تحالفت القوات السعودية والإماراتية واليمنية مع حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي في يونيو/حزيران 2018 لشن هجومٍ على مدينة الحُدَيْدَة على ساحل البحر الأحمر. كان هدفهم بعد مضي ثلاث سنوات على الحرب في اليمن طرد الحوثيين من المدينة، وتجريدهم من منفذهم الوحيد على البحر الأحمر. غير أن الولايات المتحدة، مدفوعةً من قبل المنظمات الإنسانية التي تحذر من مجاعة واسعة الانتشار، طلبت من التحالف، الذي تقوده السعودية، المضي قدماً ولكن بحذر. في نهاية المطاف، ومع استمرار القتال، دون تغيير يذكر على الخطوط الأمامية، تحول الضوء الأصفر من الولايات المتحدة إلى اللون الأحمر.
توقف الهجوم، وفي ديسمبر/كانون الأول 2018، وقع الحوثيون وحكومة هادي اتفاقية ستوكهولم، التي دعت لتسليم الحُدَيْدة إلى “قوات أمنية محلية” لم يتم تحديدها، لأن الأطراف كانت على عجلةٍ من أمرها لضمان التوصل إلى اتفاق.
الآن، وبعد مضي حوالي ثلاث سنوات تقريباً، انعكست الأدوار. وأصبح الحوثيون هذه المرة في موقع الهجوم، خارجين شرقاً من صنعاء باتجاه مدينة مأرب وحقول النفط المحيطة بها. ومرة أخرى، تتذرع الولايات المتحدة بالمخاوف الإنسانية وتدعو إلى إنهاء الهجوم. ولكن على عكس ما حدث في عام 2018، لم ينصت المهاجمون لذلك. والأسباب واضحة: فالولايات المتحدة لها نفوذ وتأثير على كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة؛ وليس لديها أي نفوذ أو تأثير على الحوثيين.
أهمية مأرب
إذا نجح الحوثيون في الاستيلاء على مأرب، فمن المرجح أن يسفر ذلك عن حدوث ثلاثة أمور في آنٍ واحد. أولاً، سيؤدي ذلك إلى تفاقم الحالة الإنسانية المتردية بالفعل في اليمن، حيث سيضطر آلاف اليمنيين، الفارين من الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون، إلى الفرار مجدداً، ما سيشكل المزيد من الضغط على البنية التحتية المرهقة أصلاً في المحافظات المجاورة مثل شبوة وحضرموت.
ثانياً، سوف يقضي ذلك على إمكانية إعادة تشكيل اليمن كدولة واحدة. فالحوثيون يسيطرون على العاصمة اليمنية صنعاء وجزء كبير من المرتفعات الجبلية الشمالية، حيث يعيش ما يقارب 60% إلى 70% من سكان اليمن. ويواصل الحوثيون سيطرتهم على مدينة الحُدَيْدة الساحلية ويرجع الفضل في ذلك، جزئيا”، إلى النص المبهم في اتفاقية ستوكهولم، الذي سمح لفئة من الحوثيين بتسليم السيطرة على المدينة إلى فئة أخرى من الحوثيين. ولكن ما لم يحصلوا عليه هو إمكانية الوصول إلى احتياطيات اليمن المحدودة من النفط والغاز، التي يتركز معظمها في محافظات مأرب وشبوة وحضرموت. ولكي يحافظوا على بقائهم كدولة مستقلة في الشمال – حيث عين الحوثيون بالفعل سفراء لدى إيران وسوريا – فهم بحاجة إلى الوصول على الأقل إلى جزء من هذه المنطقة، التي يطلق عليها أحد المحللين “مثلث القوة” في اليمن.
ثالثًا، وهو ما يتعلق بمصير هادي، الذي كان من المفترض أن يكون القائم بأعمال الرئيس، وأن يشرف على انتقال اليمن من حكم الرئيس علي عبد الله صالح، الذي دام 33 عاماً، إلى ما يشبه الديمقراطية الوليدة. وقد انتخب هادي في البداية عن طريق الاستفتاء لفترة انتقالية مدتها سنتان. تم تمديد تلك الفترة لسنة واحدة في فبراير/شباط 2014، ولكن قبل أن ينهي هادي فترة ولايته، استولى الحوثيون على صنعاء ووضعوه قيد الإقامة الجبرية وأجبروه على الاستقالة. غير أنه هرب بعد ذلك، وتراجع عن استقالته وطلب من التحالف، الذي تقوده السعودية التدخل عسكرياً ضد الحوثيين. لدى هادي، الذي يقضي معظم وقته في المنفى في الرياض، قاعدة جماهيرية محدودة من الداعمين في اليمن يستعيض عنها بالدعم الدولي القوي، ومن خلال السيطرة العسكرية على مأرب وشبوة وحضرموت. إذا ما خسر حلفاء هادي على أرض مأرب، فسيحرم الرئيس من عائدات الصادرات الرئيسية، التي يحافظ من خلالها على التحالف المتهالك المناهض للحوثيين.
صندوق الأدوات الأمريكي
ما تريده الولايات المتحدة بطبيعة الحال هو منع تفاقم الأزمة الإنسانية والانهيار الكامل للدولة، وعلى المدى القريب على أقل تقدير، منع سقوط هادي. وتحقيقاً لهذه الغاية أبلغت الولايات المتحدة المملكة العربية السعودية أنه يجب إنهاء الحرب في اليمن، وسحبت كل الدعم من التحالف، وقامت بتعيين مبعوث خاص لليمن. كما تراجعت إدارة الرئيس جوزيف بايدن في اللحظة الأخيرة عن قرار اتخذته إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، وهو تصنيف حركة الحوثيين كحركة إرهابية أجنبية الذي تزامن مع – أو قد يقول البعض إنه أكسبهم الجرأة– تجدد هجوم الحوثيين على مأرب.
ولكن أثبتت إدارة بايدن في الشهرين الأولين من ولايتها أن الضغط على طرف واحد فقط في الصراع لن ينهيه، وتحتاج الولايات المتحدة لأن يكون لها نفوذ لدى كلا الطرفين. والسؤال هو كيف يمكن للولايات المتحدة في هذه المرحلة المتأخرة إيجاد نفوذ لها لدى الحوثيين؟
أغلقت الولايات المتحدة سفارتها في صنعاء في مطلع عام 2015، تأييداً لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2216 الذي ألقى اللوم على الحوثيين في الصراع، وفَرَض عقوبات على كبار قادة الحوثيين، وأعرب عن تأييده للتحالف الذي تقوده السعودية. ورغم كل ذلك، يبقى الحوثيون الجهة الفاعلة الوحيدة والأكثر هيمنة في اليمن، وهم الآن أقوى مما كانوا عليه عندما بدأت الحرب قبل ست سنوات.
ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة لا تعوزها الخيارات. فيوجد تحت تصرفها عدد من سياسات العصا والجزرة التي إذا ما تم استخدامها بشكل فعال ستجبر الحوثيين على التفاوض.
ولعل أبرز أساليب العصا هو العقوبات والتهديد بفرضها، إن نظام عقوبات الأمم المتحدة المتبع حالياً في اليمن قد ألحق الضرر بالأفراد الخطأ وعزز من قوة الحوثيين. في أواخر عام 2014 وأوائل عام 2015، فرض مجلس الأمن عقوبات على ثلاث من أبرز شخصيات الحوثيين، بمن فيهم الزعيم الحوثي عبد الملك الحوثي، إضافة إلى صالح وابنه البكر. ولكن من خلال معاقبة كبار قادة الجماعات المعارضة، بدلاً من البدء بمعاقبة الشخصيات المتوسطة وتصعيد الضغط عليهم؛ فإن مجلس الأمن قد حدّ من فاعلية البرنامج. فبمجرد معاقبة صالح وعبد الملك، لم يعد لديهما دافع لتغيير سلوكهما.
كما أدت العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة، والتي تتمثل في تجميد الأصول وحظر السفر، إلى تعطيل التفاوض بين صالح والحوثيين. حيث كان لدى صالح أصول دولية لتجميدها، ولكن لم يكن للحوثيين مثل هذه الأصول. وهذا يعني أنه على الرغم من تطبيق العقوبات بشكل منصف، إلا أن تأثيرها غير متناسب بالنسبة صالح، ما أدى إلى تدهور تنظيمه. وعندما دخل صالح والحوثيون في صراع مباشر في أواخر عام 2017، تمكن الحوثيون من قتل صالح، وتفكيك تنظيمه أو الاستحواذ عليه، والسيطرة من جانب واحد على الشمال.
تستطيع الولايات المتحدة إعادة صياغة العقوبات في اليمن من خلال إعطاء الأولوية للعقوبات أحادية الجانب، التي تركز على القادة العسكريين الحوثيين والجهات الفاعلة اقتصادياً. وهذا من شأنه أن يشكل ضغطاً على أجزاء من حركة الحوثيين، حيث لا يوجد أي من هذه الضغوط حالياً، ومن شأنه أن يقلل أيضًا من التمويل الذي تستخدمه الجماعة لدعم جهودها الحربية.
وهنالك عصًا أخرى من المحتمل أن تستخدمها الولايات المتحدة، وهي ربط تجدد المفاوضات مع إيران حول الاتفاق النووي بدعم طهران للحوثيين. أي انخفاض في الدعم الإيراني للحوثيين من شأنه أن يحد بشكل كبير من قدرة جماعة الحوثيين على إظهار قوتها في اليمن.
ومن ناحية الإغراء، ينبغي على الولايات المتحدة أن تضغط لإصدار قرار جديد لمجلس الأمن. فالإطار الحالي عفا عليه الزمن ولا يأخذ بالاعتبار الحقائق الراهنة على أرض الواقع. كما يمكن للولايات المتحدة أن تضغط من أجل إعادة فتح مطار صنعاء لدوافع إنسانية، وربط رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على عبد الملك بإحراز تقدم سياسي. ورغم أن هذه الخطوة الأخيرة ستكون رمزية إلى حد كبير – فهو لا يسافر خارج البلاد وليس لديه أصول دولية – إلا أنها يمكن أن تكون بادرة حسن نية مع الحوثيين.
إن أياً من هذه الأدوات (السياسات) لن تشكل حلاً سحرياً لإنهاء الحرب في اليمن، ولكن إذا أُخِذت مجتمعة واستُخْدِمت بتنسيق معين، فيمكن أن تساعد الولايات المتحدة على إيجاد نفوذٍ هناك، هي في حاجة ماسة إليه مع الحوثيين. وهي خطوة أولى ضرورية لإنهاء الحرب في اليمن.