لم يتماشَ مع المفاوضات النووية التي كانت جارية في ذلك الوقت. وأُفيد أنه في عام 2011 اقترح ماتيس ردًا عسكريًا أمريكيًا مباشرًا ضد أهداف إيرانية بسبب الهجمات المنتظمة التي تنفَّذ بتوجيه من إيران ضد القوات الأمريكية في العراق. ورفض البيت الأبيض الخطة وأُعفي ماتيس من منصبه القيادي قبل الموعد المحدّد نتيجة اختلاف الآراء حول كيفية التعامل مع الاستفزازات الإيرانية.
وأعربت بلدان الخليج عن قلقها من خطة العمل الشاملة المشتركة في خلال المفاوضات قبل أن تدعمها في نهاية المطاف. ولكن الآن وبعدما تم التوصّل إلى الاتفاق، ترى هذه البلدان أنه ينبغي تنفيذه بصرامة بدلًا من إبطاله من جانب واحد كما اقترح ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكثر من مرّة. وبدا ماتيس في خلال شهادته من مؤيدي وجهة النظر هذه وقال إن خطة العمل الشاملة المشتركة “ليست مثالية… ولكن عندما تقطع الولايات المتحدة وعدًا علينا أن نسعى للوفاء به والعمل مع حلفائنا”. ويتوافق بالتالي موقف ماتيس من خطة العمل هذه إلى حدّ كبير مع موقف بلدان الخليج العربية وكذلك موقفه الحازم ضدّ أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار والالتزام بالعمل مع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة والإيمان باستخدام الانتشار القوي على الخطوط الأمامية لمنع الصراعات من خلال إبراز القوة. وبالفعل، من الصعب تصوّر وزير دفاع قد يتناغم تفكيره بهذا القدر مع التفكير المسيطر في بلدان الخليج العربية، للوهلة الأولى على الأقل.
وربما يُعتبر نائب ولاية كانساس مايك بومبيو المرشح الأكثر تشددًا حيال موضوع الاتفاق النووي الإيراني من بين مرشحي ترامب وقد اختير لترأس وكالة الاستخبارات المركزية. وقال عند ترشيحه: “أتطلّع للتراجع عن هذا الاتفاق الكارثي مع أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم”. ولكن في خلال جلسة المصادقة على تعيينه، أخبر لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ قائلًا، “عندما كنت عضوًا في الكونغرس عارضت الاتفاق النووي الإيراني وإذا تمت المصادقة على تعييني سيتغيّر دوري”. وتابع أن مهمّته ستقوم على الإشراف على عمل المحلّلين المحترفين “وتقديم تقييماتهم لواضعي السياسات”. ولم يغيّر رأيه حيال الاتفاق وأصرّ قائلًا، “أتمسّك بانتقادي لخطة العمل الشاملة” ولكنه أشار أيضًا إلى أنهّ لم يتوقّع أن يلعب دورًا أساسيًا في تقرير مصيرها. وأضاف بومبيو في إجاباته المكتوبة على أسئلة اللجنة أن إيران “تشكّل تهديدًا خطيرًا لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها” وهي “من أبرز الدول الراعية للإرهاب”. وأفاد في شهادته أن “الإيرانيين يحترفون الغش” واقترح أنه سيشرف على نهج قائم على التشكيك للتحقّق من ادّعاءات إيران بالتقيّد بشروط خطة العمل الشاملة المشتركة. ولذلك، سيعتبر على الأرجح عدد كبير من واضعي السياسات الخليجيين بومبيو كعنصر ثمين سيتّخذ موقفًا صارمًا بشأن إيران ولكنه يتنصّل على ما يبدو من فكرة أن إبطال خطة العمل الشاملة المشتركة تقع على عاتقه.
ولعل أكبر علامات استفهام لدى دول الخليج تتعلّق بمرشّح ترامب لمنصب وزير الخارجية ريكس تيلرسون. فقد أُفيد أن شركة إكسون موبيل قد تعاملت تحت قيادته مع إيران (وسوريا) عن طريق شركة تابعة أوروبية وقد بنى علاقات وثيقة مع روسيا وبوتين. وعبّر علنًا عن استعداده لقيام إكسون موبيل بأعمال مباشرة مع إيران بسبب مواردها الكثيرة. ولكن قال تيلرسون في شهادته المكتوبة إن “إيران وكوريا الشمالية تشكلان خطرًا كبيرًا على العالم بسبب رفضهما التقيّد بالمعايير الدولية”. وللردّ، تابع قائلًا “إنه لا ينبغي تجديد الدور القيادي الأمريكي فحسب بل لا بدّ من ترسيخه أيضًا” “وإن حلفاءنا يتطلّعون لعودة قيادتنا”. ومن دون شك، شعرت بلدان الخليج العربية بتراجع الدور الأمريكي في منطقتهم على حساب مصالحهم. وفي حين لم يتوضّح بعد ما الذي كان يشير إليه بالتحديد، لفت إلى أنه “لا يمكننا أن نتجاهل انتهاكات الاتفاقيات الدولية كما فعلنا مع إيران”.
وقام اثنان على الأقل من مرشّحي ترامب الآخرين بتعليقات يمكن اعتبارها مشجعة لبلدان الخليج العربية. فحذّر وزير الأمن الداخلي الجديد كيلي في شهادته أمام مجلس الشيوخ في عام 2015 من أن إيران وحزب الله يسعيان لتوسيع نطاق نفوذهما في أمريكا اللاتينية وأن “تدخّل إيران في المنطقة وهذه المراكز الثقافية تشكّل مصدر قلق بما أنها الدولة الأولى الراعية للإرهاب”. وعبّرت مرشحة ترامب لمنصب سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتّحدة حاكمة كارولاينا الجنوبية السابقة نيكي هايلي عن موافقتها ماتيس الرأي (ووجهة النظر الخليجية السائدة) أن محاولة إبطال الاتفاق النووي الإيراني من جانب واحد هي فكرة سيئة وأنه “من المفيد أكثر في هذه المرحلة رؤية ما إذا كان [الإيرانيون] يتقيّدون فعلًا بالاتفاق. وفي حال تبيّن لنا أن هناك انتهاكات علينا أن نتصرف حيالها.”
وتعزّز هذه التعليقات الشعور بأن إدارة ترامب قد تتّخذ بشكل عام موقفًا صارمًا بشأن إيران ولكن لن تتسرّع وتتهوّر لإبطال خطة العمل الشاملة المشتركة بطريقة قد تصب في النهاية في مصلحة صقور طهران. فدول الخليج تمرّ بموقف صعب تمامًا مثل جميع أصدقاء الولايات المتحدة وأعدائها على حدّ سواء: لا أحد يعرف ما يمكن توقّعه من ترامب أو كيف ستكون سياساته الخارجية. ولكن جلسات المصادقة على تعيين مرشّحيه الأخيرة وتعليقات هؤلاء ولا سيّما بشأن إيران وخطة العمل الشاملة المشتركة ستلقى ترحيبًا في الخليج كمؤشرات إيجابية.