خلال العقد الماضي حدث نمو مطرد في الإنفاق الحكومي في دول الخليج العربية على الرغم من فترات استفحلت فيها الأوضاع المالية. وقد تطلبت الزيادة السكانية والقطاعات العامة الضخمة والمبادرات التنموية الطموحة والمناسبات الهامة نفقات عالية. كما أن تداعيات جائحة كورونا وتراجع أسعار النفط في عام 2020 قد أشارت إلى اتجاه مالي جديد: إنفاق أقل وعجز مستمر.
إن الميزانيات الأصغر والأسعار المتحفظة للنفط في 2021 – حوالي 40 إلى 50 دولاراً للبرميل – تكشف إعادة مواءمة جزئية للميزانية مع الواقع الاقتصادي. وقد يسمح هذا النهج الحذر للموازنات العامة لدول الخليج باختتام العام على نحو أفضل قليلاً من المتوقع نظراً لأن مراقبي أسواق النفط قد رفعوا سقف توقعاتهم لأسعار النفط لعام 2021 إلى ما بين 50 إلى 60 دولاراً للبرميل، ومع ذلك فإن الاستعداد لتعويض العجز الضخم وظهور تحولات على فيروس كورونا تهدد بإطالة فترة الجائحة سيؤديان لضغط إضافي على التحديات الاقتصادية المتصاعدة في دول الخليج.
وجاءت ميزانية المملكة العربية السعودية لعام 2021، البالغة 263,9 مليار دولار، أقل بحوالي 7% من الإنفاق الذي كان متوقعاً عام 2020. فقد كان العجز المتوقع في عام 2020 حوالي 79,4 مليار دولار، وهذا حوالي 12% من الناتج المحلي الإجمالي. ويأمل المسؤولون السعوديون أن يتراجع العجز في 2021 إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي. وعند 37,6 مليار دولار، فإن توقع العجز هذا يعادل حوالي 40 مليار دولار يخطط صندوق الاستثمار العام لضخها في اقتصاد الدولة هذا العام. ويقدر صندوق النقد الدولي أن يصل سعر التعادل المالي للنفط في السعودية إلى 68 دولاراً للبرميل، وهذا ليس بعيداً عن التوقعات المتفائلة حول أسعار النفط.
خلال العامين المنصرمين، اتخذت السعودية عدداً من الخطوات لزيادة العائدات غير النفطية، وذلك بفرض ضرائب ورسوم جديدة بالتوازي مع تخفيض النفقات، ولكن الجانب الآخر لطرح آليات توليد عائدات جديدة وضبط الوضع المالي كان تراجع طلبات الاستثمار. تجد السعودية صعوبة كبيرة في تعزيز المستوى المتدني والمتراجع لتدفق الاستثمار الأجنبي المباشر منذ عام 2008. ومع أن خفض النفقات لا يلق رواجاً لدى المستثمرين، إلا أن المسؤولين السعوديين يعملون بشكل جاد على تعزيز عدد من مبادرات الاستثمار الرفيعة المستوى والممتدة من ساحل البحر الأحمر إلى الرياض. كما أن صنّاع السياسة يعملون ببط شديد على خطط لحوالي عشرين منطقة اقتصادية جديدة مع توفير بيئات تنظيمية وملائمة للاستثمار.
لقد تم خفض الإنفاق في الميزان المالي البحريني في العامين 2019 و2020، وتعكس مسودة ميزانية البلاد للعامين 2021 و2022 الحد الأدنى من التحرك على صعيد الإنفاق، متجاوزاً انخفاضاً قليلاً في الإنفاق من 8,74 إلى 8,54 مليار دولار. وسيبقى العجز في البحرين مرتفعاً بعد أن تضخم إلى ما يقارب 4,4 مليار دولار في عام 2020، وهذا يساوي حوالي 14% من الناتج المحلي الإجمالي. واستناداً إلى افتراض معدل أسعار النفط بـ 45 دولاراً للبرميل، فإن المسؤولين الحكوميين يتوخون عجزاً بقيمة 3,4 مليار دولار في 2021 و3 مليارات دولار في عام 2022، وقد تطلب البحرين دعماً ماليًا إضافياً من جيرانها في الخليج اعتباراً من 2023 فصاعداً حسب تصنيف وكالة فيتش.
بعد نشرها بيانات ميزانية متوازنة تقريباً في عام 2020، أعلنت قطر عن ميزانية 2021 بقيمة 53,5 مليار دولار، ويشمل هذا التوزيع تخفيضاً على الإنفاق بحوالي 7,5% وعجزاً بقيمة 9,5 مليار دولار ومتوسط سعر للنفط متحفّظ نسبياً بقيمة 40 دولاراً للبرميل، ويُرجّح أن تبقى الدولة تسجل عجزاً حتى عام 2024، عندما يعمل إنتاج الغاز الموسع على تعزيز العائدات. ومع ذلك فإن التحولات السلبية في سوق الغاز العالمي خلال الأعوام المقبلة قد تضيف ضغطاً على عبء الدّين الخارجي للحكومة القطرية، الذي وصل إلى 62,9 مليار دولار في عام 2020 بعد أن كان 20,2 مليار دولار في عام 2015 حسب وزارة المالية.
وتتحمل عُمان عبئًا ثقيلاً من الديون، وتملك مخزونا ضئيلاً من المصادر المالية لتلبية التزاماتها المتنوعة. وفي ميزانية 2021 خفّضت الحكومة الإنفاق بحوالي 14% مقارنة بعام 2020 على فرض أن يصل سعر النفط إلى 45 دولاراً للبرميل. وحتى مع هذه الإجراءات فإن المسؤولين العمانيين يتوقعون عجزًا بقيمة 5,7 مليار دولار في عام 2021، والذي يمثل حوالي 8% من الناتج المحلي الإجمالي. وتهدف خطة عمان المالية متوسطة المدى إلى تخفيض مطرد في العجز – يصل إلى 1,7% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024- مع تعزيز العائدات غير النفطية، ومع ذلك هناك قلق حول قدرة السلطنة على مواجهة العجز وتحقيق أهداف هذه العائدات.
تقدم الميزانية الاتحادية للإمارات العربية المتحدة بعض الرؤى في الديناميكية المالية التي تؤديها على مستوى كل إمارة بمفردها، فقد انخفضت الميزانية الاتحادية عام 2021 بنسبة 5% عن ميزانية عام 2020، التي كانت أكبر ميزانية تم رصدها منذ تأسيس الدولة. وانخفض حجم ميزانية دبي لعام 2021 بحوالي 14% عن ميزانية الإمارة نفسها لعام 2020 المعلنة في ديسمبر/كانون الأول 2019، وهذا قبل التعديلات المرتبطة بجائحة كورونا وتراجع أسعار النفط. ومع ذلك فإن حاكم الشارقة أقرّ أضخم ميزانية للإمارة – بزيادة 12% عن ميزانية 2020.
أما الكويت فقد قامت بزيادة نسبة الإنفاق للسنة المالية 2021 بحوالي 7% ابتداء من أبريل/نيسان. وقد بنى المسؤولون الكويتيون حساباتهم على أسعار النفط بقيمة 45 دولاراً للبرميل: ستحتاج الكويت لسعر يصل إلى 90 دولاراً للبرميل لتحقيق التوازن في الميزانية، ومن المتوقع حدوث نقص بقيمة 40 مليار دولار. وقامت الحكومة بإيقاف التمويلات السنوية التلقائية لصندوق الأجيال القادمة، وهو صندوق سيادي مالي، وبدلاً من ذلك قامت الحكومة بتحويل الأصول المنتجة التي لها تدفقات نقدية منتظمة إلى صندوق الأجيال القادمة مقابل النقد المطلوب لصالح عجز الميزانية الشهري. ودون وجود تقدم في خطة ديون جديدة، فإن خيارات الحكومة لتلبية احتياجاتها المالية في العام المقبل محدودة.
إنّ الحجم الكلي لميزانيات دول الخليج وتجاوبها – أو عدم تجاوبها- مع الواقع الاقتصادي السائد هو فقط جزء من المشكلة. إن أحد المعوقات الرئيسية يشمل الطبيعة المشوهة لميزانيات الخليج، حيث إنّ قطاع النفط والغاز يمثل 70% أو أكثر من العائدات الحكومية الإجمالية في معظم دول الخليج، وفي الوقت نفسه، فإن الأجور والإعانات تشكل أغلبية الإنفاق الحكومي، ومكونات الميزانية هذه صعبة الإصلاح. أمّا قطر- التي تعتبر من أفضل الدول في إجراء تسويات مالية- فقد استطاعت فقط تخفيض مخصصات الرواتب والأجور بحوالي 1,9% من 2020 إلى 2021.
إن استمرار بنية هذه العائدات والنفقات لافتةً للنظر، ولكنها في المحصلة لن تكون مستدامة، وما لم يتم إجراء تغييرات جذرية على المكونات البنيوية لهذه الميزانيات، ومأسسة الآليات غير النفطية المدرة للربح، فإن التعديلات الطفيفة على هامش السياسة النقدية سيكون لها تأثير محدود على قدرة حكومات الخليج على تحقيق نجاح في مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل.