في الوقت الذي تمضي فيه الإدارة الأمريكية الجديدة بخطواتها الأولى نحو عملية دبلوماسية متجددة مع إيران بهدف الرجوع إلى الاتفاق النووي، فإنه يتم الآن اختبار قدرة إسرائيل ودول الخليج على ترجمة مصالحها الاستراتيجية المشتركة فيما يتعلق بإيران إلى سياسة منسقة بشكل عام، وفيما يتعلق بواشنطن على وجه الخصوص.
تفتح عملية التطبيع بين إسرائيل ودول الخليج فرصاً جديدة ومتنوعة للتعاون الاستراتيجي لكلا الطرفين. يرى الكثير من الإسرائيليين، وخاصة في الدوائر الحكومية، أن الأولوية السياسية والأمنية العليا للعلاقات مع دول الخليج العربية تكمن في بذل الجهود لإنشاء جبهة إقليمية واسعة لمواجهة نفوذ إيران في الشرق الأوسط.
لدى إسرائيل ودول الخليج سلسلة من المصالح الآنية والمتوافقة فيما يتعلق بإيران والتهديدات التي تشكلها، ولا سيما ضرورة عرقلة سعيها للهيمنة الإقليمية وامتلاك قدرات السلاح النووي. تسعى إسرائيل ودول الخليج جاهدة إلى إحباط هجمات إيران، سواء بشكل مباشر أو عبر وكلائها، ومواجهة جهودها الرامية لبناء قدرات وكلائها وترسيخها على حدودها وفي مناطق أبعد.
على الرغم من التقارب الكبير في المصالح، إلا أنه من المتوقع أن يكون تبني نهج مشترك وتنسيق السياسات بشأن المفاوضات مع إيران أمراً معقداً، إلى جانب وجود أسباب أخرى لأنه تم دخول عنصر آخر إلى المعادلة – ألا وهو الولايات المتحدة. وقد تسلط هذه الديناميكية الثلاثية الضوء على الاختلافات والفجوات المحتملة بين إسرائيل ودول الخليج في مظاهر متعددة.
الاعتماد على الولايات المتحدة في ظل التهديدات الإيرانية
في الوقت الذي تعطي فيه إسرائيل الأولوية للتحدي النووي، فإن الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين تبدو أكثر تخوفًا من أن تقوم إيران ووكلاؤها بمحاصرة هذه الدول، التي تشعر بقلق بالغ من التهديد الإيراني المباشر لأمنها واستقرارها.
وعلاوة على ذلك، في حين أن إسرائيل قادرة على التعامل مع التهديدات التي تشكلها الصواريخ والطائرات الإيرانية المسيرة، إلا أن قوة الردع وتوازن القوى بين إيران ودول الخليج يميلان لصالح إيران، حيث تمكنت إيران ووكلاؤها من اختراق الدفاعات الجوية في الخليج وتنفيذ هجمات على البنية التحتية المدنية والاقتصادية الرئيسية، وأصبحت دول الخليج العربية أكثر اعتماداً على المظلة الأمريكية الدفاعية.
الحوار مع واشنطن حول إيران
تدعو كل من إسرائيل ودول الخليج إدارة الرئيس جوزيف بايدن للتشاور معهم بشأن الخطوات التي ستتخذها الولايات المتحدة حيال طهران لكيلا تفاجئهم، كما حصل بشأن التفاوض على خطة العمل الشاملة المشتركة، التي تم التوقيع عليها في عام 2015. ومع ذلك، فإن إسرائيل تنادي بصوت أعلى وأكثر تركيزاً للاعتراض على عودة الإدارة الأمريكية إلى خطة العمل الشاملة المشتركة. ومقارنة بذلك، ليس من الواضح ما إذا كانت الإمارات والسعودية بشكل خاص ستكونان على استعداد لمواجهة الإدارة الأمريكية بشكل مباشر في هذا الشأن أم أنهما ستختاران بدلاً من ذلك إعطاء الأولوية للجهود الرامية لاستعادة علاقاتهما مع واشنطن، والتي تلطخت بقضايا حقوق الإنسان والحرب في اليمن.
وأياً كان الأمر، فمن المتوقع أن يكون الحوار السياسي-العسكري بخصوص إيران بين إسرائيل ودول الخليج من جهة والإدارة الأمريكية من جهة أخرى معقداً، ومتعدد الأبعاد، ويستند إلى معلومات استخباراتية حساسة. ولذلك فمن المرجح أن تسعى كل من دول الخليج وإسرائيل إلى إبقاء قنواتهما الثنائية، القائمة حالياً، مع واشنطن حصرية وفعالة، الأمر الذي يجعل التعاون الكامل والمفصل فيما بينهم صعباً (وعلى الأخص ما يتعلق بمختلف تفاصيل القضية النووية) دون تنسيق الاتصالات الاستراتيجية والمبادئ التوجيهية للسياسة العامة.
الحفاظ على التفوق العسكري النوعي
من المرجح أن تضغط الدول الجديدة، التي تدرس تطبيع العلاقات مع إسرائيل في المستقبل، وخاصة السعودية، للحصول على أنظمة أسلحة متطورة من الولايات المتحدة، مثل طائرات إف-35 والطائرات العسكرية المسيرة، في أعقاب السابقة التي أرستها الاتفاقية بين إسرائيل والإمارات. ومن المنطقي أن يتحججون بحاجتهم إلى مثل هذه القدرات المتقدمة لمواجهة التهديد الإيراني. ومع ذلك، فإن إسرائيل قلقة من سباق التسلح في المنطقة، وتولي أهمية خاصة للحفاظ على تفوقها العسكري النوعي، وتعتبره أحد المكونات الرئيسية لضمان الاستقرار في الشرق الأوسط. كما أن إسرائيل لا ترجح استخدام دول الخليج لهذه الأسلحة الأمريكية ضد إيران.
مقاربات خليجية متنوعة تجاه إيران
إن دول الخليج العربية ليست مجموعة متجانسة واحدة فيما يتعلق بسياساتها تجاه إيران. فعلى الرغم من قرار الإمارات بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، إلا أنها تحاول أخذ الحيطة من مخاطر المواجهة مع إيران، وذلك بوضع نفسها بين واشنطن وطهران. وكجزء من هذا الجهد، تتمتع أبو ظبي بعلاقة واقعية مع إيران، ويشترك الطرفان في حوار بشأن الأمن يهدف إلى تخفيف التوترات في الخليج.
كما تنظر السعودية في إمكانية إجراء حوار مماثل مع طهران بسبب بعض الشكوك التي تراودها حول جدية الدعم الأمريكي في أعقاب هجوم سبتمبر/أيلول 2019 على البنية التحتية النفطية الحيوية في المملكة، حيث ألقت الولايات المتحدة باللوم على إيران في هذا الهجوم، إلا أنها تجنبت الرد عسكرياً. ومع ذلك، ومنذ ذلك الحين، يبدو أن الرياض قد تبنت نهجاً أكثر عدوانية تجاه إيران، وهي على استعداد لمواجهتها علناً. كما أن هناك تبايناً في السياسات المستقلة التي تديرها عُمان وقطر والكويت تجاه إيران.
المضي قدماً
لمعالجة مخاوفهم المتبادلة فيما يتعلق بإيران، يجب على إسرائيل ودول الخليج التمييز بين هدفين منفصلين: إنشاء جبهة مشتركة لمواجهة التهديدات الإيرانية، وإيجاد موقف منسق مع الولايات المتحدة تجاه إيران.
تقدم اتفاقيات إبراهام فرصة فريدة لتحقيق الهدف الأول من خلال تعزيز التعاون الإسرائيلي-الخليجي لوضع حد للجهود الإيرانية للتجذر في المنطقة. وكجزء من هذا الجهد، يجب على الأطراف المختلفة تعزيز العلاقات الأمنية والاستخباراتية فيما بينها، وذلك من خلال النظر في السماح لإسرائيل بالوصول إلى نشر قدرات بالقرب من الحدود الإيرانية، وإنشاء بنية مشتركة مضادة للصواريخ، قد تكون برعاية الولايات المتحدة، وتعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى أمور أخرى. تدرك إيران جيداً إمكانيات مثل هذا التعاون ضدها، وتحاول بالفعل تخريبه من خلال توجيه تهديدات ضد الإمارات والبحرين.
أما بالنسبة للهدف الثاني، فيتعين على إسرائيل ودول الخليج مراعاة أن إدارة بايدن قد أعطت الأولوية بالفعل لمواجهة التهديد النووي الإيراني. لذلك عليهم أن يؤسسوا للخطوات التي يتخذونها على اتفاق شامل مع واشنطن يتمحور حول منع إيران من امتلاك السلاح النووي.
فيما يتعلق بالمفاوضات المستقبلية المحتملة بين الولايات المتحدة وإيران وقوى عالمية أخرى حول العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، من المتوقع أن يكون التنسيق بين إسرائيل ودول الخليج تحدياً. وهذا يعزى بشكل خاص لكون إسرائيل ودول الخليج لم يقوموا بعد كما يبدو بتعزيز استراتيجية منظمة للاعتماد عليها مع إدارة بايدن، وبسبب الخطر المحتمل من أن تنظر واشنطن إلى تنسيق الجهود هذا على أنه ضد سياساتها وأنه نوع من التحدي والتدخل في المفاوضات.
ومع ذلك، يمكن لرسالة منسقة مع السعودية والإمارات بشأن إيران، إلى جانب موقف إقليمي مشترك في السياق الإيراني، أن تكون بمثابة وسيلة ضغط قوية ضمن الجهود المبذولة للتأثير على سياسة الإدارة الأمريكية تجاه إيران. وبالتالي، فإن استعدادات إسرائيل ودول الخليج للحوار مع الإدارة الجديدة يجب أن تشمل: التحقق من القواسم المشتركة، التي سيكونون قادرين على عرضها على الإدارة كجزء من حوار هادئ، وبشكل علني كذلك؛ وإقامة قنوات اتصال قوية بين إسرائيل والدول الخليجية للتشاور والتنسيق؛ والتفكير في التغلب على التوترات المتأصلة بينهم، مثل تلك المرتبطة بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل.