قدم مارتن جريفيث، مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن المنتهية ولايته، إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن يوم في 15 يونيو حزيران. كان تقييم جريفيث للصراع ومساره في المستقبل كئيبًا وصارخًا. وكتب في تصريحاته، المعدة سلفًا، “الوقت ليس في صالح اليمن”، “على مدار الصراع، تضاعف عدد الجهات الفاعلة المسلحة والسياسية وتشرذمت. وتنامى التدخل الأجنبي ولم يتضاءل. ما كان ممكنًا لتسوية الصراع قبل سنوات لم يعد ممكنًا اليوم. وما هو ممكن اليوم قد لا يكون ممكنًا في المستقبل”.
إن جريفيث محق في تشاؤمه. فهو ثالث مبعوث خاص للأمم المتحدة يحاول إنهاء الحرب في اليمن ويفشل. لم يقتصر الأمر على فشل جريفيث ومن سبقوه، ولكن على مدار فتراتهم المتتالية، ازداد القتال سوءًا في اليمن، تدريجيًا وبشكل ملحوظ. ما كان في أغلبيته صراعًا ثنائيًا، وكان يتطلب اتفاقًا بين الحوثيين وحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، أصبح الآن حربًا متعددة الأوجه مع ما لا يقل عن أربع مجموعات مسلحة محلية رئيسية، ومجموعة متنوعة من القوى الخارجية، ولا بد من توقيعها جميعًا على أي اتفاق سلام شامل.
تحتاج اليمن لنهج مختلف. ومن دون ذلك، سيحقق المبعوث الخاص القادم النتائج ذاتها التي حققها الثلاثة السابقون، وستستمر الحرب، وسوف تتقسّم البلاد إلى مزيد من المناطق السياسية المستقلة، التي يتزعمها أُمراء الحرب الأقوى.
عندما يستعصي صراع على الحل، كذاك الذي في اليمن، يكون من المغري حله على مراحل. يقوم المفاوضون بالضغط لتحقيق خطوات صغيرة، واتخاذ إجراءات لبناء الثقة، على أمل أن يدفع ذلك الأطراف رويدًا نحو الحل. وهذا ببساطة لن يجدي نفعًا في اليمن.
أوضحت السنوات الست الأخيرة من الحرب أمرين. أولاً، إن الأطراف اليمنية غير قادرة على حل هذا الصراع بمفردها. بل إن الكثير من هذه الأطراف، في الحقيقة، مستفيدون ماليًا من القتال، ويعتقدون أن مصالحهم، بعيدة المدى، تكمن في إطالة أمد الصراع. فالمفاوضات تتطلب تنازلات، أما استمرار القتال فلا يتطلب ذلك.
ثانيًا، الحلول الجزئية والخطوات المؤقتة لن تجدي نفعًا. فقد جريفيث حاول ذلك مرارًا وتكرارًا، وأمضى جزءًا كبيرًا من عامه الأخير يدعو لحملة من أجل “إعلان مشترك” لوقف إطلاق النار على المستوى الوطني، واضعًا الإجراءات الإنسانية كخطوة أولى نحو محادثات السلام. ولم ينجح في ذلك؛ كما لم تنجح اتفاقية ستوكهولم في ديسمبر/كانون الأول 2018، وهي الصفقة الوحيدة التي تمكن من التوسط فيها.
في ستوكهولم، أذعن جريفيث للضغوط الداعية لتحقيق صفقة لإظهار التقدم. لسوء الحظ، تم التعجيل بهذه الصفقة بشكل سيئ، فجاءت معيبة بشكل مأساوي. أحد البنود، المتعلقة بمستقبل مدينة الحديدة، فشل في تحديد المقصود بـ “قوى الأمن المحلية“، ما سمح في نهاية المطاف لمجموعة من المقاتلين الحوثيين بتسليم السيطرة على المدينة لمجموعة حوثية أخرى. ربما تكون صفقة تبادل السجناء في اتفاقية ستوكهولم، كما قالت ندوى الدوسري، حافزًا لاتخاذ أسرى. ولعل الأهم من ذلك كله هو أن اتفاقية ستوكهولم سمحت للحوثيين بإعادة نشر مقاتليهم من الحديدة إلى مأرب، حيث يشاركون في الهجوم الجاري حاليًا.
اليمن بحاجة لدعم دولي وخطة شاملة. إنه بحاجة لصفقة كبرى، تكون قادرة على ربط جميع جوانب الصراع – المحلية والإقليمية – مع بعضها البعض. ومن دون ذلك، فإن اليمن من الممكن أن ينزلق بسهولة نحو سيناريو كارثي، حيث تعقد السعودية صفقة مع الحوثيين، وتبقى الحرب الأهلية المحلية دون حل، ويفتر الاهتمام الدولي مع الانسحاب السعودي، ويستمر القتال على الأرض.
من الطبيعي ألا يكون المضي في عقد هذه الصفقة الكبرى سهلاً. لكنها على الأرجح هي الفرصة الأخيرة للمجتمع الدولي لإعادة بناء اليمن كدولة واحدة. نظرًا لتعقيدات مثل هذه الصفقة، والجهات الفاعلة الدولية المختلفة المنخرطة فيها، فإن المبعوث الخاص للأمم المتحدة القادم سيكون في وضع فريد لقيادة مثل هذا الجهد.
قيادة الولايات المتحدة ومشاركتها أمر ضروري، ولكنه غير كافي لتحقيق النجاح. تتمتع الولايات المتحدة بنفوذ كافٍ لدى كل من السعودية والإمارات – وبالتالي لدى حكومة هادي، بالإضافة للمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يسيطر على مساحات كبيرة من المناطق في جنوب اليمن – للوصول بهذه الأطراف لأي لصفقة سلام عادل. يمكن للولايات المتحدة أيضًا تقديم ضمانات أمنية للسعودية لحماية حدودها الجنوبية في حالة حدوث توغلات أو هجمات صاروخية من قبل الحوثيين في المستقبل. لكن ما لا تستطيع الولايات المتحدة فعله هو إجبار الحوثيين على التفاوض بحسن نية. لذلك، ستحتاج الولايات المتحدة إلى مساعدة إيران وعُمان، وكلاهما تحتفظان بعلاقات جيدة مع الحوثيين.
ينبغي على الولايات المتحدة ربط الحوثيين والحرب في اليمن مع مفاوضات تجديد الاتفاق النووي (خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران)، التي يجري بحثها حاليًا في فيينا. في الوقت الراهن، يرى الحوثيون أن استمرار الصراع في اليمن يصب في مصلحتهم. ستحتاج إيران – وهي واحدة من دولتين فقط تربطهما علاقات دبلوماسية مع الحوثيين – لإقناعهم بخلاف ذلك. سوف يتعين على الولايات المتحدة الاعتماد على السعودية، وسيتعين على إيران الاعتماد على الحوثيين.
سيكون لكل من السعودية والإمارات، اللتين ساهمتا بالفعل بمبالغ طائلة من المساعدات لليمن، دور رئيسي في تمويل إعادة إعمار اليمن. وعلى الرغم من أن تلك الفاتورة من المرجح أن تكون باهظة، إلا أنها تبقى أقل بكثير من التكاليف المتواصلة للصراع المفتوح في اليمن.
وسيكون من الضروري كذلك الحصول على الدعم والتأييد الروسي؛ ليس فقط في الأمم المتحدة، وإنما أيضًا لإقناع طارق صالح – الذي يقود قوات المقاومة الوطنية على ساحل البحر الأحمر- بأن أفضل ما يخدم مصالحه هو أن يكون جزءًا من دولة يمنية موحدة. سافر صالح، ابن شقيق الرئيس السابق علي عبد الله صالح، مؤخرًا لموسكو لإجراء مشاورات هناك. على عكس معظم الدول، لم تسحب روسيا سفارتها من صنعاء في أعقاب استيلاء الحوثيين على السلطة في أواخر عام 2014. بدلاً من ذلك، عززت روسيا علاقاتها مع علي عبد الله صالح، الذي كان آنذاك حليفًا للحوثيين، ولم تغلق سفارتها إلا بعد مقتله في عام 2017. وتتطلع روسيا اليوم لإعادة تكرار علاقتها مع عائلة صالح من خلال طارق.
وعلى نحو مماثل، يمكن للصين، التي تسعى لتوسيع مبادرة الحزام والطريق، وتتطلع إلى ممرات ملاحية هادئة واستقرار إقليمي، أن تلعب دورًا إيجابيًا في تشجيع أطراف النزاع المختلفة على التفاوض تحت رعاية الأمم المتحدة. سيكون الدعم الروسي والصيني ضروريين في مجلس الأمن، حيث ستحتاج الدولتان لدعم برنامج عقوبات متجدد لمواجهة الذين قد يفسدون جهود التفاوض.
عينت الأمم المتحدة ثلاثة مبعوثين خاصين لليمن. وقد ترك كل منهم منصبه دون التوصل لاتفاق، وكما أشار جريفيث، فإن الصراع يزداد تعقيدًا أكثر فأكثر مع مرور الوقت. سيكون المبعوث الخاص القادم هو المحاولة الرابعة من قبل الأمم المتحدة، ومن المرجح أن يكون آخر مبعوث خاص لديه فرصة لإعادة بناء اليمن كدولة واحدة. إن الانشغال بفتات صفقة ما والقيام بمزيد من الجولات المكوكية الدبلوماسية لن يفضي إلا إلى إطالة أمد حرب، هي طويلة في الأصل. لقد حان وقت التغيير في اليمن وحان الوقت للمبعوث الخاص لأن يتولى زمام نهجٍ دوليٍ حقيقي. والبديل عن ذلك سيكون دولة ممزقة ومشرذمة، لا تخضع لسيطرة مجموعة واحدة بشكل كامل. وفي مثل هذا السيناريو، من المرجح أن يزداد الوضع الإنساني سوءًا، وسوف تواجه الممرات المائية وحرية الملاحة تحديات، ويمكن لتنظيم للقاعدة في اليمن، المتعثر حاليًا، أن ينبعث مجددًا، ويشكل مرة أخرى تهديدًا للغرب.